على الطريق الرابطة بين مدينتي وزان وشفشاون شمال المغرب، تتراص العشرات من معاصر الزيتون، تنتظر زبائن يأتون لها بمحاصيل الشجر الذي يزين جبال المنطقة لعصره، كما هي عادة الموسم السنوي الذي ينطلق بداية كل أكتوبر/ تشرين الأول من كل سنة.
لكن المشهد هذه السنة مختلف، فمحصول الزيتون الذي يُجنى في المنطقة ضعيف، بسبب تراجع التساقطات المطرية خلال الأعوام الماضية، والمعروف أن شجرة الزيتون تحتاج إلى نسبة مهمة من السقي حتى يكون منتوجها بجودة مقبولة، ينتج كميات من الزيت المعقول عند عصره.
عامل الجفاف، بالإضافة إلى عوامل بشرية أخرى، جعلت الحكومة المغربية، تقرر استيراد زيت الزيتون لأول مرة في تاريخها، بعدما كان العرض يغطي الطلب، وبعدما كانت قد منعت تصديره السنة الماضية.
وفي موسم جني الزيتون لسنة 2023، فرضت الحكومة المغربية تقييد تصديره عبر مصالح إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، حيث عممت دورية بضرورة فرض قيود على الكميات المصدّرة ونوعيتها إلى الخارج إلى غاية متم شهر دجنبر 2024.
ومع هذا التقييد، اعتقد المغاربة أنهم بلغوا برّ الأمان، وستعود زيت الزيتون إلى حضورها القوي في مائدتهم، بعدما ينخفض سعر زيت الزيتون، غير أن ذلك لم يحدث وظلت أسعارها في تزايد مضطرد، أصبح معه الحديث عن لجوء تعاونيات فلاحية إلى الاستيراد أمرا محتوما.
من التصدير العام إلى التقييد
يعتبر المغرب من البلدان الرائدة في إنتاج زيت الزيتون في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، إذ احتل المرتبة الثانية بعد تونس، فيما احتل المرتبة التاسعة في التصنيف العالمي، بمحصول فاق 217 مليون لتر سنة 2022.
وعلى صعيد الصادرات، سجل المغرب سنة 2021، المرتبة الثانية كأكبر مصدر لزيت الزيتون في العالم العربي، بحوالي 9.1 مليون لتر من الصادرات التي تم إنتاجها وعصرها في المملكة.
غير أن هذه الأرقام تراجعت في غضون سنوات الجفاف، ومن المتوقع أن ينخفض محصول هذا الموسم إلى النصف، مقارنة بالموسم الفائت الذي بلغ فيه الإنتاج 106 آلاف طن، مما انعكس على أسعار زيتها التي بلغت أرقاما قياسية.
من المتوقع ألا يتجاوز إنتاج الزيتون خريف 2024، 30 في المائة كأعلى تقدير بالنسبة للأشجار المثمرة المسقية، فيما الأشجار البورية لن تتجاوز 5 بالمائة من الإنتاجية، حسب مصادرنا.
و"أن تتجه التعاونيات الخاصة بزراعة وعصر الزيتون إلى الأسواق الخارجية ليس بالحدث الجديد"، هذا ما قاله أحد مهنيي القطاع، إذ اعتاد بعض الفلاحين استيراد الزيتون أو زيت الزيتون من أجل مواكبة السوق الداخلي، وهذه السنة قد يكون "الاستيراد مرتفعا عن السنة الماضية بحكم استمرار تأزم الوضع".
كما أن أغلب المعاصر المغربية تعصر الزيتون الإسباني، لأن مردوديته أكثر مقارنة مع الزيتون المغربي، لكنه يباع في الأسواق على أنه منتج مغربي وبأسعار مرتفعة، مقارنة بنظيره الإسباني ، يقول محدثي.
ووفق مصادر عن الفيدرالية البيمهنية المغربية للزيتون، فإن المغرب يستورد ما بين 10 آلاف و 20 ألف طن من زيت الزيتون كل سنة، حسب حاجيات السوق الوطنية، التي يحددها الموسم الفلاحي وأهم الدول التي يستورد منها المغرب زيت الزيتون هي تونس وتركيا وإسبانيا.
ردا على هذه المعطيات، أكد مصدرنا أن عملية الاستيراد ضرورية، لكنها لاتزال ضعيفة لدى التعاونيات الصغرى والمتوسطة، لاعتبارات موضوعية، مثل تكاليف الشراء والشحن، بالإضافة إلى عزوف المواطن المغربي عن شراء الزيت بعد ارتفاع ثمنه الذي فاق قدرته الشرائية.
في المقابل، يؤكد مصدرنا أن بعض التجار الكبار والشركات الكبرى والمعروفة عالميا، مثل لوسيور وكريسطال ولوسرا وغيرها، لها حصة الأسد في الاستيراد الذي تقوم به منذ سنوات من تونس وإسبانيا، من أجل تلبية حاجيات السوق الداخلي من الزيت.
بالإضافة إلى أن هذه الشركات نفسها تقوم بتصدير زيت الزيتون تحت اسم العلامة التجارية المغربية لبعض الأسواق الأوروبية والأمريكية، لكونها ملزمة بعقود تجارية مع عملائها على الصعيد الدولي وعلى المدى الطويل.
ارتفاع الأسعار
بعد عرض الزيتون قبل عصره في الأسواق المغربية في الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، لوحظ ارتفاع سعره من 12 درهم إلى 25 درهماً مقارنة بموسم الزيتون الماضي، أما الزيتون بعد عصر فقد ارتفع سعره من 40 إلى 150 درهما للتر الواحد من زيت الزيتون.
في الحقول وحسب مصادر مهنية لـ"عربي بوست"، فإن ارتفاع الأسعار تتداخل فيه مجموعة من العوامل، أولها ارتفاع الحرارة، تراجع نسبة المياه الجوفية بسبب الجفاف المتواصل، وقلة التساقطات المطرية التي أدت إلى موت العديد من أشجار الزيتون.
فبالرغم من قدرة أشجار الزيتون على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة وتحمل الجفاف إلى حد ما، إلا أن ارتفاع الحرارة خلال مرحلة نمو ثمار الزيتون أدى في السنوات الأخيرة إلى نقص حاد في المحاصيل.
كما أن طريقة جني المحاصيل بالشكل التقليدي، الذي هو عليه الآن تضر بالشجرة المباركة، وتجعل مردودها يتقلص سنة بعد سنة، بسبب إتلاف أغصانها عند كل جني تقليدي.
إضافة إلى ما سبق فإن تزايد طلب السوق الداخلي على هذه المادة الحيوية، في مقابل تراجع زراعة أشجار الزيتون والتوجه نحو فلاحات أخرى في نظر الفلاح المغربي أكثر مردودية، ساهم في ارتفاع أسعار زيت الزيتون.
ووفق المصادر عينها، فإنه لا أفق لانخفاض هذه الأسعار على المدى القريب أو المتوسط، كما أن مجموعة من المقاولات خاصة المتوسطة أعلنت عن إفلاسها، نتيجة الخسائر المادية الكبيرة التي تتكبدها، بعدما كانت تنتج محليا وتصدر إلى خارج المغرب.