دفع الوضع الاقتصادي المتردي في مصر مئات المصريين إلى الوقوع فريسة لشركات توظيف وهمية يديرها مصريون في مدينة إسطنبول التركية. أوهمتهم هذه الشركات بالحصول على فرص عمل بأجور مجزية في المصانع والشركات التركية، ما دفعهم إلى إنفاق مدخراتهم للسفر إلى تركيا، لينتهي بهم المطاف في السجون التركية بسبب مخالفة قوانين الإقامة، ثم يُرحَّلون إلى مصر بعد خسارة كل ما دفعوه.
استغلت شركات التوظيف المصرية الوهمية في تركيا إجراءات التأشيرة الميسرة لمن هم فوق سن 45 عامًا أو دون سن 18 عامًا، لجلب المئات من المصريين الباحثين عن عمل. وقد جمعت هذه الشركات ملايين الجنيهات مقابل وعود بتوفير فرص عمل وإقامة رسمية في تركيا، لكنها لم تفِ بتعهداتها، تاركة الضحايا في أزمة خانقة بلا عمل أو إقامة أو حتى مأوى إنساني.
أدت الإجراءات المشددة التي فرضتها الحكومة التركية على إقامة المصريين إلى مواجهتهم صعوبات قانونية كبيرة تتعلق بالإقامة، مما أدى إلى سجن الكثيرين منهم وترحيلهم إلى مصر.
في هذا التحقيق، نكشف عن مافيا الشركات الوهمية التي تسببت في أزمة تأشيرات المصريين إلى تركيا وما نتج عنها من تداعيات خطيرة، ألحقت الضرر بآلاف المصريين هناك. وقد دفعت هذه الأزمة الجانب التركي إلى اتخاذ إجراءات صارمة ومشددة بشأن استخراج الإقامات الجديدة للمصريين.
أزمة تغيير شروط التأشيرات
استيقظ المصريون قبل أيام على وقع قرار جديد للحكومة التركية، يقضي بإضافة شرط جديد للحصول على التأشيرة، مما تسبب في أزمة كبيرة لقطاعات واسعة من المصريين، حتى أولئك الذين يعيشون خارج مصر ويرغبون في السفر إلى تركيا.
فقد شددت الحكومة التركية إجراءات منح التأشيرات للمصريين بسبب تزايد أعداد الوافدين إلى تركيا بحثًا عن فرص عمل غير حقيقية، دون مراعاة قوانين ولوائح الإقامة في البلاد.
وأثار هذا القرار جدلًا واسعًا، إذ بات على أي مصري، بغض النظر عن عمره، الحصول أولًا على تأشيرة "شنغن" الأوروبية كشرط للحصول على التأشيرة التركية. وقد تسبب هذا الإجراء في حالة من البلبلة بين المصريين داخل تركيا وخارجها.
في السابق، كانت تركيا تمنح تأشيرة سياحية إلكترونية للمصريين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا أو تزيد عن 45 عامًا، مقابل 20 دولارًا أمريكيًا لمدة شهر، وكان يمكن الحصول عليها بسهولة خلال دقائق، ثم السفر إلى تركيا.
لكن، نتيجة للتجاوزات القانونية العديدة التي ارتكبتها بعض الشركات المصرية في تركيا خلال الأشهر الماضية، شددت الحكومة التركية إجراءات الحصول على التأشيرة الإلكترونية، وقصرتها على من تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عامًا، بهدف الحد من تدفق الوافدين المصريين إلى تركيا.
شروط الحصول على التأشيرة التركية
عند البحث حول شروط الحصول على التأشيرة التركية للمصريين، قمنا بتفحص الموقع الرسمي للتأشيرات التركية turkeyvisagovt.org، الذي نشر الشروط اللازمة، وجاءت على النحو التالي:
- يتعين على المواطنين المصريين الحصول على تأشيرة لدخول تركيا، ويجب التأكد من إصدارها قبل السفر.
- التأشيرة الإلكترونية للمصريين صالحة لمدة 180 يومًا (6 أشهر) من تاريخ الموافقة، وتتيح لهم البقاء في تركيا لمدة لا تزيد عن شهر واحد.
- لدخول تركيا بشكل قانوني، يجب على المصريين تقديم المستندات الثلاثة التالية:
- جواز سفر مصري ساري المفعول لمدة 6 أشهر على الأقل (180 يومًا) من تاريخ الوصول إلى تركيا.
- التأشيرة التركية المعتمدة.
- تأشيرة شنغن أو تأشيرة/تصريح إقامة للولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو أيرلندا (كان يُعفى من هذا المطلب المتقدمون الذين تقل أعمارهم عن 20 عامًا أو تزيد عن 45 عامًا).
- يتحقق مسؤولو الحدود الأتراك من وثائق السفر عند الوصول، لذا يجب على المصريين التأكد من حمل جواز سفر ساري والوثائق الداعمة الأخرى عند المرور عبر الهجرة التركية.
- ينبغي على المتقدمين مراجعة نموذج طلب التأشيرة عبر الإنترنت بعناية، إذ قد تؤدي أي أخطاء أو معلومات ناقصة إلى تأخير أو رفض الطلب.
- لا يمكن للمصريين الحصول على تأشيرة تركية مجانًا، إذ يجب دفع رسوم المعالجة عند تقديم الطلب.
- لا تتوفر تأشيرة عند الوصول للمصريين، لذلك يجب استخراج التأشيرة مسبقًا قبل السفر.
- يُنصح المصريون بالتحقق من متطلبات الدخول الحالية قبل السفر، حيث تخضع القوانين للتحديث المستمر.
بند جديد يثير الجدل
في الأيام الماضية، أثار أحد شروط الحصول على التأشيرة التركية للمصريين جدلًا واسعًا، بعد أن أعلنت السلطات التركية تفعيله مع تعديل جوهري.
النص القديم كان ينص على: يجب أن يكون لديك تأشيرة شنغن أو تأشيرة أو تصريح إقامة للولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو أيرلندا (يُعفى المتقدمون الذين تقل أعمارهم عن 20 عامًا أو أكثر من 45 عامًا من هذا المطلب).
أما التعديل الجديد فتمثل في حذف فقرة الإعفاء، مع خفض الحد الأدنى للعمر من 20 عامًا إلى 15 عامًا. وبالتالي، أصبح كل المصريين دون 15 عامًا وفوق 45 عامًا مطالبين بالحصول على التأشيرة عبر القنصلية، مع إلغاء التأشيرة الإلكترونية إلا في حال امتلاكهم تأشيرة شنغن.
أثار هذا القرار جدلًا واسعًا بين المصريين، إذ شعر كثيرون أن التشديد الجديد هو بمثابة "عقاب" على تجاوزات ارتكبتها "شرائح مصرية أخرى" استغلت التسهيلات السابقة وساهمت في مشكلات الإقامة داخل تركيا.
بداية القصة
في السابق، كان الوافدون الجدد من المصريين إلى إسطنبول يذهبون إلى شركات استخراج الإقامات للعمل في المصانع والشركات التركية. التقينا بـ سارة .أ، وهي مصرية تمتلك شركة في منطقة شيرين إفلر بإسطنبول، تعمل في استقدام العمالة المصرية من مصر.
تقع شركتها في مبنى أمام محطة مترو الأنفاق، حيث يتردد عليها عشرات المصريين يوميًا لتخليص أوراق الإقامة أو ترشيح أشخاص جدد للعمل في تركيا.
رفضت سارة أي اتهامات بخصوص تورطها في عمليات احتيال أو اتجار بالبشر، مؤكدة أن الأمر "عرض وطلب"، وأنها توفر فرص عمل في المصانع التركية، إلى جانب السكن والإقامة للراغبين في القدوم إلى إسطنبول.
وعند سؤالها عن التكلفة المالية التي تتقاضاها من العمال، أوضحت أنها تحصل على:
- 1800 دولار أمريكي مقابل تأشيرة السفر وتذكرة الطيران فقط.
- 150 دولارًا شهريًا كإيجار لكل شخص في الشقق التي توفرها.
- 450 دولارًا رسوم استخراج أوراق الإقامة النظامية.
أسعار مبالغ فيها أم خدمة متكاملة؟
عند محاولة فهم سبب ارتفاع التكاليف، خاصة أن التأشيرة الإلكترونية لا تتجاوز 20 دولارًا أمريكيًا، وأن تذاكر السفر يمكن العثور عليها بأسعار مناسبة، أوضحت سارة .أ أن:"ما نقدمه هو خدمة متكاملة، ومن يرغب في الحصول عليها عليه دفع تكلفتها كاملة."
أما عن مشكلات الإقامات التي يواجهها المصريون، رفضت سارة تحمّل المسؤولية، مؤكدة أنها تحرص على توفير جميع الأوراق النظامية لمن تستقدمهم. لكنها أشارت إلى أن هناك حالات يتم القبض عليها قبل استلام إقامتها، وعندها لا تستطيع التدخل أو تقديم المساعدة.
أما فيما يخص تكدس العمال في الشقق التي تديرها شركات التوظيف، حيث يتم إسكان أعداد كبيرة في مساحات صغيرة لتحقيق مكاسب أكبر، قالت سارة:"هذا من حقي، فمن الطبيعي أن أحقق مكاسب كبيرة مقابل تقليل النفقات."
شهادات لضحايا مصريين
التقى "عربي بوست" ثلاثة مصريين في منطقة "شرين إفلر"، إحدى المناطق المعروفة في إسطنبول، والتي يقطنها آلاف المصريين الذين وفدوا إلى تركيا للعمل، لكنهم وقعوا ضحية للاحتيال من قبل شركات مصرية.
وجدنا الثلاثة جالسين قرب محطة المترو، يفترشون أحد الأرصفة، ويلتحفون ملابس كثيرة بسبب شدة البرد في تركيا. تحدث الأول، ويدعى أحمد إبراهيم (اسم مستعار)، وهو شاب قادم من محافظة المنيا، رفض الكشف عن هويته الحقيقية. قال لـ "عربي بوست" إنه عثر على إعلان في إحدى مجموعات المصريين في إسطنبول، يروج لفرص عمل في تركيا، فسارع إلى إرسال بياناته إلى المعلن، الذي ادّعى توفر فرصة عمل في أحد المصانع هناك.
وبالفعل، وصل أحمد إلى إسطنبول، حيث استقبلته الشركة المصرية في المطار، واصطحبته إلى السكن المفترض له. لكنه فوجئ بأن السكن يضم ما لا يقل عن عشرة أشخاص في غرفتين صغيرتين. ورغم أن الاكتظاظ لم يكن المشكلة الوحيدة، إلا أنه صُدم حين طلب منه صاحب الشركة التي جلبته من مصر دفع 100 دولار إيجارًا شهريًا، بالإضافة إلى 350 دولارًا لاستخراج الإقامة، و100 دولار أخرى كرسوم سمسرة لتوفير فرصة العمل.
هذه التكاليف غير المتوقعة أصابته بصدمة، خاصة أنه كان قد دفع 80 ألف جنيه مصري (حوالي 2500 دولار) للشركة المصرية في مصر لتأمين سفره إلى إسطنبول والعمل في أحد المصانع، وكان قد اقترض معظم هذا المبلغ من إخوته.
يواصل أحمد روايته، مشيرًا إلى أنه بدأ العمل في المصنع براتب 22 ألف ليرة تركية مع وجبة واحدة يوميًا، مقابل 12 ساعة عمل يوميًا. وعندما طلب من الوسيط المصري الذي جلبه إلى إسطنبول البحث له عن عمل جديد براتب أعلى، طُلب منه دفع سمسرة جديدة. ولكن نظرًا لعدم امتلاكه أي أموال إضافية، اضطر إلى ترك المصنع، وهو الآن يبحث عن عمل جديد، لكنه مصمم على عدم دفع أي رسوم سمسرة مجددًا، بعدما وقع ضحية عملية نصب كبيرة.
الموقف المصري مما يحدث
في تعليق على هذه الظاهرة، قال عبدالوهاب خضر، المتحدث باسم وزارة العمل المصرية، في تصريحات لـ "عربي بوست"، إن هناك مناقشات جارية بين مصر وتركيا بشأن إرسال عمالة مصرية إلى الجانب التركي، لكن هذه المفاوضات تسير في إطار رسمي ومن خلال الوزارات المختصة في البلدين.

وأضاف أن وزارة القوى العاملة المصرية تقوم بفتح باب استقبال طلبات التوظيف في تركيا وفقًا للاحتياجات والتخصصات المطلوبة، حيث تسجل بيانات المتقدمين، ثم تخطر المقبولين لإعداد أوراقهم، وبعد ذلك يتم تسفيرهم بشكل قانوني، مع متابعة أوضاعهم خلال مدة العقود. وأكد أن هذا هو المسار القانوني الذي تتبعه الوزارة سواء مع تركيا أو اليونان أو أي دولة أخرى.
لكنه أشار إلى أن ظاهرة شركات النصب، سواء العاملة داخل مصر أو في إسطنبول، لا تخضع لرقابة وزارة القوى العاملة، وبالتالي لا تستطيع الوزارة اتخاذ أي إجراءات قانونية ضدها، حتى لو تقدم أحد الضحايا بشكوى.
الهروب إلى أوروبا
كشف تحقيق "عربي بوست" عن جانب آخر من نشاط شركات العمالة المصرية في إسطنبول، حيث يحاول بعض الشباب المصريين الهروب إلى أوروبا بعد وصولهم إلى تركيا. وتشمل طرق الهجرة غير الشرعية المسارات التالية:
- عبر البحر إلى إيطاليا
- من قبرص التركية إلى قبرص اليونانية
- عبر الحدود التركية-البلغارية
يروي عصام وحيد، شاب من محافظة الشرقية، أنه بعد حصوله على الإقامة السياحية في تركيا، قرر الهروب إلى اليونان عبر قبرص التركية. وأوضح أن الطريقة تبدأ بالسفر من إسطنبول إلى قبرص التركية، ومن هناك يتم التسلل عبر الحدود إلى قبرص اليونانية، حيث يسلم المهاجر نفسه للشرطة اليونانية، ليتم نقله بعد ذلك إلى مراكز استقبال اللاجئين.
وأشار إلى أن عمليات التهريب تتم بتنسيق مع مهربين سوريين وشركات عمالة سورية في إسطنبول، مقابل ما لا يقل عن 2000 يورو.
أما في حال تعذر استخراج الإقامة السياحية بسبب الإجراءات المعقدة، يلجأ بعض الشباب إلى طريق الحدود بين تركيا وبلغاريا، وهو طريق شديد الخطورة، وقد شهد وفاة ثلاثة أطفال مصريين قبل بضعة أشهر بسبب البرد القارس في الغابات الحدودية.
أما طريق البحر، فيبدأ بالسفر إلى مدينة مرسين التركية، حيث يتم ترتيب تهريب المهاجرين على متن سفن ضخمة متجهة إلى أوروبا، مقابل 3000 دولار على الأقل.
محمود عبدالحميد، شاب مصري نجح في العبور إلى اليونان عبر الحدود، تحدث لـ "عربي بوست" من داخل الأراضي اليونانية، حيث تواصل معه فريق التحقيق عبر أحد الفلسطينيين الذين هربوا معه وعائلته.
وقال محمود إنه حاول في البداية التسلل عبر مرسين، لكنه فشل بسبب تدخل الأمن التركي. ثم تمكن من دخول اليونان عبر قبرص التركية، بعد أن اتفق مع مكتب تهريب في إسطنبول على تنظيم الرحلة، والتي ضمت 50 شخصًا من جنسيات مختلفة، بينهم مصريون وفلسطينيون وسوريون.
وأضاف أنه بعد عبور الحدود، سلم نفسه للسلطات اليونانية، التي قامت بإيوائهم في فنادق انتظارًا للحصول على "جواز سفر مؤقت"، مما يسمح له بالتنقل والعمل بحرية داخل أوروبا.
إجازات من الوظائف في مصر
حاولنا لقاء أكثر من طرف يعمل في الإقامات وجذب العمالة المصرية من محافظات الصعيد المصرية، فتوصلنا إلى حسين عبد الرحمن، وهو "اسم مستعار" طلب عدم ذكر هويته حفاظًا على عمله في إسطنبول. حسين مصري حاصل على الجنسية التركية، يعمل في مكتب لإصدار الإقامات للمصريين، ولم يكن يتخيل أن أحد المصريين الذين قام باستخراج الإقامة له ولابنه، وقد قدما منذ أسابيع قليلة إلى إسطنبول للعمل في أحد المصانع التركية، كان وكيلاً لوزارة الزراعة في مصر.
لجأ حسين عبد الرحمن للعمل في استخراج الإقامات للمصريين الوافدين الجدد إلى المدينة، الذين زاد عددهم في الشهور القليلة الماضية بسبب "الشروط المخففة" على تأشيرة المصريين لدخول تركيا.
تحدثنا معه حول شهادته التي تخص أزمة الإقامات التي تلاحق المصريين في إسطنبول، ومن ثم "المصير المحتوم الذي يواجهونه بالترحيل إلى مصر بعد الاعتقال والاحتجاز في مراكز احتجاز الأجانب"، وحول الطرف الأساسي المسؤول عن هذه الأزمة.
أردنا معرفة تفاصيل الأزمة منذ بدايتها وتطوراتها، فشرح لنا حسين عبد الرحمن ما عاينه بنفسه من خلال خبرته في العمل بملف الإقامات للمصريين. وقال إنه بعد أن بدأ العمل في استخراج الإقامات السياحية للمصريين، اكتشف العديد من القصص "المحزنة" لمصريين كبار في السن هربوا من الوضع الاقتصادي الصعب في مصر بحثًا عن زيادة دخلهم في تركيا، رغم ظروف العمل القاسية في المصانع التركية.

إذ إن العمل في المصانع التركية يستنزف أكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميًا، فضلًا عن الأجواء الصعبة داخل هذه المصانع، مقابل رواتب قليلة لا تزيد عن الحد الأدنى للأجور في تركيا، حيث تصل الرواتب إلى ما لا يزيد عن 25 ألف ليرة تركية، أي في حدود 700 دولار، شاملة الأكل والمعيشة وإيجار المسكن والتنقلات، وكل ما يتعلق بإقامة الشخص الأجنبي داخل الأراضي التركية.
يقول حسين إنه فوجئ منذ أسبوعين باتصال من أحد المصريين الذين يعملون في تركيا، يطلب منه استخراج إقامة سياحية له ولابنه، لكي يتجنب أي مطاردات من الشرطة التركية أو الترحيل إلى مصر مرة أخرى إذا انتهت تأشيرته وفشل في استخراج الإقامة.
لكن حسين فوجئ عندما علم أن الرجل المصري، الذي يعمل وكيلًا لوزارة الزراعة في مصر، قد حصل على إجازة لمدة عام بدون راتب وجاء مع ابنه للعمل في المصانع التركية. وقد ناقش حسين الرجل المصري حول جدوى الغربة في هذه السن، حيث كان الرجل في الخامسة والخمسين من عمره، وجاء للعمل في أحد المصانع التركية التي توفر ظروف عمل صعبة للغاية. أخبر الرجل المصري حسين أن راتبه في مصر لم يكن يتجاوز 9 آلاف جنيه مصري، أي حوالي 190 دولارًا أمريكيًا فقط، وأنه يحتاج إلى تجهيز بناته الثلاث للزواج.
قصة النصب
تبدأ قصة النصب والاحتيال على المصريين من الإعلانات المنتشرة على مجموعات تخص المصريين في تركيا، تدعوهم إلى العمل هناك، مع الإشارة إلى "أن فرص العمل كثيرة والرواتب تزيد عن 800 دولار"، وأن الإقامات من السهولة الحصول عليها.
تنتشر هذه الإعلانات، والتي حصل "عربي بوست" على نسخ من بعضها، أثناء تتبع ظاهرة عمالة المصريين في تركيا، حيث تتضمن "إغراءات كثيرة" مثل توفير إقامة قانونية، وفرص عمل مستمرة، مع وعود بزيادة الرواتب حال الاستمرار في العمل.
تبدأ بعد ذلك هذه الحسابات الموجودة على فيسبوك، والتي نشرت إعلانات التوظيف في تركيا، في استقبال رسائل واتصالات من المصريين الموجودين داخل مصر، خاصة في مناطق الدلتا والصعيد، وخاصة من هم تحت 18 عامًا وما فوق 45 عامًا، بحثًا عن فرصة عمل في تركيا.
ورغم أن التأشيرة الإلكترونية لا يزيد سعرها عن عشرين دولارًا أمريكيًا، أي ما يوازي ألف جنيه مصري، فإن عروض شركات التوظيف الوهمية في تركيا تعرض على المصري الراغب في السفر إلى تركيا التالي:
- دفع 80 ألف جنيه مصري مقابل استخراج التأشيرة الإلكترونية وتذكرة السفر إلى تركيا.
- توفير فرصة عمل لا يقل راتبها عن 800 دولار أمريكي.
- توفير إقامة سياحية في تركيا.
- توفير سكن مجاني على حساب صاحب العمل.
ترحيل المصريين
بالعودة إلى حسين عبد الرحمن، الذي يحكي عن الأضرار التي لحقت بالمصريين المقيمين في تركيا منذ سنوات بسبب "موجة الهجرة الحالية" للمصريين للعمل في المصانع التركية، يقول إن عدم قانونية وجود آلاف المصريين في تركيا بسبب القيود الشديدة على الإقامات، جعل الجالية المصرية "محط متابعة" من الجانب التركي، حيث يتم استهداف أماكن سكنهم وفحص أوراقهم، ومن يثبت عدم امتلاكه إقامة يتم ترحيله.
يقول إن الأمر يبدأ من القبض على المصري الذي لا يمتلك إقامة، ويتم إرساله إلى سجن الأجانب في منطقة أرناؤوط كوي، ليتم احتجازه هناك لعدة أيام أو أسابيع، ثم يقوم الأمن التركي بدفع الشخص للتوقيع على ورقة تتضمن موافقته على الترحيل، ليبدأ بعدها إجراء الترحيل، وهو ما حدث لآلاف المصريين في الشهور الماضية.

يؤكد حسين أن ذلك تسبب في تشديد كبير على إقامات المصريين في تركيا، حيث وضعت السلطات التركية شروطًا "تعجيزية" تخص تجديد الإقامات أو استخراجها لأول مرة، وذلك نتيجة لما يحدث من شركات العمالة المصرية الوهمية التي أضرت بالوجود المصري في تركيا.
التواصل مع الداخلية التركية
بطبيعة الحال، كان لزامًا علينا التواصل مع وزارة الداخلية التركية لطرح تساؤلات التحقيق حول الإجراءات المتبعة في التعامل مع المصريين المخالفين للإقامة، وما إذا كان هناك تفاهم مع الجانب المصري حول هذه الإجراءات. وقد أرسلنا بريدًا إلكترونيًا رسميًا إلى وزارة الداخلية التركية متضمنًا كل التساؤلات حول التحقيق.
لكن حتى نشر التقرير، لم يتم استلام أي رد بعد من جانب الداخلية التركية، وسيتم نشر ردهم حال استلامه.
جدير بالذكر أنه وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فإن عدد المصريين في تركيا بلغ إجمالًا نحو 73.3 ألف مصري حتى نهاية عام 2023.
وقد بلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين في تركيا 29.1 مليون دولار خلال العام المالي 2021/2022، مقابل 21.5 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2021، بنسبة ارتفاع قدرها 35.2%، وذلك طبقًا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.