كشفت مصادر ليبية مطلعة في حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أن حادثة "اعتقال" وزير الدولة لشؤون السلطة التشريعية في حكومة أسامة حماد، المحسوبة على خليفة حفتر والتي تسيطر على شرق ليبيا، الوزير محمد بوزقية، كانت بمثابة "إشارة" من جانب الحكومة الليبية في الغرب لحفتر، بضرورة الابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للمناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الدبيبة.
وقالت المصادر، التي تحدثت لـ"عربي بوست"، إن خليفة حفتر حاول في الفترة الأخيرة "افتعال أزمات كبيرة" في منطقة الزاوية، غرب ليبيا، من خلال بعض الأطراف المحسوبة عليه. ووفقًا للمصادر، قرأ الدبيبة هذه التحركات على أنها محاولة من حفتر لإشعال فتيل الصراع مجددًا، ولكن هذه المرة من داخل "قلب غرب ليبيا وبرجاله الموجودين هناك".
بداية الأحداث
أعلنت قوات العمليات المشتركة، التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، قبل يومين عن إطلاق سراح وزير الدولة لشؤون السلطة التشريعية في حكومة الاستقرار، المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، محمد بوزقية، بعد إيقافه بموجب أمر ضبط وإحضار صادر عن النيابة العامة في قضية "نصب واحتيال وتزوير"، وهو السبب الذي ساقته حكومة الدبيبة لتوقيف الوزير.
وأوضحت القوة، في بيان رسمي، أنه فور ضبط الوزير، باشرت إدارة التحقيقات التابعة لها إجراءاتها القانونية، حيث تم إبلاغ النيابة العامة والاستدلال معه تمهيدًا لإحالته إلى النيابة المختصة. وعند ورود أمر وكيل النيابة بنيابة غرب مصراتة بإخلاء سبيله، قامت القوة بتنفيذ القرار وأخلت سبيله.
![](https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2025/02/image-7-1024x538.png)
وقبل الإعلان عن إطلاق سراحه، تصاعدت أصداء عملية ما وُصف بأنه "خطف" بوزقية، وسط غضب وتنديد واسعين من حكومة حماد وقوى سياسية وحقوقية. وأعلنت حكومة حماد، وعدد من النشطاء السياسيين، أن عناصر من القوة المشتركة قامت بـ"خطف الوزير" في مدينة مصراتة، التابعة لحكومة الوحدة، أثناء زيارة اعتيادية إلى عائلته في المدينة.
وقالت حكومة أسامة حماد، المحسوبة على خليفة حفتر، إنها تستنكر هذا الفعل الذي يمس سلامة الأفراد وحرياتهم داخل الأراضي الليبية، مشددة على أن هذا النوع من الأعمال غير القانونية يضر بالنسيج الاجتماعي ويخالف المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
واعتبرت أن ما أقدمت عليه القوة العسكرية يأتي خارج إطار القانون، ودون مراعاة للنسيج الاجتماعي وسلامة الليبيين، أياً كانت صفاتهم أو تبعياتهم الوظيفية. كما دعت الجهات المختصة إلى اتخاذ ما يلزم، وبشكل عاجل، لإطلاق سراح بوزقية فوراً، وعدم التعرض لسلامته بأي شكل من الأشكال.
تخوف الدبيبة من روسيا
يأتي ذلك في الوقت الذي كان فيه محمد بوزقية في زيارة لأهله في مدينة مصراتة، مسقط رأسه، ولم تكن هذه زيارته الأولى، بل هي اعتيادية وعائلية ومتكررة.
وكشفت المصادر الليبية، لـ"عربي بوست"، أن منطقة الزاوية، الواقعة في غرب ليبيا، تعج بالميليشيات التي تنشط في الاتجار بالبشر، وتهريب المخدرات، وقطع الطرق. ورغم حجم الدعم الأوروبي المقدم لحكومة الدبيبة لمواجهة "مافيا الاتجار بالبشر"، فإنها فشلت في التصدي لهذه الظاهرة، خاصة أن أوروبا أبرمت اتفاقاً مع الدبيبة قبل شهور لمعالجة هذا الملف.
وحول علاقة هذه الميليشيات بخليفة حفتر، قالت المصادر الليبية إن حكومة الدبيبة لديها "قناعة" بأن هذه الميليشيات تعمل بأوامر من حفتر "لتفجير الوضع في الغرب، والتسلل إلى داخل الغرب الليبي بطريقة أخرى"، مما يسهل على حفتر اختراق الغرب الليبي دون الحاجة إلى عملية عسكرية جديدة، قد تواجه فشلاً مماثلاً لسابقاتها، وآخرها الهجوم الفاشل في عام 2019.
كما أشارت المصادر إلى أن إعادة تموضع روسيا في ليبيا، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا قبل شهور، دفعت حفتر إلى إنشاء قواعد عسكرية روسية بالقرب من مدينة مصراتة وفي قلب ليبيا. وهذا التوسع العسكري المدعوم من روسيا، جعل تواجده قريباً جداً من العاصمة طرابلس، الأمر الذي يقلق حكومة الدبيبة، التي تجد نفسها محاصرة من عدة جهات، بين قوات حفتر والقوات الروسية الداعمة له.
وكان موقع "إيتاميل رادار"، المختص في تعقب الرحلات الجوية العسكرية ومراقبة الملاحة البحرية، قد كشف سابقاً أن القوات الروسية خططت لنقل معدات عسكرية مهمة من قواعدها في سوريا إلى وجهتين محتملتين في ليبيا، هما طبرق وبنغازي.
![](https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2025/02/image-8-1024x768.png)
أوضحت المصادر أن "اعتقال" الوزير المحسوب على خليفة حفتر هو رسالة من جانب حكومة الدبيبة لحفتر بأن "تحركاته في الغرب الليبي مرصودة بشكل كامل"، وأنه لن يُسمح له بأي محاولة للتغلغل داخل الغرب الليبي، مهما كانت تداعيات ذلك.
كان عبد الحميد الدبيبة قد طالب موسكو بتقديم توضيحات بشأن ما أُثير حول نقل عتاد وقوات عسكرية روسية من سوريا إلى ليبيا في الأسابيع القليلة الماضية، وشدد، في بيان رسمي، على رفض أي وجود روسي في بلاده، مؤكداً أن حكومته لن تسمح بدخول أي قوات أجنبية إلى ليبيا إلا بموجب اتفاقيات رسمية، وضمن إطار التدريب. كما أعرب عن مخاوفه من نقل الصراع الدولي إلى الأراضي الليبية، وتحول البلاد إلى ساحة قتال بين الدول، مشيراً إلى أن ليبيا تتواصل مع دول كبرى والمجتمع الدولي بهذا الشأن.
تصعيد دبلوماسي
في الوقت نفسه، استدعت حكومة طرابلس السفير الروسي، وطالبت بتقديم توضيحات، بعدما أصدرت موسكو تحذيراً لرعاياها من السفر إلى ليبيا، محذرة من تعريض حياتهم للخطر، وذلك عقب اعتقال أحد المواطنين الروس في العاصمة طرابلس.
وأوضح الدبيبة، في هذا الإطار، أن المواطن الروسي الذي دخل البلاد بتأشيرة سياحية تم اعتقاله بتهمة ارتكاب أفعال منافية للأخلاق، وبعد العثور في هاتفه على معلومات أمنية. وأضاف أنه يخضع للتحقيق لدى مكتب النائب العام.
تعزيزات عسكرية روسية
جاء هذا الموقف الليبي بعد تقارير لمسؤولين أميركيين وليبيين أفادت بأن السلطات الروسية سحبت عتاداً عسكرياً متطوراً من قواعدها في سوريا، لنقله إلى ليبيا، عقب أيام من سقوط نظام بشار الأسد.
وقال المسؤولون إن طائرات شحن روسية نقلت معدات دفاع جوي متقدمة، بما في ذلك رادارات لأنظمة الدفاع الجوي "إس-400" و**"إس-300″**، من سوريا إلى قواعد في الشرق الليبي، يسيطر عليها الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر. فيما أظهرت بيانات ملاحية أن طائرات شحن روسية أجرت رحلات عدة إلى قاعدة الخادم الليبية.
الاستعداد للحرب
في سياق متصل، قالت مصادر ليبية قريبة من وزارة الداخلية الليبية، لـ"عربي بوست"، إن حادث اعتقال الوزير المحسوب على حكومة خليفة حفتر كان "إيذاناً من جانب حكومة الدبيبة" بأنها مستعدة لـ"الحرب كإجراء أقصى" في حال حاول حفتر تعكير صفو العمل في غرب ليبيا، على حد تعبيره.
وقال مصدر قريب من وزارة الداخلية الليبية إن حكومة الدبيبة باتت لديها قناعة بأن خليفة حفتر "يتجهز للحرب، ولا يُعير اهتماماً لأي محاولة سياسية لإنهاء الانقسام في البلاد".
![](https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2025/02/image-9.png)
وأشار المصدر إلى أن الدبيبة وحكومته يؤمنون بأن حفتر "يتقوى بقوات روسيا داخل ليبيا، من أجل إشعال حرب جديدة تهدف إلى السيطرة على الحكم في جميع أنحاء ليبيا".
أزمة سيولة سياسية
من جانبه، قال المستشار العسكري الليبي، عادل عبد الكافي، لـ"عربي بوست"، إنه لا يخفى على أحد أن التواجد الروسي في ليبيا ازداد بعد سقوط بشار الأسد، وأن خليفة حفتر فتح أراضي ليبيا لتعزيز الوجود العسكري الروسي، بهدف حشد قواته بالقرب من العاصمة الليبية طرابلس.
وقال إن حادث توقيف الوزير الليبي في الغرب ليس بعيدًا عن هذه الأزمة، إذ بدأ عبد الحميد الدبيبة "يشعر بالقلق" من التحركات الروسية في ليبيا، والتي تأتي دعمًا لخليفة حفتر. وأوضح أن الدبيبة يوجه رسالة واضحة إلى حفتر مفادها أنه لن يسمح بأي تحرك عسكري أو "ميليشياوي" في الغرب الليبي مرة أخرى.
تعقيد في المشهد السياسي
في سياق متصل، قالت مصادر محسوبة على برلمان طبرق، المدعوم من خليفة حفتر، إن حادث توقيف الوزير الليبي في مصراتة ألقى بظلاله على محاولات الأمم المتحدة إيجاد صيغة مقبولة لإنهاء الانقسام السياسي والعسكري داخل ليبيا.
وقال مصدر برلماني، لـ"عربي بوست"، إن الفترة الماضية شهدت تحركات من الأمم المتحدة، والمغرب، ومصر، بهدف التوصل إلى توافق لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد، خاصة بعدما طرح خليفة حفتر مبادرة سياسية للذهاب إلى الانتخابات. لكن تحركات الدبيبة "أفسدت هذه المسارات"، مما جعل المشهد أكثر تعقيدًا مما كان عليه سابقًا.
وأشار المصدر إلى أن أطرافًا دولية، من بينها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، تدخلت للضغط على حكومة الدبيبة من أجل الإفراج عن الوزير الليبي، تفاديًا لأي تصعيد إضافي. وقد أسفر ذلك عن الإفراج عن الوزير المحسوب على حكومة أسامة حماد، المدعومة من حفتر.
من جهتها، قالت المصادر البرلمانية في برلمان طبرق إن المجلس عقد جلسة لمناقشة تطورات عملية توقيف الوزير الليبي والإفراج عنه، وخلص إلى أنه "لن يكون هناك انخراط جديد في أي عملية سياسية يكون أحد أطرافها حكومة الدبيبة في المستقبل القريب".
جهود أممية لحل الأزمة
في غضون ذلك، دعت الأمم المتحدة أعضاء اللجنة الاستشارية الليبية إلى التركيز على معالجة العقبات التي تعرقل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المؤجلة منذ سنوات، باعتبارها خطوة ضرورية لحل الأزمة في البلاد.
جاء ذلك على لسان نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا، ستيفاني خوري، خلال الاجتماع الافتتاحي للجنة المشكلة وفق مبادرة أممية. وأعلنت البعثة الأممية في ليبيا عن تشكيل لجنة استشارية من خبراء ليبيين، ضمن مبادرة متعددة المسارات قُدمت إلى مجلس الأمن الدولي في 16 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وخلال افتتاح الجلسة الأولى للجنة في طرابلس، قالت خوري: "اللجنة الاستشارية جزء من العملية السياسية الشاملة بين الليبيين، وهدفها تجاوز حالة الانسداد السياسي الراهن."
وأضافت:"شكلنا اللجنة لوضع مقترحات سليمة من الناحية الفنية، وقابلة للتطبيق سياسيًا، لحل القضايا الخلافية المتعلقة بالإطار الانتخابي، مما يتيح إمكانية إجراء الانتخابات."
وتابعت، مخاطبة أعضاء اللجنة العشرين: "نتوقع أن تكون نتائج مداولاتكم مفيدة للمراحل اللاحقة من العملية السياسية، وأن تدعم صناع القرار والمؤسسات الليبية في تجاوز المأزق السياسي الحالي."
![](https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2025/02/image-10-724x1024.png)
الإطار الانتخابي ولجنة "6+6"
لجنة "6+6" هي لجنة مشتركة بين مجلسي النواب والدولة الليبيين، وأصدرت في 6 يونيو/حزيران 2023 قوانين لتنظيم الانتخابات، لكن بعض بنودها قوبلت بمعارضة من عدة أطراف ليبية.
وتأتي هذه التحركات ضمن جهود تهدف إلى إيصال ليبيا إلى مرحلة الانتخابات، لإنهاء الأزمة السياسية الناتجة عن الصراع بين حكومتين:
- الأولى: حكومة أسامة حماد، المعيّنة من مجلس النواب مطلع 2022، والتي تتخذ من بنغازي مقرًا لها وتدير كامل شرق البلاد ومعظم مدن الجنوب.
- الثانية: حكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها من الأمم المتحدة، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقرًا لها وتدير كامل الغرب الليبي.
ويأمل الليبيون أن تؤدي الانتخابات المرتقبة إلى إنهاء الصراعات السياسية والمسلحة، ووضع حد للفترات الانتقالية المستمرة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011.