بدون تنسيق مع فرنسا.. سر سعي المجر لنشر قواتها في تشاد الواقعة بقلب القارة الأفريقية

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/02 الساعة 14:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/31 الساعة 20:58 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، وعدد من قادة أوروبا في قمة في بروكسل ببلجيكا في 17 إبريل/نيسان 2024-رويترز

جاء إعلان المجر عن تأجيل نشر قواتها في تشاد، ليلقي الضوء على العلاقة المثيرة للانتباه بين المجر وتشاد، والقرار الغريب لبودابست، هذه الدولة الأوروبية الصغيرة الواقعة في قلب أوروبا الوسطى، بنشر قواتها على حافة الصحراء الكبرى الموحشة في تشاد، هذا البلد الأفريقي الشاسع والمعروف بقسوة مناخه وتنوع عرقياته، والملاصق للنيجر البلد الأفريقي المعروف بمسمى "مقلاة العالم".

وأعلن وزير الدفاع المجري كريستوف بوبروفنيسكي في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2023 أن بلاده ستدشن مهمة عسكرية في تشاد نهاية العام بهدف الحد من الهجرة وتقديم المساعدات الإنسانية، ثم أعلنت الحكومة المجرية مؤخراً تأجيل نشر قوة من الجيش المجري تتألف من 200 جندي في تشاد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التشادية المقررة في مايو/أيار 2024.

يأتي المخطط المجري ضمن تزايد الاهتمام الأوروبي بالأمن في منطقتي شمال أفريقيا والساحل، لارتباطهما مباشرة بالأمن الأوروبي؛ ولتأثيرهما على معدلات تدفق اللاجئين غير الشرعيين، حسبما ورد في تقرير لمنصة "أسباب" للدراسات الاستراتيجية والسياسية.

وهكذا؛ باتت تهيمن مجدداً على أوروبا المقاربة الاستراتيجية التي تعتبر أن حدود أوروبا الجنوبية -جيوسياسياً- هي الصحراء الأفريقية الكبرى، وهي المنطقة التي تعاني من حمى الانقلابات وبقايا الإرهاب والاضطرابات، حيث باتت ترى أن البحر المتوسط ليس مجرد "فاصل" بين أوروبا وشمال أفريقيا وإنما "موصل".

ولذلك؛ وقّع الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الماضية اتفاقيات متنوعة مع تونس وموريتانيا ومصر تقوم على تقديم حوافز اقتصادية لتلك الدول لتحسين أوضاعها الداخلية ودعم قدراتها في مواجهة الهجرة غير الشرعية.

المجر خططت من قبل لنشر قوات في النيجر

وخططت بودابست لنشر قوة عسكرية في النيجر لمركزيتها في مسارات تهريب المهاجرين غير النظاميين إلى القارة الأوروبية، ولوجود قواعد عسكرية فرنسية وأمريكية بها آنذاك، واتسامها بالاستقرار النسبي مقارنة بدول الجوار الإقليمي بمنطقة الساحل والصحراء.

لكن الانقلاب العسكري في النيجر ضد الرئيس محمد بازوم أطاح بالمخطط المجري، وبمجمل النفوذ الغربي، ومن ثم برزت تشاد كدولة بديلة لانتشار القوة المجرية.

المجر وتشاد
مواطنون من النيجير يحتجون على الوجود العسكري الأمريكي في أغاديز بالنيجر في 21 إبريل/نيسان 2024- رويترز

وتتبنى حكومة فيكتور أوربان المجرية أفكاراً يمينية ضد المهاجرين، وتتهم الاتحاد الأوروبي بالتقاعس عن منع الهجرة غير النظامية من المنبع، ولذا دفعت الحكومة البرلمان المجري لتمرير مشروع قرار لنشر قوة من الجيش في تشاد، وافق عليه البرلمان في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، على أن تُنشر القوة بمدى زمني يمتد من مطلع عام 2024 إلى نهاية عام 2025، لدعم الحكومة التشادية في عمليات مكافحة الإرهاب، وأداء المهام الاستشارية والدعم والتوجيه للجيش التشادي، باعتبار أن ذلك يساهم في تحقيق الاستقرار، ومن ثم تحسين الأوضاع الاقتصادية بما يعمل على تقويض دوافع الهجرة غير النظامية.

الدبلوماسية بين المجر وتشاد تتخذ نهجاً عائلياً

وبحثت حكومتا المجر وتشاد خلال زيارات متبادلة بين وزراء خارجية ودفاع البلدين ولقاء لمسؤولين مجريين مع الرئيس المؤقت محمد إدريس ديبي، مخططات بودابست الدولة الأوروبية الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها نحو 10 ملايين نسمة.

لكن اللافت في العلاقة التي تطورت مؤخراً بين المجر وتشاد، هو حضور جاسبار أوربان، نجل رئيس الوزراء المجري، في كافة اللقاءات التحضيرية المتعلقة بنشر القوات في تشاد، رغم أنه ضابط برتبة صغيرة في القوات الخاصة يبلغ من العمر 32 عاماً.

المجر وتشاد
أنصار الرئيس التشادي المؤقت محمد إدريس ديبي يحضرون مسيرة حملته الرئاسية قبل انتخابات مايو/آيار 2024 -رويترز

لكنه يمتع بعلاقة شخصية مع كريمو ديبي، الأخ غير الشقيق للرئيس التشادي، ضمن نمط الدبلوماسية العائلية، وبالتالي أصبح جاسبار ضابط اتصال بين المجر وتشاد، حسب وصف تقرير منصة أسباب.

بودابست تحول أموالاً مخصصة لأوكرانيا لصالح مشروعها في تشاد

وتسير بودابست في بعض توجهاتها الخارجية بمعزل عن حلفائها الغربيين، فقد ماطلت في الموافقة على انضمام السويد لحلف الناتو، كما قررت إعادة تخصيص 18 مليون دولار من مساهمتها في مرفق السلام الأوروبي المعني بدفع نفقات الأسلحة الأوروبية المرسلة إلى أوكرانيا، لتوجهها إلى إنشاء مركز تدريب عسكري في تشاد لضباط الجيش.

ولدعم المهمة العسكرية، أعلن بيتر زيجارتو، وزير الخارجية المجري في مطلع مارس/آذار 2024 أن بلاده ستشرع في تدشين بعثة دبلوماسية في نجامينا، كما ستشغل المركز الإقليمي للتنمية والمساعدات الإنسانية الذي سبق افتتاحه في العاصمة التشادية في عام 2018.

صعوبات تواجه الخطة المجرية وأدت لتأجيلها

لقد تأجل انتشار القوة المجرية في تشاد عدة مرات على وقع تحديات عملية، من المرجح أن تعرقل من آفاق مخطط المجر بنشر قواتها في تشاد، أو تقصر على الأقل من فترة انتشارها. وتتمثل تلك العقبات فيما يلي:

أولاً: خططت المجر وتشاد لتنفيذ المهمة بشكل ثنائي دون تنسيق مع باريس التي تتمتع بنفوذ تاريخي في تشاد، ولديها قوات عسكرية منتشرة في البلد، وهو ما يضع المجر بمفردها في دولة تمتد مساحتها لنحو 1.3 مليون كيلومتر مربع، ويعيش بها 18 مليون نسمة، ولا تمتلك المجر خبرة كافية للتعامل مع تعقيدات البلاد المحلية، بما في ذلك الافتقار إلى المهارات الثقافية واللغوية اللازمة لهذا النوع من العمليات العسكرية المدنية، خاصة معرفة اللغات واللهجات المحلية وفهم الهياكل القبلية والمجتمعية والأوضاع السياسية المحلية بدقة.

المجر وتشاد
الرئيس التشادي المؤقت محمد إدريس ديبي يتحدث خلال تجمع حملته الرئاسية قبل انتخابات التي ستعقد في مايو/آيار 2024-رويترز

ثانياً: تشهد تشاد نشاطاً لجماعات مسلحة متمردة منها بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد، فضلاً عن التناحر الداخلي بين صفوف قبيلة الزغاوة التي ينتمي لها الرئيس الانتقالي ديبي، وهو ما سيدخل القـوة المجرية في متاهة من أزمات متداخلة يصعب التعامل معها، بما فيها احتمال أن يطلب ديبي دعمها في مواجهة خصومه المحليين؛ مثل الاشتباكات في العام الجاري بين القوات الموالية لديبي وابن عمته يحيى ديلو، والتي انتهت بمقتل الأخير؛ الأمر الذي قد يورّط بودابست في صراعات أهلية لا تنتهي. وهو ما دفع الحكومة المجرية لتأجيل نشر قواتها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية لاستكشاف بيئة ما بعد الانتخابات ومدى استقرار تشاد.

ثالثاً: أوضح وزير الدفاع المجري أن مشاركة جنود بلاده ستتم بشكل تطوعي، وهو نهج يواجه عقبات مع انخفاض أعداد المتطوعين، وتخوف العسكريين المجريين من العمل في بيئة مجهولة، إذ اعتادوا على تنفيذ عمليات انتشار على نطاق صغير في إطار متعدد الأطراف ضمن حلف الناتو، ودون التكليف بمهام قتالية خطيرة، مع التمتع بمظلة حماية جوية أمريكية.

رابعاً: التحديات المالية تظل جوهرية؛ فرغم زيادة مخصصات الإنفاق العسكري في المجر في موازنة عام 2024 بنسبة 29% مقارنة بالعام السابق، بما يبلغ ما يعادل 4.63 مليار يورو، وهو مبلغ ضئيل لا يغطي نفقات عمليات خارجية مستمرة لأنها تصبح باهظة التكلفة، وهو ما يقيد قدرة المجر على مواصلة نشر قواتها في تشاد حال البدء بها.

تحميل المزيد