معلومات عن تشييد إثيوبيا سدوداً جديدة لـ”حماية” سد النهضة.. تأثيرها يؤدي لـ”جفاف مائي” بمصر

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/04 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/04 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
معلومات عن تشييد إثيوبيا سدوداً جديدة لـ"حماية" سد النهضة

استخدم وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي "لغة خشنة" الأسبوع الماضي أثناء حديثه عن الموقف المصري بشأن سد النهضة الإثيوبي، مشيراً إلى أنه قد يقود إلى توتر جديد بالمنطقة، وسط معلومات عن إقدام إثيوبيا على الإعلان عن تشييد سد جديد مع الاحتفال الذي تنوي تنظيمه خلال الشهرين المقبلين احتفاءً بانتهاء بناء سد النهضة.

وقال مصدر دبلوماسي مصري مطلع، إن التوتر سيتصاعد مع إثيوبيا حال شرعت في بناء سد جديد، وهو أمر ترصده أجهزة جمع المعلومات دون أن يتم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي، وأنه في حال وضعت أديس أبابا يافطة أو حجر أساس أو في حال أعلنت نيتها لإقامة سدود أخرى خلال السنوات المقبلة، فإن ذلك سيقابل برد مصري "يتجاوز التصريحات الدبلوماسية"، على حد تعبيره.

إثيوبيا تحمي سد النهضة بسدود جديدة

وأشار المصدر الدبلوماسي بوزارة الخارجية والمطلع على ملف سد النهضة وإثيوبيا، إلى أن هناك عوامل عديدة تقود إثيوبيا للتفكير في بناء سد جديد في مقدمتها ضمان بقاء سد النهضة أطول فترة ممكنة عبر زيادة عمره الافتراضي، والتعامل مع بعض المشكلات الهندسية التي تترتب على تخزين كميات كبيرة من المياه خلفه.

وأوضح المصدر ذاته، أن الدراسات الهندسية الإثيوبية تشير لضرورة إنشاء ثلاث سدود أخرى بما يساهم في تخفيف الحمل عن سد النهضة الذي يستوعب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المياه، والتي تتضمن كميات كبيرة من الطمي الذي يؤثر على البنية الهندسية للسد.

وأوضح أن الدولة المصرية تتوقع الإعلان عن تشييد السدود الجديدة في أي لحظة، وهي ترتبط باتخاذ قرار سياسي إثيوبي في ظل خلافات متصاعدة بين الدولتين تجعل من مسألة حبس المياه وعدم السماح لها بالتدفق في سنوات الجفاف أحد الأسلحة المتطورة في مواجهة الدولة المصرية.

ولفت إلى أن جهود دبلوماسية غير مباشرة أخذت في التحرك خلال الأشهر الماضية استباقاً لأشهر الفيضان خلال الصيف لمحاولة التعرف على موعد السماح بمرور المياه من بوابات السد أو بعد توليد الكهرباء من التوربينات، بما يساهم في تهيئة السد العالي لاستقبال كميات المياه الوافدة من دولة المنبع.

غير أن إثيوبيا رفضت بحسب المصدر ذاته – التنسيق بشأن هذه المعلومات، وهو ما ضاعف من التوتر السياسي، وانعكس ذلك على تصريحات وزير الخارجية المصري الأخيرة مع إصرار القاهرة على أن تكون قضية سد النهضة ضمن القضايا التي جرى النقاش حولها في القمة العربية التي حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي أن يكون حاضراً فيها وأيدت دعم الموقف المصري والسوداني في مواجهة التعنت الإثيوبي بشأن التوصل لاتفاق قانوني ملزم لتشغيل السد بعد الانتهاء من البناء.

نفاذ صبر مصري

ذكر وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن الموقف من أزمة سد النهضة الإثيوبي قد يقود إلى توتر جديد في المنطقة، وذلك في ظل تصاعد الخلاف بين مصر وإثيوبيا وعدم التوصل إلى اتفاق، مشيراً إلى أن نفاد صبر بلاده بات واقعاً ملموساً، وأن خيارات القاهرة قد تتجاوز الإطار التفاوضي التقليدي، على حد تعبيره.

وخلال مشاركته في فعاليات اليوم الثاني من منتدى قادة السياسات الذي تنظمه غرفة التجارة الأميركية في القاهرة، أعرب وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي عن قلق بلاده العميق إزاء استمرار الجمود في ملف سد النهضة، ملوّحاً بإمكانية أن تشهد المنطقة توترات إضافية ما لم تُعالج الأزمة بمسؤولية وجدية من الجانب الإثيوبي.

تمثل أزمة سد النهضة أكبر التحديات الخارجية أمام مصر/رويترز

وأوقفت مصر المحادثات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة قبل أكثر من عام تقريباً، مرجعة السبب إلى تعنت أديس أبابا في المفاوضات، ومحاولاتها كسب الوقت لاستكمال أعمال السد، وهو الأمر الذي تملصت منه إثيوبيا.

ويهدف السد الإثيوبي الذي يُعتبر أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، إلى توليد أكثر من 5,000 ميغاواط من الكهرباء، مما سيضاعف إنتاج إثيوبيا من الطاقة ويوفر الكهرباء لنحو 60% من سكانها الذين يعانون من نقص الطاقة، ومع ذلك يثير السد مخاوف مصر والسودان، اللتين تعتمدان بشكل كبير على مياه النيل، حيث يوفر النيل الأزرق حوالي 85% من إجمالي تدفق النيل.

جملة من الأخطار المستقبلية

وتخطط إثيوبيا لبناء 3 سدود كبرى بخلاف سدّ النهضة، وهي سدود "كارداوبة" و"بيكو أبو" و"مندايا"، والتي تقدر سعتها التخزينية بحوالي 200 مليار متر مكعب من المياه، وتمثل خصماً لمخزون المياه في السدّ العالي، الذي يستخدم لسدّ العجز المائي لإيراد النهر في مصر، ما يؤدي بطبيعة الحال لجفاف مائي لمصر بعد الانتهاء من إنشائها.

وأظهرت دراسات مصرية أنّه في حال إنشاء إثيوبيا السدود وملئها خلال العقود الأربعة المقبلة، فإنّ ذلك قد يؤدي لعجز مائي سنوي على مصر خلال فترات الملء والتشغيل بنحو 8 مليارات متر مكعب، فضلاً عن تخفيض كمية الكهرباء المولدة من السدّ العالي وخزان أسوان بحوالي 600 ميغاوات.

أما في حالة استخدام مياه السدود الأربعة في الزراعة، فسيزيد العجز المائي لمصر ليصل إلى 19 مليار متر مكعب سنوياً من حصتها في مياه النيل، البالغة نحو 55.5 مليار متر مكعب، ويقلل إنتاج الكهرباء المتولدة من السد العالي وخزان أسوان بمقدار 1000 ميغاوات سنوياً، بحسب الدراسات.

وقال خبير مياه دولي بالأمم المتحدة، إن مصر تحاط بجملة من الأخطار المستقبلية قد تكون أكثر خطورة من سنواء تشييد وملء سد النهضة لأن الجفاف سيكون سمة سائدة خلال السنوات المقبلة في وقت تمتلك فيه إثيوبيا خطط لتشييد مزيد من السدود على النيل الأزرق، وهو ما يترجم مخاوف وزارة الري المصرية من شح المياه خلال السنوات المقبلة والتي ترجعها إلى التغيرات المناخية لكنها ترتبط على نحو أكبر بما تنوي إثيوبيا القيام به.

وأوضح أن أديس أبابا لم تقم بعد بتشغيل التوربينات أو الأبواب لكي تخرج المياه بشكل طبيعي خلال الأشهر المقبلة لدولتي المصب، وقد تذهب باتجاه فتح ثمانية بوابات مرة واحدة في تلك الحالة قد يكون السودان معرضا للخطر، وليس من المعروف أسباب غلق البوابات أو فتحها وهو ما يبرهن على أن إديس أبابا لديها "توجهات مغرضة" للإضرار بالأمن المائي المصري أو أنها مازالت تفتقر إلى الخبرات التي تجعلها قادرة على إدارة السد، على حد قوله.

وذكر أن مصر لديها هدف أساسي يتمثل في الحفاظ على مستويات المياه داخل السد العالي، بما يجعل هناك استعدادات متكاملة للتعامل مع مواجهة شح المياه حال حدث خلال السنوات المقبلة والتعامل مع التغيرات المناخية التي قد لا تكون في صالح تدفق كميات وفيرة من المياه، مشيرا إلى أن ما يقلق القاهرة أيضاً هو التوسع الإثيوبي في تدشين مشروعات زراعية في دول حوض النيل التي تعزز معها شراكاتها وهو أمر يشكل ضررا على الأمن المائي المصري أيضا مع توجيه تلك المياه للزراعة هناك.

تساؤلات حول أسباب ملء السد وتشغيله دون تصريف المياه أو توليد الكهرباء

وقال مصدر حكومي مصري بوزارة الري والموارد المائية، إن التصعيد الدبلوماسي المصري يرتبط بأخطار عديدة يسببها سد النهضة في الفترة الراهنة قبل بدء موسم الفيضان في شهر يوليو/ تموز المقبل لأن هناك ما يقرب من 30 مليار متر مكعب من المياه من الممكن أن يتم تصريفها لدولتي المصب بشكل مفاجئ في ظل غياب التنسيق المعلوماتي حول الأسباب التي تدفع أديس أبابا لحجز المياه داخل الخزان طيلة الأشهر الماضية دون أن تفتح البوابات لتصريفها، وكذلك دون أن تحولها إلى طاقة كهربائية ثم تصريفها أيضا على فترات ممتدة من خلال التوربينات.

وأضاف المصدر ذاته، أن القاهرة تضغط للتعرف على آليات تشغيل التوربينات والتي لم يتم تركيب سوى نصفها (6 توربينات من إجمالي 13 ) ولا تعمل بشكل منتظم، وفي حال قررت أديس أبابا تصريف المياه بشكل مفاجئ فإن السودان سيكون عرضة لغرق أراضي زراعية عديدة، مشيرا إلى أن إثيوبيا تحاول استقطاب السودان بعد أن أرسلت هذا الأسبوع مدير استخباراتها إلى بورتسودان للقاء قيادات في الحكومة السودانية دون أن يكون هناك تواصل مماثل على المستوى المعلوماتي مع الدولة المصرية.

الملء الخامس لسد النهضة
يأتي الملء الخامس لسد النهضة مع توقف المفاوضات بين مصر وإثيوبيا/ رويترز

وذكر أن غياب التنسيق وحدوث أضرار في السودان أو مصر سيقود لا محالة لزيادة وتيرة التوتر، وأن صبر القاهرة لحين الانتهاء بنسبة 100% من بناء الجزء الخرساني وكذلك اكتمال التخزين لا يعني أنه سيكون مستمرا في حال استمرت حالة القطيعة على المستوى الفني لافتا إلى أن اللجان المصرية الفنية التي كانت تذهب في جولات عديدة إلى إثيوبيا أضحت شبه متوقفة الآن، رغم أن التنسيق يعد مطلوبا في الفترة الحالية لأن السد على مستوى توليد الكهرباء مازال لم ينتهي تشييده بشكل كامل وهناك معلومات بشأن وجود مشكلات في التوربينات التي جرى تركيبها.

وأشار إلى أن القاهرة لديها تساؤلات عديدة حول أسباب ملء السد وتشغيله دون أن يؤدي ذلك إلى تصريف المياه ودون أن يقود ذلك أيضا إلى توليد الكهرباء باعتبار أن ذلك هو الهدف الرئيسي من تشييد السد، وهو ما يؤكد الأبعاد السياسية المرتبطة بتوظيفه لحرمان مصر حقها من المياه، مشيرا إلى أن إثيوبيا دخلت في خلافات فنية عميقة مع القاهرة بشأن سنوات ملء السد وهدفت لأن يكون ذلك خلال سنوات قليلة بحجة أنها تحتاج لتوليد الكهرباء في أقرب فرصة لكن ذلك لم يحدث حتى بعد اكتمال بناء السد.

كما أن تأخير فتح البوابات مع بدء هطول الأمطار يجعل هناك حاجة ضرورة لتفريغ كميات كبيرة من المياه خلال الشهرين المقبلين دون معلومات واضحة حول هذا التصريف، مع توقعات وصول 600 مليون متر مكعب من المياه في شهر أغسطس/آب المقبل، وفي حال جرى فتح البوابات فإن ذلك يؤكد المعلومات الواردة لمصر بشأن عدم توليد الكهرباء، لافتا إلى أنه من المتوقع تصريف 30 مليار متر مكعب من المياه حتى مطلع أكتوبر المقبل، بحسب المصدر ذاته.

وأعلنت إثيوبيا، في إبريل الماضي، اكتمال 98.66% من بناء سد النهضة وتشغيل 6 وحدات توليد كهربائي، وكان رئيس الوزراء الإثيوبي قد أعلن في مارس الماضي أمام برلمان بلاده أن سد النهضة الإثيوبي سيكون "حدثاً تاريخياً" في بداية العام الإثيوبي المقبل الذي يوافق شهر سبتمبر من كل عام، مضيفاً أنه خلال الأشهر الستة المقبلة، سيتم قص شريط افتتاح السد دون الخوض في مزيد من التفاصيل.

مخاوف من تسرب مياه سد النهضة

وقال خبير مصري بوزارة الري، إن القاهرة لديها مخاوف من تسرب مياه سد النهضة بعد أن وصل الملء إلى أكثر من 62 مليار متر مكعب، وهي سعة تخزينية كبيرة قد تفوق قدرة السد، فضلاً عن احتمالية حدوث فيضانات. زادت المخاوف من إمكانية أن يتسبب مخزون المياه أو الفيضانات في حدوث تسرب في خزائن مياه السد بشكل كبير.

وأوضح أن هذه المخاوف أيضاً تضعها إثيوبيا في الحسبان، وبالتالي تسعى لبناء سدود جديدة يمكن أن تستوعب هذه الكميات من المياه. وأضاف أن القاهرة طالبت أديس أبابا بإجراء دراسات جيولوجية للتعرف على صحة وجود تسريب للمياه من عدمه، وبنت طلبها على أن ذلك يشكل خطراً على جسم السد لأنه في حالة حدوث تراكم في الرواسب قد تحدث تشققات وانزلاقات أرضية.

ما ضاعف هذه المخاوف هو توالي الزلازل التي تعرضت لها إثيوبيا منذ بداية هذا العام، وقد تؤثر على سلامة السد كونه مقام في منطقة فوالق أرضية. وبالتالي، فإن السبل التفاوضية التي أفشلتها أديس أبابا تبقى حلاً ضرورياً، ولذلك يفتح الباب أمام استخدام الدبلوماسية الخشنة لمواجهة أي أخطار جديدة على الأمن المائي المصري.

تحميل المزيد