خطة ضغط أميركية من 3 مراحل خلال 120 يوماً.. نزع سلاح حزب الله على طاولة الحكومة اللبنانية

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/02 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/02 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش
الرئيس اللبناني صرح في آخر خطاب له بمناسبة عيد الجيش بضرورة حصر السلاح بيد الجيش فقط (رويترز)

للمرة الأولى منذ عقود، يتصدر ملف سلاح حزب الله جدول أعمال الحكومة اللبنانية بشكل رسمي وجدي. ومن المرتقب أن تشكل الجلسة الحكومية المقبلة محطة مفصلية في الصراع بين من يدعو لتطبيق اتفاق الطائف بحصر السلاح بيد الدولة، وبين حزب الله الذي يعتبر الضغوط الدولية محاولة لتصفية دوره السياسي والعسكري تحت ذريعة السيادة.

يأتي هذا التحوّل في ظرف داخلي وخارجي بالغ الحساسية، وسط تصاعد الضغوط الغربية، لا سيما الأميركية، لدفع بيروت إلى اتخاذ خطوات عملية لبسط سلطتها الكاملة على أراضيها. وتثير هذه الخطوة مخاوف من تكرار سيناريوهات سابقة، مثل قرار 5 أيار/مايو 2008 المتعلق بشبكة اتصالات الحزب، والذي أدّى إلى أحداث 7 أيار، أو أزمة 1993 حين وقعت مواجهات بين الجيش اللبناني وأهالي الجنوب خلال محاولة نزع سلاح المقاومة.

منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005، ظل الملف حاضراً على طاولات الحوار دون نتيجة، رغم ما جاء في "إعلان بعبدا" عام 2012، الذي تراجع عنه الحزب لاحقاً بعد انخراطه في دعم نظام الأسد. ورغم سعي تلك الحوارات إلى بناء توافق داخلي حول قضايا السيادة، إلا أنها افتقرت إلى رؤية تنفيذية واضحة، ما أفضى إلى تكريس الأمر الواقع وتحويل السلاح إلى معطى فوق دستوري.

عهد جديد.. ومواجهة مفتوحة

مع انتهاء الحرب الأخيرة، تبدّلت المعادلة. فقد أعادت الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام طرح ملف سلاح حزب الله في بيانها الوزاري، بينما رفع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون السقف السياسي خلال خطاب عيد الجيش، مطالباً بحصرية السلاح بيد المؤسسة العسكرية، مقابل خطة لدعم الجيش بـ10 مليارات دولار، مشروطة بانسحاب إسرائيل ووقف الاعتداءات لبدء إعادة الإعمار.

جاءت هذه المواقف بعد مشاورات موسعة مع أطراف داخلية وخارجية، من بينها الولايات المتحدة، وفرنسا، والسعودية، التي تطالب لبنان بخطوات ملموسة لاستعادة سيادته. وتؤشر تصريحات عون إلى دخول الدولة في لحظة حاسمة، قد تقود إما إلى تسوية تدريجية أو إلى مواجهة مباشرة مع الحزب.

من جانبه، يؤكد حزب الله – على لسان أمينه العام نعيم قاسم – أن مسألة تسليم السلاح غير مطروحة حالياً، داعياً إلى حوار ضمن "استراتيجية دفاعية وطنية"، ومشدداً على أولوية وقف العدوان الإسرائيلي. ويشترط الحزب أي نقاش حول السلاح بالحصول على ضمانات دولية بانسحاب إسرائيل ووقف خروقاتها، معتبراً أن الطروحات الحالية تمثل إملاءات أميركية مرفوضة.

رئيس الحكومة اللبناني خلال زيارته الأخيرة لفرنسا (رويترز)
رئيس الحكومة اللبناني خلال زيارته الأخيرة لفرنسا (رويترز)

رسائل عون.. وارتباك الحزب

تضمّن خطاب الرئيس إشارات واضحة تجاه الحزب، داعياً لحصرية السلاح بيد الدولة، ومطالباً إسرائيل بالانسحاب. وقد استدعى ذلك رد فعل عاجل من الحزب، الذي طلب توضيحات، خصوصاً مع تزامن الخطاب مع كلمة نعيم قاسم.

وعُدّ الخطاب بمثابة مقدمة سياسية للجلسة الحكومية المقبلة، وإطار عام لنقاش آلية تنفيذية قابلة للتطبيق دون استفزاز مباشر. وتشير مصادر حكومية لـ"عربي بوست" إلى انعقاد لقاء تنسيقي بين نبيه بري ومحمد رعد، تلاه لقاء بين رعد والرئيس عون دام أكثر من ساعتين، تركز على خطاب الرئيس، ووضعية الجيش، وآفاق النقاش حول السلاح، وكيفية إدارة الجلسة لتجنب تفجير سياسي وأمني.

ورغم الأجواء الإيجابية، لم يُحسم بعد موقف "الثنائي الشيعي" من حضور الجلسة، وسط تنسيق مفتوح مع رئاستي الجمهورية والحكومة. ويحرص حزب الله على عدم الظهور بموقف الرافض للنقاش، دون أن يمنح الغطاء الكامل لقرارات قد تُفهم كاستهداف مباشر له.

ماكرون لسلام: انتهت الفرص

سبق تسليم الورقة اللبنانية إلى السفارة الأميركية، لقاء في قصر الإليزيه بين نواف سلام وإيمانويل ماكرون، شهد توتراً ملحوظاً. ووفق مصادر دبلوماسية، عبّر ماكرون عن استيائه من أداء الحكومة في ملف السلاح، واعتبر أن سلام لم يُظهر جدية كافية.

وحضر الاجتماع رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية نيكولا ليرنر ورئيس هيئة الأركان في الرئاسة الفرنسية الجنرال فابيان ماندون، اللذان عرضا تحركات الحزب جنوب لبنان، ولا سيما شمال الليطاني، ومواصلة التسلّح عبر شبكات تهريب.

وأكد ماكرون أن إسرائيل على وشك تنفيذ ضربات مركزة إذا لم تلتزم الدولة اللبنانية بتعهداتها، مضيفاً أن باريس عاجزة حالياً عن إقناع واشنطن بتمديد تفويض اليونيفيل أو تخفيف العقوبات المالية على لبنان، ما لم تظهر بيروت نية واضحة لمعالجة ملف السلاح.

الورقة الأميركية.. ومهلة الـ120 يوماً

وفق مصادر لبنانية، تسلّمت الحكومة ورقة أميركية معدّلة تتضمن خطة عمل من أربع مراحل تمتد على 120 يوماً:

  • المرحلة الأولى (15 يوماً): إعلان حكومي رسمي بحصر السلاح بيد الدولة.
  • المرحلة الثانية (حتى 30 يوماً): سحب السلاح من جنوب الليطاني.
  • المرحلة الثالثة (حتى 90 يوماً): استكمال السحب شمال الليطاني.
  • المرحلة الرابعة (حتى 120 يوماً): نزع السلاح من البقاع وبيروت، تمهيداً لفتح ملف ترسيم الحدود البرية.

وتسعى الحكومة لطمأنة الحزب بأن التنفيذ سيكون عبر مؤسسات لبنانية حصراً. ونقل المبعوث الأميركي توماس باراك رسائل واضحة بأن المجتمع الدولي لن ينتظر طويلاً، والمساعدات مشروطة بخطوات فعلية.

إسرائيل ترفع النبرة.. واستعدادات ميدانية

في المقابل، تواصل تل أبيب تصعيدها. فقد دعا قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال إلى "تفكيك سلاح حزب الله"، مشيراً إلى أن الحزب يعيد بناء ترسانته. وتُظهر صور الأقمار الصناعية تعزيزات عسكرية إسرائيلية على الحدود، ما يشي باحتمالات مواجهة جديدة.

تعكس هذه التحركات الترابط الوثيق بين المسارين السياسي والعسكري، وتؤكد أن أي تأخير في حسم النقاش الداخلي قد يُفسَّر إسرائيلياً كفرصة لتحسين شروط المواجهة أو فرض وقائع ميدانية.

حسابات حزب الله.. لا سلاح تحت الضغط

يرى حزب الله أن التصعيد الجاري يندرج ضمن حملة دولية منظمة تستهدف إضعافه، دون ضمانات بوقف الاعتداءات أو احترام اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر 2024. ويشترط الحزب انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، لا سيما "التلال الخمسة"، والالتزام الأممي بوقف الخروقات، وإطلاق حوار وطني شامل حول الاستراتيجية الدفاعية.

ويعتبر الحزب أن الضغط الأميركي لا يستهدف فقط سلاحه، بل وجوده السياسي والاجتماعي، ومحاولة إعادة صياغة التوازنات في لبنان وفق المصالح الإسرائيلية.

جلسة الحكومة… بين الحسم والمناورة

وفق المحلل السياسي ربيع دندشلي، تتراوح السيناريوهات بين:

  • خيار الحسم: إصدار قرار بتحديد موعد لسحب السلاح، ما قد يدفع "الثنائي الشيعي" إلى الانسحاب ويفقد الحكومة ميثاقيتها.
  • خيار المناورة: إصدار بيان فضفاض يؤكد على "مبدأ حصرية السلاح" دون جدول زمني، ما يُرضي الحزب مؤقتاً لكنه لا يلبي شروط واشنطن وتل أبيب.

ويرجّح دندشلي أن تعمل الحكومة على صياغة مخرج سياسي يقرّ بالمبدأ، ويبدأ مشاورات تنفيذية تدريجية، تضمن المرونة الزمنية، وتمنع الانفجار الداخلي.

وتبقى جلسة الحكومة اختباراً حقيقياً: فإما الانخراط في مسار دولي لضبط السلاح وإنهاء الدور العسكري للحزب، أو العودة إلى خطاب المماطلة، بما يحمله ذلك من مخاطر التهميش أو الانزلاق نحو الحرب.

تحميل المزيد