3 مسارات دبلوماسية دون أوراق ضغط “قوية”.. ما هي أدوات القاهرة “المتاحة” للتعامل مع أزمة سد النهضة بعد افتتاحه رسمياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/12 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/12 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
ما هي أوراق الضغط التي تملكها القاهرة بعد افتتاح سد النهضة رسمياً؟

ترك الافتتاح الرسمي لسد النهضة الإثيوبي تساؤلات عديدة حول الأدوات التي تمتلكها القاهرة للتعامل مع "أزمة السد" بعد أن أصبح واقعاً.

ورغم الحضور الدبلوماسي الضعيف في حفل الافتتاح، إلا أن أديس أبابا استطاعت أن تمنح مشروعية له، تعمل القاهرة على نزعها عبر تحركات عديدة، وسط توقعات بأن يعيد السد صياغة العلاقة بين دول حوض النيل مع احتمالات تكرار "التجربة الإثيوبية" بإنشاء سدود جديدة دون توافق مع باقي الدول، كما أن أديس أبابا تجد أنها أمام فرصة الآن لتفعيل "اتفاقية عنتيبي" وإعادة توزيع المياه بين الدول المتشاطئة على نهر النيل.

تكثيف الضغط في جهود التفاوض

قال مصدر دبلوماسي مصري مطلع على هذا الملف، إن أدوات التعامل الخشن مع إثيوبيا ليس محلها الآن، لكن يبقى هناك أوضاع ستكون بحاجة لحلول حاسمة معها.

فمثلاً تسبب سد النهضة في فيضانات كبيرة في السودان قبل أربع سنوات نتيجة عدم التنسيق بشأن آلية الملئ وتسبب في كارثة إنسانية كبيرة للبلد المجاورة لإثيوبيا، وهو أمر من الوارد أن يتكرر بأشكال مختلفة أثناء تشغيله في حال استمرت أديس أبابا في تعنتها دون التوصل لاتفاق ملزم يضمن التشاور مع دولتي المصب لضمان تدفق المياه في أوقات الجفاف وكذلك الحفاظ على حقوقهم المائية سنوياً.

وأوضح المصدر ذاته أن أديس أبابا هي من سوف تحدد طريقة وآلية التعامل، وفي حال كان هناك تمادي في معاداة دول جوارها مثل الوضع مع كينيا والصومال وإريتريا فإنه في تلك الحالة سيكون الصدام وارداً، سواء كانت مصر حاضرة ضمن هذا الصدام من عدمه، لكن في النهاية سيؤدي ذلك لاضطراب الأوضاع في دول حوض النيل ومنطقة القرن الأفريقي.

وأضاف: "مصر ترفض الصدام مع إثيوبيا ولديها رغبة في التعاون التنموي على أسس متوافق عليها، لكن عدم وصول المياه إلى مصر يشكل مسألة حياة أو موت، ولا يتماشى معها مسألة التحركات الدبلوماسية فقط".

وذكر أن مصر لن تستسلم لمسألة بيع المياه أو إعادة توزيعها مثلما تخطط إثيوبيا، بخاصة وأن افتتاح السد من المتوقع أن يعقبه إجراءات أخرى تتعلق باتفاقية "عنتيبي"، إذ أن إثيوبيا ترغب في تبديل الأساس القانوني للصراع المائي، إذ ترى بأنها فرضت واقعاً جديداً بشأن سد النهضة، ومع إقناع دولة جنوب السودان بالتوقيع على الاتفاقية، بخاصة وأنها تقوم الآن بتخرين 74 مليار متر مكعب من المياه خلف السد في حين أنها لديها أمطار سنوية تعادل أضعاف هذه الكمية وكان من الممكن الاكتفاء بتخزين 14 مليار متر مكعب فقط.

وكشف عن أن مصر تحاول الآن بكافة السبل الممكنة تكثيف الضغط الدبلوماسي على إثيوبيا واستغلال دعوة مفوضية الاتحاد الأفريقي خلال الافتتاح بالانخراط مجدداً في جهود التفاوض، وهناك توافق مع السودان بهذا الشأن، وإن كانت الحرب الأهلية المشتعلة تقوض من قدرة الخرطوم على الحركة الدبلوماسية إلى جانب القاهرة.

وافتتحت إثيوبيا، الثلاثاء، سد النهضة الكبير رسمياً، في احتفال كبير حضره رئيس الوزراء أبي أحمد وعدد من القادة الأفارقة، معلنةً الانتقال من سنوات البناء والملء الأحادي إلى مرحلة التشغيل الموسّع لمشروعها الكهرومائي الأكبر في القارّة (قدرة تصميمية تقارب 5150 ميغاواط)، وذلك وسط اعتراض مصري ـ سوداني متجدد على تشغيل السد من دون اتفاق قانوني شامل وملزم لقواعد الملء والتشغيل، وما يترتب على ذلك من مخاطر على أمنهما المائي.

وسجّل الحفل حضور رئيسَي جيبوتي إسماعيل عمر جيله والصومال حسن شيخ محمود، إلى جانب رئيسي كينيا وليام روتو، وجنوب السودان سلفاكير ميارديت، وغيرهما، في إشارة رمزية مهمّة لاصطفافات القرن الأفريقي.

ورداً على الإعلان، وجّه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الكوري الجنوبي، هوانغ جون ـ كوك، إثر التطورات الأخيرة في حوض النيل الأزرق، وتم توزيع الخطاب على أعضاء المجلس ونشره كوثيقة من وثائق الأمم المتحدة.

مسارات ثلاثة ستتبعها القاهرة

وقال مصدر دبلوماسي مصري آخر مطلع على الملف، إن القاهرة سوف تتحرك على نحو أكبر بشكل قانوني ودبلوماسي لأن سد النهضة تحكمه مجموعة من المواثيق الدولية ذات الصلة، وما حدث إلى الآن أنها تخالف القانون الدولي المنظم لعلاقة الدول المطلة على المنظم للأنهار الدولية، إذ قامت بتشييد سد النهضة دون التوافق مع باقي الدول المطلة عليه، وكذلك فإنها خالفت أيضاً اتفاق المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015، مع فرضها أيضا الأمر الواقع على دولتي المصب، و تغاضت عن كون النيل الأزرق هو نهر دولي ذات سيادة مشتركة.

وأشار إلى أن إثيوبيا وفقاً لاتفاق المبادئ الذي انتهكته يجب أن تبتعد عن أي إجراءات تؤدي إلى "الخطر الجسيم" بدولتي المصب بمعنى أن يتسبب السد في حالة ندرة مياه و"عطش" لدولتي المصب وهذا لم يتحقق بعد كون أن مياه الأمطار كانت غزيرة خلال السنوات الماضية، لكن ما حدث بالفعل أنها "أضرت" بدولتي المصب لأن السد ضاعف الأعباء على الدولة المصرية لتوفير بدائل لنقص المياه المترتب على الملء وينص اتفاق المبادئ على أن تساهم إثيوبيا في تعويض دولتي المصب بأوجه مختلفة بينها تخصيص كمية من الكهرباء دون مقابل.

تمثل أزمة سد النهضة أكبر التحديات الخارجية أمام مصر/رويترز

واعتبر أن تنظيم إثيوبيا افتتاح لسد جرى ملئه بشكل غير قانوني وبما يهدد وجود دول الجوار ما كان يجب أن يتم قبل التوقيع على اتفاق قانوني ملزم، لكنها فرضت أمراً واقعاً تتعامل معه مصر عبر عدة خطوات أبرزها الضغط على إثيوبيا من خلال دول الجوار الإفريقي وكذلك الدول التي لديها مصالح مشتركة معها لإعادة تقييم موقفها والتوجه نحو التوقيع على اتفاق بحسن النوايا بين الثلاث دول (مصر والسودان وإثيوبيا).

وأشار إلى أن المسار الثاني يتمثل في البحث عن وساطة جديدة أو الاستعانة بالوساطة القديمة التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال فترة رئاسته الأولى، لكن شريطة أن لا يكون ذلك في مقابل سياسي يمكن أن تدفعه القاهرة في القضية الفلسطينية مثلاً، وأن تكون العودة للوساطة الأميركية القديمة وفقاً لأطر المباحثات التي جرت في حضور البنك الدولي قبل خمس سنوات تقريباً، مع استدعاء الاتفاق الثلاثي الذي كان من المفترض التوقيع عليه من جانب الدول الثلاثة قبل أن تتراجع إثيوبيا.

ولفت إلى أن المسار الثالث يتعلق بالذهاب إلى الأمم المتحدة، إذ يعد الخطاب الذي أرسلته مصر خطوة أولى نحو تحريك القضية في أروقة مجلس الأمن، مشيراً إلى أن هذا المسار يواجه تحديات عديدة لأن هناك دول ضمن الدول دائمة العضوية شاركت في تمويل السد ولديها مصالح مشتركة مع أديس أبابا ولن يكون مريحاً لها خسارة مصالحها هناك وفي مقدمتها الصين، وبالتالي فإن هذا الخيار لا يتم التعويل عليه بشكل كبير، وإن كانت القاهرة مازالت تجري مشاورات مع الدول الدائمة العضوية بشأن التوافق على اتخاذ مواقف من شأنها إرغام إثيوبيا على اتفاق قانوني ملزم.

الأساليب سلمية لحين استنفاذها

ولفت إلى أن هناك اتجاه آخر يمكن أن يظهر خلال الأيام المقبلة يتمثل في دفع إثيوبيا لتقديم ما يثبت معدلات أمان السد وتقديم كافة الدراسات الجيولوجية التي تضمن وتؤكد على سلامته، وذلك من خلال لجنة وساطة على أن يلعب هذا الدور الاتحاد الأفريقي.

وفي المقابل فإنه يمكن الذهاب باتجاه إعلام دولتي المصب بآليات التشغيل، وهو أيضاً خيار يمكن أن يحقق نتائج إيجابية شريطة أن تتوقف إثيوبيا عن تعنتها، على حد تعبير المصدر، مشيراً إلى أن القاهرة سوف تتبع جميع الأساليب السلمية لحين استنفاذها لكي تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته.

وقالت الخارجية المصرية في خطابها لمجلس الأمن "أن مصر دأبت على المطالبة الدائمة بمنح كل المساعد للتوصل إلى اتفاق عادل وملزم وشامل، وأن البديل هو أن تظل إثيوبيا تمضي في إجراءات أحادية مخالفة للقانون والأعراف الدولية، ولا تعبأ عن أي تبعات قد تترتب على ذلك من تأثير على النظام القانوني الحاكم لحوض النيل الشرقي طبقاً للقانون الدولي، فضلاً عما تمثله التصرفات الإثيوبية الأخيرة من خرق صريح لمبدأ حسن النية، ولما تفرضه قواعد القانون الدولي. 

معلومات عن تشييد إثيوبيا سدوداً جديدة لـ"حماية" سد النهضة

واختتمت مصر خطابها بالتأكيد على أن مصر متمسكة بكامل أحكام القانون الدولي في نهر النيل، ولن تسمح للتصرفات الإثيوبية الهادفة إلى الإضرار بالمصالح المائية المصرية بالاستمرار. كما احتفظت بحقها في اتخاذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن مصالحها الوجودية وشعبها.

وأطلق مشروع "سد النهضة الإثيوبي الكبير" في نيسان أبريل 2011 بميزانية بلغت 4 مليارات دولار، ويبلغ عرضه نحو كيلومترين وارتفاعه 170 متراً فيما تصل سعته إلى 74 مليار متر مكعّب من المياه، بحسب شركة "ويبيلد" الإيطالية التي قامت بتشييده.

ويقدَّر أن تبلغ الطاقة الإنتاجية للسدّ 5150 ميغاوات، أي ضعف ما ينتج البلد راهناً، ومع ذلك فإن هذه الطاقة أقل بكثير من أكبر سدين في العالم، سد الممرات الثلاثة (22.5 غيغاواط) وسد بايهيتان (16 غيغاواط)، الواقعين في الصين.

توقيت الافتتاح ابتزاز غير مباشر

وأشار دبلوماسي مصري شارك من قبل في المفاوضات مع إثيوبيا، إلى أن حصة مصر من المياه لم تتضرر لكن ستبقى هناك أزمة متصاعدة بأوجه مختلفة في حال ذهبت إثيوبيا إلى تفعيل "اتفاق عنتيبي" لتعيد تعريف مبادئ تقاسم المياه وفقاً لما تسميه هي "الاستخدام المنصف" وعدم الاعتراف بالحقوق التاريخية لمصر والسودان.

كما أن الحصة يمكن أن تتأثر في حال قامت إثيوبيا ببناء سدود جديدة تقوم الآن بإعداد دراسات لها بل أنها لديها خطة لدعم وتمويل إقامة سدود أخرى في دول مطلة على النيل الأزرق، في مقدمتها تمويل سد في دولة جنوب السودان وآخر في أوغندا.

ولفت المصدر ذاته إلى أن الأقرب لمستقبل التحركات المصرية بشأن سد النهضة هو استمرار حالة الشد والجذب مع إثيوبيا حتى تطرأ مستجدات يمكن أن تشكل خطراً يستحق التدخل الخشن، لكن بوجه عام فإنه ليس من المتوقع أن تتجه إثيوبيا للتوقيع على اتفاق يلزمها بالتعاون مع دولتي المصب لتشغيل السد، كما أنها ستحاول تحقيق أقصى استفادة كهربائية منه على أن تقوم ببيع الكهرباء وليس مستبعداً أن تبيع المياه أيضًا.

وشدد المصدر ذاته على أن بناء سد النهضة واختيار توقيت افتتاحه بشكل رسمي رغم عدم دخوله الخدمة بشكل كامل وإحجام إثيوبيا عن تركيب التوربينات التي تستخدم في توليد الكهرباء بشكل كامل بالتزامن مع تصاعد أحاديث التهجير بيرهن على أنه أداة ابتزاز غير مباشرة، وهو ما تعي له جهات رسمية ترفض أن تنشغل القاهرة بصراعات جانبية، وتعمل على إبعاد أي مواقف يمكن أن تعزز "نظرية المؤامرة" وتهدف لأن تتعاون مع إثيوبيا لتحقيق التنمية شريطة أن لا يؤدي ذلك لموت المصريين عطشاً.

وبلغت تكلفة إنشاء سد النهضة الإثيوبي خمسة مليارات دولار، وهو يواجه انتقادات شديدة من مصر باعتباره تهديداً وجودياً لها. وتعتمد مصر على نهر النيل للحصول على نحو 97% من احتياجاتها من المياه العذبة. وتقدر موارد مصر المائية بحوالى 56.6 مليار متر مكعب سنوياً، فيما تبلغ احتياجاتها حوالي 114 مليار متر مكعب سنوياً.

تحميل المزيد