الأسباب وراء الزلازل المستمرة في إثيوبيا وتأثيراتها المحتملة على سد النهضة وثوران البراكين

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/17 الساعة 11:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/17 الساعة 11:27 بتوقيت غرينتش
زلازل إثيوبيا- عربي بوست

جدل كبير أثاره تكرار حدوث زلازل متتالية على مدار أيام قليلة في إثيوبيا، حتى إن السلطات هناك قالت إنه تم تسجيل أكثر من 150 زلزالاً خلال 20 يوماً فقط، وذلك منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024، وسط مخاوف من اندلاع ثورات بركانية نتيجة الهزات المتكررة.

في الوقت نفسه، وخلال الساعات القليلة الماضية، رصدت السلطات في إثيوبيا حدوث 5 زلازل في عدة مناطق في إثيوبيا، وتسبب النشاط الزلزالي الأخير في إثيوبيا في إجلاء نحو 80 ألف شخص بعد سلسلة من الهزات التي ضربت مناطق عفار وروميا وأمهرة، بينها زلزال بقوة 5.8 درجات.

في هذا التقرير، نرصد ظاهرة تكرار الزلازل في إثيوبيا بشكل متتالي خلال أيام قليلة وأثر ذلك على سد النهضة وما إذا كانت تلك الزلازل ستتسبب في تفجير براكين داخل إثيوبيا؟

النشاط الزلزالي في إثيوبيا

شهدت إثيوبيا عشرات الزلازل في أيام قليلة، وما زالت الزلازل تحدث في الدولة الإفريقية، حتى إنه وفي 4 ساعات فقط حدثت 5 زلازل في مناطق مختلفة في البلاد، وذلك بحسب ما كشفه المركز الأورومتوسطي لرصد الزلازل. وكشف المركز كافة التفاصيل عن تلك الزلازل.

المنطقة الأولى التي شهدت عشرات الزلازل في الأيام القليلة الماضية كانت منطقة تبعد 100 كيلومتر عن مدينة ميتهارا وسط إثيوبيا، وقد كانت الزلازل بقوة 4.6، فيما كانت المنطقة التالية هي منطقة تبعد 28 كم عن مدينة أبومسا وسط إثيوبيا.

كذلك، وفي منطقة تبعد 23 كيلومتراً عن شمال مدينة أواش، ضرب زلزال آخر، ثم ضرب الزلزال الرابع منطقة تبعد 36 كم من منطقة أبومسا، بينما ضرب الزلزال الخامس بالقرب من مدينة ميتهارا وسط إثيوبيا.

في حين بلغت شدة أقوى الهزات الأرضية 5.8 درجة على مقياس "ريختر"، وقالت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، ومركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض (GFZ) إنها وقعت على بعد 142 كيلومتراً شرق العاصمة أديس أبابا، بعمق ضحل بلغ 10 كيلومترات.

مصادر إعلامية مختلفة أكدت أن الزلازل المتكررة التي حدثت في منطقة أواش جراء بركان "فنتالي" تسببت في دمار عدد كبير من المنازل في مناطق عدة من إقليم عفار، وتسببت في انهيار أكثر من 30 منزلاً، مما دفع آلاف السكان إلى الفرار إلى المناطق المجاورة. وأبلغت المجتمعات المتضررة في قرية سيجينتو بمنطقة دوليتشا، قرب سد ومصنع سكر "كيسيم"، عن أضرار جسيمة في المنازل والمدارس، بما في ذلك مدرسة "أونجايتو" في قرية سابور.

زلزال قديم

بالعودة إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024، فقد وقع زلزال بقوة 4.9 درجات على مقياس ريختر في منطقة أواش فنتالي الجبلية بإقليم عفر شرقي إثيوبيا، وامتدت الهزات الناجمة عن الزلزال إلى عدد من المدن من بينها أديس أبابا.

كانت بداية الزلازل في إثيوبيا ما حدث في أكتوبر/تشرين الأول 2024، الذي ضرب العاصمة أديس أبابا، ثم تلاه زلازل أخرى في كل من مناطق بإقليمي أوروميا وأمهرة بشمال ووسط إثيوبيا.

في حين تقع منطقة أواش فنتالي على بعد 229 كيلومتراً من أديس أبابا، وهي جزء من الصدع الأفريقي العظيم الذي يُعدّ أحد أضخم التصدعات الجيولوجية في أفريقيا بسبب الحراك التكتوني ووجود الينابيع الحارة والأنشطة البركانية.

يذكر أن سكان منطقة أواش فنتالي في منطقة عفار الإثيوبية أفادوا بانهيار أكثر من 30 منزلاً بسبب الزلازل المتكررة، مما أجبر الكثيرين على الفرار من منازلهم والبحث عن ملجأ في المناطق المجاورة.

في حين أن "المنطقة الأكثر تضرراً بالزلزال هي قرية سيجينتو كيبيلي في مقاطعة دوليتشا، حيث كانت الأضرار واسعة النطاق. والمنطقة الثانية الأكثر تضرراً هي مقاطعة أواش فنتالي، حيث تنهار المنازل يوماً بعد يوم".

نزوح السكان

بحسب بعض السكان، فقد نزح عدد كبير من أفراد المجتمع القريب من مصنع سكر "كيسيم" من منازلهم، وكانت لجنة إدارة أخطار الكوارث الإثيوبية قد قالت إنه تم إجلاء ما يزيد على 20 ألف شخص إلى مناطق آمنة في عفار وأوروميا من إجمالي ما يزيد على 51 ألف شخص عرضة للخطر.

وأشارت اللجنة في بيانها إلى أن "الخطط جارية لنقل أكثر من 8 آلاف شخص في إقليم أوروميا خلال الأيام المقبلة. وتتواصل موجة الزلازل التي تضرب مناطق عدة شرق وشمال شرقي إثيوبيا وصولاً إلى العاصمة أديس أبابا وإقليم أوروميا انطلاقاً من جبل "فنتالي" بإقليم العفر شرق البلاد.

فوهة من البركان

في حين أدى النشاط البركاني في الإقليم العفري إلى تشكل فوهة بحيرة مملوءة بمياه الينابيع الساخنة، وأدت التغيرات الأرضية إلى التأثير في عدد من المؤسسات من بينها مصنع سكر "كيسيم".

وقد تم رصد انهيار جزء من مصنع السكر الذي شُيّد في الإقليم قبل أعوام قليلة، وكان من المتوقع إنتاج السكر خلال الفترة المقبلة قبل تأثره بالزلازل والهزات الأرضية المتكررة التي ضربت المنطقة في الأسابيع الماضية، ويضم المصنع نحو 4 آلاف من العاملين تم إخلاؤهم جميعاً في وقت مبكر.

مستقبل سد النهضة بسبب الزلازل

علق الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، على الزلزال الذي ضرب إثيوبيا وقال في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" إن الزلازل الحالية في إثيوبيا لا تؤثر على سد النهضة، لأن كل الزلازل حدثت بقوة أقل من 6 درجات على مقياس ريختر.

وحذر شراقي من أن أي زلزال سيحدث جراء زيادة نسبة المياه في بحيرة سد النهضة لم يحدث بعد، لكنه قال: "بدأ النشاط الزلزالي في منطقة الأخدود الإثيوبي في 21 ديسمبر/كانون الأول 2024 بمعدلات غير مسبوقة".

وأضاف "أدت الزلازل إلى بدء نشاط بركان دوفن بخروج غازات وأبخرة وكتل صخرية ومياه وطين، وذلك بعد غليان المياه على أعماق تصل إلى 10 كم، وقد يكون جزء من هذه المياه من تسريبات بحيرة سد النهضة من خلال أخدود النيل الأزرق الذي يربط بين بحيرة سد النهضة ومنطقة الأخدود الإثيوبي".

وأوضح أن "درجات الحرارة العالية تتسبب في غليان المياه وزيادة الضغط، وخروج الغازات والأبخرة من خلال التشققات التي تحدثها الزلازل". وتابع "هذا يحتاج إلى دراسات علمية لتأكيد أو نفي هذه النظرية. كما يخشى من استفاقة نشاط بركان فنتالي الذي يسكن حوله عشرات الآلاف من السكان، وقد أجلت السلطات الإثيوبية بالفعل حوالي 80 ألف شخص في الأيام الأخيرة".

انفجار بركاني

في حين حذر عباس شراقي من أن الزلازل التي تجاوز عددها 120 زلزالاً في الأسبوعين الأخيرين وبقوة تجاوزت 4 درجات على مقياس ريختر، تسببت في انفجار البركان، وقال إن "الزلازل تعمل على مزيد من التشققات والفوالق، ما يسمح للماجما أو المحاليل الساخنة بالاندفاع نحو سطح الأرض نتيجة الضغط الشديد وزيادة الأبخرة والغازات في باطن الأرض".

وحذر من أن النشاط البركاني قد يزداد إلى مزيد من الحمم البركانية، وقد يمتد إلى بعض البراكين المجاورة، أهمها بركان فنتالي Fentale إلى الجنوب، ونوّه بأن منطقة الأخدود الإثيوبية يوجد بها حوالي 59 بركاناً تكونت في العصر الجيولوجي الحديث منذ حوالي 12 ألف سنة، معظمها خامد عدا بركان "إرتا أليه" الذي بدأ نشاطه الحديث منذ عام 1967 ويزداد نشاطه بين الحين والآخر.

السودان أكثر المتضررين

فيما قال العالم المصري عصام حجي، في تعليق كتبه في حسابه على فيسبوك حول الزلازل والبركان، إنه في الوقت الذي تشتعل فيه الصحف والمواقع بتأثير النشاط الزلزالي الحالي في الصدع الأفريقي على انهيار سد النهضة، ينظر السودان، وهي الأقرب للسد وعلمياً أكثر المتضررين في حالة انهياره، نظرة مختلفة في التعامل مع هذه الأحداث.

أضاف: "يتركز النشاط الزلزالي في إثيوبيا في منطقة الأخدود الأفريقي العظيم، الذي يبعد أكثر من 560 كم من موقع سد النهضة، وهو صدع جيولوجي نشط منذ أكثر من 25 مليون سنة، أي إن هذا النشاط الزلزالي ليس وليد اللحظة، وهو نتاج البراكين التي تنشط بين الحين والآخر بفترات متباعدة تتراوح بين عشرات إلى آلاف السنين، ويسبق تلك البراكين نشاط زلزالي طبيعي مثلما يحدث اليوم في إثيوبيا، والذي من الطبيعي أن يستمر في الفترة المقبلة وليس بسبب بحيرة السد كما يشاع إعلامياً".

كما قال: "لا شك أن الكوارث الطبيعية مثل الزلازل لها تأثير كبير على المنشآت مثل السدود، ولكن عند بنائها يتم الأخذ في الاعتبار الطبيعة الزلزالية لموقع البناء ويتم التصميم بمعايير دولية، ولذلك فإن احتمالية انهيار سد النهضة بسبب الزلازل الحالية ضعيفة.

قال كذلك: "تناول الإعلام موضوع انهيار سد النهضة بالتهويل مراراً وتكراراً دون وجود أدلة علمية كافية، والتي تحتاج إلى دراسات معمقة. إن الخطر الحقيقي ليس انهيار السد، بل هو الدخول في حالة جفاف مثل الذي حدث في الثمانينات دون الوصول إلى اتفاق لتشغيل تعاوني بين سد النهضة والسد العالي، لحماية مصر من شح المياه في تلك الفترة".

في سياق موازٍ، تفاعلت إثيوبيا مع كل ردود الفعل حول خطورة الزلازل التي تضربها منذ أسبوعين، وأصدرت بياناً نفت فيه كل ما أثير حول هذه المخاوف، وأكد المدير العام للمعهد الجيولوجي الإثيوبي إيجارا تسفاي أن التقرير الذي يزعم أن سد النهضة معرض لخطر الزلزال "غير صحيح تماماً".

وقال المسؤول الإثيوبي في تصريح رسمي إنه لا توجد دراسة تثبت أن الزلازل التي تحدث في منطقة الوادي المتصدع يمكن أن تحدث في مناطق أخرى. وأشار تسفاي إلى أن نتائج الدراسات تشير إلى أن "سد النهضة ليس معرضاً لخطر الزلازل ويتم تنفيذ المشروع بمسح جيولوجي شامل"، مؤكداً أن المعلومات المتداولة حول مخاطر الزلازل غير صحيحة.

وكشف أن وكالة الفضاء الأوروبية أبلغت خلال اجتماعها مع معهد المسح الجيولوجي الإثيوبي بأنه "لا توجد معلومات جيولوجية تشير إلى احتمال حدوث زلزال في منطقة سد النهضة".

ما هو الأخدود الأفريقي العظيم؟

جدير بالذكر أن الوادي المتصدع الكبير أو الأخدود الأفريقي العظيم أو الصدع الأفريقي، كلها أسماء تطلق على صدع جيولوجي ضخم، يمر غربي آسيا وشرقي إفريقيا، من جنوبي تركيا في الشمال مروراً ببلاد الشام، والبحر الأحمر، وخليج عدن، وصولاً إلى كينيا في الجنوب.

في كينيا، يتفرع الصدع إلى قسمين يصلان إلى زيمبابوي في الجنوب الأفريقي.

ويتجاوز طول الصدع أكثر من ستة آلاف كيلو متر، ويتراوح عرضه بين 7 و20 كيلومتراً.

ويبلغ ارتفاع الشق 1170 متراً فوق سطح البحر في أعلى نقطة له قرب مدينة بعلبك اللبنانية، أما في البحر الميت فيهبط الشق إلى نقطة عمقها أكثر من 400 متر تحت سطح البحر.

ويعد الصدع الأفريقي من أشهر الظواهر الطبيعية، لكونه السبب الجيولوجي لتكوين معالم طبيعية بارزة، من بينها سهل البقاع اللبناني.

وقد بدأ هذا الصدع الطويل في الظهور قبل حوالي 25 مليون سنة، بسبب حركة أفقية لصفيحتين تكتونيتين من الصفائح التي تؤلف القشرة الخارجية للكرة الأرضية.

الصفيحتان الموجودتان من جانبي الشق هما "الصفيحة العربية" من الشرق و"الصفيحة الأفريقية" من الغرب. وتتحرك كلتا الصفيحتين نحو الشمال؛ لكن "الصفيحة العربية" تتحرك بسرعة أكبر، ما يسبب الصدع الجيولوجي بينهما.

ويقع جبل فنتالي، وهو بركان خامد، في وسط هذه المنطقة الزلزالية، وبات نشاطه مثيراً للقلق بشكل متزايد. ولم ترد تقارير عن حدوث هزات في دول جوار إثيوبيا، وهي السودان وجنوب السودان، والصومال وإريتريا وكينيا. وانفجر هذا البركان الإثيوبي آخر مرة في عام 1820.

بينما كانت إثيوبيا تشهد في المتوسط من 3 إلى 6 زلازل سنوياً، إذ تعرضت خلال 14 يوماً (الفترة من 21 ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى 4 يناير/كانون الثاني 2025) إلى 130 زلزالاً، وأثار هذا الارتفاع في النشاط الزلزالي تساؤلات حول تأثيره المحتمل على سد النهضة.

ورغم أن الخبراء يتفقون على أن قوة وموقع هذه الزلازل لا يمثلان تهديداً مباشراً لسلامة جسم السد، فإن الآراء انقسمت بشأن تفسير ردود الفعل العامة، فبينما يرى البعض أنها مبررة علمياً، يرى آخرون أنها تبتعد عن جوهر القضية الرئيسية، المتمثلة في ضرورة التوصل إلى اتفاق حول تشغيل تعاوني بين سد النهضة والسد العالي، لضمان حماية مصر من مخاطر نقص المياه في المستقبل.

تحميل المزيد