- خنق الجنود وتخريب ووصف ضباط بالخونة والنازيين
- مواقف خجولة من الحكومة الإسرائيلية
- المعارضة تتهم الحكومة بتوفير الغطاء السياسي للإرهابيين اليهود
- جيش الاحتلال مقيّد عن التصدي لظاهرة "فتيان التلال"
- ظاهرة متزايدة تحمل توجّهاً للمستوطنين للسيطرة على الدولة
- قرارات وإجراءات أمنية سرّعت من ظاهرة الاعتداء على الجيش
- سيطرة المستوطنين على الضفة مقدّمة للسيطرة على الدولة
بينما لا تتوقف قوات الاحتلال الإسرائيلي عن التنكيل بالفلسطينيين في كل الأراضي المحتلة، شهدت الضفة الغربية المحتلة مؤخراً ظاهرة تتزايد مع مرور الوقت، وتتمثل باعتداءات يمارسها المستوطنون على جنود وضباط جيش الاحتلال هذه المرة، مما دفع الجيش لتسميتها بظاهرة "الإرهاب اليهودي".
وأثار تكرار الاعتداءات ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والحزبية والأمنية، وسط اتهامات للحكومة الإسرائيلية بتوفير الغطاء السياسي لمن يُسمَّون "فتيان التلال"، وهم عتاة المستوطنين المنفلتين من أي عقال، تمهيداً لإقامة ما يعتبرونها "دولة المستوطنين".
ويتزامن ذلك مع تحركات الاحتلال الإسرائيلي لإعلان ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة. ومن خلال هذا التقرير سنتطرق لما يقوم به "فتيان التلال" من اعتداءات، وكيف تتغاضى الحكومة عن جرائمهم.
خنق الجنود وتخريب ووصف ضباط بالخونة والنازيين
في أواخر شهر يونيو/حزيران 2025، وصل نحو سبعين مستوطناً إلى قرية كفر مالك قرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، عند مستوطنة "كوخاف هشاحر"، وهاجموا قوات الجيش والشرطة، وألقوا الحجارة عليهم، بل حاولوا دهسهم، واعتدوا عليهم بالضرب، وحاولوا خنق عدد من الجنود، وصدموا عمداً مركبة عسكرية، ومن بين من تعرضوا للهجوم قائد الكتيبة المقدم "ج".
كما قام المستوطنون، وهم من عصابة "فتيان التلال"، بإعطاب عجلات مركبات جيش الاحتلال التي حاولت منعهم من التوجه إلى منطقة عسكرية مغلقة، وبعد لحظات قليلة، توافد عشرات المستوطنين إلى مكان الحادث، وانضموا إلى موجة الاعتداء على الجنود وأفراد الشرطة، وألقوا زجاجة مولوتوف على مركبة عسكرية.
سبق هذا الحادث بثلاثة أيام، اقتحام أكثر من مائة مستوطن للقرية الفلسطينية، وأحرقوا عدداً من منازلها، وأطلقوا الرصاص الحي على المكان، وسط تواجد الجنود، وأسفر الاعتداء عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين وإصابة عدد آخر بجروح خطيرة، ثم عاودوا من جديد إلى ذات القرية، حتى حاول الجنود منعهم، وحصل ما حصل.
في يوم لاحق من الحادث، شارك عشرات المستوطنين في مظاهرة عنيفة أمام مركز شرطة "بنيامين"، وحملوا لافتات تندد بالجنود، ورشّوا رذاذ الفلفل عليهم، وألحقوا أضراراً بمركباتهم، وأشعلوا النار في منشأة أمنية.
ورفعوا لافتة مكتوباً عليها "قائد الكتيبة خائن قاتل"، "يطلق النار على اليهود، ويحمي العدو"، ووزعوا صوراً تظهر وجهه، مع أن جنود المركز من القوة الاحتياطية للكتيبة 7114، وقضت مئات أيام الخدمة في غزة، وانتقلت حديثاً إلى الضفة، وتضم جنوداً في وحدات "دوفدفان، دوخيفات، عوكيتس".
وبعد ساعات قليلة من الحادث، حاول مستوطنون في مستوطنة بيت إيل إشعال حريق، وكتابة شعارات تحريضية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي مثل "إطلاق نار، انتقام"، وتظاهروا أمام نقطة الشرطة، وأسفر الحادث عن أضرار فيها.
مصدر عسكري في جيش الاحتلال أكد أن "المستوطنين مثيرو الشغب أشهروا بنادقهم في وجه الجنود الذين تعرضوا لإطلاق النار، وإن إقدامهم على إحراق منشأة عسكرية، يعني أننا نعيش في وضع عبثي، وهذا يكلّف أرواحاً بشرية، ومن شأنه أن يترك الجيش في مأزق، لقد هددوا حياة الجنود، حتى لا يخرجوا من المنشأة أحياء".
قائد الكتيبة الذي يتعرض لحملة تحريض من قبل المستوطنين، كشف أن "المستوطنين أسماؤهم موثّقة في هجمات الحرق العمد، ومزوّدون بأسلحتهم الشخصية، رأيناهم يخنقون أحد الجنود، وضربوني شخصياً، ورشقوا إحدى المركبات بالحجارة، وثقبوا عجلات المركبات، وهددوا حياتنا بأننا لن نخرج من هناك أحياءً، وقد تعرضتُ للإهانة، لقد لكموني شخصياً، وصفوني بالنازي، وشُتمتُ، وبصقوا عليّ".

مواقف خجولة من الحكومة الإسرائيلية
تسببت هذه الحوادث التي تعرّض لها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعاصفة في الأوساط السياسية والحزبية، لكنها انقسمت بين الائتلاف والمعارضة على النحو التالي:
- رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض الحادث، زاعماً أن من عمل ضد الجنود أقلية صغيرة لا تمثّل الأغلبية المطلقة من المستوطنين.
- وزير الحرب يسرائيل كاتس أعلن أن الدولة لن تسمح بممارسة العنف ضد جنودها، ودعا الحاخامات وقادة المستوطنات إلى نبذ مثل هذه الأفعال.
- وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش انتقد الجيش، وزعم أن إطلاق النار تجاه اليهود تجاوزٌ محظورٌ وخطيرٌ للخط الأحمر، ويستحق التحقيق.
- وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير اعتبر الحادث خطاً أحمر، وطالب بالتعامل مع من ألحقوا الضرر بالقوات ومنشآتها الأمنية بكل شدة.
- الوزير أوفير سوفير أكد أن كل من يهاجم الجيش يُلحق الضرر بالمستوطنات، ويقوّض وحدة الدولة، هذه ليست صهيونية، بل فوضى، ويجب وقف هذا الدمار، الآن.
- رئيس الائتلاف الحاكم أوفير كاتس اعتبر أن كل من يرفع يده ضد الجنود مجرمٌ يجب إدانته، متمنياً أن يتم القبض على مثيري الشغب، لأنهم مجرمون.
- وزير الخارجية غدعون ساعر اعتبر العنف ضد الجيش غير مقبول، ويجب معاقبة مرتكبيه بشدة.
- إليشع يارد، المتحدث السابق باسم عضو الكنيست ليمور سون هار-مالك من حزب العصبة اليهودية، نشر إعلاناً بناءً على أوامر حاخامية، ونيابة عن ممثلي المستوطنين، جاء فيه أن المتحدث باسم الجيش يكذب بشكل صارخ، ويشوّه سمعة المستوطنين، لقد وقعت الحادثة لأن قائد الكتيبة فقد أعصابه، وأطلق ذخيرة حية أثناء إخلاء موقع استيطاني دون مبرر.
- عضو الكنيست إسحاق كرويزر من العصبة اليهودية، زعم: "نحن لا نؤذي الجيش، نقطة على السطر!".
المعارضة تتهم الحكومة بتوفير الغطاء السياسي للإرهابيين اليهود
زعيم المعارضة يائير لابيد انضم إلى سلسلة الإدانات قائلاً: إن المتطرفين الذين يهاجمون الجنود هم مجرمون خطيرون يساعدون أعداءنا، ويجب تقديمهم للعدالة بشكل كامل، لأنهم يعرّضون حياة جنودنا للخطر، ويضرّون بالدولة، الإرهابيون إرهابيون، هؤلاء إرهابيون يهود، مجموعة من المجرمين الذين يشعرون أن الائتلاف الحكومي يدعمهم، ومن يستخدم القوة ضد الجنود يجب التصرّف ضده بكل قوة.
بينما رفعت حركة "قادة من أجل أمن إسرائيل" عريضة تحذيرية، وقّع عليها 600 من كبار قادة الجيش والمخابرات، برئاسة ماتان فيلنائي، أكدت أن حوادث الاعتداء على الجنود من قبل المستوطنين تُثير تخوّفاً من أن تأخذ عصاباتهم القانون بأيديها، وطالبوا بتعريف هذه الهجمات بأنها "إرهاب"، متهمين الحكومة بتخفيف إجراءاتها تجاههم، وغضّ الطرف عنهم.
فيما أكد رئيس الحزب الديمقراطي، يائير غولان، أن أخطر تهديد وجودي للدولة لا يأتي من إيران أو اليمن، بل من الداخل، الحكومة الكاهانية القومية المتعصبة تعمل على تفكيك الدولة، المستوطنون مثيرو الشغب لا يترددون في استخدام العنف ضد الجنود والضباط، بل ينفّذون أعمالاً إرهابية، هذه ليست ظاهرة هامشية، بل تيار خطير تغلغل بعمق، حتى في أوساط الحكومة، يأخذ الدولة نحو مزيد من التدهور.
الكاتب الصحفي بن كاسبيت وصف "فتيان التلال" بأنهم مضطربون عقلياً، مجرمون، مدمنو مخدرات، في الماضي كانوا أقلية من عشرات الإرهابيين، أما اليوم فقد أصبحوا مجموعة أساسية من المئات، محاطة بمجموعة أساسية من الآلاف، ويفعلون ما يريدون على الأرض.
وطالب رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، بمعاقبة مثيري الشغب الذين أشعلوا النار في منشأة أمنية بأقصى العقوبات، لأن أي ضرر يلحق بالجنود هو ضرر قاتلٌ للدولة.
بينما أكد عضو الكنيست فلاديمير بيلياك أن المجموعات الإرهابية في المستوطنات مدعومة بشكل مفتوح من بن غفير وسموتريتش، وتواصل إيذاء الجنود، والتحريض ضد الضباط، حتى إن وزير الحرب كاتس أصبح عبداً مُقسّماً للكاهانية.
أما عضو الكنيست غلعاد كاريف من حزب (الديمقراطيون)، فاعتبر أن فتيان التلال ليسوا أعشاباً ضارة، بل هم طليعة خطة الضم والاستيلاء على الضفة، وهدفهم إشعال فتيل الصراع فيها لعودة الجيش إليها.
جيش الاحتلال مقيّد عن التصدي لظاهرة "فتيان التلال"
لم تقتصر ردود الفعل على الأوساط السياسية والحزبية، بل إن محافل الجيش والمؤسسة الأمنية شهدت غضباً واسعاً، حيث أعلن رئيس هيئة أركان الجيش، آيال زامير، أنه لن يقبل بتعرّض الجنود لأي أذى، رافضاً استخدام العنف من قبل أقلية متطرفة.
وقال إن الجنود تدخلوا لتفريق تجمّع غير قانوني في منطقة عسكرية مغلقة، لكنهم تعرّضوا لهجوم عنيف للغاية، وإذا لم يتم التعامل معه بحزم ومنهجية، فقد يؤدي إلى كارثة.
فيما اعتبر وزير الحرب السابق يوآف غالانت أن حوادث العنف الخطيرة، التي تهاجم فيها العناصر المتطرفة الجنود وتُدمَّر فيها منشآت أمنية، تشكل خطراً على الأمن، وإن عدم التعامل مع مثيري الشغب يضرّ بالدولة، لأن إعطاء الأولوية للاعتبارات الحزبية على الاعتبارات الأمنية له ثمن باهظ.
قائد الجيش الأسبق، ورئيس معسكر الدولة، بيني غانتس، أشار إلى أن هذا الحدث يُضاف إلى موجة خطيرة من الأحداث الإضافية، تبدأ برياح عاتية من العنف والإرهاب اليهودي، تهبّ تحديداً من وزراء في الحكومة، والإدانات الضعيفة لن توقف العنف، بل الأفعال فقط.
وهو ما أيده فيه قائد الجيش السابق، عضو الكنيست غادي آيزنكوت، الذي أكد أن العنف الذي مارسته مجموعة من المجرمين اليهود يتطلب موقفاً حازماً في التعامل معهم.
قائد أركان الجيش السابق أفيف كوخافي وصف هجمات المستوطنين على الجنود بـ"غير المقبولة" و"السلوك الإجرامي"، و"الحوادث الخطيرة للغاية"، وتُجسّد سلوكاً إجرامياً مشيناً ومخزياً.
أما كوبي ماروم، قائد الكتيبة 13 في لواء غولاني، فاعتبر أن الإيذاء الجسدي لجنود وضباط الجيش يشكل تجاوزاً صارخاً للخط الأحمر في الواقع المعقّد والحسّاس هناك، ويبدو أن الوضع في طريقه لفقدان السيطرة والتدهور إلى حالة من الفوضى، ويشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي للدولة.

ظاهرة متزايدة تحمل توجّهاً للمستوطنين للسيطرة على الدولة
لا تُعتبر هذه الحادثة شاذة أو استثنائية في سلسلة هجمات واعتداءات المستوطنين على الجنود، بل تبدو ظاهرة آخذة بالتزايد في السنوات الأخيرة، لاسيما مع صعود اليمين بشقّيه: الديني والقومي، وتشكيل الحكومة الحالية، ويمكن رصد أهم هذه الحوادث على النحو التالي:
- في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، هاجم عشرات المستوطنين قائد المنطقة الوسطى في الجيش آفي بلوث، رغم أنه كان موجوداً لتأمين اقتحامهم لمدينة الخليل برفقة وزراء من الحكومة، حيث طاردوه، ووصفوه بـ"الخائن".
- في مايو/أيار 2024، اعتدى مستوطنون على جنود مكلفين بحماية سائق شاحنة أضرموا فيها النيران، وكانت تحمل مساعدات متجهة إلى قطاع غزة، مما أسفر عن إصابة ضابطين وجندي بجراح طفيفة.
- في أكتوبر/تشرين الأول 2022، اعتدى مستوطنون على جنود خلال اشتباكات قرب مدينة نابلس، هاجموهم بعنف، ورشّوا عليهم رذاذ الفلفل الحار.
- في أبريل/نيسان 2014، أُصيب ستة جنود خلال مواجهات مع مستوطني مستوطنة يتسهار شمالي الضفة، عقب هدم مبانٍ أُقيمت بطريقة غير مرخّصة، واتّهموا الجيش بالتقصير في حمايتهم من الفلسطينيين.
قرارات وإجراءات أمنية سرّعت من ظاهرة الاعتداء على الجيش
لا ينظر الإسرائيليون إلى هذه الظاهرة المتزايدة على أنها منفصلة عن السياق السياسي والحزبي الذي تشهده الدولة، خاصة في ظل حكومة اليمين الفاشي الحالية، المسماة أحياناً "حكومة المستوطنين".
وشهدت سلسلة خطوات وإجراءات عملت على "حقن الإرهاب اليهودي بجرعة من الأدرينالين"، والنتائج ظاهرة بالفعل على الأرض، كما حصل في الحوادث الأخيرة، ومن هذه القرارات:
- إعلان وزير الحرب كاتس أنه لن يوقّع على أوامر اعتقال إدارية ضد المستوطنين المشتبه بتورّطهم بأعمال إرهابية، بمن فيهم مثيرو الشغب ضد الجنود، وكأن بقراره هذا "ربّت" على ظهر الشيطان، وأبلغه أنه لن يؤذيه أحد، لأنه يستحيل اتخاذ إجراءات ضده، مما أثار غضب الجيش وجهاز الشاباك.
- تعيين سموتريتش وزيراً بوزارة الحرب، ونقل صلاحيات الإدارة المدنية وإدارة المستوطنات إليه، مما أدى إلى مسٍّ خطير بإنفاذ القانون والنظام.
- تعيين بن غفير وزيراً للأمن القومي، ومسؤولاً عن الشرطة في الضفة، شكّل عاملاً آخر في إذكاء الإرهاب اليهودي، مما أدى إلى انعدام التعاون بين الشرطة والشاباك في الضفة الغربية.
كاتس بقراره المتساهل لم يشجّع المستوطنين على سفك دماء الفلسطينيين فقط، بل شجّعهم على مهاجمة الجنود والضباط، لأنهم باتوا يشعرون بأنفسهم فوق القانون، مع أن الدولة التي تُصدر أوامر اعتقال إدارية بالجملة ضد الفلسطينيين المتّهمين بالعمل ضمن صفوف المقاومة، لا تُصدر نفس الأوامر ضد الإرهابيين اليهود، هي دولة فصل عنصري.
كاتس بقراره هذا منح المستوطنين ترخيصاً لإشعال النار في الضفة، ومن سيدفعون الثمن هم الضباط والجنود على الأرض، والفلسطينيون قبلهم.
ويعتقد الإسرائيليون أن الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين وقوات الجيش يمسّ بشكل جوهري بأمن الدولة، ويضرّ بالجنود جسدياً ومعنوياً، وسيُعطّل كل إنجازات الحروب الأخيرة، ويؤدي إلى الفوضى، ويستنزف الجيش، ويصرفه عن جهوده الأساسية، ويُقوّض بشكل صارخ سيادة القانون، ويحوّل الدولة إلى خارجة عن القانون، مما يستدعي التحرّك عملياً، وبسرعة وحزم، وبيدٍ ثقيلة.
اللافت أنه، رغم ردود الفعل الرافضة لسلوك الاعتداء على الجنود، ورغم عمل شبكة من المنظمات الإرهابية اليهودية المنتشرة في الضفة، فإن شرطة الاحتلال لا تتحرّك ضدها كما ينبغي، والحكومة لا تسمح للجيش بالقيام بدوره في المنطقة.
مع أنه، من أجل القضاء على هذه الظاهرة، وإزالة الخطر الذي تُشكّله على الدولة، يجدر النظر في إلغاء نشاطاتها، وإعادة كل الصلاحيات للجيش.
سيطرة المستوطنين على الضفة مقدّمة للسيطرة على الدولة
سبق هذه الحوادث ضد الجنود عدد من التطورات المثيرة للاهتمام، بشأن ما يحدث في الضفة، لكنها لم تحظَ بالاهتمام العام والإعلامي الذي تستحقه، وهي:
- خطاب استقالة قائد القيادة الوسطى في الجيش، يهودا فوكس.
- رسالة الرئيس السابق لجهاز "الشاباك" رونين بار بشأن أنشطة خطيرة قام بها وزير الأمن القومي.
- تلخيص قائد المنطقة الوسطى، آفي بلوث، للتحقيق في الاضطرابات التي أثارتها عصابات يهودية.
- صدور بيان مشترك عن رئيس الأركان، ورئيس جهاز الشاباك، والمفوض العام للشرطة.
جميع هذه الوثائق توافقت على أن شبكة من العصابات الاستيطانية الإرهابية اليهودية تعمل في الضفة الغربية من خلال الإضرار بممتلكات الفلسطينيين، من أجل زرع الخوف والرعب في أوساطهم، والهدف إخراجهم من أماكن سكناهم، والاستيطان بدلاً منهم، من أجل السيطرة على أراضيهم وضمّها إلى إسرائيل، مع أن الأمر لم يعد مجرّد "أعشاب ضارة".
بل هناك توسّع كبير في الظاهرة، بما فيها استخدام الأسلحة، بعضها قدّمه الجيش للمستوطنين، لكن ظلّت هذه الرسائل الخطيرة وغير العادية دون ردّ من رئيس الوزراء أو وزرائه، رغم الواقع الخطير الذي وصفته.
وأكدت هذه الوثائق أن شرطة الاحتلال، التابعة إدارياً لوزارة الأمن القومي برئاسة بن غفير، لا تتحرك ضد هذه العصابات كما يقتضي القانون، وهناك أدلة على تجنّبها المتكرر للتدخل في الأحداث، واعتقال مثيري الشغب، واستجواب المشتبه بهم، ومحاكمتهم.
وعكس سلوكها روح المحسوبية الحزبية النابعة بقوة من أعضاء الكنيست من اليمين المتطرف وممثّليهم في الحكومة، كما أن قادة المستوطنات لا يقومون بأي عمل ضد "فتيان التلال"، ويكتفون ببعض الإدانات الضعيفة.
تؤكد المعطيات المتوفّرة أن هذه العصابات تعمل دون انقطاع تقريباً، في طريقها للاستيلاء بالقوة على كامل الضفة الغربية، ومن ثم على الدولة برمّتها، مما يجعل الخطر الذي تُشكّله هذه العصابات اليهودية، كما قدّمه رئيس الشاباك، وكما يتبيّن من أقوال الجنرالات، لا يقلّ عن الخطر الذي يهدّد وجود الدولة ذاتها.
لكن الغريب أن هذا الواقع الصعب والخطير يحظى بدعم سري وعلني في الأشهر الأخيرة من قبل أعضاء الكنيست والوزراء، الذين يرون الصورة القاتمة، ولا يفعلون شيئاً أو نصف شيء حيالها.