يحتدم الجدل في المغرب بين النقابات العمالية والحكومة حول مشروع قانون الإضراب، الذي يُفترض أن يخرج لأول مرة إلى الوجود خلال هذه الولاية الحكومية التي يترأسها رجل الأعمال عزيز أخنوش، وسط اتهامات للأخير بوضع قانون الإضراب في المغرب على مقاس رجال الأعمال وأرباب المصانع.
ولا يوجد في المغرب إلى يومنا هذا أي قانون ينظم كيفية ممارسة حق الإضراب سواء في القطاع العام أو الخاص، إذ لم تتمكن أي حكومة منذ استقلال المغرب سنة 1956، ومع تعاقب الدساتير منذ أول دستور للمملكة عام 1962، من تحقيق الخطوة الأساسية المتعلقة بإخراج القانون الذي ينظم هذا الحق الدستوري.
هذا المشروع القانون، تجتهد الحكومة لكي تخرجه من عنق الزجاجة، إذ أصبح متاحاً وفي متناول كل البرلمانيين في انتظار المصادقة عليه بشكل نهائي من قِبَل مجلسي البرلمان، بعدما صادقت عليه بالأغلبية، صباح الأربعاء 04 ديسمبر/كانون الأول 2024، لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).
ويبدو أن المركزيات النقابية العمالية، خصوصاً التي التأمت في "جبهة الدفاع عن ممارسة حق الإضراب"، لا تتفق مع المقتضيات التي جاء بها أول مشروع قانون ينظم ممارسة الحق في الإضراب، باعتباره يتسم في مقاربته بتغييب المنهجية التشاركية مع الفرقاء الاجتماعيين، ومع باقي القوى المجتمعية المعنية.
تعديلات قانون الإضراب في المغرب
لم يصدر التعقيب الحكومي بشأن اعتراض النقابات والأحزاب والمنظمات الحقوقية (الممثلة لجبهة الدفاع عن ممارسة حق الإضراب)، لكن سبق لوزير الإدماج الاقتصادي والتشغيل المغربي يونس السكوري، أن عبَّر عن سعي الحكومة إلى التوافق ما أمكن لاعتماد مشروع قانون الإضراب في المغرب.
ولذلك، خضع مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب الذي استمر 18 ساعة مسترسلة، لإعادة هيكلة وتعديلات قبل المصادقة عليه بالإجماع.
وقُلِّص مشروع القانون من 49 مادة إلى 35 مادة في هذه المرحلة، ومن المرتقب تقليص هذه المواد أكثر في المراحل المقبلة، علاوة على معالجة أكثر من 334 تعديلاً؛ طالت بشكل أساسي المادة الأولى التي تقوم مقام الديباجة، أو الفئات التي يحق لها ممارسة الحق في الإضراب، وذلك لكي يكون حق الإضراب في متناول شرائح واسعة من المجتمع المغربي على عكس ما كان عليه الأمر في المشروع المودَع أصلاً.
كما سُحب منع الإضراب لأسباب سياسية، والإضراب التضامني، والإضراب بالتناوب من قانون الإضراب في المغرب، فضلاً عن تقليص المدد الزمنية للتفاوض ومدد الإخطار بالإضراب.
واعتبر وزير التشغيل يونس السكوري، عقب اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، أن "هذا القانون حرص على حماية الحق في العمل من خلال احترام حق العمال غير المضربين، وتعزيز حقوق المضربين".
قانون على مقاس أرباب العمل
في المقابل، لا تزال المركزيات النقابية تبدي امتعاضها من مشروع قانون الإضراب في المغرب، رغم كل التعديلات التي طالته، لأنه يبدو من خلال تصويت نواب من المعارضة في لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، أن التعديلات التي تمت لم ترقَ إلى المستوى المنتظر، والتي كانت الهيئات والمركزيات العمالية تطمح إليه،" يؤكد منسق جبهة الدفاع عن حق الإضراب، يونس فراشين.
وأوضح المتحدث لـ"عربي بوست"، أن "التعديلات الحاصلة داخل مجلس النواب بشأن قانون الإضراب في المغرب، سبق أن ناقشناها مع وزير التشغيل، وبالتالي هي تعديلات طُرحت سابقاً، واعتبرنا أن جوهر مواد القانون لم يتغير، ولم يخرج من منطق المنع إلى منطق تنظيم الحق في الإضراب".
يضيف منسق الجبهة، والقيادي في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن هذا "القانون في نهاية المطاف على مقاس لوبي المال وتحت طلب أرباب العمل؛ وهو ما يُظهره التقييد الكبير للحق في الإضراب على مستوى القطاع الخاص، سواء على مستوى شروط الإعلان عن الإضراب أو على مستوى العقوبات".
أزيد من نصف قرن بدون قانون
استبشرت الشغيلة المغربية خيراً مع دستور 2011 الجديد، الذي نصّ على وجوبية عرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان قبل انتهاء الولاية التشريعية.
حينها، أعدّت الحكومة التي ترأسها عبد الإله بنكيران عن حزب العدالة والتنمية، أوّل مشروع قانون تنظيمي لتأطير الإضراب في المغرب، وصُودق عليه في مجلس وزاري برئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس في الجزء الأخير من ولاية الحكومة عام 2014.
وأُحيل مشروع قانون الإضراب في المغرب بعدها على البرلمان، دون أن يجد طريقه للمناقشة إلى يومنا هذا بسبب رفض النقابات العمالية، التي احتجّت على مضامين الوثيقة التي رأت أنها "تقيّد" حقاً دستورياً، وانتقدت أيضاً عدم إشراكها في صياغتها.
في شهر يوليوز/تموز 2024، أدرجت الحكومة الحالية التي يقودها الملياردير عزيز أخنوش، مشروع قانون الإضراب في المغرب مرة أخرى على جدول أعمال البرلمان، الشيء الذي أعاد من جديد موجة الاحتجاجات والجدل بشأنه.
يقول القيادي النقابي، يونس فراشين، في حديثه لـ"عربي بوست": "أشد ما نخاف اليوم أن يأتي قانون يخلق مشكلاً ونزاعات حول الإضراب، لأنه في السابق لم يكن هناك قانون منظم للحق في الإضراب، وكانت الشغيلة المغربية تُنظم نفسها بنفسها، وكانت المركزيات العمالية تؤطر هذه الإضرابات".
ولهذا يضيف المتحدث: "نحن لسنا ضد وجود قانون، ولكن يجب أن يكون قانوناً يُنظم هذا الحق في الإضراب ولا يكرس صيَغاً لمنعه؛ خصوصاً أنه طيلة هذه السنوات كلها، من أول دستور في المملكة إلى الآن مرت إضرابات عديدة في القطاع العام وفي القطاع الخاص، دون أدنى مشكل"، يورد القيادي النقابي.
القانون لا زال بعيداً عن تحديد الهدف
يُعد الحق في الإضراب من الحقوق الدستورية في المغرب، إذ ينص الفصل 29 من الدستور المغربي على أن "حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته".
هذا يعني أن "كل القوانين التي ستأتي لتنظيمه لا ينبغي لها أن تتضمن ما من شأنه أن يقيّد هذا الحق أو يعرقل ممارسته، وإلا اعتبرت غير دستورية لأنها تخالف روح الدستور، ويترتب على عدم دستوريتها أن تصبح باطلة"، يقول أستاذ القانون بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، سعيد الوردي.
يردف أستاذ القانون في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "مشروع قانون الإضراب في المغرب أريد له أن يحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاعين العام والخاص، لكنه في صيغته الحالية لا زال بعيداً عن تحقيق الهدف الأسمى من تنظيم الحق في الإضراب، وهو ضمان الدفاع عن حقوق ومصالح الأجراء".
وأوضح الوردي، أن مشروع القانون "تضمّن مجموعة من المواد تقيد ممارسة هذا الحق وتربطه بضرورة سلوك مسطرة للتفاوض والصلح مع المشغِّل حسب ما ورد في المادة 7 من المشروع، كما منع الإضراب لأهداف سياسية بموجب المادة 5، والإضراب بالتناوب بموجب المادة 12. وفضلاً عن ذلك، فالمشروع يُحرِم ضمنياً الفئات التي لا تنتمي للأجراء من ممارسة حق الإضراب".
من جهة أخرى، "نلاحظ أن مشروع قانون الإضراب في المغرب يرمي إلى خلق بيئة مناسبة لممارسة الحق في الإضراب، والحق في حرية العمل، في آن واحد، حيث لا ينبغي للمضرب أن يصادر حق غير المضرب، والعكس صحيح، لذلك نجد المادة 47 تعطي للسلطات العمومية الحق في اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحفظ النظام العام وحماية الأشخاص والأموال والممتلكات"، يخلص أستاذ القانون بجامعة فاس.