ذكرت مصادر حكومية إيرانية مطلعة لـ"عربي بوست" أن هناك ارتفاع في عدد الرسائل المتبادلة بين طهران وواشنطن في الآونة الأخيرة بعد فترة من الجمود والتعنت من كلا الجانبين، ويمكن أن تتطور إلى صفقة اقتصادية ضخمة.
وحسب مصادر "عربي بوست"، فإنه من المتوقع أن تعرض إدارة الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود پزشكيان مقترح الصفقة (صفقة إيران مع ترامب) على فريق السياسة الخارجية لدونالد ترامب من أجل التوصل إلى اتفاق اقتصادي "ضخم ومربح للشرق الأوسط بأكمله"، على حد قوله.
تواصل "عربي بوست" مع مصادر إيرانية حكومية لمعرفة ما يدور في الكواليس بين طهران وواشنطن، وتفاصيل تلك "الصفقة".
صفقة بأكثر من تريليون دولار أمريكي
أكد أكثر من مسؤول في الحكومة الإيرانية أن هناك مقترحاً لصفقة اقتصادية ضخمة سيتم عرضها على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل تفصيلي قريباً، بعد أن أرسلت إيران رسالة موجزة بمضمون هذه الصفقة عبر وسيط خليجي، لم ترغب المصادر في الكشف عن هويته.
وقال مسؤول حكومي إيراني مطلع على ملف المفاوضات الإيرانية الأمريكية لـ"عربي بوست": "بعد أوقات عصيبة وعناد من الجانبين، التي دفعت بالمفاوضات إلى الانتهاء قبل بدئها، وصلنا إلى حل الصفقة الاقتصادية، والتعامل مع ترامب على أنه رجل أعمال وتاجر وليس سياسيًا، والإيرانيون أيضاً تجار جيدون"، على حد قوله.
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "الصفقة المقترحة قيمتها تتجاوز التريليون دولار، بل قد تصل إلى 2 تريليون دولار أمريكي، نعلم جيدًا أنها مغرية لترامب التاجر، والفريق الحكومي الذي عمل على صياغة هذا المقترح وضع بالتفصيل كل المجالات التي يمكن للأمريكان أن يستثمروا بها في إيران".
وعن بعض تفاصيل الصفقة، يقول المصدر الحكومي: "عُرض على الأمريكان شراء 1500 طائرة بوينغ و6 ملايين سيارة حديثة لتحديث البنية الأساسية للنقل في إيران، والاستثمار في مجال النفط والغاز، وبناء 100 مصفاة بجانب تطوير مصافي النفط الحالية، بالإضافة إلى الاستثمار في مجال التكنولوجيا الزراعية والأدوية، وصناعة الإلكترونيات".
وفي نفس السياق، قال مصدر مسؤول من وزارة النفط الإيرانية لـ"عربي بوست"، وكان مشاركاً في تخطيط هذا المقترح: "الشركات الأمريكية مرحب بها للاستثمار في صناعة النفط والغاز، واقترحنا التعاون مع شركة جنرال إلكتريك".
وأضاف المصدر: "عام 2016، بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، دعونا الأمريكان للاستثمار المبدئي في مجال النفط والغاز، لكن إدارة أوباما كانت تضع العقبات أمام مشاركة الشركات الأمريكية في الأسواق الإيرانية، لدينا بعض العقبات أيضًا داخليًا، ولكن يمكننا التغلب عليها بالعمل مع الشركات متعددة الجنسيات، والأمريكية الأصل".
ويقول مسؤول حكومي ثانٍ مطلع على الملف لـ"عربي بوست": "الرئيس پزشكيان ونائبه جواد ظريف يعتقدون أنه ليس هناك أفضل من صفقة اقتصادية مع ترامب، وإذا نجحوا في إتمام هذه الصفقة ستكون هذه نقطة فارقة وفصلاً جديداً في العلاقات الإيرانية الأمريكية".
صفقة إيران مع ترامب.. إغراءات طهران
لا يقتصر مقترح الصفقة الاقتصادية الإيرانية على الاستثمار الأمريكي في مجالي النفط والغاز والتكنولوجيا وما إلى ذلك، بل يُقدّم المقترح المزيد من الإغراءات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
يقول مسؤول حكومي إيراني آخر لـ"عربي بوست": "يقدّم ترامب نفسه كصانع الصفقات الأكبر في تاريخ أمريكا، وأنه الرئيس الذي سوف يعيد أموال الأمريكيين من الحروب ويرفع مستوى معيشتهم".
مضيفاً أن المقترح المحتمل لصفقة اقتصادية شاملة مع إيران يشمل توفير ملايين من فرص العمل للأمريكيين والإيرانيين، وحلفائها أيضًا من الأوروبيين ومن دول الشرق الأوسط، مما يعود بالنفع على المنطقة بأكملها. لذلك، لن يكون ترامب الرئيس الوحيد الذي استطاع ونجح في عقد صفقة مع إيران، بل ووفر الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي للمنطقة بأكملها.
وأضاف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "أن خفض معدل البطالة في الولايات المتحدة والوصول إلى صفر بطالة سيكون إنجازًا مغريًا للغاية لترامب، وهذا سيتحقق بعقد صفقة اقتصادية كبيرة مع إيران".
وقال إن الأسواق الإيرانية كبيرة وغنية ولم يتم استغلالها بالشكل المفيد للجميع من قبل، إيران ستكون بالنسبة لترامب سوقًا مغريًا للغاية إذا وافق على هذا المقترح وإذا نجحت حكومة پزشكيان في تمريره لدى القيادة العليا.
وأشار المصدر السابق إلى رغبة ترامب في الاستثمار بإيران مستشهداً بما قاله عن الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، حينها وضعت العراقيل أمام الشركات الأمريكية للاستثمار المباشر في إيران، بينما كانت الأبواب مفتوحة أمام الشركات الأوروبية.
حينها صرح دونالد ترامب، الذي كان قد أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية، ووصف هذا الاتفاق النووي بأنه "أسوأ صفقة في تاريخ الولايات المتحدة"، ولكنه قال أيضًا: "أن الاتفاق يسمح للجميع (الأوروبيين) أن يذهبوا إلى إيران ويبيعوا لهم الأشياء، وربما نكون نحن الوحيدين الذين لن نبيع لهم (الإيرانيين) أي شيء".
ويقول دبلوماسي إيراني مطلع على ملف المفاوضات ومقرب من محمد جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، لـ"عربي بوست": "في هذا المقترح نحاول أن نقول لترامب إنه يمكنه أن يحقق نتائج هائلة للاقتصاد الأمريكي من خلال التعاون الاقتصادي مع إيران، ويمكنه أن يعزز إرثه باعتباره صانع الصفقات الذي يضع أمريكا في المقام الأول".
الكثير من العقبات
لكن كما وصف أحد المصادر الحكومية الإيرانية مقترح الصفقة الاقتصادية بين إيران والولايات المتحدة بـ"الحلم الكبير"، الذي سيعود بالنفع على كلا من الإيرانيين والأمريكيين وباقي بلدان الشرق الأوسط، فإن هناك الكثير من العقبات أمام هذا الحلم كما وصفتها المصادر الإيرانية.
تتمثل أكبر عقبة في الحصول على موافقة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ففي عام 1990 قال في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى الاستيلاء على السفارة الأمريكية بطهران: "المفاوضات مع أمريكا تعني التجارة مع أمريكا، والتجارة تعني أنك تعطي شيئاً لتحصل على شيء آخر، وأمريكا غاضبة من الأمة الإيرانية لتمسكها بالمقاومة والإسلام النقي، فهل أنتم مستعدون لذلك؟".
لكن بمتابعة تاريخ المرشد الأعلى الإيراني طوال فترة قيادته لإيران، تعلمنا أن تصريحاته تجاه بعض المواقف تتغير بمرور الوقت، فبعد أن كان رافضاً تماماً للمفاوضات مع الولايات المتحدة، وافق على الاتفاق النووي في عام 2015.
والدليل على ذلك أنه عاد في عام 2007 في خطابه أمام عدد من طلاب الجامعات في مدينة يزد الإيرانية، وقال إن "إحدى سياستنا الأساسية هي قطع العلاقات مع أمريكا، ولكننا لم نقل قط أننا سنقطع هذه العلاقات إلى الأبد، ليس هناك أي سبب يدعونا إلى قطع العلاقات إلى الأبد".
وفي عام 2016، بعد دخول الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 حيز التنفيذ، أبدى خامنئي استعداده لدعم الاستثمار الأجنبي في إيران الذي يعود بالنفع على تطوير البنية الأساسية في البلاد.
وقال في خطاب له: "إن فائدة زيارة هذه الوفود الأجنبية إلى إيران يجب أن تكون الاستثمار وخلق الإنتاج وتوفير فرص العمل والاستفادة بإدخال التقنيات الحديثة والمتطورة التي نحتاج إليها في جميع المجالات".
وفي هذا الصدد، يقول سياسي إيراني معتدل ومقرب من القيادة الإيرانية العليا، لـ"عربي بوست": "موافقة خامنئي على فتح أبواب التعاون الاقتصادي بين واشنطن وطهران صعبة للغاية، ولكنها ليست مستحيلة، والدليل في عام 2016 بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ وافق خامنئي على صفقة لشراء طائرات بوينغ من أمريكا".
وقال المتحدث: "صحيح أن الموافقة ستكون صعبة على شكل المقترح الذي تحاول حكومة پزشكيان الترويج له، لأن خامنئي يرى أن التعاون الاقتصادي مع أمريكا سيجعل لها اليد العليا على القرارات الإيرانية، كما أنه مشروط أيضاً بالعديد من الأمور، ولكن يمكن أخذ الأمور بالتدريج".
وأضاف المتحدث قائلاً: "لا أعتقد أن خامنئي يمكنه رفض الفوائد الاقتصادية الهائلة التي ستأتي من وراء هذه الصفقة الاقتصادية المحتملة، فالبلاد في حالة اقتصادية يرثى لها، والرجل بلغ الـ85 عاماً ويريد أن يضمن مستقبل الجمهورية الإسلامية قبل رحيله، لأن استقرار البلاد اقتصادياً يعني استمرار هذا النظام الحالي، وأعتقد أن هذا الأمر سيكون مغرياً لخامنئي".
وفي نفس الوقت أشار السياسي الإيراني المعتدل إلى أن العقبة الأكبر من خامنئي من وجهة نظره تكمن في عرقلة الدائرة المتشددة حوله للوصول إلى صفقة اقتصادية بين طهران وواشنطن، قائلاً لـ"عربي بوست": "لن يوافق المتشددون والمستفيدون من العقوبات المفروضة على إيران على قبول مثل هذه الصفقة، وسيحاولون بشتى الطرق عرقلتها".
جدير بالذكر، أن هناك من يطلق عليهم داخل إيران "مافيا العقوبات"، وهم مجموعة من المسؤولين ورجال الأعمال الذين تربطهم علاقات قوية بالحرس الثوري الإيراني، يستفيدون من تهريب البضائع إلى داخل إيران والالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران، وليس من مصلحتهم أن ترفع هذه العقوبات.
وتعليقاً على نفس الأمر، يقول المحلل السياسي الإيراني مجيد نوري والمقرب من دوائر صنع القرار في طهران، والمطلع على تفكير القيادة الإيرانية لـ"عربي بوست": "ليس من المستحيل أن يكتب لهذا المقترح النجاح، لكن ستكون شروط الموافقة عليه صعبة للغاية".