بعد اعتراف إسرائيل بتمويلها.. “عربي بوست” يكشف تفاصيل حول الأهداف الحقيقية لمجموعة “أبوشباب” ومصادر تسليحها وعلاقتها بالسلطة

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/07 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/07 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش
لصوص المساعدات في غزة يحصلون على تسهيلات من الاحتلال بهجماتهم/ رويترز

قنبلة من العيار الثقيل فجّرها أفيغدور ليبرمان، وزير الحرب الأسبق، وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المعارض، بكشفه أن الحكومة "زوّدت ميليشيات ومجموعات إجرامية في قطاع غزة ببنادق هجومية وأسلحة خفيفة لمحاربة حماس، بأوامر من رئيسها بنيامين نتنياهو، ودون موافقة مجلس الوزراء، ولا قائد الجيش، بل اقتصر الأمر على موافقة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) فقط، مع أننا نتحدث "عما يُعادل تنظيم داعش في غزة"، على حد قوله، وحذر أنه "لا أحد يضمن عدم توجيه هذه الأسلحة لإسرائيل، فليس لدينا أي وسيلة للمراقبة أو التتبع".

حديث ليبرمان هو الأول من نوعه لمسئول إسرائيلي يعتبر بالنسبة لأهل قطاع غزة كشفاً لسِرّ معروف منذ أواخر 2024، لأنهم يعلمون أن سلطات الاحتلال تقف خلف مجموعات مسلحة يقودها المدعو ياسر أبو شباب، ولئن كان الاعتقاد السائد بين الفلسطينيين أن الأمر قد يقتصر على سلوك إجرامي يقوم على سرقة مساعداتهم، وجباية أموال طائلة منهم بصورة ابتزازية، لكن ليبرمان وضع النقاط على الحروف، وكشف بما لا يدع مجالا للشك أن الموضوع أمني سياسي من العيار الثقيل، ويتعلق بتحضيرات اسرائيل لليوم التالي في غزة.

تزامن هذا الاعتراف مع صدور دعوات من ياسر أبو شباب ومجموعته لسكان مناطق شرق رفح للعودة لمنازلهم، وأنه يوفر لهم الأمان والملجأ والطعام والوقود.

من هنا، قام "عربي بوست" بتتبع الأهداف الحقيقية وراء تشكيل هذه المجموعة ومن يقف ورائها وكيف تحصل على أسلحتها، وطبيعة الشكل المؤسسي لها، وعلاقتها بالسلطة الفلسطينية وجيش الإحتلال، بالإضافة إلى موقف المقاومة في قطاع غزة منها وكيفية التعامل معها.

زلزال ليبرمان يواصل إحداث مزيد من الهزّات الارتدادية

نبدأ مما نشرته وسائل الإعلام والمسؤولين الإسرائيليين حول هذه المجموعة، والجدل حول تبعات تصريحات أفيغدور ليبرمان، وزير الحرب الأسبق. على الفور، انشغلت الحلبة السياسية والحزبية في إسرائيل بتبعات كشف ليبرمان، الذي ردّ عليه مكتب نتنياهو بما بدا اعترافاً ضمنياً باتهامه، قائلاً إن "الحكومة تعمل على هزيمة حماس بطرق مُختلفة، بناءً على توصية جميع رؤساء الأجهزة الأمنية"، متسائلاً: ما السيء في أن نُشغّل عشائر في غزة ضد حماس؟ هذا أمر جيد"، ليردّ عليه ليبرمان مجددًا بالقول على منصة إكس، "لا تعطوهم أسلحة"!

فيما ذكر مسؤول كبير في مجلس الوزراء، أخفى هويته، أن "ليبرمان يكشف مجدداً عن كونه رجلاً ساخراً، غير مسؤول، ومنفلتاً من عقاله، ومستعداً للكشف عن معلومات حساسة تُعرّض جنودنا ورهائننا للخطر، لأغراض حزبية ضيقة، وهذا ببساطة جنون منهجي خطير"، ويدرس محيط رئيس الوزراء اتخاذ خطوات ضده بعد كشفه أحد أسرار الدولة، مع العلم أن حديث ليبرمان في هذا الموضوع الحساس كان خاضعا للرقابة العسكرية الصارمة، لكنها كما يبدو قررت كشفه أمام الجمهور، ورفع الحظر عنه.

يائير لابيد زعيم المعارضة، سارع لاتهام نتنياهو "بتسليح جماعات مرتبطة بداعش في غزة من تحت الطاولة، بدون أي تخطيط استراتيجي، وكل هذا سيقود لكوارث جديدة، والأسلحة التي تدخل لهذه الميليشيا ستُوجَّه في نهاية المطاف ضد الجنود والإسرائيليين"، فيما اعتبر الجنرال يائير غولان رئيس حزب الديمقراطيين، أن نتنياهو "يبيع أمن إسرائيل مقابل يوم إضافي في السلطة"، ولم تتأخر حماس في التعليق على كشف ليبرمان، واتهمت أبو شباب بـ"الخيانة".

فيما نقل أريئيل كهانا محرر الشئون السياسية لصحيفة إسرائيل اليوم المقربة من نتنياهو، أن ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، والمسئول عن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، عبّر عن دعمه لتعزيز الميليشيات التي تسلحها إسرائيل ضد حماس.

وفيما أكد بن كاسبيت، المحلل السياسي الأبرز في اسرائيل، أن "حكومة نتنياهو تدير الفوضى في غزة عن بُعد، في محاولة منها لاختراق الجبهة الداخلية الفلسطينية من الخاصرة، من خلال تسليح العصابات والعشائر والجماعات الإجرامية التي تجوب غزة الآن، في مسعى منها لإنشاء حكومة بديلة لحماس".

فقد سعى عاميت سيغال الصحفي اليميني المقرب من نتنياهو، للتذكير بالمثل الشعبي القائل "عدو عدوي صديقي"، وسياسة "فرّق تسد"، المعمول به قديما في السياسة الإسرائيلية، سواء بدعم إيران في الثمانينيات ضد العراق، أو تشجيع روابط القرى بالضفة الغربية، واليوم تمويل العصابات في غزة.

تفاصيل جديدة تكشف المستور عمن يقف خلف أبو شباب

هيئة البث الإسرائيلية نقلت عن مسؤول أمني تأكيده أن "تسليح الميليشيات في غزة خطوة مخطط لها مسبقاً، وقد أنقذت بالفعل أرواح الجنود، ويجب منح الوقت لتقييم نجاحها، لأن كل ضرر يُلحق بقدرة حماس على الحكم يخدم مصالحنا، وقد نقلت إسرائيل أسلحة ومعدات وأموالاً لعناصر أبو شباب في غزة، لأن الأمر يتعلق بقوة عسكرية تحصل على تعليمات من مستويات عليا، وتسلح عصابات بغزة، وتتلقى تعليمات من ضباط الشاباك المرافقين للجيش، وهناك أنشطة مماثلة في نقاط مختلفة في غزة تنفذ بطلب من الاستخبارات والشاباك".

أما دورون كدوش المراسل العسكري لإذاعة الجيش الاسرائيلي، فقدم تفاصيل جديدة عن التعاون بين إسرائيل وميليشيا أبو شباب، بالإشارة إلى أنها قامت بتسليمها أسلحة تمّ مصادرة العديد منها من مقاتلي حماس الذين استشهدوا في المعارك، ومعظمها بنادق كلاشينكوف، وتتركّز أنشطتها حالياً بمنطقة رفح، التي يسيطر عليها الجيش، ومن بين المهام الموكلة إليها حماية المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع، والمشاركة في القتال ضد حماس". 

وكشف مصدر عسكري إسرائيلي أن "ميليشيا أبو شباب تعمل شرقي رفح في مناطق سيطر عليها الجيش، وأن تسليحها جاء بمبادرة من أجهزة الأمن والقيادة السياسية.

مع العلم أن خطة تشكيل وتسليح العصابات في غزة، من المجرمين واللصوص، بدأت بمبادرة من جهاز الأمن العام- الشاباك، قبل ستة أشهر، عقب الطلب منه تقديم أفكار حول كيفية إضعاف حماس، حيث تشاور رئيس الجهاز رونين بار مع قائد الجيش آيال زامير، واتفقا سوياً على الخطة، ثم عرضاها على وزير الحرب يسرائيل كاتس الذي وافق عليها، ثم ذهب الثلاثة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

وفي اجتماع شخصي بين بار ونتنياهو اقتنع الأخير بها، وصادق عليها، وتم البدء بتنفيذها، فيما اعترف نتنياهو رسمياً بالوقوف وراء العصابات، زاعماً أنه "لا مشكلة لديه من تشكيلها من أجل هزيمة حماس"، وفق قوله.

الضابط ميخائيل ميليشتاين الرئيس السابق لشعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الإسرائيلي، أكد أنه "في خضم المناقشات حول وضع حماس في غزة، وفعالية آلية توزيع المساعدات الجديدة، فإن نشاط ميليشيا أبو شباب المسلحة جنوب القطاع يتم بالاشتراك مع إسرائيل، التي قد تعتبرها بمثابة بديل لحماس، لأنها ما زالت تشكل لها تحدياً متزايداً، خاصة من خلال السرقة والاستيلاء على قوافل المساعدات القادمة للفلسطينيين".

وأضاف أن "الجديد في هذه الميليشيات أنه أصبح لها شكل مؤسساتي، وعلاقاتها وثيقة، وربما تحظى برعاية أجهزة الأمن الإسرائيلية، والولايات المتحدة، والسلطة الفلسطينية، خاصة جهاز المخابرات العامة الذي يرأسه ماجد فرج الذي قام بزيارة مؤخرا للولايات المتحدة، ويتوقع أن يكون بحث هذا الموضوع هناك".

المقاومة تبدأ استهداف المجموعة

بعد هذا الإعتراف الإسرائيلي بالمسؤولية عن تأسيس وتمويل ميليشيا أبو شباب في غزة، بات الفلسطينيون أكثر صراحة في النظر إليها أكثر من كونها عصابة لصوص، بل نموذج سيء من "جيش لحد" في جنوب لبنان المتعامل مع إسرائيل، وباقي العملاء السريين معها، الأمر الذي يشرعِن استهدافهم، كما حصل أواخر مايو/ آيار حين قتلت كتائب القسام عدداً منهم.

مع العلم أن تسريبات من داخل أوساط المقاومة تحدثت أن كتائب القسام ستبدأ قريباً بتنفيذ قرارات مجلسها العسكري بتصفية عناصر الميليشيا، كما حصل مؤخراً بتفجير عبوة ناسفة في عدد منهم في مايو/ أيار 2025، عقب الكشف عن قيامها بين فبراير/شباط ومايو/أيار بتنفيذ عمليات مداهمة لعدة مناطق في رفح، حيث جمعوا أسلحة المقاومين، وعملوا على تفكيك البنى التحتية لمجموعات مقاومة متواجدة هناك، تحضيراً لـ "مرحلة ما بعد حماس".

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 هاجمت وحدة "سهم" التابعة لوزارة الداخلية بغزة، المكلفة بملاحقة اللصوص وقطاع الطرق، مواقع يتردّد عليها أفراد الميليشيا، وترددت شائعات حينها أن أبو شباب قُتل بعد إطلاق قذيفة مضادة للدروع تجاه مركبة استخدمها أثناء الفرار من المكان، لكن تبيَّن لاحقاً أن شقيقه كان على متنها، فيما فرّ هو لمواقع متقدمة جداً من أماكن انتشار الجيش شرق رفح، وتم إجلاء شقيقه لمستشفى "المطلع" بالقدس المحتلة بتعاون جهازي المخابرات الفلسطينية والاسرائيلية.

دفع التباهي الإسرائيلي بتشكيل هذه الميليشيا الإجرامية بعض الأوساط "العقلانية" في إسرائيل للتحذير من الاستعجال في تأبين حماس، ونعيها، رغم ظهور بعض مؤشرات الهشاشة عليها بفعل الضربات الأخيرة، لكنها ما زالت قائمة، وقد تكون خطوة تشكيل هذه الميليشيات من إسرائيل طلقة البداية لصراع دموي في غزة، لا ينبغي أن تنجرّ إليه، لأنه في حال انهارت حماس في نهاية المطاف، فلن يكون من المصلحة الاسرائيلية امتلاء القطاع بنماذج "أبو شباب"، لأنه واقع سيُذكّر بالصومال، وقد يصبح صداعاً لها لا يقل عن الواقع الحالي.

وكشفت الأسابيع الأخيرة أن هذه الميليشيا التي تتراكم فيها "الدوافع الاقتصادية الجشعة، مع الارتباطات الأمنية المشبوهة مع الاحتلال"، لا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني، بل تشكّل بيدقاً لدى أعدائه، مما يجعلها تتحول مع مرور الوقت إلى عصابة إجرامية مسلحة قد تمتد الى مناطق أخرى في القطاع، تحت رعاية وحماية جيش الاحتلال، دون أن تجد حرجاً في ذلك، وبالتوازي تواصل الاستمرار في التعامل مع الابتزاز والتهريب وجمع الأموال والاتجار بالمساعدات.

مصادر السلاح والشكل المؤسسي للميليشيا والعلاقة مع السلطة

علم "عربي بوست" من أوساط أمنية فلسطينية مطلعة في قطاع غزة أن مصادر تسليح ميليشيات أبو شباب تتركز في أربع جهات:

–  أولاها من جيش الاحتلال مباشرة، وقد رأينا ذلك من خلال بنادق إم16، التي يستخدمها الجيش، وإم4، وعربات دفع رباعي، وخوذ الرأس، ودروع مضادة للرصاص، والمركبات الحديثة،

–  ثانيها أسلحة المقاومين الذين يستشهدون في المعارك مع الجيش،

–  ثالثها وضع يدهم على مستودعات الذخيرة التابعة للمقاومة التي يصلون إليها بحماية الجيش،

–  رابعها شراء هذه الأسلحة من السوق المحلي بمبالغ كبيرة.

صحيفة إسرائيل اليوم، اختارت لهذه الميليشيا عنواناً لافتاً نصّه "من سجين لدى حماس إلى زعيم ميليشيا.. الفلسطيني المتعاون مع إسرائيل"، معتبرة أنه النموذج الأمثل لليوم التالي في غزة، حيث يقود اليوم قوة يتراوح عدد أفرادها بين مائة وثلاثمائة مسلح، وتستخدم إسرائيل هذه الميليشيا لتقسيم الجبهة الداخلية الفلسطينية.

فيما كشف  باروخ ياديد محرر الشئون الفلسطينية في قناة "آي 24 نيوز" الإسرائيلية، أن دولة عربية، لم تُسمّها، متورطة بتدريب مليشيات أبو شباب، الذي يحافظ على علاقات مباشرة مع محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للشئون الدينية، واللواء بهاء بعلوشة من جهاز المخابرات الفلسطينية برام الله، مشددة على أن كل شيء يتم بالتنسيق مع عباس.

مسئول أمني فلسطيني، أبلغ "عربي بوست" أن "أحد كبار ضباط المخابرات العامة برام الله، اجتمع مؤخراً بعشرات الضباط الغزيين المتواجدين في الضفة، وعرض عليهم المشاركة في ظاهرة "أبو شباب"، وتقديم مغريات مالية لهم، مما يؤكد أن هذه الظاهرة تحظى بغطاء من السلطة الفلسطينية، وبالتنسيق مع إسرائيل، لأن بعض عناصرها هم في الأصل من أفراد الأجهزة الأمنية السابقة في غزة".

الأوساط الأمنية الإسرائيلية سعت لتبرير إقامة هذه العصابات بالزعم أن حماس وجهازها المدني الإداري في غزة تراجعت سطوته بفعل الضربات الأخيرة، مما دفع عدداً من العائلات والعشائر لتهيئة الأرضية لبدء تشكيلها، الأمر الذي حثّ الحركة على إعادة تفعيل وحدة "سهم" الخاصة بملاحقة المجرمين والعملاء، خاصة عقب انتشار مشاهد الفوضى في شوارع القطاع، وظهور فقدان سيطرتها على بعض المناطق، وعدم قدرتها على منع حوادث النهب والسرقة، أو حتى أعمال القتل، التي تضاعفت مؤخراً.

اللافت أن أبو شباب الذي أعلن تأسيس "القوات الشعبية"، شكّل لاحقاً جهازاً أسماه "مكافحة الإرهاب"، مما يعني أننا أمام نواة مؤسساتية ذات قيادة، هرم، وأوامر مركزية، وربما أطر تجنيد وتمويل، وقد وزعت الميليشيا على عناصرها رُتباً ومهام محددة لكل مجموعة، وهذا ما عكسته صور الاصطفاف العسكري لهم، وتُصدِر فواتير مالية تحمل اسم "الياسر" في تعاملاتها المالية مع التجار الذين يشترون منهم البضائع، نسبة لاسم زعيمهم ياسر أبو شباب.

الغريب أن أبو شباب ذاته، الذي لا يجيد الكتابة، كما ذكر عدد من معارفه، يُصدِر بيانات مُصاغة بعناية على الفيسبوك، ونصوص منشورة باللغتين العربية والانجليزية، مما يثير تساؤلات حول من يقف خلفها، رغم أنه اعترف بنفسه في بعض منشوراته أن لديه طاقماً إعلامياً يعمل بشكل مهني.

تجهيزات ميدانية تفوق إمكانيات عصابة مسلّحة

ميدانياً، دعا أبو شباب ذاته قبل أيام عبر مقطع فيديو، الفلسطينيين من سكان شرق رفح جنوبي القطاع، للعودة لمنازلهم بعد "تطهيرها"، على حدّ وصفه، معلناً أنه يعمل تحت لواء الشرعية الفلسطينية، في إشارة للسلطة الفلسطينية، التي لم يصدر عنها نفي واضح، زاعماً أن شرق رفح أصبح موطناً لمئات العائلات التي "آمنت بفكرتنا"، وقد أنشأنا "القوات الشعبية" لحماية شعبنا من ظلم وإرهاب الحكومة الفعلية، في إشارة لحماس، وللتعامل مع الفوضى والفساد والجوع والقتل والتهديد والنهب المنظم".

وتعهّد بتوفير المأوى والغذاء لمن يعود من الفلسطينيين، وتجهيز خيام حديثة، يظهر عليها التجهيز المُكلِف، وكشف بعض من توجهوا لتلك المناطق أنه يوفر لهم كل ما هو مفقود في القطاع، من سجائر وغاز للطهي وطحين للخبز وطرود غذائية، ولاحظوا أن لدى الميليشيا كميات كبيرة من مستلزمات الوقود والمواد الغذائية.

وبحسب مصادر أمنية بالقطاع، تركت دعوة أبو شباب أصداءها المقلقة لدى أجهزة الأمن في غزة التي رصدت جملة مخاوف منها:

–  أن تكون بوابة لتجنيد المزيد من العملاء والمرتزقة لصالح الاحتلال، مهمتهم البحث عن الأنفاق، وكشف كمائن المقاومة، وتطهير المنازل والطرق من العبوات النـاسفة، وهي ذات المهمة التي تنفذها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في مخيمات جنين وطولكرم وطوباس،

–  أخذ المواطنين دروعاً بشرية في حال نفذت المقـاومة ملاحقات لهذه العناصر المارقة،

–  تشجيع الفلتان الأمني في القطاع، وتشجيع واختلاق نماذج مماثلة فيه،

–  جمع معلومات استخباراتية عن الأوضاع في القطاع ممن انتقلوا لهذه المناطق لصالح الاحتلال،

–  تنفيذ خطة الاحتلال بتفريغ القطاع من السكان، خاصة من الشمال والوسط، وحشرهم في رفح تمهيدا لتنفيذ مخطط التهجير،

–  المشاركة في هندسة التجويع من خلال تشغيل المواطنين في مراكز توزيع المساعدات الأميركية لتمرير المخطط الاسرائيلي الأميركي، وافتتاح أكثر من مركز.

استنساخ نماذج مشوّهة "فاشلة" من المتعاملين مع الاحتلال

اللافت أن المناطق التي يدعو أبو شباب الفلسطينيين للعودة إليها يسيطر الاحتلال، مما يؤكد ارتباط عصابته به، حيث تمتلك مخازن ومستودعات تقع شرق حي الجنينة برفح، وهناك من ذكر أن الجيش خصّص للميليشيا موقعاً لإدارة وتنسيق نشاطها في منطقة تل زعرب غرب رفح، حيث يسيطر عليها بشكل كامل، وتقوم بعمليات نسف وتدمير للمنازل فيها.

تظهر هذه الميليشيا الجديدة في غزة محاولة إسرائيلية مكشوفة وخطيرة جداً لتأسيس نماذج أقامها الاحتلال والاستعمار في أكثر من بلد تم احتلاله، مثل "جيش لحد" في جنوب لبنان، و"الصحوات" في العراق، و"روابط القوى" في الضفة الغربية، واستعانة فرنسا في الجزائر بـ"الحركيين" لقمع الثورة من الداخل، وبلجيكا عمّقت الشرخ بين الهوتو والتوتسي في رواندا لتأبيد سيطرتها، ونموذج "الفوضى الخلّاقة" الذي ابتكرته كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عقب احتلال العراق.

يعيد الكشف عن ارتباط ميليشيا أبو شباب بالاحتلال للأذهان حديث نتنياهو عن "المناطق الآمنة" التي يسعى لفرضها داخل غزة، وهي عبارة عن جزر محميّة خارجياً بالجيش، وتدار داخلياً عبر العصابات المحلية، لاسيما وقد خرجت له العديد من الصور التي تظهره مع عناصره يقفون بأسلحة وخوذ، وخلفهم الدبابات، وحين تولوا أعمال تسليم المساعدات، والتعامل المباشر مع الفلسطينيين، فقد تواجدت على محيط هذه المراكز قوات الجيش، مع انتشار للكاميرات الخاصة بالتعرف على الوجوه.

اللافت في الاعتراف الإسرائيلي بالمسئولية عن ميليشيات أبو شباب أنها كشفت عن مخططات يفترض أن تكون في أدراجها السرية، أما وقد أفصحت عنها، فإن التعامل الشعبي والجماهيري الفلسطيني، وليس الفصائلي فقط، سينظر إليها على أنها مجموعات عميلة تابعة للاحتلال، وبالتالي قد تتراجع قدرتها على تسويق نفسها بين الفلسطينيين "المجوّعين" في غزة، وإظهار نفسها على أنها جهات تسعى لتوفير المؤن والغذاء لهم فقط.

مع العلم أن معظم عناصر هذه الميليشيا ذوي أسبقيات جنائية وأخلاقية سيئة، وآخرين من أفراد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، بعضهم متورّطون في جرائم قتل وعمليات سطو وسرقة أثناء الحرب، وعدد منهم من ذوي التيار التكفيري المعروف بسوابقه الأمنية قبل الحرب، فأحدهم قتل ضابط أمن في غزة قبل الحرب بأشهر عقب رفضه تسليم نفسه للشرطة، وآخر متورط في جرائم قتل معروفة للغزيين.

هذا يعني أن "الكوكتيل" المُكوّن لعناصر الميليشيا تجمعهم عداوة حماس من جهة، والسعي لجمع الثروة من خلال النهب والسرقة من جهة أخرى، وتصفية الحسابات مع الحركة من خلال التعاون مع الاحتلال والسلطة الفلسطينية من جهة ثالثة، مما يضع علامات استفهام حول إمكانية استمرار وبقاء هذا الصمغ اللاصق بين هذه المكونات المختلفة.

تشجيع الفوضى "المسيطر عليها"، وهندسة الواقع الجغرافي للقطاع

بحسب خبراء أمنيين ومحللين سياسيين تحدث إليهم "عربي بوست"، يتجاوز الهدف الاسرائيلي من تشكيل هذه الميليشيا أن تكون بديلاً عن حماس في اليوم التالي للقطاع، إلى ما هو أخطر من ذلك من خلال استثمارها في إشاعة الفوضى ومظاهر البلطجة فيه، وخلق بيئة غير مستقرة، ومحاولة تحطيم البنية المجتمعية برمتها بتعزيز هذه التشكيلات الهامشية، وتمرير أفكار مشوهة تروج للعمل مع الاحتلال كأمر طبيعي ومقبول، ولو كان من باب سدّ الجوع وتوفير المؤن للمحتاجين.

هنا، يعتقد الاحتلال، أن يتم كسر الحاجز النفسي الذي يمنع الفلسطينيين من التفاعل مع هذه العصابات، أو تقبّل وجودها، لأن هذا الحاجز هو العائق الحقيقي أمام تنفيذ مخططاته، بجانب تمهيد الطريق لخطة التهجير من جهة، وهندسة الواقع السكاني جنوب القطاع من جهة أخرى، من خلال إخلاء شماله، والزجّ بعشرات الآلاف الى جنوبه.

في الوقت ذاته، فقد دأبت بعض الحسابات الإسرائيلية على مواقع التواصل خاصة تيليغرام وتويتر، على الترويج لهذه الميليشيا، وتنشر صور أبو شباب، وتنقل مقاطع فيديو له وهو يوقف سيارات تابعة للصليب الأحمر، وكأنه ضابط على حاجز رسمي، وليس ميليشيا تنشر الفوضى، تمهيداً لأن تؤدي هذه الخطوة لنتائج غير متوقعة تزيد من تفاقم الوضع في غزة، خاصة مع انعدام وسائل الرقابة على الأسلحة الموزعة، وتحول الحرب في بعض صورها إلى صراع فلسطيني داخلي.

بالتزامن مع الكشف الإسرائيلي عن التورط في تأسيس وتمويل هذه الميليشيا، فقد كشفت أوساط أمنية في غزة لـ"عربي بوست" أن "هذه الميليشيا تجاوزت الدور "العلني" المتعلق بتوزيع المساعدات، إلى دور "سرّي" يتعلق بتكليف جيش الاحتلال لهم للقيام بعمليات تمشيط المنازل في المناطق التي تنتشر فيها، والبحث عن الأنفاق والمقاومين، وتنفيذ عمليات رصد وتعقّب لهم، مما يجعلهم ليس فقط متعاونين معه، أو مجرد أدوات له، بل شركاء فعليين في محاولة استهداف المقاومين، ومواقعهم".

أهالي منطقة "شوكة الصوفي" شرق رفح، ولجنة الطوارئ فيها، أصدروا بيانًا شديد اللهجة أعلنوا فيه رفضهم القاطع "للدعوات المشبوهة" التي أطلقها أبو شباب ومن معه، للعودة للمنطقة، لأنهم في الأصل لا ينتمون إليها، بل استغلوا موقعها الحدودي كمقرّ لهم لتسهيل التواصل مع الاحتلال، وقيامه باغتصاب ما تبقى من بيوت ومزارع وأراضٍ تعود للأهالي.

فيما أكد الشيخ سالم الصوفي رئيس قبائل وعشائر البادية "الترابين، التياها، الحناجرة"، التي ينتمي إليها أبو شباب، رفع الغطاء العشائري والوطني عن كل من ينخرط في "أعمال النهب أو الفوضى أو التعدي على قوت الناس وكرامتهم"، في إشارة لهذه الميليشيا التي ينحدر زعيمها أبو شباب الى عشيرة الترابين، مع العلم أن عائلته ذاته أعلنت براءتها منه سابقاً.

خلاصة الحديث عن ميليشيا أبو شباب، أنها ليست المحاولة الأولى التي يسعى من خلالها الاحتلال لإنتاج نماذج بدلية عن حماس لإدارة المشهد السياسي والسلطوي في غزة، بعد أن فشل منذ بداية الحرب في إنتاج أي كيان محلي متعاون يُعوَّل عليه، سواء بمحاولة الاستثمار في العشائر، أو المكونات المحلية، أو حتى المؤسسات الأهلية والدولية، لبناء نواة نظام جديد يتماشى مع رؤيته لليوم التالي في القطاع.

تحميل المزيد