لم يحتج مجلس النواب المصري سوى أيام معدودة للموافقة النهائية على تعديلات قانون التعليم المعمول به منذ 35 عاماً، قبل أن يعلن فض دورته التشريعية استعداداً لإجراء انتخابات برلمانية جديدة قبل نهاية العام.
هذا التسريع اللافت في إقرار قانون التعليم الجديد في مصر يمس مستقبل نحو 25 مليون طالب في مختلف المراحل التعليمية، إلى جانب أسرهم، أثار تساؤلات واسعة حول دوافع الاستعجال وجدوى تمرير التعديلات في هذا التوقيت.
ورغم أن قانون التعليم الجديد في مصر يؤثر بشكل مباشر في حياة ما يقرب من 80 مليون مواطن، لم يُتح نقاش علني معمق حول المواد التي شملتها التعديلات أو مبرراتها، والتي أفرزت بدورها أنظمة جديدة للتعليم والامتحانات، خاصة في المرحلة الثانوية.
وكان مجلس النواب قد صادق، خلال جلسته العامة يوم الثلاثاء، بشكل نهائي على مشروع تعديل قانون التعليم الجديد في مصر المقدم من الحكومة، والذي يُدخل نظاماً تعليمياً جديداً على المرحلة الثانوية.
ويقضي التعديل باعتماد "شهادة البكالوريا" كنظام بديل لشهادة الثانوية العامة التقليدية، على أن يمتد البرنامج لثلاث سنوات دراسية، ويبدأ تطبيقه اعتباراً من العام الدراسي 2025-2026 على الطلاب الملتحقين بالصف الأول الثانوي.
مجانية التعليم تحت التهديد
قال نائب برلماني معارض لتعديلات قانون التعليم، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن الحكومة تعمدت إرسال مشروع القانون إلى مجلس النواب قبل أقل من أسبوع على فض جلساته، في خطوة تهدف، برأيه، إلى تمرير التعديلات من دون إتاحة وقت كافٍ للنقاش أو فتح ملفات شائكة، أبرزها قضية مجانية التعليم، مما يشكل، حسب وصفه، محاولة للالتفاف على مبدأ دستوري راسخ.
وأوضح النائب أن القانون الجديد ينص على فرض مقابل مادي لإجراء امتحانات التحسين ضمن منظومة "البكالوريا"، والتي ستكون إلى جانب نظام الثانوية العامة التقليدي. كما يمنح القانون وزير التربية والتعليم والمجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي صلاحيات واسعة، من بينها تعديل المواد الدراسية وزيادة رسوم الامتحانات تحت مسميات مختلفة.
وأشار إلى أن مشروع القانون، الذي عدّل 18 مادة من القانون رقم 139 لسنة 1981، نص على مبلغ 2000 جنيه كرسوم لامتحانات التحسين، وهو ما اعتبره انتهاكاً مباشراً للدستور. ورغم قيام البرلمان بتخفيض المبلغ ليصبح بين 200 و400 جنيه، إلا أن المبدأ الأساسي، بحسب النائب، لا يزال قائماً، ما يفرض عبئاً على الأسر الفقيرة التي يُفترض أن تُمنح فرصاً متكافئة في التعليم المجاني.
وحذّر المصدر من أن الخطر الأكبر يكمن في منح وزير التعليم صلاحية إدخال تعديلات مستمرة على نظام "البكالوريا"، بما في ذلك عدد المواد وفرص التحسين، من دون الرجوع إلى البرلمان. وأوضح أن هذا النموذج مستوحى من أنظمة التعليم الدولية، كالأمريكي والبريطاني، حيث يُسمح بعدد أكبر من المحاولات لتحسين الدرجات.
وأضاف أن هذه التعديلات تُظهر سعي الوزارة إلى منافسة التعليم الدولي وجذب الطلاب إلى النظام المحلي، غير أنها قد تؤدي إلى تحميل الأسر أعباء إضافية، لا سيما أن بعض الطلاب قد يضطرون إلى تمديد دراستهم لأكثر من عامين في محاولة للوصول إلى مجاميع مرتفعة تُجنبهم الالتحاق بالجامعات الخاصة ذات المصروفات المرتفعة.
تفاصيل نظام البكالوريا الجديد
أدخلت لجنة التعليم في البرلمان تعديلات محدودة على مشروع القانون المقدم من الحكومة، بعد التشاور معها، ونصّت صراحة على تطبيق نظام "البكالوريا" بدلاً من الاكتفاء بذكره في المذكرة الإيضاحية. وهدفت التعديلات إلى إتاحة خيار للطلاب بين نظامي الثانوية العامة والبكالوريا، مع التأكيد على أن "البكالوريا" نظام اختياري يمتد لثلاث سنوات.
وبدلاً من نظام الشعبتين الأدبية والعلمية المعمول به حالياً، يقسم نظام البكالوريا إلى أربعة تخصصات رئيسية:
- الطب وعلوم الحياة
- الهندسة وعلوم الحاسب
- الآداب والفنون
- الأعمال
ويؤهل كل تخصص الطالب للالتحاق بكليات محددة في المرحلة الجامعية.
ويتكون نظام البكالوريا من مرحلتين:
- المرحلة التمهيدية (الصف الأول الثانوي): تشمل مواد تدخل ضمن المجموع الكلي مثل التربية الدينية، اللغة العربية، التاريخ المصري، الرياضيات، العلوم المتكاملة، الفلسفة والمنطق، واللغة الأجنبية الأولى، إضافة إلى مواد خارج المجموع مثل اللغة الأجنبية الثانية، والبرمجة وعلوم الحاسب.
- المرحلة الرئيسية (الصفان الثاني والثالث الثانوي): تضم مواد أساسية مشتركة لجميع التخصصات، بجانب مواد تخصصية يختار منها الطالب بحسب مساره.
من جهة أخرى، قال خبير تربوي شارك في جلسات نقاش حول القانون، لـ"عربي بوست"، إن التوقيت الذي اختارت فيه الحكومة طرح مشروع القانون غير مناسب، مشيراً إلى أنه تم تقديمه قبل أيام من انتهاء دورة البرلمان، في وقت كان فيه النواب منشغلين بترتيبات الانتخابات، مما سهل تمريره دون نقاش كافٍ.
وأضاف أن الحكومة تدخلت بشكل غير مباشر في ترتيبات المشهد الانتخابي، ما أدى إلى تمرير القانون إرضاءً لها. وأشار إلى أن تعديلاً يطال 18 مادة في قانون التعليم كان يفترض أن يخضع لنقاشات موسعة، خاصة وأن الوزارة سبق أن طرحت بعض هذه الأفكار على شكل مقترحات جزئية.
كما اعتبر أن رئيس لجنة التعليم في البرلمان، رغم كونه أكاديمياً مختصاً في التربية النفسية، يتحمّل مسؤولية تمرير التعديلات دون الوقوف على آثارها التربوية، مشيراً إلى غياب رؤية واضحة لدى وزير التعليم محمد عبداللطيف، الذي سبق أن أدخل تعديلات على الثانوية العامة، ثم عاد ليطرح مشروعاً جديداً للبكالوريا خلال أقل من عام، في ظل اعتراضات من خبراء في المجال التربوي.
تحذيرات تربوية وحقوقية
قال خبير تربوي لـ"عربي بوست" إن تغيير منظومة التعليم الثانوي قد ينعكس سلباً على هوية الطلاب وتكوينهم الشخصي، محذراً من أن تطبيق نظام "البكالوريا" قد يتزامن مع رحيل وزير التعليم الحالي، مما قد يُربك خليفته الذي سيجد نفسه ملزماً بتطبيق قانون لم يُعرض على المجلس الوطني للتعليم، الجهة المسؤولة عن وضع السياسات التعليمية العامة في مصر.
وأضاف أن غياب التفكير الاستراتيجي والعمل المؤسسي عن خطط الحكومة في تطوير التعليم، فضلاً عن التسرع في إقرار التعديلات، أدى إلى فقدان الثقة الشعبية في جدوى هذه التغييرات، لا سيما مع غياب فهم واضح لطبيعتها وتأثيرها.
وأشار إلى أنه كان من الممكن اعتماد نموذج امتحان "SAT" الأمريكي – المشابه للبكالوريا – وتطبيقه بشكل تدريجي دون تفكيك منظومة التعليم الثانوي القائمة، معتبراً أن ما جرى يُعمّق الفوضى في هيكلة التعليم المصري.
وأكد أن التعديلات الجديدة ستؤدي إلى تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية، إذ أصبحت الثانوية العامة تمتد لعامين بدلاً من عام، مع زيادة الضغوط خلال العطلة الصيفية نتيجة توجه الطلاب لتحسين درجاتهم. كما حذّر من الأثر السلبي على السياحة الداخلية، التي تنشط عادة في شهري يوليو وأغسطس، نظراً لتحوّل هذه الفترة إلى موسم امتحانات إضافية.
في السياق ذاته، حذّرت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، في تقرير نُشر يوم الإثنين، من أن التعديلات الأخيرة على قانون التعليم تُكرّس التمييز الطبقي وتُثقل كاهل الأسر، بما يُخالف الدستور، والاستراتيجية الوطنية للتعليم، وحقوق الإنسان.
وبيّن التقرير أن التعديلات طالت 18 مادة، وأُضيفت نصوص جديدة، من أبرزها تمديد فترة التعليم الإلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية، التزاماً بالمادة 19 من الدستور التي تنص على إلزامية ومجانية التعليم في مؤسسات الدولة.
ورغم التأكيد الإيجابي على تدريس اللغة العربية والتاريخ الوطني في جميع المدارس، فإن بقية التعديلات أثارت تساؤلات بشأن تكريس اللامساواة واتساع الفجوة بين طبقات المجتمع، في ظل التوسع في الخصخصة وتعدد الأنظمة التعليمية.
وانتقدت المبادرة المادة (9) التي تخوّل وزير التعليم، بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، بإنشاء مدارس تجريبية أو برامج تعليمية خاصة داخل المدارس الرسمية أو الخاصة، معتبرة أن ذلك يفتح الباب لمزيد من التمييز في جودة التعليم بين الطلاب، خاصةً مع تعدد الأنظمة المعتمدة حالياً في مصر (الإنجليزية، الفرنسية، الأمريكية، التجريبية، والخاصة).
كما رفضت المبادرة فرض مصروفات إضافية للتسجيل أو إعادة الامتحانات، معتبرة أن هذه الرسوم تُعيق استفادة شرائح واسعة من الطلاب، خصوصاً في ظل ارتفاع معدلات الفقر، ما يُحصر هذه البرامج في فئات قادرة مالياً ويُقوّض مبدأ تكافؤ الفرص.
الحكومة ترد على الانتقادات
أظهر بحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نصيب الشريحة الأعلى دخلاً من الإنفاق على التعليم خلال عام 2019-2020 تجاوز بأكثر من 22 ضعفاً نصيب الشريحة الأدنى دخلاً.
وهو ما يعكس التفاوت الحاد في فرص التعليم وجودته، ويُثير مخاوف من أن إدخال برامج تعليمية جديدة مقابل رسوم مالية، دون مراعاة مبدأ مجانية التعليم المنصوص عليه دستورياً، قد يُفاقم من هذا التفاوت ويُعزز الخصخصة داخل المنظومة التعليمية.
في المقابل، أوضح مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم لـ"عربي بوست" أن النظر إلى تعديلات القانون يجب أن يتم ضمن رؤية شاملة لا تقتصر فقط على "شهادة البكالوريا"، بل تأخذ بعين الاعتبار الفلسفة العامة الرامية إلى تحديث التعليم، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة، وربط المناهج بسوق العمل.
وأشار المصدر إلى أن القانون يسعى إلى إحداث نقلة نوعية في التعليم الفني والتقني من خلال تطوير التخصصات، وتحسين آليات التقييم، وإدماج التعليم المهني بشكل غير مسبوق. كما يتيح للطلاب الذين أنهوا المرحلة الابتدائية ويظهرون ميولاً مهنية استكمال تعليمهم في مراكز تدريب أو مدارس إعداد مهني، وفق نظام يحدده وزير التعليم بالتنسيق مع الوزارات المعنية، مثل الصناعة والزراعة.
وركّز مشروع القانون، بحسب المصدر، على ترسيخ الهوية الوطنية والدينية، إذ نص على تدريس مواد اللغة العربية، التربية الدينية، والتاريخ الوطني كمقررات أساسية في جميع المراحل التعليمية، على أن يُشترط النجاح بنسبة 70% في مادة التربية الدينية، دون احتساب درجتها في المجموع الكلي، لضمان فهمها بعمق دون التأثير على فرص الطالب الأكاديمية.
وأكد أن التعديلات تهدف إلى تمديد التعليم الإلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية، بما يتيح للطلاب التخرج وهم أكثر استعداداً لدخول سوق العمل. وأشار إلى أن شهادتي البكالوريا والثانوية العامة ستُعاملان بشكل مستقل في تنسيق القبول بالجامعات، وسيُقسّم عدد المقاعد المتاحة وفق عدد الطلاب في كل نظام.
كما لفت إلى أن القانون يفتح الباب أمام خيارات ومسارات متعددة تُمكّن الطلاب من التحويل بين التخصصات المختلفة، مع الحفاظ على فرصهم في الالتحاق بالجامعات الحكومية المجانية.