إسرائيل تثبت أقدامها في جنوب سوريا.. خطوة استباقية لمواجهة النفوذ التركي

عربي بوست
تم النشر: 2025/02/21 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/02/21 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
التوغل الإسرائيلي في سوريا/ عربي بوست

صعّد الاحتلال الإسرائيلي وجوده العسكري في جنوب سوريا، مستكملاً بناء مواقع عسكرية جديدة وزيادة انتشار قواته، في خطوة تعكس توجهاً استراتيجياً لتعزيز نفوذه الأمني والاستخباراتي. يأتي هذا التحرك في ظل مشهد إقليمي متغير، مع سقوط نظام الأسد وتصاعد التنافس الجيوسياسي بين القوى الفاعلة في المنطقة، لا سيما بين الاحتلال الإسرائيلي وتركيا. في هذا الإطار، يسلط موقع "أسباب" لدراسات الجيوسياسية في هذا التحليل الضوء على أبعاد هذه التطورات وانعكاساتها على المشهد الإقليمي ومستقبل التوازنات في المنطقة.

الاحتلال الإسرائيلي عزز تواجده في الجنوب السوري

كشفت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الجيش انتهى من بناء 9 مواقع عسكرية على طول المنطقة العازلة داخل جنوب سوريا، يقع اثنان منها في جبل الشيخ فضلا عن 7 مواقع أخرى في مناطق متفرقة من المحافظات الجنوبية خاصة القنيطرة، مع نشر 3 ألوية عسكرية مقارنةً بكتيبة ونصف قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. كما أشارت الإذاعة إلى أنّ جيش الاحتلال يخطط للبقاء في جنوب سوريا خلال 2025 على الأقل ودون سقف زمني محدد، وهو ما يمثل تراجعا عن تصريحات إسرائيلية سابقة بأن تواجد قواته داخل المناطق المحتلة حديثا في الجنوب السوري سيكون مؤقتا.

تسعى "إسرائيل" إلى فرض حضور في المعادلة السورية التي لا تزال قيد التشكل في واقع إقليمي معقد، ولذا فإن الاختراقات الإسرائيلية وفرض الواقع يمنح الاحتلال وضعية تفاوضية جيدة ضمن أية تسويات مستقبلية لهذا الواقع المعقد. فبعد ساعات من سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، توغلت قوات جيش الاحتلال داخل المنطقة العازلة المحددة وفقا لاتفاقية فض الاشتباك عام 1974.

خريطة توضح مناطق التوغل الإسرائيلي في سوريا/ عربي بوست

ثم نفذ سلاح الجو الإسرائيلي ما وصفه بأنها أضخم عملية عسكرية في تاريخه، شملت مئات الغارات الجوية على امتداد الأراضي السورية، استهدفت القطع البحرية العسكرية في موانئ الساحل الغربي، والمطارات العسكرية، ومخابئ الأسلحة ومرافق إنتاجها، ومواقع الأسلحة الكيميائية. وقالت "إسرائيل" إنها دمرت أكثر من 90% من قدرات الدفاع الجوي السوري، كما دمرت أسرابا كاملة من طائرات "الميغ" و"السوخوي".

الأهمية الجيوستراتيجية لسيطرة الاحتلال على مرتفعات الجولان

في المنظور الجيوستراتيجي؛ يمثل تعزيز السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان هدفا استراتيجيا حاسما في تحقيق التفوق الاستخباراتي للاحتلال، وبصفة خاصة في جبل الشيخ الذي يبلغ ارتفاعه نحو 2800 متر عن سطح البحر، ويوفر قدرات هائلة على مراقبة المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة والأردن، بنطاق يتجاوز 70 كم من جميع الاتجاهات، فضلا عن إمكانية رصد تحركات القوات السورية في دمشق التي صارت على بعد 20 كيلومتر فقط عن خط التمركز الإسرائيلي الجديد.

جبل الشيخ يحظى بموقع استراتيجي يعد هو الاهم في بلاد الشام، أرشيفية (Wikimedia Commons)

كما يوفر تعزيز السيطرة على المنطقة ميزة عملياتية إضافية لجيش الاحتلال في مواجهة أية تحركات برية قادمة من الأراضي السورية وتنفيذ عمليات القصف المدفعي والاستطلاع والدفاع السلبي، كما يزيد من تطويق جنوب لبنان ويعطي جيش الاحتلال تفوقا عملياتيا إضافيا في أي توغل بري قادم في الجنوب اللبناني لفتح محور نشط انطلاقا من هذه المنطقة.

وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أظهر قدرا من الارتياح في الأيام الأولى لسقوط الأسد، معتبرا أن هذه النتيجة تمثل ضربة قاصمة لقوى محور المقاومة المرتبط بإيران، إلا أن "إسرائيل" لن تشعر بارتياح إزاء السلطة الجديدة في سوريا التي يقودها إسلاميون، بصرف النظر عن التطمينات ورسائل التهدئة التي أطلقتها قيادة الإدارة السورية الجديدة. لذا فإن من المرجح أن تحرص "إسرائيل" على تعزيز نفوذها داخل المنطقة العازلة وفي الجنوب السوري عموما، سعيا لمنع الإدارة الجديدة مستقبلا من تغيير الوضع الأمني الراهن في الجولان. 

مستقبل التنافس الجيوسياسي بين الاحتلال الإسرائيلي وتركيا

في السياق الجيوسياسي الأوسع؛ تتزايد احتمالات توقيع اتفاقيات تعاون عسكري موسعة بين تركيا والإدارة السورية الجديدة، بما يشمل على الأرجح وجودا عسكريا تركيا دائما في سوريا ونفوذا داخل الجيش السوري الجديد الذي ستشارك تركيا بشكل فعال في تدريبه وتسليحه. وسوف تضع هذه التطورات "إسرائيل" في مواجهة جيوسياسية غير متوقعة مع تركيا خلال السنوات القادمة، وسيكون على دولة الاحتلال التعامل مع معادلة جديدة تجد فيها القوات التركية قرب حدودها. لذا؛ فإن الخطوات الإسرائيلية جنوب سوريا يمكن قراءتها في إطار الإجراءات الاستباقية لمنع وصول أي تهديد عسكري تركي إلى حدودها، عبر تعزيز حيز الأمن الذاتي والقدرات الردعية في الجبهة الشمالية.

ولذلك؛ فإن مستقل التوازن الجيوسياسي في سوريا الجديدة يتجه أكثر ليكون محصلة التنافس بين تركيا و"إسرائيل" أكثر من أي أطراف أخرى معنية بسوريا. ومع احتمالية انسحاب القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا والتي تتراوح أعدادها بين 1000 إلى 2000 مقاتل، فإن فرص تركيا مع الإدارة السورية الجديدة تتزايد تجاه حسم السيطرة على المناطق التي تحتفظ بها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي تعتبرها حكومة نتنياهو صديق "إسرائيل" الوحيد في سوريا. وقد يفتح هذا مجالا لعقد تفاهمات تركية إسرائيلية واسعة، برعاية أمريكية، كجزء من اتفاق الانسحاب الأمريكي، بما في ذلك إعادة تطبيع علاقات أنقرة وتل أبيب، وإن كانت هذه الخطوة ما زالت مرتبطة بالتوصل لوقف دائم للحرب في غزة.

تبدو الاعتبارات السياسية الداخلية في "إسرائيل" حاضرة أيضا في قرار استدامة توغلها في سوريا، وإن كان بصورة تالية للاعتبارات الأمنية والجيوسياسية. وفي هذا السياق وافقت "إسرائيل" على خطة مالية بقيمة تزيد عن 11 مليون دولار لمضاعفة عدد سكانها في مرتفعات الجولان والمناطق الجديدة التي ضمتها، حيث يعيش بالفعل هناك نحو 31 ألف مستوطن إسرائيلي إلى جانب نحو 24 ألف درزي، وهو ما يحقق بعض الرضا للأحزاب اليمينية المتطرفة وحركات "الصهيونية الدينية" الداعمة للاستيطان والتي لا تزال تدعم حكومة نتنياهو حتى الآن.

تحميل المزيد