أخذ الموقف المصري في التحول التدريجي من رفض مشاركة أي قوات عربية داخل قطاع غزة بينها قوات مصرية، قبل أن يعلن وزير الخارجية السفير بدر عبدالعاطي قبل أسبوع موافقة القاهرة على مشاركة قوات دولية وبعدها أعلن أخيراً في مؤتمر صحفي عقده مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى من أمام معبر رفح على قبول مصر بالمشاركة مع قوات دولية قد يتم نشرها في قطاع غزة.
هذه التصريحات المتعاقبة طرحت تساؤلات عديدة حول أبعاد هذا التحول في الموقف في وقت طرحت فيه القاهرة بالتنسيق مع قطر خطة لصفقة جزئية تشمل وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يوماً.
خطة ممنهجة لتنفيذ حلم إسرائيل الكبرى
وقال مصدر دبلوماسي مطلع على الملف في وزارة الخارجية المصرية، إن الموقف المصري يتغير على حسب التطورات الميدانية وطبيعة جولات التفاوض بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أن تغير الموقف يهدف بالأساس إلى تفويت الفرصة على إسرائيل لاحتلال كامل قطاع غزة.
وأوضح أنه حينما كان الموقف المصري معارض لنشر أي قوات عربية أو دولية في القطاع قبل عام تقريباً، كان ذلك في صالح القضية الفلسطينية – على حد تعبيره – إذ كان الجهد يتركز على التوجه نحو حل الدولتين، والآن هناك متغيرات اقتضت التشاور مع أطراف عربية أخرى للتعامل مع مساعي إسرائيل التوسعية والتي تبدأ باحتلال قطاع غزة.
وذكر أن مصر تهدف للوصول إلى حلول وسط تقضي بعدم تمكين إسرائيل من احتلال كافة الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة، وفي الوقت ذاته تمكين السلطة الفلسطينية من السلطة، وهو ما يُعني إبعاد حركة حماس من الحكم وخروجها من المشهد، لافتا إلى أن الاحتلال لا يريد وجود حماس في السلطة ويرفض كذلك تسليم إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية لأن ذلك لا يخدم مخططاته الساعية لقطع أوصال القضية الفلسطينية والقضاء على أي محاولات من شأنها إحراز تقدم على مستوى خطط حل الدولتين.
وأشار المصدر ذاته إلى أن قطاع غزة يقف أمام مفترق طرق، فإما تنفيذ المقترح المصري بشأن تطبيق هدنة إنسانية لمدة 60 يوما يتم خلال اليوم الأول فيها تقسيم أدوار مركبة تضمن الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار مع نهاية المدة أو توجه إسرائيل نحو تنفيذ خطتها لاحتلال قطاع غزة بالكامل.
وأضاف أن تسليم قطاع غزة لقوة عربية يمكن أن يعطل مسار إسرائيل نحو الاحتلال، لكنه أيضاً يعرقل مساعي حل الدولتين وهو مأزق تسعى مصر والدول العربية الخروج منه وفقاً لما ستؤول إليه مواقف إسرائيل من الورقة المصرية القطرية لافتاً إلى أن الرد الإسرائيلي على الورقة لم يأت بعد.
ولفت إلى أن الواقع يشير لوجود تحركات حقيقية من جانب إسرائيل لاحتلال القطاع بشكل كامل – وهي تحتله بالفعل – لكنها تبحث عن فرض السيطرة الأمنية والعسكرية ضمن خطة ممنهجة لتنفيذ حلم إسرائيل الكبرى، وهو أمر "ستواجهه مصر بكل حسم وحزم ولن تسمح بأن يكون ذلك على حساب أمنها القومي أو على حساب القضية الفلسطينية"، على حد قوله.
وفي مارس (آذار) 2024 نقلت وسائل إعلام أميركية عن وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، يوآف غالانت، اقتراحاً بنشر قوات عربية في قطاع غزة لمدة محدودة، وهو ما لاقى رفضاً مصرياً في ذلك الوقت، بحسب تصريحات مصادر مسؤولة تحدثت لوسائل إعلام إقليمية في ذلك الوقت.
تثبيت الفلسطينيين على أراضيهم
خلال مؤتمر صحفي مع وزير خارجية كوت ديفوار، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي قبل أسبوع تقريباً أن مصر: "لا تمانع نشر قوات دولية لتمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من بسط سيادتها على الأراضي الفلسطينية"، مشيراً إلى أن الجهود تستهدف منع الحكومة الإسرائيلية من تنفيذ أي قرارات غير مسؤولة بتوسيع العمليات العسكرية ونطاق الاحتلال والسيطرة على القطاع.
وأضاف: "نجري اتصالات مكثفة مع الشركاء والأطراف المعنية للتحذير من مغبة التصريحات الإسرائيلية غير المسؤولة بشأن احتلال غزة، وندفع في اتجاه استئناف عملية التفاوض".
قبل أن تعرب مصر الإثنين 18 أغسطس/آب 2025 عن استعدادها للمشاركة في قوة دولية مشتركة قد يتم نشرها في غزة، وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى عند الجانب المصري من معبر رفح، "نحن متأهبون للمساهمة في أي قوة دولية مشتركة يتم نشرها في غزة وفقا لمعايير محددة".
وأوضح أن تلك المعايير تشمل "أولاً، قراراً من مجلس الأمن بمهمة واضحة، وأن يأتي ذلك، بطبيعة الحال، في إطار أفق سياسي"، مضيفاً "بلا أفق سياسي سيكون من غير المنطقي نشر أي قوات هناك".

من جانبه قال مصطفى إن "لجنة إدارة قطاع غزة التي سنعلن عنها قريباً حال انتهاء العدوان هي لجنة مؤقتة ومرجعيتها الحكومة الفلسطينية" مؤكداً أنها لن تكون "كياناً سياسياً جديداً.. بل نعيد تفعيل مؤسسات دولة فلسطين وحكومتها بغزة".
وبحسب مصدر عسكري مصري مطلع على هذا الملف، فإن تغير الموقف المصري يرتبط بالرغبة في تثبيت الفلسطينيين على أراضيهم وعدم التماهي مع رغبة إسرائيل في دفعهم نحو التهجير بعد أن شهدت الأسابيع الماضية تحركات عديدة مع دول إفريقية وآسيوية تهدف للتخطيط نحو نقل الفلسطينيين إليها، وهو أمر سوف تتصدى له القاهرة وترفضه، وتعمل على تقديم بدائل سبق وأن قدمتها إسرائيل ذاتها في محاولة لوأد مخططات التهجير بخاصة وأن احتلال القطاع والسيطرة الأمنية عليه بشكل كامل تعني بشكل مباشر تنفيذ تهجير أهالي القطاع سواء لمصر أو أي دول أخرى.
وأضاف المصدر ذاته على أن تواجد القوات العربية يضمن انسحاب إسرائيل للنقاط المتفق عليها في الورقة الأخيرة التي وافقت عليها حركة حماس، كما يضمن تنظيم عملية دخول المساعدات الإنسانية للقطاع وضمان توزيعها على مستحقيها، مشيراً إلى أن تواجد القوات العربية يُعني انتهاء الحرب وضمان عدم العودة إليها مرة أخرى، وكشف عن أن الأيام المقبلة تشهد ضغوطاً مصرية مكثفة على دوائر غربية لدفع إسرائيل والولايات المتحدة للقبول بتلك الورقة.
وأشار إلى أن التواجد العربي في قطاع غزة سيكون مؤقتاً لحين انتهاء دور لجنة الإسناد المزمع تشكيلها وتسليم مقاليد إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية، على أن يتضمن تدريب عناصر الأمن الداخلي وتجهيز الهيئات المحلية للقيام بدورها وهو ما كان مثار نقاش مع الفصائل الفلسطينية التي حضرت أخيراً إلى القاهرة ووافقت على الخطة المصرية، وأن الهدف يتمثل في وضع أسس إعادة إعمار القطاع وتسريع تلك العملية وهي جهود تبدو واقعية على الأرض بعيداً عن الضغوطات الدبلوماسية التي لم تحقق اختراقاً يذكر على مستوى وقف الحرب الجارية.
شروط تواجد القوات في قطاع غزة
ولفت إلى أن القوات العربية لن تكون بمفردها وسيكون معها قوات أوروبية، غير أنه لم يجري بعد النقاش حول أدوارها، وهو من المتوقع أن يكون مثار تفاوض أيضاً مع الاحتلال الإسرائيلي، بخاصة وأنه من المتوقع أن تطالب إسرائيل تلك القوات بسحب سلاح حماس، وهو أمر ترفضه مصر وترى أنه يمكن دمج الأجهزة الأمنية وما تبقى من القوى العسكرية داخل أجهزة الدولة الفلسطينية المحلية داخل قطاع غزة.
كما أن تواجد القوات المصرية ضمن قوات عربية وأوروبية – بحسب المصدر – لا يعني فرض الوصاية المصرية على غزة كما كان مقترحا في السابق، وقد لا يكون مقبولا مشاركة قوات أميركية اعترضت عليها الفصائل الفلسطينية باعتبارها شريكة في الحرب.
وذكر أن مصر وضعت شروطاً لتواجد عناصرها في قطاع غزة وتمثلت في انسحاب إسرائيل للنقاط المتفق عليها والسماح بدخول المساعدات بالإضافة إلى تدريب القوات الفلسطينية على إجراءات حفظ الأمن تمهيداً لتولي دورها في القطاع ضمن إدارة مدنية تمثل السلطة الفلسطينية، كما أن ذلك من المفترض أن يأتي بموافقة دولية تضمن الوقف الشامل لإطلاق النار وهو أمر لم يتم التباحث بشأنه مع الطرف الأميركي والإسرائيلي.
ووفقاً لمصادر مصرية، فإن المقترح يتضمن مسار للوصول إلى اتفاق شامل لإنهاء الحرب، ويشمل إعادة تمركز القوات الإسرائيلية لإتاحة المجال لدخول المساعدات بالشكل الذي يلبي احتياجات قطاع غزة.
كما تضمن المقترح وقف مؤقت للعمليات العسكرية لمدة ستين يوماً. وينص أيضاً على البدء من اليوم الأول في مناقشة الموضوعات المتعلقة بالصفقة الشاملة أو الوقف الدائم لإطلاق النار، وإعادة انتشار القوات الإسرائيلية لمناطق محاذية للحدود، وذلك لتسهيل حركة دخول المساعدات، ويشمل إطلاق سراح عشرة محتجزين أحياء ونصف الجثامين البالغ عددهم 36، بواقع 18 جثماناً.
وشهد اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين مع رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، تأكيد على الرفض التام من الجانبين لإعادة الاحتلال العسكري لقطاع غزة، أو أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، معتبرين ذلك تجاوزاً خطيراً للقانون الدولي والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
الضغط الدبلوماسي لم يحقق مردوداً إيجابياً
بحسب مصدر مسؤول في الحكومة المصرية، فإن التعامل المصري مع الخطط الإسرائيلية الهادفة لتهجير الفلسطينيين مازال يعتمد على الأدوات الدبلوماسية فيما تبقى الوسائل العسكرية مستبعدة في الوقت الحالي في ظل الدعم غير المحدود الذي تحظى به إسرائيل من الغرب والولايات المتحدة الأميركية، كما أن الرهان على المعسكر الأخر والذي يتمثل في روسيا والصين لن يأتي بمردود إيجابي بخاصة وأن الدولتين لديهما مشكلات أكبر تتعلق بالحرب الأوكرانية والتطورات في تايوان والحرب التجارية على الصين، وهو ما يجعل هناك تفكير في تضييق مسارات المراوغة أمام إسرائيل والتي بينها مسألة نشر قوات عربية أوروبية بينها قوات مصرية.
ولفت المصدر ذاته، إلى أنه لن يكون مستبعداً في المستقبل القريب التوجه المصري نحو تعزيز التحالفات العربية في وجه اتخاذ مواقف دبلوماسية جماعية في وجه إسرائيل إذا ما أصرت على رؤيتها الساعية لاحتلال كامل القطاع وتنفيذ مخطط التهجير، وقد يصل الأمر إلى تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها، مشيراً إلى أن التردد العربي في استخدام الوسائل التي يملكها قد ينتهي حينما يكون الخطر داهما ويطال الجميع بخاصة مع الإعلان عن الخرائط التوسعية الإسرائيلية، وستكون هذه المواقف اضطرارية وليست ترفاً.
واعترف بأن مساعي الضغط الدبلوماسي على إسرائيل لم تحقق مردودها الإيجابي حتى الآن لما تحظى به الأخيرة من دعم قوي من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهي دول تسيطر على الجهات والمؤسسات الدولية التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وجرى بناؤها على مقاس هذه الدولة، ومن المعروف أن الدول الغربية يمكن أن تدافع عن إسرائيل أكثر من دفاعها عن بلدانها.
ولفت إلى أن تبنى مقترحات نشر قوات دولية يهدف إلى تدويل قضية غزة وهو أمر سبق وأن سجل إخفاقات عديدة في لبنان وسوريا وغيرها من الدول إذ كان حضور القوات الدولية في صالح الاحتلال كما أنه حل غير قابل للاستدامة لكنه يبقى ضروري في الوقت الحالي لعرقلة خطط إسرائيل.
وأضاف أن مصر لن تقبل بأن تكون مشاركتها في قوات دولية تبقى ذراعا تعمل لصالح إسرائيل خاصة أنها قد توافق على نشرها مقابل أن تقوم بدور في نزع سلاح حماس وضمان عدم إطلاق أي صواريخ عليها، وفي حال لم تكن تلك الأدوار ضمن آليات عمل القوة المشتركة فإن إسرائيل أيضا لن تقبل بها وبات لديها أطماع توسعية أكبر خارج حدود غزة وهي تدرك بأن الغرب لم يعد بالقوة التي كان عليها من قبل وتهدف لتأمين سيطرتها على مناطق شاسعة بالمنطقة تضمن قوتها دون الحاجة لتلك الدول.
وكانت حماس رحبت في السابق بتشكيل لجنة مؤقتة "تشرف على جهود الإغاثة وإعادة الإعمار والحوكمة"، من دون أن توضح إن كانت على استعداد للتخلي عن حكم القطاع الذي تديره منذ 2007.
وبدأت بعض العائلات الفلسطينية الإثنين (18 أغسطس/آب 2025) مغادرة المناطق الشرقية من مدينة غزة، التي تتعرض لقصف إسرائيلي متواصل، إلى نقاط في الغرب خشية وقوع هجوم إسرائيلي قريب، فيما يفكر آخرون في التوجه إلى الجنوب.
وقد يؤدي التوغل الإسرائيلي بالمركبات المدرعة في مدينة غزة إلى نزوح مئات الآلاف من السكان، ونزح كثير منهم بالفعل مرات عديدة في وقت سابق من الحرب.
وأثارت خطة إسرائيل للسيطرة على مدينة غزة قلقاً عالمياً، وكذلك في إسرائيل التي شهدت خروج عشرات الآلاف في مظاهرات هي الأكبر منذ بدء الحرب للمطالبة بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال وتحرير الرهائن الخمسين المتبقين الذين يحتجزهم مسلحون فلسطينيون في قطاع غزة.