بعد اتفاق أذربيجان وأرمينيا برعاية أمريكا.. “ممر زنغزور” بوابة صراع جيوسياسي جديد يهدد إيران

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/20 الساعة 12:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/20 الساعة 12:29 بتوقيت غرينتش
ترامب ورئيس أذربيجان ورئيس وزراء أرمينيا/ الأناضول

تسبب الاتفاق الذي أُبرم بين أذربيجان وأرمينيا، برعاية أمريكية، لإنشاء ممر بري يربط أذربيجان بإقليم ناختشيفان عبر جنوب أرمينيا، في "إرباك" الجانب الإيراني، إذ رأت مصادر إيرانية متطابقة تحدثت لـ"عربي بوست" في هذا الاتفاق تهديدًا للنفوذ الإيراني في دول القوقاز.

وأوضحت المصادر أن إيران تحركت بسرعة غداة إعلان أمريكا إبرام الاتفاق، لإدراكها أن هذه الخطوة الأمريكية، بالإضافة إلى التفاعل الإيجابي من أذربيجان وأرمينيا، ستقلص نفوذها في المنطقة وتؤدي إلى "خنقها" وحرمانها من الاستفادة من ممر زنغزور البري الحيوي.

جدير بالذكر أن الاتفاق الذي رعته أمريكا بين أذربيجان وأرمينيا تضمن حزمة بنود جوهرية، أبرزها فتح ممر زنغزور البري الذي يربط أذربيجان بإقليم نخجوان عبر جنوب أرمينيا، على أن تكون واشنطن الجهة الضامنة لإدارته وأمنه. كما نصّ الاتفاق على انسحاب القوات الأذربيجانية من بعض المناطق الحدودية المتنازع عليها مقابل التزام أرمينيا بفتح طرق النقل وخطوط الطاقة بشكل آمن، مع ضمان حرية حركة البضائع والأشخاص تحت إشراف مراقبين دوليين. وشمل الاتفاق أيضًا تبادل الأسرى والمحتجزين، والشروع في مفاوضات لترسيم الحدود بشكل نهائي بين البلدين خلال فترة زمنية محددة.

تفاصيل الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان وأمريكا

في 8 أغسطس/آب 2025، تم توقيع اتفاقية سلام بين أرمينيا وأذربيجان في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بهدف إنهاء النزاع المستمر منذ عقود بين البلدين. تضمنت الاتفاقية بنودًا رئيسية تهدف إلى تعزيز التعاون بين الجانبين وضمان استقرار المنطقة.

أبرز بنود الاتفاقية:

1. وقف شامل ودائم للأعمال العدائية: يلتزم الطرفان بإنهاء جميع أشكال القتال والامتناع عن أي أعمال عسكرية أو استفزازية عبر الحدود.

2. إعادة العلاقات الدبلوماسية: فتح السفارات والقنصليات بين البلدين واستئناف العلاقات الرسمية بعد انقطاع دام عقودًا.

3. تطوير ممر زنغزور: اتفق الطرفان على فتح ممر زنغزور الاستراتيجي عبر الأراضي الأرمينية، الذي يربط أذربيجان بمنطقة نخجوان. سيتم تشغيل هذا الممر تحت إشراف أمريكي، ويُطلق عليه اسم "طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي (TRIPP)"، وتم تأجيره لشركة أمريكية لمدة 99 عامًا. يمتد الطريق على طول الحدود الجنوبية لأرمينيا مع إيران، مما يثير مخاوف لدى طهران من تقليص نفوذها في المنطقة.

4. إغلاق مجموعة مينسك: اتفق الطرفان على تقديم طلب مشترك إلى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لإغلاق مجموعة مينسك التابعة للمنظمة، التي كانت تهدف إلى تسوية نزاع ناغورنو كاراباخ.

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، و الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/ ( Azerbaijan Presidency – وكالة الأناضول )

5. التعاون الأمني والاقتصادي: تعزيز التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية وتطوير مشاريع بنية تحتية مشتركة.

6. احترام سيادة الدول: يؤكد الطرفان على احترام سيادة كل منهما على أراضيه، ويشددان على أهمية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

7. تعزيز التعاون الإقليمي: العمل على تعزيز التعاون مع الدول المجاورة والمنظمات الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.

ممر زنغزور: شريان نفوذ إيران في جنوب القوقاز

يشكّل ممر زنغزور، الممتد عبر مقاطعة سيونيك الأرمنية إلى مدينة مِغري الأرمنية، الرابط البري الوحيد بين أذربيجان وإقليم نخجوان التابع لها، أحد أكثر النقاط حساسية في جنوب القوقاز.

وبخصوص إقليم نخجوان، فهو يُعتبر جمهورية ذات حكم ذاتي تابعة لأذربيجان، لكنه منفصل جغرافيًا عن باقي أراضيها، والسبب يعود إلى ترسيم الحدود بعد انهيار الإمبراطورية الروسية العثمانية والاتفاقيات الدولية في أوائل القرن العشرين، وبهذا الترسيم، بقيت نخجوان تابعة لباكو، لكنها انفصلت جغرافيًا عن أذربيجان الأم بسبب وجود شريط أرميني ضيق (مقاطعة سيونيك/زنغزور) يفصل بينهما.

بالنسبة لطهران، يمثل ممر زنغزور خطًا أحمر أمنيًا، إذ إن أي وجود أجنبي، سواء أمريكي أو غربي أو حتى تركي، في إدارة الممر يُنظر إليه باعتباره تهديدًا مباشرًا للسيادة الإيرانية على حدودها الشمالية.

بالإضافة لذلك، فالسيطرة على زنغزور تمكّن إيران من منع أي نشاط عسكري أو استخباراتي في المنطقة، خصوصًا فيما يتعلق بالقدرات النووية والمواقع الحساسة، وهو عامل يجعل أي تغيّر في وضع الممر قضية وجودية للأمن القومي الإيراني.

ومن الناحية الاقتصادية، يُعد الممر أحد أهم شرايين النقل بين أوروبا وآسيا الوسطى ويمتد إلى بحر قزوين، وهو ما يجعل أي تحول في إدارته لصالح باكو أو واشنطن ضربة مباشرة للمصالح الاقتصادية الإيرانية.

ومنذ إغلاق زنغزور، أصبحت إيران الشريان البري الوحيد الذي يربط نخجوان بأذربيجان، ما جعل اعتماد الأخيرة على الممرات الإيرانية ضرورة استراتيجية. هذا الأمر منح طهران نفوذًا تجاريًا وسياسيًا يمكنها من فرض شروط معينة على حركة البضائع والطاقة والتجارة العابرة للحدود.

كما يتيح الممر لإيران تعزيز موقعها في مشاريع البنية التحتية الإقليمية، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية وشبكات الطاقة. وفي ظل مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، يمثل فقدان السيطرة على زنغزور تهميشًا مباشرًا لدور إيران كمسار أساسي لحركة التجارة بين الشرق والغرب، ويعني خسارة أوراق نفوذ استراتيجية لصالح مسارات بديلة تمر عبر تركيا أو روسيا أو الأراضي الأذرية.

يمثل الممر أيضًا بعدًا أمنيًا إسرائيليًا محتملاً، فالتحالف القوي بين باكو وتل أبيب يجعل من الأراضي الأذرية منصة محتملة لعمليات استخباراتية وعسكرية ضد إيران. وفتح الممر تحت نفوذ غربي أو تركي–أذري قد يرفع مستوى المخاطر الأمنية على طهران، خصوصًا مع الاعتماد الإسرائيلي على أذربيجان في استيراد النفط وتوريد الأسلحة. بالتالي، أي إدارة للممر خارج السيطرة الإيرانية يُنظر إليه كتهديد محتمل لمصالحها الاستراتيجية.

تصاعد اللهجة الإيرانية ضد الاتفاق

قال باقر صالحي، الباحث الإيراني في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والمقرب من الحرس الثوري الإيراني، إن طهران رفعت لهجتها بسرعة بعد الإعلان في 8 أغسطس/آب 2025 عن اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا بوساطة أمريكية. يتضمن الاتفاق إنشاء ممر بري يربط أذربيجان بنخجوان عبر جنوب أرمينيا، ووُصف أمريكيًا بـ"طريق السلام والازدهار الدولي TRIPP".

وأوضح صالحي أن تصريح مستشار المرشد علي أكبر ولايتي، الذي علق على الاتفاق الأمريكي–الأذري–الأرمني، لم يكن مجرد تعليق عابر، بل رسالة متعمدة مفادها أن إيران "مستعدة لمنع أي تغييرات جيوسياسية" حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة. وجاءت هذه الإشارة المباشرة إلى خط مروري تعتبره طهران يلتصق بحدودها الشمالية ويجلب نفوذًا أمنيًا أمريكيًا إلى عتبتها.

تصريح ولايتي

كان علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، قد قال إن إيران ستمنع إنشاء الممر الأميركي في القوقاز المعروف بـ"زنغزور"، معتبرًا أنه "تهديد لأمن المنطقة ويغير خريطتها الجيوسياسية". وأضاف في مقابلة مع وكالة "تسنيم": "هل جنوب القوقاز بلا صاحب حتى يقوم ترامب باستئجار الممر؟ هذا المشروع لن يصبح ملكًا لأحد، بل سيكون مقبرة لمرتزقته".

علي أكبر ولاياتي مستشار خامنئي ومسؤول أرميني- الإعلام الإيراني

وأوضح ولايتي أن رفض إيران يعود إلى أن الممر يهدف لتقسيم أرمينيا ويعيد رسم الحدود، مؤكدًا أن الشعب الأرمني يعارض المشروع، حتى لو تبنت حكومته مواقف متذبذبة. وأشار إلى أن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان سبق وأكد دعمه لموقف إيران ضد الممر.

وأشار مستشار المرشد إلى المناورات العسكرية التي نفذتها القوات الإيرانية في شمال غرب البلاد، بقيادة الفريق الشهيد باقري، في رسالة واضحة لردع أي محاولة لتنفيذ المشروع، معتبرًا تصريحات ترامب حول استئجار الممر "ساذجة وغير قابلة للتحقق".

ولفت ولايتي إلى أن الممر ليس طريقًا تجاريًا فقط، بل "مؤامرة سياسية ضد إيران ودول الجوار"، محذرًا من حضور دول الناتو في المنطقة، ومؤكدًا أن إيران ستقف لحماية أمن حدودها الشمالية والشمال غربية، سواء بالتعاون مع روسيا أو من دونها.

واختتم بالقول إن المشروع قد يعرض أمن القوقاز الجنوبي للخطر ويجعل طرق اتصال إيران في الشمال محصورة بتركيا، مؤكدًا أن الوقاية خير من العلاج، في موقف يعكس التصميم الإيراني على حماية مصالحها الإقليمية.

في حين أضاف صالحي أن هذه الرسائل جاءت غداة التوقيع على إطار الاتفاق في واشنطن، ورافقتها تغطيات إعلامية بارزة أظهرت استبعاد موسكو وطهران من مسار الترتيبات الجديدة، مما زاد من حدة حساسية إيران تجاه المشروع.

الرئيس الإيراني بزشكيان ورئيس وزراء أرمينيا- الإعلام الإيراني

قلق إيراني

في سياق موازٍ، يقول مسعود فكري، المستشار السابق في حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في تصريحات خاصة، إن من بين كل اللاعبين في الاتفاق الأخير بين أذربيجان وأرمينيا وكذلك الدول المعنية بالممر، تبدو إيران الأكثر قلقًا من التطورات الأخيرة.

فمنذ إغلاق الممر في التسعينيات، تحوّلت طهران إلى الشريان الوحيد الذي يربط نخجوان ببقية أذربيجان، وهو ما منحها ورقة نفوذ اقتصادية وسياسية. لكن فتح زنغزور تحت إشراف أميركي أو حتى تركي–أذري، يعني ببساطة انتزاع هذه الورقة من يدها.

والأخطر بالنسبة لطهران – بحسب المصدر ذاته – أن الممر سيقطع حدودها المباشرة مع أرمينيا، وهو المنفذ الوحيد الذي يتيح لها الوصول إلى البحر الأسود وأوروبا براً. إغلاق هذه النافذة سيعني "خنقًا جيوسياسيًا" لإيران، ويجعلها محاصرة من الشرق بالوجود الأميركي في أفغانستان سابقًا، ومن الغرب بممر تديره واشنطن أو حلفاؤها وفق ما قال مسعود فكري.

ويضيف مسعود فكري أن ما يزيد المخاوف الإيرانية هو احتمال استخدام الأراضي الأذرية، بما فيها الممر، كقاعدة لعمليات إسرائيلية ضدها. فتل أبيب تستورد أكثر من 40% من نفطها من باكو وتزوّدها بـ80% من أسلحتها، وقد استخدمت المجال الجوي الأذري في عمليات استهدفت منشآت إيرانية حساسة. وبالتالي، فإن تحوّل زنغزور إلى معبر مفتوح تحت نفوذ غربي–تركي–أذري يرفع المخاطر الأمنية على طهران إلى مستويات غير مسبوقة.

الرئيس الإيراني بزشكيان ورئيس وزراء أرمينيا- الإعلام الإيراني

تحركات تشاورية

في حين أكد باقر صالحي، الباحث الإيراني في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والمقرب من الحرس الثوري الإيراني، أن رد الفعل الإيراني لم يقتصر على التصعيد الكلامي. ففي 11 و12 أغسطس/آب 2025، أعلنت الخارجية الإيرانية عن تحركات تشاورية عاجلة مع أرمينيا، تمثلت في اتصال على مستوى القمة بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان، أعقبته زيارة نائب وزير الخارجية الأرمني إلى طهران.

وأشار صالحي إلى أنه بعد أيام، تطورت المشاورات إلى زيارة رئاسية مباشرة، ففي 18 و19 أغسطس/آب، حلّ بزشكيان ضيفًا على يريفان لبحث الممر. وهناك، بعث الرئيس الإيراني برسالة مزدوجة: الأولى سياسية مفادها أن "حكم القوقاز يجب أن يبقى قوقازيًا"؛ والثانية أمنية عملية تطلب "ضمانات بعدم وجود قوات أجنبية على مقربة من الحدود الإيرانية".

بحسب صالحي، طمأنت أرمينيا الجانب الإيراني بأن سيطرتها على الممر ستكون أرمينية خالصة، دون أي نية للسماح بوجود عسكري أمريكي على الحدود. تأتي هذه التطمينات في محاولة لرأب الصدع مع طهران والحفاظ على القناة الإيرانية–الأرمينية مفتوحة كمتنفس استراتيجي.

وفي الوقت ذاته، ذكر صالحي أن إيران وجهت رسائل مباشرة إلى أذربيجان، رفعت فيها من لهجة التحذير. كان مضمون الرسالة واضحًا: لا يمكن فرض ممر بوقائع جمركية أو أمنية "معزولة" عن السيادة الأرمينية، ولا يمكن ترتيبات تُهمّش دور طهران في شبكات العبور بين الشرق والغرب.

وأشار صالحي إلى أن تصريحات ولايتي والوسوم التي استخدمتها مؤسسات إيرانية شبه رسمية أو مقربة من دوائر صنع القرار كانت موجهة إلى باكو وأنقرة وواشنطن معًا. مفاد هذه الرسائل هو أن أي صيغة "خاصة" للممر تتضمن إدارة أمنية خارجية أو إعفاءات تكسر مبدأ السيادة، ستواجه مقاومة.

وأضاف صالحي أن طهران ترى أن نجاح اتفاق الممر الجديد بصيغته المعلنة سيؤدي إلى تثبيت محور نقل بديل يربط آسيا الوسطى، القوقاز، تركيا وأوروبا، متجاوزًا الأراضي الإيرانية والروسية. من منظور طهران، يعني ذلك خسارة أوراق ضغط اقتصادية وجيوسياسية: أولًا، تراجع قيمة البوابة الإيرانية نحو البحر الأسود وأوروبا؛ ثانيًا، تقليل اعتماد أرمينيا على طريق إيران–جورجيا؛ وثالثًا، تعزيز اصطفاف أذربيجاني–تركي–غربي يحد من نفوذ إيران على ضفاف أرس.

وأوضح صالحي أن إيران تسوّق موقفها على أنه دفاع عن الاستقرار الإقليمي في مواجهة تغيير مفروض من الخارج، وليس مجرد دفاع عن مصالحها الخاصة.

في حين يشير مسعود فكري إلى أنه، إلى جانب البعد الأمني والسياسي، يحمل الممر تداعيات اقتصادية كبرى. إذ سيغيّر من خريطة طرق التجارة العالمية، ويقلص من أهمية المسارات التقليدية التي تمر عبر إيران أو روسيا. وهذا ينعكس مباشرة على مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي كانت تعتمد على مسارين رئيسيين: الشمالي عبر روسيا والجنوبي عبر إيران. بروز ممر زنغزور سيمنح الغرب مسارًا بديلاً، ويهمّش دور طهران وموسكو في حركة التجارة بين الشرق والغرب.

إلهام علييف، و الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض. ( Azerbaijan Presidency – وكالة الأناضول )

ويقول مسعود فكري إنه في المحصلة، يبدو أن ممر زنغزور الصغير قد تحوّل إلى عقدة جيوسياسية كبرى تهدد بإعادة رسم خريطة جنوب القوقاز. وبينما ترى أذربيجان وتركيا فيه طريقًا للوحدة والازدهار، تعتبره إيران تهديدًا وجوديًا، وتخشاه أرمينيا كخطر على سيادتها، وتراه روسيا رمزًا لتراجع نفوذها، فيما تتعامل معه واشنطن كفرصة لاختراق عمق أوراسيا.

ويختم مسعود فكري كلامه بالقول: وهكذا، يصبح هذا الممر أكثر من مجرد طريق، بل بوابة صراع مفتوح قد يمتد أثره من البحر الأسود إلى بحر قزوين، ومن الخليج إلى أوروبا، ما يجعل من زنغزور اختبارًا حقيقيًا لتوازن القوى العالمي في مرحلة مليئة بالتحولات.

أدوات الضغط الإيرانية

قال صالحي إن إيران تمتلك أدوات ضغط ناعمة وخشنة. فمن جهة، لديها شرايين تجارة حدودية مع أرمينيا، تشمل المعابر والطرق والطاقة والترانزيت، يمكن توظيفها لزيادة اعتماد يريفان على طهران بدلًا من المسارات البديلة.

ومن جهة أخرى، يوفر خطاب منع التغيير بالقوة غموضًا بنّاءً يسمح لإيران بالتلويح بخيارات عملية، تشمل هذه الخيارات تعزيز الوجود العسكري قرب جلفا ونوردوز، وتنظيم مناورات مشتركة مع وحدات حرس الحدود. هذه الرسائل كافية لرفع تكلفة أي محاولة لفرض ممر محصّن بلا سيادة أرمينية كاملة.

وأكد صالحي أن طهران استثمرت زيارة يريفان لإظهار قنوات تنسيق أمنية–جمركية، بهدف ترسيخ مبدأ أن الممر، إذا أُقيم، سيظل واقعًا أرمينيًا سياديًا وليس معبرًا فوق سيادة.

وقّع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، ، إعلانا مشتركا عقب القمة الثلاثية التي استضافها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض- Azerbaijan Presidency – وكالة الأناضول )

وأوضح صالحي أن ما تريده إيران من أرمينيا هو تأكيدات مكتوبة وعملية بأن الملكية والإدارة والسيادة الأمنية على أي معبر ستبقى أرمينية، وأن ترتيبات التفتيش والجمارك وحرس الحدود لن تُمنح لطرف ثالث، وألا يقوم "ناتو خفي" على حدودها. وأضاف أن طهران حصلت بالفعل على تعهدات علنية من يريفان بأنها لن تسمح بوجود قوات أمريكية على الحدود، وأن إدارتها للممر ستبقى كاملة.

أما بالنسبة لباكو، فقال صالحي إن إيران تطالبها بالتخلي عن أي صيغة مرور "غير خاضعة للسيادة" أو بإشراف أمني أجنبي، وتشدد على ضرورة إدارة الحركة وفق قواعد دولية–ثنائية تحت إشراف أرميني، مع إبقاء قنوات إيران اللوجستية مع أرمينيا سالكة. وأكد أن الرسالة الإيرانية المستمرة إلى باكو هي أن أي تكامل اقتصادي إقليمي مستدام يجب أن يُبنى عبر ترتيبات "قوقازية"، لا عبر ممر أمريكي.

إسرائيل: حضور خفي عبر أذربيجان

كذلك يقول مسعود فكري، المستشار السابق في حكومة مسعود بزشكيان، إنه لا يمكن إغفال الدور الإسرائيلي غير المباشر في هذه الأزمة. فإسرائيل، التي تعتبر أذربيجان حليفًا استراتيجيًا في مواجهة إيران، تنظر إلى الممر كفرصة لتثبيت موطئ قدم أكبر في القوقاز. ومن خلال تعزيز قدرات باكو العسكرية والاستخبارية، تسعى تل أبيب إلى استخدام الأراضي الأذرية وربما الممر ذاته كمنصة لعمليات ضد إيران.

ويثير هذا البعد قلقًا إضافيًا لدى طهران، التي ترى أن الممر ليس مجرد قضية حدودية، بل تهديدًا وجوديًا يرتبط بالأمن القومي وبمستقبل برنامجها النووي.

تحميل المزيد