لماذا تتحدى الهند أمريكا عبر الاستثمار في ميناء تشابهار الإيراني؟ إليك أهميته الاستراتيجية

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/21 الساعة 19:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/31 الساعة 20:51 بتوقيت غرينتش
ميناء تشابهار الإيراني/ويكيميديا

وقعت الهند وإيران، مؤخراً، اتفاق "تجهيز محطات الحاويات والبضائع العامة وتشغيلها" في مرفأ الشهيد بهشتي بـ"ميناء تشابهار الإيراني"، لتحل محل اتفاقية عام 2016 التي عرقلتها عودة العقوبات الأمريكية على طهران عام 2018.

فبعد 8 سنوات من إبرام مذكرة تفاهم للتعاون في تطوير ميناء تشابهار الواقع جنوب شرقي إيران، وقعت شركة الموانئ الهندية العالمية المحدودة، وهيئة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية، في 13 مايو/أيار، عقداً مدته 10 سنوات، لتشغيل محطة الشهيد بهشتي في ميناء تشابهار، تستثمر بموجبه الشركة الهندية 120 مليون دولار في تجهيز الميناء، فضلاً عن تقديم خط ائتمان بقيمة 250 مليون دولار لتدشين مشاريع تهدف إلى تحسين البنية التحتية المرتبطة بالميناء.

من جانبه؛ قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، إن أي كيان يفكر في عقد صفقات تجارية مع إيران يجب أن يكون على دراية بالمخاطر المحتملة للعقوبات.

ما هي أهمية ميناء تشابهار الإيراني الاستراتيجية؟

يمثل ميناء تشابهار الإيراني أهمية استراتيجية للهند بجوار أهميته التجارية؛ فهو يتيح للهند الالتفاف على التطويق الصيني لها غرباً عبر ميناء جوادر الذي بنته الصين في باكستان ضمن مشروع الحزام-الطريق، حسب ما ورد في تقرير لمنصة أسباب للدراسات السياسية والاستراتيجية.

إذ يقع ميناء جوادر الباكستاني على بعد نحو 70 كم من ميناء تشابهار الإيراني، وهو ما يعزز التواجد الهندي في بحر العرب في مواجهة الصين. يقع ميناء تشابهار في محافظة سيستان-بلوشستان، جنوب شرق إيران، وهو الميناء الإيراني الوحيد المطل على المحيط الهندي، ما يؤهله بمياهه العميقة لاستقبال السفن الثقيلة التي تصل حمولتها إلى 250 ألف طن.

ويمثل ميناء تشابهار أيضاً بوابة الهند إلى آسيا الوسطى وأفغانستان والقوقاز وشرق أوروبا، حيث يتيح للهند الوصول براً إلى أفغانستان وآسيا الوسطى دون المرور بباكستان، خصم الهند التقليدي.

الميناء يمكن أن يكون منفذاً لأفغانستان وآسيا الوسطى بدلاً من كراتشي بباكستان

كما يساهم موقعه القريب لأفغانستان بنحو 800 كم عبر تضاريس أكثر سلاسة مقارنة بميناء كراتشي الباكستاني، في تقليل اعتماد كابول على إسلام أباد، ما يعزز العلاقات الهندية الأفغانية على حساب العلاقات الأفغانية الباكستانية المتوترة على خلفية النزاعات الحدودية طويلة الأمد بين الجانبين.

على الجانب الإيراني، يساهم تطوير ميناء تشابهار في تحول جنوب إيران إلى مركز عبور، بالأخص لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، والذي يربط بين روسيا والهند عبر إيران، ما يقلل وقت الشحن بنسبة تصل إلى 50% ويخفض تكلفة النقل بنسبة 60%، ويعزز تطوير البنية التحتية للنقل بما في ذلك الموانئ والطرق وشبكات السكك الحديدية، ويفتح فرصاً أكبر للوصول إلى الأسواق الإقليمية ولتكامل اقتصاداتها.

ميناء تشابهار الإيراني
خريطة توضح طببيغة التنافس بين ميناء جوادر الباكستاني وميناء تشابهار الإيراني/ويكيميديا

ويعد مشروع الميناء متنفساً للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من العقوبات الأمريكية والغربية، كما يتيح جذب استثمارات تساهم في تعويض سنوات الركود، ويوفر فرص عمل تساهم في كبح معدل البطالة المرتفع، وفي تدشين مشاريع تنموية وخدمية في بلوشستان التي تشهد تمرداً مسلحاً. كما يفتح الباب لإنشاء صناعات تحويلية وبتروكيماوية في تشابهار التي يتوفر بها الغاز الطبيعي؛ ما يخفف من احتكار الشركات الصينية والروسية للقطاعات الحيوية الإيرانية مثل النفط الخام والمنتجات البتروكيماوية.

هل تسكت الولايات المتحدة عن التعاون الهندي مع إيران نكاية في الصين؟

يلقي الصراع بين الولايات المتحدة وإيران بظلاله على التعاون الهندي الإيراني، وسيختبر مشروع الميناء قدرة الهند على تحقيق "الاستقلال الاستراتيجي"، والذي يشمل تعميق التعاون مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" ودول الخليج، بالتزامن مع مواصلة العلاقات تاريخية مع روسيا وتعزيز العلاقات مع إيران.

لذلك؛ فإن تطوير ميناء تشابهار سيعكس توازنات القوى والمصالح المتبادلة بين القوى الكبرى والإقليمية، وربما يفلت من ضغوط العقوبات الأمريكية في ظل رغبة واشنطن بتعزيز دور الهند لموازنة الوجود الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، خاصة أن الهند نجحت سابقاً في الحصول على إعفاء من العقوبات الأمريكية للشركات التي ستشارك في تطوير الميناء، لكن الشركات الهندية والأجنبية ظلت متخوفة، وستزداد هذه المخاوف في حال عودة ترامب للبيت الأبيض.

التطور تاريخي لمشروع ميناء تشابهار

واقترح شاه إيران مشروع ميناء تشابهار لأول مرة عام 1973. ولاحقاً، افتتحت السلطات الإيرانية المرحلة الأولى من الميناء في عام 1983 خلال الحرب مع العراق بهدف تقليل الاعتماد على الموانئ الإيرانية في الخليج، والتي كانت عرضة للهجوم من طرف سلاح الجو العراقي. ثم عرض الرئيس الإيراني محمد خاتمي خلال زيارته إلى الهند عام 2003 تطوير وتشغيل رصيفين في ميناء تشابهار وفق نظام التشييد والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T) لكن أدت العقوبات الغربية على إيران إلى تعثر تنفيذ المشروع.

وفي عام 2016 وُقعت مذكرة تفاهم لتطوير محطتين وخمسة أرصفة في ميناء تشابهار، وقدمت الهند خط ائتمان بقيمة 150 مليون دولار، وذلك ضمن اتفاق ثلاثي بين الهند وإيران وأفغانستان لإنشاء طريق عبور ونقل استراتيجي يربط بين الدول الثلاث.

وفي عام 2017، افتُتحت المرحلة الأولى من توسعة ميناء تشابهار، وشملت زيادة الطاقة الاستيعابية للرصيف الأول بالميناء من 2.5 مليون طن سنوياً إلى 8.5 مليون طن، فيما من المفترض وصول طاقة الميناء الاستيعابية مستقبلاً إلى 86 مليون طن.

واكتسب مشروع تشابهار زخماً عقب توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، وبدأت طهران مفاوضات مع شركات هندية وروسية وأوروبية لتوريد معدات وآلات رفع إلى الميناء، وهو ما تزامن مع احتلال إيران للمركز الثاني في قائمة توريد النفط للهند في عام 2017.

ولكن انهار كل ذلك عقب انسحاب ترامب للاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات أمريكية على إيران، فأوقفت الهند وارداتها النفطية من إيران، كما ساهمت عوامل أخرى في عرقلة المشروع من قبيل العقبات الفنية والبيروقراطية على الجانبين الإيراني والهندي؛ ومخاوف القطاع الخاص من الاستثمار في إيران، وانتشار جائحة كوفيد-19.

تحميل المزيد