إعادة تقييم النفوذ الإيراني الإقليمي من “طوفان الأقصى” إلى “ردع العدوان”

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/18 الساعة 08:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/18 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
إعادة تقييم النفوذ الإيراني الإقليمي - رويترز

نشر موقع "أسباب" للدراسات الإستراتيجية، تقرير يُسلط الضوء على التحولات الكبيرة التي تواجه النفوذ الإيراني في المنطقة. موضحاً كيف اعتمدت طهران على استراتيجية "الدفاع الأمامي" لبناء شبكة متعددة الطبقات تُعرف بـ"محور المقاومة"، إلا أن الأحداث الأخيرة، وعلى رأسها "طوفان الأقصى"، وضعت هذا المحور أمام اختبار حقيقي وغير متوقع.

يحاول التقرير إعادة تقييم النفوذ الإيراني، خصوصاً في ظل تأثير ضربات الاحتلال الإسرائيلي والردود الأمريكية وما أفضت إليه من أضرارًا استراتيجية لإيران وحلفائها، مع طرح سيناريوهات محتملة لاستجابة إيران لهذه التحديات، سواء عبر التصعيد النووي، أو الانكماش المؤقت، أو التفاهم مع واشنطن بشروط جديدة.

بدايات القوة الإيرانية

أدركت طهران مبكرا ضعف قدراتها العسكرية التقليدية في مجالات الطيران الحربي والدبابات والمدفعية، وعانت من القيود المفروضة على حصولها على أسلحة متطورة تقنيا في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها. ولذا؛ تجنبت منذ حربها الطويلة مع العراق (1980-1988) الانخراط في مواجهة مباشرة مع دول قوية لتلافي تكبد خسائر فادحة، مثل التي لحقت بها على يد العراق، إذ شلت الاقتصاد وقضت على نحو 300 ألف من الضباط والجنود والمتطوعين.

ويرى المنظرون الإيرانيون أن بلدهم واجهت تاريخيا تحديا جيوسياسيا يتجلى في ضرورة الدفاع عن حدودها الشاسعة التي تآكلت بمرور الوقت، وافتقادها إلى حليف استراتيجي من القوى العظمى مما يتركها فريسة للخصوم، ويوّلد شعورا دائما بالتهديد. لذا، عملت طهران على زيادة عمقها الاستراتيجي ببناء شبكة وكلاء دفاعية متعددة الطبقات ضمن نظرية "الدفاع الأمامي"، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القدرات العسكرية غير المتكافئة عبر تطوير القدرات الصاروخية، والطائرات المسيرة، والبرنامج النووي.

صاروخ يخص إيران/ رويترز

تشكل "محور المقاومة" من شبكة تجمع عدة مكونات وفواعل تشترك في العداء لإسرائيل والولايات المتحدة، ويغلب على معظمها الانتماء للمذهب الشيعي الاثنا عشري وفق مرجعية ولاية الفقيه، مثل حزب الله في لبنان، وكتائب حزب الله في العراق، ومليشيات زينبيون الباكستانية وفاطميون الأفغانية. في حين تنتمي حركة أنصار الله في اليمن للمذهب الزيدي. أما جماعات المقاومة الفلسطينية السنية، فهي لا تعرف نفسها كجزء من "محور إيراني" في المنطقة، حتى لو عدتها طهران كذلك. 

وهكذا، اتسمت العلاقات بين طهران وتلك المكونات بالتقاطع وفق أبعاد مذهبية أو أيدولوجية أو جيوسياسية. وقدمت طهران لهم -بنسب متباينة- التمويل والتدريب والخبرات العسكرية والتنظيمية. وبينما لم يُدشن أي شكل رسمي للعلاقات بين مكونات "محور المقاومة" على شكل معاهدات أو اتفاقيات، فقد برز إعلاميا مصطلح "وحدة الساحات" للدلالة على دخول مكونات المحور في حرب حال انخراط أحد أطرافه فيه، دون وجود بنود محددة تضبط هذا المصطلح.

ويعتقد أن حجر الزاوية في عقيدة "وحدة الساحات" هي حماية طهران وردع أعدائها وليس والعكس. أي إنه حال تعرضت إيران لهجوم إسرائيلي أو أمريكي فإن الساحات الأخرى (لبنان والعراق واليمن وفلسطين) ستكون جزءًا من المواجهة. وبهذا المعنى، فإن "طوفان الأقصى" فرض على طهران معادلة لم تكن هي خيارها المفضل.

صعود محور المقاومة

عملت طهران على استغلال الفرص الدولية والإقليمية المتاحة لبناء شبكتها، فقد ساهمت في دعم تأسيس حزب الله مبكرا عام 1982 على وقع الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثم تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، إذ تبوأت التنظيمات الشيعية العراقية مقاعد الحكم بينما تخلصت إيران من نظام صدام حسين، خصمها اللدود، ثم استفادت من اندلاع الثورة السورية عام 2011 وما تلاه من ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، إذ رسخت طهران وجودها في سوريا تحت لافتة دعم الحكومة السورية في مكافحة الإرهاب.

في عام 2014؛ سيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء، مما أتاح لإيران تهديد المصالح السعودية من الجنوب، والقدرة على تهديد حركة الملاحة في باب المندب، لينضم إلى قدرتها على تهديد الملاحة في مضيق هرمز، مما منح طهران أوراقا للتأثير على حركة التجارة الدولية، وبالأخص عمليات نقل النفط والغاز، في مواجهة أي تهديدات أمريكية تستهدف مصالحها. وبذلك برز "محور المقاومة" كأحد أدوات التأثير الإيراني بجوار برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والمشروع النووي.

عززت طهران مكونات "محور المقاومة"، بمستشارين عسكريين للتدريب والتوجيه وتطوير منظومات القيادة والسيطرة، دون إرسال قوات نظامية كبيرة إلى ساحات القتال في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وذلك لتجنب مخاطر الإفراط في التوسع. واعتمد حجم الانتشار على متطلبات ساحة المعركة، واحتياجات الجماعات الحليفة والتابعة، مما قلل الأعباء السياسية لنشر قوات خارج حدود إيران، وأتاح مساحة للإنكار.

استفادت إيران من تركيز الحروب الأمريكية لمكافحة الإرهاب على دول وجماعات سنية، كما في العراق وأفغانستان، ثم من تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة لصالح الانشغال بكبح الصعود الصيني. وبالتالي عملت طهران على ترسيخ حقائق على الأرض تعضد نفوذها وتمددها إقليميا، مع تجنب الصدام المباشر مع الولايات المتحدة، وانتظار الوقت الذي قد تغادر فيه القوات الأمريكية العراق وسوريا والخليج بعد أن انسحبت من أفغانستان، مما يمثل فرصة ذهبية لإيران لبسط نفوذها بالمنطقة. 

الرياح المعاكسة

وقعت عملية طوفان الأقصى بشكل مفاجئ يخالف النهج الإيراني في خوض الصراعات بالنقاط مع البعد عن الاشتباكات الحاسمة، مما ولد توجها في دوائر صنع القرار الغربية بأن طهران ينبغي أن تعاقب ويُحجم نفوذها، لدورها في دعم روسيا بحرب أوكرانيا بالطائرات المسيرة والذخائر، ولدعمها فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان، مما يمثل تهديدا أصبح وجوديا لإسرائيل.

تعرض "محور المقاومة" لأول اختبار حقيقي على وقع طوفان الأقصى، إذ تدخل حزب الله في اليوم التالي للسابع من أكتوبر، مدشنا جبهة إسناد انطلاقا من جنوب لبنان أراد أن تكون "منضبطة" ودون مستوى الحرب، مما جعل تدخله غير كافٍ لإيقاف الحرب في غزة، فيما أطلق الحوثيون والجماعات العراقية صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة باتجاه "إسرائيل" وأصول أمريكية. كانت هذه لحظة استعراض المحور لإمكاناته وقدرته على التنسيق العسكري والجغرافي إقليميا، وكان هذا كافيا لاستثارة رد فعل أمريكي وإسرائيلي.

ضوء أخضر إيراني لحزب الله
ضوء أخضر إيراني لحزب الله بالتصعيد مع إسرائيل التي نفذت اغتيالات وضربات ضده – رويترز

لكنّ جيش الاحتلال وجه ضربات قوية للمحور وحركات المقاومة، شملت اغتيال قادة حركة حماس، بمن فيهم قائد المكتب السياسي للحركة  إسماعيل هنية خلال تواجده في طهران، ثم أعقب ذلك بحرب على لبنان واغتيال غالبية الصفين القياديين الأول والثاني في حزب الله، بمن فيهم أمينه العام حسن نصر الله، الذي كان ينظر إليه كقائد فعلي لمحور المقاومة لما له من رمزية وتأثير ونفوذ على المجموعات العراقية والحوثيين. 

استهدفت "إسرائيل" الهيكل القيادي للحرس الثوري الإيراني في سوريا باغتيال الجنرال زاهدي وفريقه في مبنى تابع للقنصلية الإيرانية بدمشق، مما دفع طهران للرد بإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ للمرة الأولى من أراضيها باتجاه أهداف عسكرية إسرائيلية في عمليتي الوعد الصادق الأولى والثانية. ولكن في 26 أكتوبر/تشرين أول 2024، تلقت إيران ضربة مؤثرة من الطيران الحربي الإسرائيلي، في هجوم استمر نحو أربع ساعات، من المرجح أنه ألحق ضررا فادحا واستراتيجيا بأنظمة الدفاع الجوي الإيراني. على وقع الهجوم، والتلويح بضربة أوسع، فضلا عن خسائر حزب الله غير المسبوقة في تاريخ حروبه مع "إسرائيل"، قبلت إيران عقد اتفاق وقف إطلاق نار في لبنان يفصل جبهته عن جبهة غزة، ما نظر إليه كاعتراف بفداحة ثمن استمرار المواجهة الراهنة وتصاعدها.

يمثل حزب الله رأس حربة محور المقاومة، والذراع المتقدمة لإيران في مواجهة "إسرائيل" بما يملكه من صواريخ وطائرات مسيرة وقوات نخبة ذات تدريب رفيع المستوى، كما أنه لعب دور قوة الانتشار السريع لحماية نظام بشار الأسد ضد تقدم قوات المعارضة، فضلا عن دوره كفاعل سياسي واجتماعي داخل لبنان.

لكن الآن، تضررت قدرات حزب الله العسكرية، وظهرت حدود قدرته على تحدي "إسرائيل" في حرب واسعة، مما يفتح الباب أمام تراجع نفوذه داخل لبنان إلى ما قبل عام 2006، فيما تتصاعد مطالبات الفرقاء اللبنانيين بنزع سلاحه، وتفكيك مصانع أسلحته داخل البلاد، ودمج مقاتليه داخل المؤسسة العسكرية، وتشديد الرقابة على تمويله، وتحويله إلى حزب سياسي وحركة اجتماعية فقط. كذلك؛ فإن حجم الانتقام الإسرائيلي في غزة، والذي طال المجتمع الغزي نفسه، جغرافيا وديموغرافيا، ومواصلة الاستهداف القاسي للبنية التحتية و القيادية لحركة حماس، والإصرار على تأسيس واقع جديد يحول دون قدرة حماس على إعادة بناء قدراتها، كل هذا ألحق ضررا مؤثرا بحركة حماس، وأضعف قدراتها العسكرية، رغم أنها نجحت سابقا في تقويض نظرية الأمن الإسرائيلية في طوفان الأقصى.

إيران بعيداً عن الأراضي السورية

إن عملية تفكيك "محور المقاومة" تسير على قدم وساق، فبعد الضربة الكبرى التي تلقاها حزب الله، كثّفت "إسرائيل" هجماتها على مواقع ومقرات ومخازن الميليشيات الموالية لإيران في سوريا، مما أتاح لفصائل الثورة السورية فرصة إطلاق هجوم سريع وكاسح أطاح بنظام الأسد في اثنتي عشر يوما فقط، ليقطعوا بذلك الطريق البري بين إيران ولبنان، مما يعرقل إعادة تسليح حزب الله، ويفتح الباب أمام خنقه داخل لبنان بعد أن فقد قادته العسكريين والسياسيين.

بفقدان سوريا تنكمش إيران على نفسها. صحيح أنها تظل دولة كبيرة في المنطقة، لكنّ نفوذها الإقليمي فقد في سوريا طابعه الإمبراطوري الذي أراد قادة إيران استعادته. فقد فقدت إيران القدرة على الوصول إلى لبنان وفلسطين، وتتحول الأنظار لتقويض نفوذها في العراق واليمن، خاصة مع التلويح باستهداف المنشآت النووية الإيرانية من قبل إدارة ترامب، أو حتى إشغال النظام الإيراني بمشاكل داخلية وصولا للدفع نحو إسقاطه وتغييره. وقد عبر عن ذلك رئيس مقر "عمار" للقوة الناعمة التابع للحرس الثوري "مهدي طائب"، في عام 2013، وهو شقيق القائد السابق لاستخبارات الحرس الثوري حسين طائب، قائلا: "إذا خسرنا سوريا، فلن نتمكن من الاحتفاظ بطهران".

سقوط نظام الأسد.. هل يبث الحياة في روح (رويترز) الثورات العربية؟

يتزامن هذا مع مزاحمة النفوذ الإيراني في اليمن من قبل روسيا، كما سبق أن زاحمتها في سوريا. لدى روسيا مصلحة استراتيجية في بناء نفوذ طويل في البحر الأحمر، وخلال حرب غزة أظهر الحوثيون أنهم قادرون على لعب دور مؤثر في حركة الملاحة الدولية. مؤخرا، تتطورت العلاقات بين موسكو والحوثيين إلى مستويات تشير لتحرر الحوثيين نسبيا من الفلك الإيراني بعد أن بات لهم داعما دوليا أكثر تأثيرا. لا يعني هذا بالضرورة قطيعة بين الحوثيين وطهران، أو أنهم بصدد فك الارتباط عن "محور المقاومة"، ولكنّه يقود إلى علاقة أكثر مرونة تتمتع فيه صنعاء باستقلالية أكبر، وهو وضع لا تفضله طهران في العلاقة مع وكلائها. 

الارتباك الإيراني

في مواجهة تلك التطورات المتلاحقة، بدا أن بنية دوائر صنع القرار الإيراني تعجز عن مواكبة التطورات. فمرشد الثورة علي خامنئي يبلغ من العمر 85 عاما، ويتولى شؤون القيادة منذ عام 1989، كما أنه شخص مركزي الإدارة منخرط في التفاصيل، مما يجعل بقية المؤسسات تترقب رأيه، وتنتظر تعليماته، مما أحدث قدرا من التأخر في اتخاذ قرارات تستبق حركة الأطراف الأخرى أو تواكب وتيرة الأحداث المتسارعة.

كذلك؛ فإن أثر غياب كبار القادة الاستراتيجيين يظهر في ارتباك القرارات الإيرانية، فاغتيال قائد فيلق القدس، والمهندس الحقيقي لشبكة محور المقاومة، الجنرال قاسم سليماني في عام 2020 قرب مطار بغداد، ثم اغتيال حسن نصر الله، أبرز قائد كاريزمي عربي بالمحور، والذي ظل في منصبه القيادي بالحزب أكثر من ثلاثة عقود، أوجد فراغا يصعب تداركه في فترة قصيرة.

المؤكد أن طهران حريصة على تجنب حرب مفتوحة ضد الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وهو ما تستغله تل أبيب في توجيه ضرباتها الاستراتيجية. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض مجددا، وتلويحه بالعودة لسياسة الضغط القصوى، بالتزامن مع تفكك وتراجع مكونات المحور الإيراني، وغياب الدعم الروسي أو الصيني النوعي لطهران حتى الآن، فإن القيادة السياسية الإيرانية أمام خيارات أحلاها مر، ومن بينها:

  • تغيير العقيدة النووية، والدفع نحو امتلاك قنبلة نووية في أسرع وقت ممكن باعتبار ذلك هو ضمانة الردع الأساسية. ولكن توجد عقبات تتمثل في حجم الاختراق الأمني الإسرائيلي والأمريكي لإيران، والقدرة على توجيه ضربة استباقية تدمر المنشآت النووية الإيرانية.
  • التراجع والانكماش المؤقت، في انتظار ظرف دولي وإقليمي مواتٍ لمد النفوذ مجددا، والعمل على ترميم قدرات مكونات المحور. ولكن تبرز عقبات أمام هذا الخيار، أبرزها التوجه الإسرائيلي بمواصلة توجيه الضربات للمصالح الإيرانية، وعدم إتاحة الفرصة مجددا لالتقاط الأنفاس أو ترميم قدرات حزب الله وحماس.
  • التفاهم مع واشنطن بشروطها وبما يلبي مخاوف "إسرائيل"، وهو ما يمكن أن تقدم عليه إدارة بزشكيان بتشجيع من عقلها الاستراتيجي محمد جواد ظريف. لكن هذا الخيار سيشبه من يطلق النار على نفسه كي ينجو من مطاردة خصومه له.

ما مستقبل النفوذ الإيراني؟

إن شبكة محور المقاومة التي مثلت خطا دفاعيا متقدما لإيران، تدخل مرحلة، قد تطول، من الضعف وتراجع القدرة على التحرك إقليميا بفاعلية مقارنة بالعقد الماضي. وبالتالي فإن التطورات اللاحقة من الممكن أن تمس الأراضي الإيرانية، ومصالح طهران بشكل مباشر.

وبينما صبغ الدور الإيراني في سوريا والعراق واليمن سياسات طهران ببعد طائفي، وجعلها في صدام مع الغالبية السنية غير القابلة للإخضاع، وأفقدها الدعم الشعبي بالمنطقة، فإن حليفيها الدوليين، روسيا والصين، ليس من الواضح إن كانا سيقفان بجوار طهران في الأزمات المحتملة القادمة، أم ستُتْرك إيران وحيدة في مواجهة انتقام أمريكي إسرائيلي. ومع ذلك؛ لا ينبغي التقليل من قدرة إيران على المناورة والصبر، وما تتمتع به من مرونة عالية في الاستجابة للتغيرات الخارجية، كما تظل لديها مقومات التعافي والقدرة على إيذاء أعدائها. 

ملخص

● عملت طهران على زيادة عمقها الاستراتيجي ببناء شبكة وكلاء دفاعية متعددة الطبقات ضمن نظرية "الدفاع الأمامي". وفي ضوء ذلك؛ تشكل "محور المقاومة" من شبكة تجمع مكونات وفواعل تشترك في العداء لإسرائيل والولايات المتحدة. ويعتقد أن حجر الزاوية في عقيدة "وحدة الساحات" هي حماية طهران وردع أعدائها وليس العكس. أي إنه حال تعرضت إيران لهجوم إسرائيلي أو أمريكي فإن الساحات الأخرى ستكون جزءًا من المواجهة. 

● وبهذا المعنى، فإن "طوفان الأقصى" فرض على طهران معادلة لم تكن هي خيارها المفضل؛ فقد وقعت بشكل مفاجئ يخالف النهج الإيراني في خوض الصراعات بالنقاط مع البعد عن الاشتباكات الحاسمة، وتعرض "محور المقاومة" لاختبار حقيقي. ومع هذا، استنفرت إيران لدعم غزة، وبدا أن "محور المقاومة" واقعا يمثل ذروة النفوذ الإيراني الإقليمي. 

● لكنّ الردود العسكرية الإسرائيلية والأمريكية ألحقت بحزب الله وحماس ضررا استراتيجيا، فيما جاء سقوط نظام بشار الأسد وإخراج إيران من سوريا ليوجه للنفوذ الإيراني ضربة استراتيجية بعيدة المدى، تنذر بانكماش إيران على نفسها. صحيح أنها تظل دولة كبيرة في المنطقة، لكنّ نفوذها الإقليمي في سوريا فقد مركز ثقله الجغرافي ومعبره الضروري للبحر المتوسط، ومن ثم أصبح التهديد داخليا أكثر، لأنه يتمثل في التلويح باستهداف المنشآت النووية من قبل إدارة ترامب، أو حتى إشغال النظام الإيراني بمشاكل داخلية وصولا للدفع نحو إسقاطه وتغييره.

● تترك هذه التطورات القيادة الإيرانية أمام خيارات أحلاها مر، ومن بينها:

  • تغيير العقيدة النووية، والدفع نحو امتلاك قنبلة نووية في أسرع وقت ممكن باعتبار ذلك هو ضمانة الردع الأساسية.
  •  التراجع والانكماش المؤقت، وترميم قدرات مكونات المحور في انتظار ظرف دولي وإقليمي موات.
  •  التفاهم مع واشنطن بشروطها وبما يلبي مخاوف "إسرائيل"، وهو ما يمكن أن تقدم عليه إدارة بزشكيان بتشجيع من عقلها الاستراتيجي محمد جواد ظريف.

● ليس من الواضح إلى أي مدى ستقف روسيا والصين بجوار إيران في مواجهة انتقام أمريكي إسرائيلي محتمل، لكن لا ينبغي التقليل من قدرة طهران على المناورة والصبر، وما تتمتع به من مرونة عالية في الاستجابة للتغيرات الخارجية، كما تظل لديها مقومات التعافي والقدرة على إيذاء أعدائها.

تحميل المزيد