شهدت سوريا في الساعات القليلة الماضية رواجاً لعدد كبير من الشائعات إثر اشتباكات حدثت في منطقة الساحل على خلفية استهداف عناصر من فلول النظام السابق دوريات وحواجز أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من عناصر الأمن.
الاشتباكات التي حدثت وما تلاها من وقوع ضحايا دفعت إدارة الأمن العام السورية إلى إعلان فرض حظر تجوال عام في طرطوس وحمص واللاذقية، ثم إعادة تمديد حظر التجوال في مدينتي اللاذقية وطرطوس.
لكن مع استمرار الاشتباكات بين قوات السلطة السورية الجديدة و"فلول" نظام بشار الأسد، انتشرت الكثير من الشائعات في منصات التواصل الاجتماعي السورية، والتي كان وراءها بعض النشطاء السوريين.
في هذا التقرير نرصد بعض هذه الشائعات التي انتشرت في الساعات القليلة الماضية ونقوم بتفنيدها والبحث في مصدرها الذي كان السبب في انتشارها على نطاق واسع.
الشائعة الأولى: بيان رئيس جهاز المخابرات
في الساعات القليلة من صباح يوم الجمعة 7 مارس/آذار 2025، انتشر منشور تضمن تصريحات منسوبة إلى أنس خطاب، رئيس جهاز مخابرات سوريا الجديد، حيث تضمنت التصريحات المزعومة "تهديدات ووعيداً" لكل فلول نظام بشار الأسد وذلك بعد الاشتباكات التي حدثت في اللاذقية وطرطوس.
وكانت الشائعة كما هو موضح في منشورات وتغريدات نشطاء سوريين:
منشور تالي:
منشور أخر
منشور يخص نفس الشائعة:
منشور أخر:
لكن بالعودة إلى كل حسابات السلطة السورية الجديدة سواء حساب الرئاسة السورية على تويتر، أو الخارجية السورية، أو أي حسابات رسمية سورية أخرى، لم نجد أي أصل للتصريحات المنسوبة إلى أنس خطاب المسؤول عن جهاز مخابرات سوريا الجديد وأحد أعضاء هيئة تحرير الشام.
كذلك وبمراجعة "عربي بوست" لموقع وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا"، لم يجد أي أثر لهذه التصريحات المنسوبة إلى أنس خطاب والتي شهدت ترويجاً كبيراً في فيسبوك وتويتر وإنستغرام. بالإضافة إلى ذلك، تم مراجعة حساب المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية العقيد حسن عبدالغني فلم يكن هناك أي أثر للتصريحات المنسوبة إلى أنس خطاب.
وقد بحث "عربي بوست" عن مصدر الإشاعة التي تضمنت تصريحات نسبت إلى أنس خطاب، وقد وجد أن ناشطاً سورياً يدعى Ibrahem Alzoubi يقدم نفسه باعتباره ناشطاً سورياً، قام بنشر الإشاعة في حوالي الرابعة والنصف فجراً، وقد تلقفها نشطاء ومنصات سورية وبالتبعية نشطاء عرب آخرون.
لكن وفق ما وصل إليه "عربي بوست"، فإن التصريح المنسوب إلى أنس خطاب لا أساس له من الصحة ولم يدل رئيس جهاز المخابرات السوري بهذه التصريحات بالمطلق.
الشائعة الثانية: اعتقال أحمد الشرع
في جملة مقتضبة، نشر ناشط سوري يدعى عمر رحمون تغريدة مساء الخميس 6 مارس/آذار 2025 مضمونها: "معلومات من داخل غرفة العمليات تؤكد اعتقال أحمد الشرع وإخفاؤه".
بطبيعة الحال، انتشرت التغريدة على نطاق واسع بين نشطاء سوريين ونشطاء عرب في موقع تويتر خاصة أولئك الذين يقفون على يسار رئيس سوريا الجديد أحمد الشرع.
لكن "وبمتابعة كل مواقع السلطة السورية الجديدة الرسمية" والمتحدث باسم وزارة الدفاع وكذلك الخارجية السورية فضلاً عن الأمن العام ووزارة الداخلية وصفحة الرئاسة السورية والوكالة الرسمية للأنباء السورية، وجدنا أن تغريدة عمر رحمون لا أساس لها من الصحة.
وبالإشارة، فإن "عمر رحمون" ينحدر من ريف حماة، وهو أحد أبرز رجالات "المصالحات" التابعة لنظام الأسد، وقد كان "عمر رحمون" أحد المشايخ والعلماء الذين مثلوا ريف حماة في لقاء بشار الأسد في بدايات الثورة، وصرح حينها عبر وسائل إعلام الأسد قائلاً: "الرئيس الأسد لا يريد الدعاء له على المنابر فقط لكي يسمعه بل يريد دعاء صادقاً يسمعه الله وهذا الأهم".
ومن أقواله أيضاً: "إن أجواء اللقاء بالرئيس الأسد طيبة جداً والرئيس كان مسروراً جداً بلقاء الوفد، وعبر عن ذلك بقوله إنه يهمه سماع صوت علماء مسلمين مدينة حماة".
لكن في عام 2016، وبعد تشكيل ما يسمى بجيش الثوار وانضمامه لقوات "قسد"، ظهر الرحمون كناطق رسمي باسم الجيش وأحد أعضاء مجلس الشورى فيه وبات من المناوئين لحكم أحمد الشرع في سوريا.
تفاعل النشطاء مع تغريدة عمر رحمون
الشائعة الثالثة: الشرع يقود العمليات العسكرية بنفسه
في الساعات الأولى من الاشتباكات في سوريا بين قوات السلطة الجديدة وقوات "فلول" النظام السوري السابق، تداول نشطاء على تويتر شائعتين ارتبطتا برئيس سوريا الجديد أحمد الشرع.
الأولى كانت تتضمن تغريدة على تويتر، تحتوي على مقطع فيديو لعربات وعناصر مسلحة من سوريا، وكُتب عليها: "مصادر سورية: وصول أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) إلى غرفة العمليات لقيادة المعركة بنفسه".
هذه التغريدة (الشائعة) نشرها حساب على تويتر لشخص اسمه صالح الحربي، وقد عرّف نفسه بأنه: "دكتوراه في الإرشاد النفسي، مستشار أمني، مهتم بالشأن الداخلي والإقليمي والدولي، وبجماعات الإسلام السياسي".
وبالبحث في وكالة سانا الرسمية السورية للأنباء، وفي صفحات الرئاسة السورية وباقي المنصات الرسمية السورية، لم يعثر "عربي بوست" على أي مصدر رسمي يثبت صحة هذا الادعاء.
أما الشائعة الثانية، فقد تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي نصًا قالوا إنه تصريح لأحمد الشرع، وكان مضمونه:"#أحمد_الشرع معلقاً على الأحداث في الساحل السوري: انتهى زمن العفو.. والآن مرحلة التطهير والتحرير".
وقد نُشر هذا الادعاء عبر حساب على تويتر لشخص اسمه أحمد الجاسم، وهو ما تلقّفه نشطاء آخرون وقاموا بنشر نفس الادعاء اعتمادًا على رواية أحمد الجاسم، الناشط العراقي.
لكن لم يعثر "عربي بوست" على أي مصدر رسمي يثبت صحة هذا الادعاء، خاصة بعد مراجعة كل بيانات الرئاسة السورية في الأربع والعشرين ساعة الماضية، وهي الفترة التي شهدت الاشتباكات في سوريا.
ومن ثم، فإن الادعاءات التي رافقت الاشتباكات في سوريا، والتي نشرها نشطاء سوريون وتداولها نشطاء عرب كُثر معتبرين أن "المصدر السوري" مصدر ثقة، لم يثبت صحة أي منها بعد الفحص والرصد والمتابعة.
جدير بالذكر أنه منذ سقوط نظام الأسد، تنصب فلوله كمائن لقوات الأمن، تخلّف قتلى وجرحى، كان آخرها وأكبرها يوم الخميس بمحافظة اللاذقية شمال غرب سوريا. وقد فرضت سلطات الأمن على إثر ذلك حظرًا للتجوال، وبدأت عمليات تمشيط في مراكز المدن والقرى والبلدات والجبال المحيطة.
وكانت السلطات السورية قد أكدت فجر الجمعة أنها لن تسمح لأي جهة أو فرد بالتصرف خارج إطار الدولة والقانون، مشددة على أن عملياتها ضد فلول نظام الأسد تهدف "إلى فرض الأمن بعيدًا عن الثأر أو الانتقام".
ونقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن قيادة العمليات الأمنية بوزارة الداخلية قولها: "نعرب عن تفهمنا لمشاعر الغضب الشعبي نتيجة الهجمات الإجرامية التي استهدفت أمن الوطن واستقراره".
وحثت "جميع المدنيين على الابتعاد عن مناطق العمليات العسكرية والأمنية، وترك المهمة للقوات المختصة من الجيش والأمن، التي تعمل وفق خطط مدروسة لحسم الموقف وحماية الأرواح".