كشفت مصادر ليبية متطابقة عن تفاصيل "صفقة اقتصادية" جمعت بين صدام حفتر، نجل الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، والتي تم إبرامها في الفترة القليلة الماضية.
وأوضحت المصادر أن الصفقة الجديدة، التي تجمع "نقيضي" السياسة الليبية لما بينهما من صراع كبير، حفتر والدبيبة، تتعلق ببيع النفط الليبي بطريقة غير متعارف عليها في السوق الليبي، إذ إن الشركة الوطنية للنفط في ليبيا كانت هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن بيع النفط الليبي.
عراب الصفقة
ذكر مصدر مطلع داخل حكومة الدبيبة لـ"عربي بوست" أن إبراهيم الدبيبة، رجل الأعمال الليبي، ونجل أخت رئيس حكومة الوحدة الليبية بطرابلس، نجح في الأسابيع الماضية في إبرام صفقة بين صدام حفتر، نجل خليفة حفتر، وبين عبد الحميد الدبيبة، تخص بيع النفط الليبي.
وقال المصدر إن إبراهيم الدبيبة، نجل أخت عبد الحميد الدبيبة، والذي يعمل بأوامر مباشرة منه، استطاع إقناع صدام حفتر بإنشاء شركة لبيع النفط الليبي على أن تكون شركة خاصة وبعيدة عن الرقابة داخل ليبيا.
وأوضح المصدر أن الشركة التي تم الاتفاق على أن تقوم بهذا الدور هي شركة "أركينو"، والتي تم إنشاؤها في ليبيا من أجل بيع النفط الليبي بعيداً عن المسار القانوني الرسمي لبيع النفط في ليبيا.
وقال المصدر إن إبراهيم الدبيبة، نجل أخت الدبيبة، قام بالتواصل مع صدام حفتر للتنسيق حول إنشاء شركة جديدة تخص بيع النفط الليبي إلى الأطراف الدولية، وأن يكون إبراهيم الدبيبة وثلاثة أشخاص آخرين موجودين في إدارة الشركة كممثلين لعبد الحميد الدبيبة في المؤسسة الجديدة.
وكان موقع "أفريكا إنتليجنس" الاستخباراتي الفرنسي قد كشف كيف تغلغلت شركة "أركينو" في قطاع النفط الليبي، موضحاً أنها تضم أشخاصاً مقربين من عبد الحميد الدبيبة، بالإضافة إلى أفراد من عشيرة خليفة حفتر. وأفاد الموقع في تقرير له بأن الشركة المحلية الناشئة تخضع لسيطرة غير مباشرة من قِبل صدام حفتر، وبينما تبدو علاقات "أركينو" للنفط مع العشيرة الشرقية أكثر وضوحاً، فإن لمديريها أيضاً صلات بمعسكر عبد الحميد الدبيبة.

وفي سبتمبر/أيلول 2024، تولى أيضاً إدارة فرعها في لندن، شركة "أركينو للنفط"، وحتى يناير، كان سامي أبو سدرة، المنحدر من عائلة وثيقة الصلة بعشيرة الدبيبة، يرأس هذه الشركة الفرعية. وسامي أبو سدرة، 41 عاماً، عمل لدى شركة S&R Consultant في لندن بين عامي 2022 و2024، وهو مدير هيئة المناطق الحرة القطرية. كان والده، المحامي الليبي علي أبو سدرة، متورطاً مع الشركة، مما عزز شبكة ابنه، وفقاً للتقرير.
وأوضح المصدر أن إبراهيم الدبيبة يقوم مقام خاله عبد الحميد الدبيبة في شركة "أركينو"، ويتولى إدارة أسهمه في الشركة بالشراكة مع صدام حفتر، موضحاً أن الشركة تواجه أزمة حقيقية، خاصة أن القانون الليبي يمنع بشكل قاطع بيع النفط إلا من خلال الشركة الوطنية للنفط الليبي، وهي الشركة المملوكة للدولة والمسؤولة بالكامل عن بيع النفط للدول التي ترغب في شرائه.
أوضح كذلك أن الدبيبة وصدام حفتر قاما بإنشاء نظام قانوني للشركة الوليدة، وفتحا مكاتب قانونية للشركة خارج ليبيا، وقامت الشركة بفتح حسابات مصرفية لها في دول مثل الإمارات وسويسرا ودول أوروبية أخرى لتحويل أموال بيع النفط على هذه الحسابات دون الحاجة إلى إدخالها إلى داخل ليبيا أو توريدها إلى البنك المركزي أو حسابات شركة النفط الأم في ليبيا، ما يجعلهم بعيدين تماماً عن الرقابة المالية عليهم.
قال أيضاً المصدر القريب من عبد الحميد الدبيبة إن الشركة باعت منذ خروجها للعلن وحتى الآن ما يقارب 6 ملايين برميل من النفط خلال الفترة القليلة الماضية، مشدداً على أن الأموال لم تدخل البنك المركزي الليبي، لكنها ذهبت إلى حسابات الشركة في سويسرا والإمارات.
وأوضح المصدر أن إبراهيم الدبيبة أصبح الآن يتقاسم العائدات المالية التي تعود من بيع النفط الليبي، مشدداً على أن الظروف الليبية لا تسمح بمواجهة صدام حفتر أو إبراهيم الدبيبة بسبب الظروف السياسية المعقدة في البلاد.
العصب الرئيسي لاقتصاد ليبيا
يُعتبر النفط العصب الرئيسي للاقتصاد الليبي، حيث تعتمد البلاد بشكل شبه كلي على عائداته التي تشكل أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات الحكومية و95% من صادراتها. ومنذ اكتشاف النفط في منتصف القرن الماضي، أصبح هذا القطاع الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني، خاصة أن ليبيا تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في القارة الأفريقية، والتي تُقدر بحوالي 48.4 مليار برميل.

وبحسب تقارير منصة أبحاث الطاقة العالمية، التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، احتلت ليبيا المرتبة الثانية أفريقياً في إنتاج النفط الخام خلال عام 2024، حيث بلغ متوسط إنتاجها اليومي حوالي 1.11 مليون برميل. ومع ذلك، شهد ميناء السدرة، أحد أهم الموانئ النفطية في البلاد، انخفاضاً في قيمة صادراته، حيث خسر 2.49 دولار عن كل برميل خلال الفترة ذاتها.
من جانبها، أرجعت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا تراجع الإيرادات النفطية لعام 2024 مقارنة بالعام السابق إلى عدة عوامل، منها ظروف استثنائية خارجة عن السيطرة.
وأوضحت المؤسسة في بيان رسمي أن الإيرادات انخفضت بنحو 6.447 مليارات دولار، مشيرة إلى أن جزءاً من إيرادات عام 2023، والذي بلغ 2.4 مليار دولار، يعود إلى فترات سابقة، بما في ذلك ضرائب وإتاوات متأخرة من شركة "توتال" الفرنسية عن الأعوام 2018 و2019.
كما أشارت إلى أن الإغلاقات المتكررة للمنشآت النفطية أدت إلى تراجع الإنتاج بحوالي 36 مليون برميل، بالإضافة إلى انخفاض متوسط سعر خام برنت العالمي بمقدار 1.86 دولار للبرميل.
شركة نفط جديدة
في سياق موازٍ، قال مصدر مقرب من حكومة أسامة حماد المدعومة من خليفة حفتر إن الشركة تم إنشاؤها في 2023، وتعمل الآن على الاستحواذ على أكبر جزء من استكشافات وتطوير حقول النفط الليبية، ما يسمح لها بالسيطرة على قطاع النفط بالكامل في ليبيا بعيداً عن الشركة الوطنية داخل البلاد.
جدير بالذكر أن الشركة، وفق ما ذكرت وكالة "رويترز"، استطاعت في 2024 أن تستحوذ على ربع إنتاج شركة "الخليج العربي" بعد حصولها على عقد كبير لتشغيل امتياز NC4، الواقع على بعد 150 كيلومتراً جنوب طرابلس. كما فازت الشركة بعقد تصميم هندسي أولي من شركة "الخليج" لحقل السلطان شرق ليبيا.
يُذكر أن الشركة تمتلك مقراً رسمياً لها في منطقة بنغازي في شرق ليبيا، وقالت المصادر الليبية التي تحدثت إلى "عربي بوست" إن الشركة تبيع النفط الليبي إلى الصين، وكذلك إلى إيطاليا، فضلاً عن الهند ودول أخرى عدة.
في سياق موازٍ، ووفقاً لحقوق النفط في ليبيا، فإن هناك حقولاً نفطية رئيسية مثل:
- حقل الشرارة: الأكبر في ليبيا بإنتاجية تصل إلى 240 ألف برميل يومياً.
- حقل الفيل: بإنتاجية 80 ألف برميل يومياً.
- حقل زلطن: بإنتاجية 40 ألف برميل يومياً.
- حقل الفارغ: بإنتاجية 160 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً.
- حقل البوري: ينتج نحو 23 ألف برميل يومياً.
عطاءات جديدة
في حين يقول مصدر ليبي داخل برلمان طبرق المحسوب على خليفة حفتر إن "أركينو" تعمل على الحصول على عطاءات جديدة لاستكشاف النفط في ليبيا، وذلك انطلاقاً من تبعية الشركة لكل من صدام حفتر والدبيبة.
أعلن مسعود سليمان، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط المكلف في ليبيا، قبل أيام، أن بلاده تعتزم إطلاق أول جولة عطاءات لاستكشاف النفط منذ أكثر من 17 عاماً. ووفقاً للمؤسسة الوطنية للنفط، يتجاوز إنتاج البلاد الحالي من النفط الخام 1.4 مليون برميل يومياً، أي أقل بنحو 200 ألف برميل يومياً من أعلى مستوياته قبل الحرب.
وقال وزير النفط المكلف في ليبيا، خليفة عبد الصادق، في تصريحات سابقة له، إن بلاده بحاجة لما يتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار للوصول إلى معدل إنتاج نفطي يبلغ 1.6 مليون برميل يومياً.
خلافات واتهامات
في سياق موازٍ، قال مصدر آخر قريب من المجلس الرئاسي الليبي إن ما يُثار حول الشركة قد تم طرحه للنقاش داخل أروقة المجلس الرئاسي الليبي، وكانت هناك تلميحات من بعض الأعضاء بـ"فساد" مالي يخص الشركة.
لكن المصدر رفض الكشف عمّن لمح بهذه التلميحات، وأوضح أن أعضاء في المجلس الرئاسي طالبوا بضرورة الشفافية في هذه القضية لحساسيتها وتأثيرها على الاقتصاد الليبي، الذي يواجه أزمة كبيرة بسبب حالة الانقسام السياسي الدائرة منذ رحيل الزعيم الليبي معمر القذافي.

وأوضح أن محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، وعد بطرح الأمر للنقاش مع رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، لكن المصدر يشير إلى أن الحكومة في الغرب تتعامل بسياسة الأمر الواقع، وأن التفاهم الذي تم مع صدام حفتر عن طريق إبراهيم الدبيبة لا يوجد ما يثبته من حيث المستندات الرسمية والأدلة الملموسة التي تدين الدبيبة وتجعل أطرافاً ليبية أخرى قادرة على الضغط عليه لإنهاء هذه الأزمة.
وقال المصدر الليبي إن خطورة هذه الشركة تكمن في أنها تبدد مقدرات الشعب الليبي وتبتلع جزءاً من النفط الليبي، حيث تذهب أموالها إلى الحسابات المالية في الخارج، وتكون تحت إشراف أشخاص محددين داخل ليبيا، ما ينفي أي قدرة على الرقابة على عمل هذه الشركة أو أي مخصصات مالية لها.