معالجة التسلل الأمني والحد من جواسيس إسرائيل داخل إيران.. تفاصيل خطة طهران لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/27 الساعة 20:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/27 الساعة 20:53 بتوقيت غرينتش
ضباط من الحرس الثوري الإيراني _تعبيرية/رويترز

علم "عربي بوست" من مصادر أمنية إيرانية رفيعة المستوى أن القادة الإيرانيين عازمون على إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والاستخباراتية التي تعرضت لاختراقات هائلة، والتي أثارت غضب المرشد الأعلى الإيراني بشكل كبير، والاستعداد لجولة أخرى من المواجهة الأمنية مع إسرائيل.

وفي هذا التقرير، سنحاول شرح بعض الخطوات التي ستتخذها القيادة الإيرانية في خطتها لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، وأسباب فشل الاستخبارات الأمنية أمام الاختراقات الإسرائيلية.

غضب وصدمة خامنئي

وقال مصدر أمني إيراني رفيع المستوى لـ"عربي بوست": "بعد الهجمات الإسرائيلية على القادة والعلماء الإيرانيين، كان خامنئي غاضباً للغاية من حجم الاختراقات الإسرائيلية لأجهزة الاستخبارات الإيرانية، وعندما وصلت إليه عدة تقارير حول هذا الأمر، عبّر عن صدمته الكبيرة بما قرأه".

وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "يعلم خامنئي جيداً أن هناك العديد من المشاكل في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية، وكان في السنوات الماضية يحاول العمل على حلها مع المسؤولين في كثير من الأوقات، ولكنه قال أحد المسؤولين الأمنيين في اجتماع عقب الهجوم الإسرائيلي الأول على إيران، بأنه مصدوم وكان لا يتوقع كل هذا الكم من التسلل الإسرائيلي داخل إيران".

وتُستخدم كلمة "تسلل" في أدبيات السياسة الإيرانية للإشارة إلى الاختراق الأمني والسياسي والثقافي من قبل أعداء الجمهورية الإسلامية لأجهزة الدولة المختلفة.

وفي السياق نفسه، أشار مصدر سياسي مقرّب من دوائر صنع القرار في طهران إلى اهتمام خامنئي بمعالجة هذه المشكلة، وقال لـ"عربي بوست": "أمر خامنئي بضرورة إيجاد طريقة لمعالجة الاختراقات الأمنية الإسرائيلية، حتى أثناء الحرب مع إسرائيل، وقال إن الأمر حتمي وضروري ولا يحتاج إلى تأجيل لما بعد الحرب".

وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "كان خامنئي مهتماً للغاية بهذه النقطة، وكان يطلب تقارير يومية عن هذه المسألة، وبعد إعلان وقف إطلاق النار، طلب من المسؤولين الأمنيين وضع خطة لإعادة هيكلة المنظمات الأمنية والاستخباراتية".

وفي السنوات الأخيرة، شهدت إيران عمليات اختراق أمني إسرائيلي واسعة النطاق، طالت اغتيال علماء نوويين واستهداف منشآت حساسة، واغتيال إسماعيل هنية القيادي السياسي البارز في حركة حماس داخل الأراضي الإيرانية.

وكانت آخر هذه الهجمات تلك التي استهدفت العلماء النوويين والقادة العسكريين، وما تم الكشف عنه لاحقاً من وجود عدد كبير من عملاء الموساد يعملون داخل إيران منذ سنوات، ساعدوا تل أبيب في شن هجومها الواسع يوم 13 يونيو/حزيران.

بالإضافة إلى اكتشاف الأجهزة الأمنية الإيرانية عدداً كبيراً من ورش تصنيع الطائرات بدون طيار داخل الأراضي الإيرانية، والكشف عن عدد من الجواسيس الإيرانيين الذين يعملون لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي.

وفي هذا الصدد، يقول المسؤول الأمني الإيراني لـ"عربي بوست": "طوال الفترة الماضية، اكتشفنا عدداً كبيراً من عملاء الموساد، كما اكتشفنا تجنيد الموساد للكثير من العاملين داخل المؤسسات الأمنية والحكومية والدوائر الشرطية، حتى اللاجئين الأفغان هناك، منهم من تعامل مع الموساد وتم تجنيده".

تعقيدات المنظمات الأمنية الإيرانية

وقبل الخوض في أسباب فشل أجهزة الاستخبارات الإيرانية والخطط المحتملة لإعادة هيكلة هذه المنظمات الأمنية لمواجهة الاختراقات الإسرائيلية، يجب الإشارة باختصار إلى عدد وطبيعة المنظمات الأمنية الموجودة في إيران، وطبيعتها المعقدة.

بجانب وزارة الاستخبارات التابعة للحكومة، توجد ثلاث مؤسسات استخباراتية أخرى وهي كالتالي:

منظمة استخبارات الحرس الثوري، وهي مؤسسة حديثة نسبياً تم تأسيسها سنة 2009، وكان قبل هذا التاريخ يتم تعيين نائب من الحرس الثوري في وزارة الاستخبارات الحكومية، وتخضع هذه المنظمة لإشراف مباشر من المرشد الأعلى الإيراني.

وعلى عكس وزارة الاستخبارات الحكومية، فإن منظمة استخبارات الحرس الثوري لا تخضع لأي مراقبة أو مساءلة أمام الرئيس والبرلمان الإيراني، ويتم تعيين رئيس منظمة استخبارات الحرس الثوري من قبل المرشد الأعلى.

أما المنظمة الثانية فهي منظمة حماية استخبارات الحرس الثوري، هذه المؤسسة تُعد فرعاً من المنظمات الاستخباراتية الداخلية للحرس الثوري، ولا علاقة لها بوزارة الاستخبارات الإيرانية، لديها مهام محددة وهي مكافحة التجسس داخل الحرس الثوري، ومنع تسلل أي إيديولوجيات مخالفة لإيديولوجية الحرس الثوري، والحفاظ على سرية نقل المعلومات داخل الفروع المتعددة للحرس الثوري، والمراقبة السياسية والأمنية لكلاً من كبار وصغار القادة والجنود داخل الحرس الثوري الإيراني.

يظل قادة هذه المنظمة غير معروفين بشكل كبير، ونادراً ما تتناول وسائل الإعلام الإيرانية أسماء أو صور أو أي أخبار عن المسؤولين في هذه المنظمة.

المنظمة الثالثة وهي منظمة حماية الحرس الثوري، هذه المنظمة مسؤولة بشكل أكبر عن حماية أفراد وقادة الحرس الثوري، وليس العمل المخابراتي بشكل عام، كما أنها مسؤولة عن عمل الإدارات أو الأقسام المسؤولة عن حماية كبار الشخصيات السياسية والعسكرية في إيران.

الكثير من التعقيد وتضارب المصالح

يقول وحيد عليمي، الباحث الأمني الإيراني والمقرّب من وزارة الاستخبارات الحكومية في إيران: "دائماً ما كان تعدد وكثرة المنظمات الأمنية والاستخباراتية في إيران سبباً في الصراع وتضارب المصالح بين هذه المنظمات، ما يُسهّل الاختراقات الإسرائيلية".

ويُشير عليمي إلى الصراع الكبير بين وزارة الاستخبارات التابعة للحكومة المنتخبة وبين منظمة استخبارات الحرس الثوري على وجه التحديد، فيقول لـ"عربي بوست": "تضارب المصالح بين هاتين المؤسستين كان سبباً في الكثير من الاختراقات الأمنية الإسرائيلية".

وقال إن لدى وزارة الاستخبارات رؤية أمنية مختلفة تماماً عن منظمة استخبارات الحرس الثوري، التي ترى أن الوزارة يسيطر عليها الفصيل السياسي المسيطر على الحكومة، بينما استخبارات الحرس الثوري أيديولوجيتها ثابتة واتجاهاتها ثابتة، ولم ينجح أي مسؤول ولا حتى خامنئي في التوفيق بين المؤسستين.

وأكد هذا الرأي مصدر سياسي معتدل مقرّب من القيادة العليا في طهران: "ناهيك عن تعدد أجهزة الاستخبارات داخل الحرس الثوري، هناك أجهزة استخبارات أخرى داخل الشرطة، كل هذا التعدد خلق نوعاً من غياب التنسيق الفعال بين هذه الأجهزة، التي من المفترض على كثرتها أن تكون أقوى، وطوال سنوات رفضت هذه المنظمات مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع بعضها البعض، فكل منظمة لديها انتماءات وولاءات مختلفة عن الأخرى، ما سهّل اختراق إسرائيل لهم جميعاً".

وجدير بالذكر أنه بعد اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده عام 2020، صرّح وزير الاستخبارات آنذاك إسماعيل خطيب بأن وزارة الاستخبارات حصلت على معلومات دقيقة عن نية إسرائيلية لاستهداف فخري زاده والتوقيت المحدد وبعض المشتبه بهم، وكان من بينهم شخص منتمٍ إلى الحرس الثوري، وقدّمت وزارة الاستخبارات هذه المعلومات إلى منظمة استخبارات الحرس الثوري، ولكنها لم تهتم بها.

ويقول المسؤول الأمني الإيراني لـ"عربي بوست": "حاول خامنئي أكثر من مرة حل الخلافات بين وزارة الاستخبارات ومنظمة استخبارات الحرس الثوري، وتدخل بنفسه لحل هذه الأزمة، لكن من الواضح أن المشكلة لم يتم حلها".

التورط في الوضع الداخلي

وقالت المصادر التي تحدّثت لـ"عربي بوست" إن من ضمن أسباب فشل أجهزة الاستخبارات الإيرانية هو التورط في الوضع الداخلي. ويقول الباحث الأمني المقرّب من وزارة الاستخبارات، وحيد عليمي، لـ"عربي بوست": "مرّت إيران بموجات احتجاجية كبرى منذ عام 2009، وكان آخرها عام 2022 بعد وفاة مهسا أميني، وطوال هذه السنوات دأبت أجهزة الاستخبارات على التصدي إلى الخطر الداخلي وملاحقة النشطاء السياسيين وقادة الاحتجاجات، بدلاً من التركيز على الخطر الأكبر القادم من الخارج، ما زاد من عدم كفاءة هذه الأجهزة".

وأضاف عليمي قائلاً: "الاستغراق في الوضع الداخلي، يقابله على الجهة المقابلة (إسرائيل) طفرة كبيرة في التقدم الاستخباراتي لدى جهاز الموساد، الذي استطاع أن يقوم بتجنيد العديد من العملاء داخل الأراضي الإيرانية، في وقت كانت فيه الأجهزة الأمنية مشغولة بملاحقة المتظاهرين ضد الحجاب الإلزامي وغيره من الأمور".

وقد أشارت المصادر إلى أن عامل السخط العام من الحكومة والنظام الإيراني، وانعدام الثقة بين الشعب والنظام، مما يساعد في سهولة عمل جهاز الموساد الإسرائيلي داخل إيران.

وفي هذا الصدد، يقول وحيد عليمي لـ"عربي بوست": "يعاني الكثير من الإيرانيين من الفقر بسبب العقوبات الاقتصادية المرهقة المفروضة على إيران منذ سنوات طويلة، ولا يمكن إغفال وجود أعداد كبيرة من المعارضين المتطرفين للنظام داخل إيران، والذين يريدون إسقاط النظام بأي شكل".

وأضاف أن كل هؤلاء من السهل تجنيدهم لصالح إسرائيل، ناهيك عن وجود اختراقات غير مباشرة لأقارب كبار المسؤولين في الحرس الثوري والمؤسسات الأمنية، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية الإيرانية على اكتشاف هذه الاختراقات بشكل سريع ومباشر.

ملامح خطة إعادة الهيكلة

تحدّثت المصادر الإيرانية المطلعة عن الملامح العامة للخطة المبدئية لإعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات الإيرانية المتنوعة.

وفي هذا الصدد، قال المصدر الأمني الإيراني المطلع لـ"عربي بوست": "الأولوية الآن هي تطهير كافة الأجهزة الأمنية من عملاء الموساد، ومن ثم العمل على إيجاد آلية لتنسيق المهام بين هذه المنظمات".

وأشار الباحث الأمني، وحيد عليمي، إلى ضرورة العمل على سد الفجوات بين الأجهزة الأمنية المختلفة، قائلاً لـ"عربي بوست": "إن تقليل التنافس بين المؤسسات الأمنية والعمل على حل مسألة تضارب المصالح، وإيجاد آلية للتعاون بين المنظمات الأمنية المختلفة، سيساهم بشكل كبير في سد الثغرات الأمنية التي تستغلها إسرائيل للتسلل داخل هذه الأجهزة".

كما أشار المصدر الأمني الإيراني إلى العمل الجاري على إنشاء مؤسسة مستقلة لمحاسبة ومراقبة عمل الأجهزة الأمنية المختلفة، وقال لـ"عربي بوست": "من المهم إنشاء هذه المؤسسة التي سيكون لها مهام متعددة غير الرقابة على عمل الأجهزة الأمنية، على سبيل المثال ستعمل هذه الجهة على تحليل وضع المؤسسات الأمنية المختلفة وإيجاد نقاط الضعف بها والعمل على حلها، ولن تكون فقط جهة مراقبة ومحاسبة".

وأكدت المصادر التي تحدّثت لـ"عربي بوست" على ضرورة السرعة في إيجاد حل لمشكلات المنظمات الأمنية الإيرانية، والاستثمار بها لرفع كفاءتها. ويقول مصدر سياسي مقرّب من دوائر صنع القرار في إيران لـ"عربي بوست": "نحن نواجه أخطر حرب منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، ويجب أن نكون على أهبة الاستعداد، الكل مهتم بالضربة العسكرية الإسرائيلية القادمة ضد إيران، ولكن يجب الاهتمام بأن الإسرائيليين سيكثفون عملياتهم السيبرانية التخريبية، ويكثفون العمل على إيجاد عملاء لهم جدد داخل إيران، ويجب التصدي بسرعة لهذه الخطط".

تحميل المزيد