أزمة الرواتب والضراب المحتجزة.. الأزمة المالية تهدد أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/11 الساعة 07:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/11 الساعة 07:18 بتوقيت غرينتش
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس/رويترز

قبل ساعات فقط، أعلنت وزارة المالية الفلسطينية في الضفة الغربية عن منح موظفيها في القطاع العام رواتب بنسبة يبلغ حدّها الأقصى 50% بعد انقطاع دام قرابة ثلاثة أشهر، حيث استلموا آخر راتب لهم في أواخر يونيو، في ظل أزمة مالية تعصف بها، نظرا للعديد من لعوامل: الذاتية والموضوعية، الإسرائيلية والخارجية، وكلها أودت بها لمخاوف سياسية وأمنية أن تؤدي هذه الأزمة في حال بقائها، بل وتفاقهما، الى انهيار سياسي وأمني لها.

تفتح الأزمة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية الباب واسعاً أمام البدائل الإسرائيلية الخاصة بالضفة الغربية، بالضمّ تارة، وتطبيق مخطط الإمارات الفلسطينية تارة أخرى، وصولا للتهجير تارة ثالثة، لاسيما مع تزايد التقارير التي تحدثت عن أعداد فلسطينية تغادر الضفة الى الخارج خشية من السيناريوهات السيئة المتوقعة. 

أزمة اقتصادية غير مسبوقة

يتداول الفلسطينيون في الأيام والأسابيع الأخيرة في الضفة الغربية تسريبات صدرت من داخل أوساط السلطة الفلسطينية مفادها أن أزمتها المالية التي بدأت منذ قرابة عامين، بالتزامن مع اندلاع حرب الإبادة على غزة، في أكتوبر 2023، لم تصل الى ذروتها بعد، وأن الأسوأ ما زال قادما في الطريق، وهو ما كشفه تسجيل صوتي انتشر كالنار في الهشيم أوائل سبتمبر على منصات التواصل الاجتماعي، احتوى على محادثة بين اثنين من الفلسطينيين يتحدثان أن إسرائيل اتخذت قرارا حاسما بحل السلطة.

يقول أحدهما في التسجيل المرفق، ويبدو أنه مسئول في السلطة، إنه وخلال اجتماع مع الوزير، الذي لم يحدد هويته، تم إبلاغهم من قبل رئيس الوزراء محمد مصطفى، بأن وزير المالية الإسرائيلي بيتسلئيل سموتريتش قرر قطع العلاقات الاقتصادية مع السلطة، وهدد بنوكها بالإغلاق إن أقدمت على إقراضها، مما سيؤدي لانقطاع رواتب موظفيها، وقد طلبت إسرائيل منها إخلاء مقراتها في مناطق "سي" بالضفة، وأن الحكومة طلبت من الوزراء إبلاغ المعلمين والموظفين العموميين بأن العمل في الفترة المقبلة هو "لله والوطن"، أي تطوعي ودون مقابل راتب شهري، علما أن موظفي السلطة لم يتقاضوا رواتبهم منذ يونيو.

مسئول بوزارة المالية، أخفى هويته، كشف لـ"عربي بوست"، أن "الأزمة الاقتصادية للسلطة تتواصل منذ ثلاثة أشهر متتالية، حيث تحتجز إسرائيل جميع أموال الضرائب التي تجمعها لها، مما يُفاقم الحصار الاقتصادي المفروض عليها، ومنذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023، وسعت إسرائيل نطاق عمليات الخصم غير القانونية من الأموال، لكنها المرة الأولى التي يتم فيها حجب جميع الإيرادات لمدة ثلاثة أشهر متتالية دون تحويلها لخزينة السلطة، وهي تشكل 65٪ من عائداتها، وارتفع حجمها من 1.7 مليار دولار في 2013 إلى 3.2 مليار دولار في 2023، لكن إسرائيل حوّلت هذه الأموال أداة سياسية لفرض الضغط الاقتصادي على السلطة، والنتيجة نشوء أزمة مالية حادة، تزامنت مع تباطؤ اقتصادي واسع النطاق، وانخفاض كبير في المساعدات من الدول المانحة". 

وكشف أن "استمرار تأخير الأموال قد يؤدي إلى شلل النظام العام، والإضرار بالنظام الصحي، الذي يعاني نقصا حادا في الأدوية، وتفاقم وضع نظامي التعليم والرعاية الاجتماعية، وقد تضطر السلطة لتعليق أنشطة المكاتب الحكومية، أو تقليص ساعات العمل بشكل حاد، فيما يقود الرئيس محمود عباس تحركات دبلوماسية مع الولايات المتحدة وفرنسا، للضغط على إسرائيل لتحويل الأموال، وتتخذ السلطة إجراءات طارئة داخلية: ترتيبات مع شركتي الكهرباء والمياه، وتبسيط الإجراءات الحكومية، وخفض النفقات، وتخفيض تكاليف الإحالات الطبية، وتدرس وزارة المالية إمكانية إصدار سندات حكومية لتوفير مصادر تمويل إضافية". 

وقد لجأت السلطة للتمويل الداخلي المفرط من خلال القروض من البنوك، مما وضع القطاع المصرفي تحت ضغط شديد، وبعد أن هددتها إسرائيل بفرض عقوبات عليها في حال ساعدت السلطة، فقد ترددت في الأيام الأخيرة تسريبات مفادها أن الأخيرة تتجه نحو خيارات داخلية لتأمين رواتب الموظفين، حيث طلب رئيس حكومتها محمد مصطفى من أصحاب محطات المحروقات منح الحكومة قرضا ماليا يحول مباشرة لخزينتها، مقابل التزامها بسداد الفوائد، وتتراوح قيمة القرض بين 1-3 مليار شيكل، مما قد يفتح الباب أمام ضغوط مشابهة على قطاعات أخرى.

أحمد عبد الوهاب، أحد أصحاب هذه المحطات، أبلغ "عربي بوست" أننا "عبرنا عن قلقنا من تبعات إقراض الحكومة، لأن تحميلنا عبء القروض في ظل أزمة السيولة وركود السوق يمثل مخاطرة كبيرة، وقد يؤدي لأزمة وقود حقيقية، تشمل توقف حركة النقل، وارتفاع الأسعار، وانتعاش السوق السوداء في الوقود المُهرّب".

أزمة قديمة

"عربي بوست" حصل على محضر آخر اجتماع طارئ للجنة الوزارية الاقتصادية الدائمة للحكومة الفلسطينية برام الله، الذي استعرض أهم التحديات المالية، وهي:

  1. الانكماش الاقتصادي وتراجع النمو نتيجة حرب غزة، والإجراءات الإسرائيلية في الضفة السنوات الماضية.
  2. أزمة النقد الناتجة عن رفض إسرائيل استلام مليارات الشواقل المتكدسة في المصارف الفلسطينية، وما ترتب عليها من تأثيرات عميقة تهدد الحركة الاقتصادية، والقطاع المالي برِمّته.
  3. استمرار احتجاز 10 مليارات شيقل من أموال المقاصة، والتوقف عن تحويل أي مبالغ للشهر الرابع.
  4. منع العمال الفلسطينيين من العمل داخل الخط الأخضر منذ بداية الحرب على غزة، ووصول البطالة لمستويات غير مسبوقة، وبلغت أكثر من 30% في الضفة، مما يشكل تحديًا للاقتصاد الوطني.
  5. استمرار التهرب الضريبي والجمركي، بسبب عدم سيطرة السلطة على المعابر والحركة، مما يحرمها من جباية إيرادات تقدر بمئات ملايين الشواقل.
  6. عبء الدين العام المتراكم منذ سنوات، والتزام الحكومة بدفع مبالغ كبيرة لسداده، متجاوزا الدخل الشهري.
  7. استمرار الاعتماد على إسرائيل فيما يخص السلع والخدمات، كالكهرباء والبترول وغيرها، واستخدامها هذه الاحتياجات كسلاح ضدنا، كما هو جاري اليوم.

تتحدث الأرقام التي حصل عليها "عربي بوست" من وزارة المالية الفلسطينية، أن أكثر من 135 ألفا من موظفي السلطة، مدنيين وعسكريين، يعانون منذ عامين من صرف رواتب مجتزأة بنسبة 50-80%، مما اضطر معظمهم للتوجه للبنوك لسد احتياجاتهم المعيشية، حيث اقترض نحو 100 ألف منهم يتم اقتطاع أقساطها من رواتب غير مكتملة، مما راكم ديونًا تجاوزت 1.8 مليار دولار، وهذا التدهور ليس معزولًا عن مديونية الحكومة نفسها، التي اقترضت من البنوك قرابة 9 مليارات شيكل لتغطية عجزها، وهي في المقابل مدينة للموظفين بما يتجاوز 8 مليارات شيكل كرواتب غير مدفوعة منذ 2021، ما يجعل القطاع المصرفي نفسه في مرمى الخطر.

تقدر فاتورة الأجور الشهرية للسلطة بمليار شيكل، 298 مليون دولار، وتصرف لنحو 245 ألف مستفيد، بينهم 144 ألف موظف مدني وعسكري على رأس عملهم، إضافة لمتقاعدين ومستفيدين من مخصصات اجتماعية.

آثار الأزمة

نشر البنك الدولي تقريرًا حول الإنفاق العام للسلطة وأولوياتها في ظل الأزمة الاقتصادية الوشيكة، ووصف وضعها الاقتصادي بـ"الكارثي"، ودقّ ناقوس الخطر، وربما الأخير، بشأن هذه الأزمة المالية العامة، والانهيار الهيكلي الذي يلوح في الأفق، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، في ضوء ارتفاع معدل الدين العام، بما فيه الالتزامات الحكومية المختلفة ليصل إلى 85.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي مستويات تشير لخطر الدخول في أزمة ديون مؤلمة. 

عيناف حلبي مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت للشئون الفلسطينية، أكد أن الفلسطينيين يخشون أن تُهدد الأزمة الاقتصادية التي تُصيب السلطة استقرارها، حتى أنها قررت تأجيل بدء العام الدراسي للمرة الأولى منذ تأسيسها، وقد بدأ بعد مرور أسبوع كامل من سبتمبر، بسبب أزمتها المالية الحادة التي تعاني منها، وصعوبة دفع رواتب المعلمين، وإقرار وزارة التعليم بعجزها عن تمويل طباعة الكتب والمعدات اللازمة للمدارس، مع العلم أن قرار السلطة بتأجيل بدء العام الدراسي الجديد ليس مجرد خطوة إدارية عادية، بل دلالة عميقة على الأزمات المعقدة والمتراكمة التي تعاني منها، لأنه يرتبط ارتباطًا مباشرًا بأزمة اقتصادية خانقة، ناجمة عن عجزها عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفي القطاع العام، وفي مقدمتهم المعلمين، مما يُعرّض مستقبل الأجيال للخطر.

علي النادي، أحد مسئولي نقابات المعلمين في الضفة الغربية، قال لـ"عربي بوست" أن "آثار الأزمة المالية للسلطة باتت تطال حياة المعلمين الشخصية، فالعديد منهم لا يملكون المال للمواصلات العامة للوصول للمدرسة، لم نصل لمثل هذا الوضع في حياتنا من قبل، لكنه أمرٌ مؤسفٌ لا يوصف، مجتمعٌ كاملٌ من المعلمين يواجه انهيارًا اقتصاديًا، وهناك مخاوف انهيار النظام التعليمي بأكمله، الذي سيؤدي لضياع جيل كامل، وتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها السلطة، لأنه عندما لا يوجد تعليم، لا يوجد مستقبل". 

في الوقت ذاته، لا تزال إسرائيل ترفض دخول أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني للعمل فيها، فيما شهدت أسواق الضفة الغربية ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، خاصة في قطاع الأغذية، حيث ترتفع الأسعار أسبوعيًا، مما يدفع شريحة كبيرة من الفلسطينيين لتبنّي سياسات تقشف طوعية، ولا تشتري سوى المنتجات الغذائية التي تضمن لها الحد الأدنى من القوت، رغم عدم وجود نقص في السلع في السوق، وبينما لا تقدم السلطة أي خطة للتعامل مع الوضع الاقتصادي المتدهور، فيمكن ملاحظة جشع عدد من كبار التجار خلال الأزمة الحالية، بالتعاون مع جهات رسمية في السلطة، لاحتكار قطاع الأغذية.

نوريتي يوحنان مراسلة هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني الرسمي- كان، ذكرت أن مدخولات العمال الفلسطينيين في إسرائيل يشكّل 20% من الناتج الإجمالي الفلسطيني، ويساهمون بأكثر من 4 مليارات دولار في الاقتصاد المحلي، فيما يبلغ إجمالي الميزانية السنوية للسلطة 6 مليارات دولار، فيما يبلغ أجر العامل الفلسطيني في إسرائيل 300 شيكل يوميًا، قرابة مائة دولار، وأكثر من ضعف متوسط ​​أجر العمال في الضفة، الذي يبلغ 115 شيكلًا يوميًا، فيما يوجد في السلطة 32 ألف موظف في أجهزة الأمن، وفي حال استمرت أزمتها المالية فإنها ستُقلّل من حماستهم للعمل، مما يُؤدي بدوره لتراجع ملاحقة نشطاء حماس، رغم أنهم يُحبطون حالياً العديد من الهجمات المُوجّهة ضد المستوطنين والجنود يوميًا، وعلى أعلى مستوى.

منهج حكومي

ناتي طوكر مراسل صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، أكد أن وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش لا يخفي اضطلاعه بدور كبير في الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية وصولا الى انهيارها، من خلال وقف تحويل أموال المقاصة، وتهديده للمصارف الفلسطينية بعدم إقراض السلطة لتسيير أمورها المالية، وإلا فإنه سيفرض عليها عقوبات تهدد بإغلاقها، وكل ذلك مدعوما بتوجه لا يخفيه رئيس الحكومة ذاته بنيامين نتنياهو.

مع أن الحكومة الإسرائيلية تعلن سياسة معلنة، وعن سابق إصرار وتعمّد، باستهداف الاقتصاد الفلسطيني بهدف انهياره، بزعم أنها خطوة ضرورية في خطتها المعلنة للضمّ والتهجير، مع أن النتيجة قد تكون فتح جبهةٍ قتالية جديدةٍ في الضفة، لأنه عندما تندلع الفوضى الأمنية فيها، فسيبدو السابع من أكتوبر في غزة أشبه بنزهة، لأن هناك كميةٌ هائلةٌ من الأسلحة، وحياة الفلسطينيين والمستوطنين متشابكة. وهو ما أكده إيتان أفريل في صحيفة ذي ماركر.

إيتمار آيخنر محرر الشئون السياسية بصحيفة يديعوت أحرونوت، أكد أن سموتريتش في استهدافه المالي للسلطة ليس وحيدا، وقراراته ليست فردية، فرفيقه إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، دعا صراحة لانهيار السلطة، لا دعمها ومساعدتها، وفي اجتماعات مجلس الوزراء الأخيرة، طالب عدد منهم بتفكيكها، ودفعها للانهيار الاقتصادي. 

قلق إسرائيلي

يوني بن مناحيم الرئيس السابق للإذاعة الاسرائيلية، والضابط الأسبق في القسم الفلسطيني بجهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، فقدّر أن السلطة ستُجبر على إجراء تخفيضات جذرية لتجنب الانهيار المالي العميق، الآخذة في التفاقم بسبب التخفيضات الإسرائيلية بأموال الضرائب المُحوّلة إليها شهرياً، بجانب المساعدات المالية التي تتلقاها من الولايات المتحدة وأوروبا، لكن السلطة الآن، على وشك الانهيار المالي، حيث تحتاج لدفع رواتب 150 ألف موظف، وقد تضطر لتخفيض رواتب عشرات الآلاف منهم، بمن فيهم أفراد الأمن، مما دفع مسؤولي الأمن الإسرائيليين للقلق من أن هذا قد يضر بالحفاظ على الوضع الأمني في الضفة، وتوقع بزيادة المقاومة من جهودها لتجنيد أفراد الأمن الفلسطينيين في صفوفها، حتى يتمكنوا من تنفيذ هجمات مسلحة.

مع العلم أن الأزمة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية انعكس على ضعفها الميداني، لكن تقديرات المؤسسة الأمنية الاسرائيلية، تؤكد أنها لا زالت تعمل على منع اندلاع العمليات المسلحة في الضفة الغربية، وتسعى جاهدة لإثبات أنها رصيد لإسرائيل، وليست عبئًا عليها، وهو ما ذكره أمير بوحبوط المراسل العسكري لموقع ويللا.

جود تيرجين مراسل صحيفة معاريف، كشف أن من تبعات الأزمة المالية الفلسطينية وصولها إلى قواتها الأمنية، عقب تجميد عالمي للمساعدات الخارجية من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في وقت حساس للغاية بالنسبة لها، وباتت تعاني من نقص مزمن في التمويل، ولا تحظى بشعبية لدى الفلسطينيين، وقد بدأت عواقب تجميد التمويل تظهر على الأرض، وآخرها إجراء تخفيضات في بعض التدريبات الأمنية، مما سيزيد ضعف السلطة الضعيفة أصلًا.

وحذرت أوساط إسرائيلية من أن تفاقم الأزمة المالية للسلطة يعني أن أحدا ما سيملأ الفراغ، وفي هذه الحالة سنشهد مزيدا من ضخ الأموال للضفة عبر الدفع بالعملات المشفرة، ومنذ بداية الحرب على غزة، تم مصادرة عشرات ملايين الشواكل على الأقل كانت مُعدّة للعمليات المسلحة، مما دفع المؤسسة الأمنية الاسرائيلية للتقدير بأن الضفة على وشك اندلاع انتفاضة جديدة، ستؤججها الأزمة الاقتصادية في السلطة، بدأت بذورها تلوح في الأفق، حيث ينفّذ الجيش وجهاز الشاباك عملياتٍ واسعة النطاق في مدن ومخيمات اللاجئين خلال الأسابيع الأخيرة، ويزعم إحباط عشرات الهجمات أسبوعيًا، وفقاً لما كشفه يوفال ساديه الكاتب في مجلة كالكاليست الاقتصادية.

مخاوف فلسطينية

أوساط اقتصادية كشفت أن هذه التطورات السلبية، مع حالة عدم اليقين بشأن القرارات المالية للسلطة قد تدفع الكثير من صغار ومتوسطي المستثمرين للتفكير بالانسحاب من السوق الفلسطيني، أو تحويل أعمالهم للخارج، وهناك كثيرون بدأوا فعليا بفتح حسابات واستثمارات في تركيا، الإمارات، الأردن، مصر، ودول أخرى.

الأكاديمي الفلسطيني في الضفة الغربية عدنان ملحم، كشف في مقال نشره موقع "الاقتصادي" عن مغادرة يومية من الضفة الغربية لشباب وعائلات هاجروا منها، أو يستعدون للمغادرة، وكأن الأمر أصبح جزءًا من المشهد اليومي، لا أرقام رسمية توثّق الحدث، ولا دراسات تكشف الحقيقة، ولا خطط فلسطينية توقف هذا النزيف البشري، فيما يواصل الفلسطينيون حزم حقائبهم، وتبحث جوازات سفرهم عما وصفها "طائرات ملونة"، لأن إسرائيل التي لا تطردهم  بالقوة فقط، بل تبدع في صناعة حياة خانقة تدفعهم لترك وطنهم بأنفسهم، وبمحض إرادتهم، من خلال حصار سياسي واقتصادي ومجتمعي، واغتيال لحاضرهم ومستقبلهم، وآمالهم وأحلامهم، قضم واستيطان متواصل للأرض، وحواجز وسجون وجدران من اليأس والألم والإحباط والوجع.

يتسحاق غال الباحث في مركز ديان للدراسات الاستراتيجية، وخبير العلاقات التجارية بين إسرائيل وجيرانها العرب، رسم صورة معتمة للوضع المالي للسلطة الفلسطينية في ضوء المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، لأنها كشفت عن حجم التدهور الجاري لديها، وتأثيرها الشديد المترتب على دخل مواطنيها، ومستوى معيشتهم، وكل ذلك يزيد المخاطر على استقرارها المالي، وقدرتها على العمل، واستقرار النظام المصرفي، مما يُظهر في النهاية مشهدا مقلقا.

سيناريو انهيار السلطة 

جاكي خوري محرر الشئون الفلسطينية بصحيفة هآرتس، نقل تحذيرات عن مسئولين في السلطة من انهيار اقتصادي وشيك، في ضوء التحديات الخطيرة وغير المسبوقة الناجمة عنه، خاصة تهديد قدرة مؤسساتها على توفير الخدمات الأساسية في الضفة، ودفع رواتب موظفي القطاع العام، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

فيما حذرت ورقة بحثية نشرها معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، من عواقب انهيار السلطة على إسرائيل بسبب أزمتها المالية، رغم طرحه كاحتمال واقعي في ظل ترسيخ الحكومة للوقائع في الضفة، وتحديدًا توسيع الاستيطان، والتمهيد لإعلان الضم، رغم أن انهيارها سيعيد العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية للوراء أكثر من 30 عاماً، وسيضع إسرائيل في وضع سياسي ودولي صعب، وسيُبعِد الدول العربية المعتدلة عن محاولة تعزيز التطبيع معها، فضلا عن إنهاء منظومة التنسيق الأمني، وفي غياب سلطة رادعة، فقد تندلع انتفاضة شعبية في الضفة.

يوحنان تسوريف مستشار عدد من رؤساء الحكومات الاسرائيلية للشئون الفلسطينية، الذي أعدّ الورقة، أكد أن هناك شكوكا في قدرة إسرائيل على إيجاد قيادة بديلة للسلطة، مما سيجبرها على تحمّل مسؤولية إدارة حياة ملايين الفلسطينيين، ولذلك فإن انهيار السلطة أو عجزها الوظيفي سيطرح أسئلة صعبة، منها: ما مصير أجهزتها الأمنية، وكيف يمكن تفكيكها، وهل يمكن جمع أسلحة 45 ألف من أعضائها، وأين أماكنها؟ 

نصر عبد الكريم، الخبير الاقتصادي، أكد لـ"عربي بوست" أن "الأزمة المالية التي تمر بها السلطة ليست وليدة اللحظة، وقد تستمر حتى نهاية 2025، في ضوء الاعتماد الكبير على المساعدات الدولية لتغطية العجز الحكومي، وعدم ضبط الانفاق العام، وافتقار الاقتصاد على توليد إيرادات ضريبية توازي قيمة قدر العجز الحاصل، بالتزامن مع تراجع الدعم الدولي، وارتفاع الدين العام، وعدم ترشيد في النفقات، وتبنّى سياسات إنفاق متهورة، من أجل دعم مباشر وغير مباشر لتوسيع إيرادات المقاصة، فيما حصل ازدهار في الاستيراد، مما رفع فاتورة المقاصة، وكلها سياسات أدت للحدّ من قدرة السلطة على الصمود".

تحميل المزيد