إضراب الأساتذة في تونس يهدد مصير مليوني تلميذ و600 ألف خارج المدرسة.. نقابيون: هذه السنة الأصعب والحكومة ترفض الحوار

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/01 الساعة 17:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/02 الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش
يعيش الاتحاد العام التونسي للشغل أزمة غير مسبوقة مع الرئيس قيس سعيّد (الرئاسة التونسية على فيسبوك)

تستعد تونس لعودة مدرسية مضطربة يوم 25 سبتمبر/أيلول 2025، وسط مخاوف من شلل العملية التعليمية بعد إعلان أكبر نقابة للتعليم الأساسي الدخول في إضراب عام يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، احتجاجاً على انسداد باب التفاوض مع وزارة التربية.

وتشمل المطالب، وفق ما أكده مسؤولون نقابيون تحدثوا مع "عربي بوست" في تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للمدرسين، وتقليص الاكتظاظ في الأقسام، ومعالجة تردي البنية التحتية.

وهذا العام اتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل التعليمين الأساسي والثانوي معاً، حيث شارك أكثر من ألف معلم وأستاذ في وقفة مشتركة أمام مقر الوزارة يوم 28 أغسطس/آب، رافعين شعارات تطالب بإصلاحات عاجلة.

وتؤكد مصادر نقابية أنّ هذه العودة تختلف عن سابقاتها بسبب حدة التوتر غير المسبوقة بين نقابات التعليم، المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل، والحكومة.

الأمين العام المساعد للاتحاد، حفيظ حفيظ، أكد في تصريحات صحفية أنّ "باب التفاوض مع الحكومة منعدم منذ آخر اتفاق وُقّع قبل 4 سنوات مع حكومة نجلاء بودن"، مشيراً إلى أنّ السلطة الحالية تسعى إلى تهميش دور الاتحاد وإلغاء أي وساطة بينه وبين الأساتذة.

ويأتي ذلك في وقتٍ يقدر فيه عدد التلاميذ في المرحلتين الابتدائية والثانوية بأكثر من مليوني تلميذ موزعين على أكثر من 6 آلاف مؤسسة تعليمية، فيما يبلغ عدد المدرسين نحو 155 ألف مدرس، ما يجعل أي اضطراب في سير السنة الدراسية ذا انعكاسات مباشرة على شريحة واسعة من المجتمع.

تفاوض ومطالب

يكشف الكاتب العام لجامعة التعليم، محمد الصافي، في حديثه لـ"عربي بوست"، أنّ "الوزارة أغلقت جميع قنوات التفاوض مع نقابتي التعليم الأساسي والثانوي، في وقتٍ لم يتبق فيه سوى أيام قليلة على العودة المدرسية التي تنتظرها العائلات والتلاميذ".

ويضيف: "مطالبنا واضحة وأبرزها حقنا النقابي المشروع، الذي يجب على وزارة التربية أن تعترف به وتضمنه، وأن لا تنفرد باتخاذ القرارات المصيرية لوحدها. العودة المدرسية هذه السنة ستكون صعبة للغاية إذا تواصل هذا التعنّت".

ويعدد الصافي أسباب التوتر، وفي مقدمتها الاكتظاظ المفرط داخل الأقسام، حيث تجاوز عدد التلاميذ في بعض الفصول 40 تلميذاً، في حين يمنع القانون تجاوز 30 تلميذاً فقط، بالإضافة إلى تهالك البنية التحتية للمؤسسات التربوية، وغياب الموارد المالية اللازمة لإحداث إصلاحات عاجلة.

وأشار المتحدث إلى توقف عملية انتداب أساتذة جدد، وهو ما تسبب في ارتفاع ساعات التدريس لتبلغ في بعض الحالات 25 ساعة أسبوعياً، في حين أن الطاقة القصوى المسموح بها دولياً ومحلياً تتراوح بين 15 و18 ساعة، بالإضافة إلى تحسين الأجور، وإشراكها في القرارات المتعلقة بحركة نقل المديرين والمدرسين، بدل تفرد الوزارة بإدارتها دون تشاور.

من جهته قال الكاتب العام للتعليم الأساسي محمد عبيد في حديث مع "عربي بوست" إن "العودة المدرسية في تونس هذه السنة ستكون فاشلة وصعبة جداً، وذلك بسبب عدم جاهزية المدارس لاستقبال أكثر من مليون تلميذ.

في نفس السياق، كشف المتحدث أن الأرقام المتوفرة تؤكد أن 100 ألف تلميذ يغادرون مقاعد الدراسة في سن مبكرة وهو رقم وصف بالمفزع، ويعكس الوضع الذي بات عليه التعليم والنفور الحاصل عند التلاميذ في ظل تفشي ظاهرة المخدرات والجريمة بشكل لافت.

في المقابل، تؤكد وزارة التربية، عبر سلسلة مقاطع فيديو نشرتها على صفحتها الرسمية في الأيام الأخيرة، أنها تبذل جهوداً ملموسة لتأمين العودة المدرسية، مشيرة إلى إنجازات تشمل بناء 17 مؤسسة جديدة وتهيئة 336 فضاء إضافياً، فضلاً عن نشر الحركة الخاصة بالنقل للمديرين والمعلمين، والتأكيد على توفر الكتب والكراسات المدرسية لجميع التلاميذ.

أزمة الاتحاد مع السلطة

تحركات نقابات التعليم في تونس ومن قبلها الجامعة العامة للنقل البري، وإضرابها عن العمل لمدة 3 أيام، والاحتجاج أمام المقر المركزي للاتحاد من قبل أنصار الرئيس ومطالبتهم بمحاسبة القيادات النقابية وحل الاتحاد.

كذلك التحرك الأخير الأحد المنقضي، أمام ثان أكبر مركز نقابي بمحافظة صفاقس جنوبا، كلها مؤشرات تعكس حجم التوتر المتصاعد بين الاتحاد التونسي للشغل كأكبر قوة نقابية بالبلاد تدافع على آلاف المنخرطين من العمال وبين السلطة الحالية برئاسة قيس سعيد.

من جهته أقر الأمين العام المساعد بالاتحاد التونسي للشغل حفيظ حفيظ في حديثه مع "عربي بوست" بحجم الأزمة بين الاتحاد والسلطة منذ  قرارات 25 يوليو/ تموز 2021، وانعدمت اللقاءات والمفاوضات بين الطرفين خاصة بعد رفض الرئيس لأكثر من مبادرة حوارية طرحها الاتحاد في علاقة بالأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.

وحسب المتحدث فإن الاتحاد يُحول المسؤولية للسلطة على إثر الاعتداءات التي طالت مقره المركزي بالعاصمة وكذلك بصفاقس، وهذا ما يؤكد حجم الخلاف والفتور في العلاقة بين السلطة والاتحاد الذي كان أبرز الداعمين لسعيد وقراراته الاستثنائية والتي اعتبرتها المعارضة "انقلابا".

وفي التحرك الأخير الحاشد للاتحاد والذي حضره الآلاف من العمال دفاعاً عن المنظمة النقابية شدد الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي في كلمة له من مقر النقابة على أن البلاد "تمر بمرحلة دقيقة، وأن الوضع بات قاب قوسين من الانفجار".

وتاريخياً، يُعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل أحد أبرز الفاعلين في الملف التربوي، إذ لم تقتصر أدواره على الدفاع عن الحقوق المادية للمدرسين فحسب، بل تجاوزتها إلى التأثير في السياسات العمومية للقطاع، فمنذ سبعينيات القرن الماضي، لعبت نقابات التعليم دوراً محورياً في الضغط من أجل تحسين الأجور، تخفيف ساعات التدريس، وتطوير البرامج.

سيناريوهات العام الدراسي

وفي ظل غياب حلول واضحة بين الحكومة والنقابات، كشف مصدر نقابي من داخل الاتحاد التونسي للشغل، أن السيناريوهات المحتملة يمكن تلخيصها في ثلاثة نقاط:

  • انفراج في اللحظة الأخيرة

قد تضطر وزارة التربية إلى تقديم تنازلات محدودة، مثل صرف جزء من المستحقات المالية أو الإعلان عن انتدابات جزئية للتخفيف من الاكتظاظ. هذا الخيار من شأنه تهدئة الأجواء بشكل مؤقت، لكنه لن يحلّ جذور الأزمة، بل سيؤجلها إلى جولات تفاوضية لاحقة.

  • التصعيد والإضراب المفتوح

في حال واصلت الحكومة تجاهل المطالب النقابية أو رفضت أي تنازل، فإن إضراب 7 أكتوبر/تشرين الأول سيبقى قائماً، مع إمكانية تمديده أو مرفقته بخطوات تصعيدية مثل مقاطعة الامتحانات، هذا السيناريو سيؤدي إلى شلل فعلي للعملية التعليمية، وسيدفع آلاف الأسر نحو التعليم الخاص كحل بديل مكلف.

  • حلول وسطية برعاية الاتحاد

يبقى الاحتمال الأقرب هو تدخل الاتحاد العام التونسي للشغل لفرض تسوية مرحلية، تضمن تحقيق جزء من المطالب مثل تحسين الأجور أو إصلاح بعض البنية التحتية، مقابل تعليق الإضراب، وهذا السيناريو يسمح بإنقاذ السنة الدراسية لكنه يترك الأزمة البنيوية للقطاع قائمة دون معالجة شاملة.

تحميل المزيد