أمريكا تضغط لنزع سلاح حزب الله و”تقترح إشراك إيران”… تفاصيل “خطة مقايضة” عرضتها واشنطن على الحكومة اللبنانية

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/20 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/22 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش
الوفد الأمريكي في لقاء مع الرئيس اللبناني/ رويترز

كشفت مصادر دبلوماسية لـ"عربي بوست" كواليس زيارة المبعوث الأميركي إلى لبنان وسوريا توماس باراك ونائبة المبعوث الرئاسي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس إلى لبنان، والتي جاءت بعد ساعات من مغادرة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، في مشهد يعكس التطورات الداخلية التي تشهدها بيروت.

هذه الحركة الدبلوماسية الكثيفة، التي اعتادت عليها لبنان منذ عقود، تُقرأ على أنها مؤشر على دخول البلاد مرحلة جديدة شديدة الحساسية، تتقاطع فيها رسائل الضغط الأميركية التي نقلها كل من توماس باراك ومورغان أورتاغوس، مع حسابات إيران، فيما تحاول بيروت تثبيت إيقاع داخلي يمنع انتقال التوتر من الحدود إلى الداخل.

ومن خلال هذا التقرير سنعرض تفاصيل الخطة الأميركية أو الورقة التي عرضها الدبلوماسيان الأميركيان على بيروت، والتي يُمكن وصفها بـ"صفقة مقايضة" يقدم فيها كل من لبنان وإسرائيل تنازلات من أجل تجنب أي تصعيد محتمل مستقبلاً، كما سنتطرق إلى مخاوف حزب الله والدور الإيراني الممكن في هذه العملية.

الهدف الرئيس من الزيارة الأميركية إلى لبنان

حملت زيارة باراك وأورتاغوس مسارين منفصلين: الأول دعم سياسي معنوي للحكومة وأركان الدولة اللبنانية بعد إقرار الورقة الأميركية المعنية بحصر السلاح بيد الدولة، وإبلاغ الدولة اللبنانية بمجموعة من المطالب التي تتعلق بما بعد قرار الحكومة على الصعيد التنفيذي والعملياتي.

مصادر دبلوماسية غربية أوضحت لـ"عربي بوست" أن الوفد الأميركي أبلغ المسؤولين اللبنانيين أن أورتاغوس ستتولى متابعة الشق التنفيذي من تنفيذ القرار والورقة الأميركية، فيما سينشط باراك ضمن سياسة "الدبلوماسية المكوكية" لضمان التزام الأطراف كافة.

وتشير المصادر إلى أن باراك وأورتاغوس تحدثا بشكل مباشر للمسؤولين اللبنانيين عن أن واشنطن تريد البناء على اللحظة السياسية الراهنة لفرض مسار عملي يفضي إلى سحب سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية واللبنانية الأخرى، ضمن جدول زمني واضح.

لكن سيتخلل ذلك إمكانية مسار سحب سلاح حزب الله اللبناني وفق التطورات اللازمة، مع الإصرار على أن يقابل كل تقدم لبناني خطوة إسرائيلية مقابلة، مع تعزيز قدرات الجيش اللبناني في الخطة أيضاً باعتباره الذراع التنفيذية الوحيدة للقرار.

عناصر من قوة الرضوان التابعة لحزب الله/قناة المنار
عناصر من قوة الرضوان التابعة لحزب الله/قناة المنار

خطوة مقابل خطوة، وإشراك إيران

وفق المصادر الدبلوماسية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن المبعوث الأميركي توماس باراك خرج من لقاءاته في بيروت بقدر من الارتياح، مؤكداً أن الحكومة اللبنانية "تسير في المسار الصحيح"، وربط بين الالتزام بالورقة وبين إمكانات التحسن الاقتصادي وعودة الاستثمارات الخارجية.

واعتبر أن لبنان قد بدأ بالخطوة الأولى عبر القرار الحكومي وتكليف الجيش إعداد آلية التنفيذ، وأن هذه الخطوة ستدفع واشنطن للعب دور أوسع في الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات واضحة.

فيما تؤكد مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ"عربي بوست" أن بري أكد لباراك وأورتاغوس أن "المكون الشيعي" يريد الانضواء في مشروع حصر السلاح بيد الدولة، لكن عبر حوار داخلي على استراتيجية "دفاع وأمن قومي" تعزز قدرات لبنان على الدفاع عن نفسه من أي عدوان محتمل ومن أي جهة كانت.

ووفق المعلومات التي توصل بها "عربي بوست"، فإن بري شدد على ضرورة إجبار إسرائيل على اتخاذ إجراءات جدية تزامناً مع مسار حصر السلاح، والضغط على نتنياهو وحكومته لوقف العمليات العسكرية والبدء بانسحابات من نقاط محددة، بينما يتقدم لبنان في مناطق جنوب نهر الليطاني.

فيما أكد باراك أنه التقى وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر وناقشا خطط انسحاب إسرائيلية من بعض النقاط جنوب لبنان.

بالمقابل ووفق المصدر ذاته، فإن المفاجأة تكمن فيما قاله باراك أمام بري حول ضرورة إشراك إيران باعتبارها "جاراً" لا يمكن تجاوز دوره، وأن إدراج إيران بهذه الصيغ التفاهمية ليس تفصيلاً، بل هو تغير لافت لتصميم مسار مشروط متبادل يوزع الأثمان والمكاسب على اللاعبين الإقليميين جميعاً، ويحوّل خطوط الاشتباك إلى خطوط تفاوض على ترتيبات أمنية–اقتصادية متدرجة، والأهم أن واشنطن باتت متنبهة لخطورة الضغط على المكون الشيعي في لبنان ومآلات ذلك على الاستقرار الإقليمي.

الجيش اللبناني واختبار القدرة وحدود المهمة

كما أكد مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"عربي بوست" أن باراك أبلغ الحكومة اللبنانية أنه يعتزم زيارة إسرائيل في الساعات المقبلة لانتزاع جواب واضح حول الالتزام بالمراحل المقابلة، على أن يعود إلى بيروت مطلع شهر سبتمبر/أيلول المقبل لبحث عملي للخطة التي يُفترض أن يقدمها الجيش اللبناني إلى الحكومة.

ووفق المصدر، فإن باراك وخلال لقائه رئيس الحكومة نواف سلام تركز النقاش حول التفاصيل العملياتية، وتحديداً عن الوسائل اللوجستية التي سيبدأ بها الجيش تنفيذ القرار.

فيما سمع من سلام مطالب واضحة تتعلق بضرورة دعم الجيش مادياً ولوجستياً لتنفيذ الخطة المقترحة، ودعم خطة تطويع أكثر من 4000 عسكري جديد في المؤسسة العسكرية، فشدد باراك على أنه يناقش مع مسؤولين أوروبيين وخليجيين الدعوة إلى مؤتمر دعم مالي وعسكري للجيش مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول، بهدف توسيع قدراته وضمان نجاح الخطة.

أما في ملف قوات الطوارئ الدولية، فقد أكد سلام أن لبنان حريص على استمرار عمل "اليونيفيل"، باعتبارها الجهة المساعدة الأساسية للجيش في تنفيذ المهام والرصد وتفكيك المنشآت.

لكن المسؤولين اللبنانيين شعروا من لهجة باراك وأورتاغوس أن إدارة ترامب باتت أكثر ميلاً لإنهاء مهام "القوة الدولية" خلال أشهر قليلة، والاستعاضة عنها بتعزيز مهام اللجنة الدائمة الخماسية لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُقر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

وفي إطار متصل، يؤكد المصدر الحكومي اللبناني أن المسؤولة الأميركية مورغان أورتاغوس أكدت أنها ستؤمن الخطوة الأولى من الجانب الإسرائيلي عبر ضمان إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين المتبقين لدى إسرائيل، بما يشكل رسالة التزام إسرائيلية يمكن البناء عليها في بقية الخطة والورقة.

مراقبون عسكريون من الأمم المتحدة في لبنان على طول الخط الأزرق- أرشيفية - shutterstock
مراقبون عسكريون من الأمم المتحدة في لبنان على طول الخط الأزرق- أرشيفية – shutterstock

تفاصيل "خطة المقايضة" الأميركية

بحسب المصدر الحكومي اللبناني، فإن أورتاغوس وباراك سعيا إلى تسويق خطة مقايضة أميركية تضمن التزام كلا الطرفين بمضمون الورقة الأميركية ومندرجاتها السياسية والأمنية. والفكرة المطروحة تقوم على مراحل صغيرة مزدوجة، يجري تطبيقها بالتزامن ويُلمس أثرها سريعاً:

  • المرحلة الأولى: يفكك الجيش اللبناني، بمشاركة "اليونيفيل" واللجنة الدائمة الخماسية، عدداً من القواعد التابعة للحزب في مناطق محددة جنوب نهر الليطاني، فيما توقف إسرائيل عملياتها العسكرية وطلعاتها الجوية لفترة تجريبية.
  • المرحلة الثانية: يسجل لبنان تقدماً ملموساً في سحب السلاح غير الشرعي في مناطق شمال الليطاني، بما يشمل المخيمات الفلسطينية في الجنوب، وتباشر إسرائيل انسحاباً جزئياً من بعض النقاط التي ما تزال تحتلها.
  • المرحلة الثالثة: يدخل لبنان في تنفيذ الجدول الزمني لتسليم السلاح بالكامل وإنهاء المظاهر المسلحة في مناطق لبنان كافة، ولا سيما في البقاع وضواحي العاصمة بيروت، مقابل انتقال إسرائيل إلى مفاوضات جدية حول ترتيبات أمنية نهائية تُقفل ملف الحدود عملياً، تمهيداً لمفاوضات ترسيم حدود برية مع إسرائيل وسوريا.

حزب الله: صمت وترقب

لم يعلق حزب الله على الزيارة الأميركية حتى الآن، لكن أوساطه تتحدث عن أن الحزب يضع كل الاحتمالات المطروحة على طاولة النقاش الداخلية، معتبراً أن "اللهجة التفاؤلية الأميركية" قد توحي بعكس ما يُعلن عنه. فالأميركيون، قبيل الحرب الأخيرة على لبنان، أطلقوا مواقف إيجابية وتحدثوا عن توافق على وقف التصعيد، لكن عقب تلك اللهجة قامت إسرائيل بشن حرب شاملة على لبنان واغتالت القيادة المركزية للحزب.

وتُفسَّر تحركات حزب الله الميدانية في الأسبوعين الماضيين على أنه يتصرف كمن يستعد لجولة عسكرية جديدة، مع ارتفاع لافت في نبرة الخطاب السياسي والإعلامي من جانب قياداته، وآخرها خطاب أمينه العام نعيم قاسم.
هذه الاستعدادات لا تعني بالضرورة أن قرار الحرب قد اتُّخذ، لكنها تعكس جهوزية عالية ورغبة في تثبيت قواعد ردع جديدة، سواء لفرض شروط في التفاوض أو لامتصاص أي تطور ميداني قد يُفرض فجأة.
بهذه الخلفية، تقرأ دوائر سياسية لبنانية التصعيد بوصفه إشعاراً مسبقاً بإمكان تغير الظروف.

تحميل المزيد