لماذا يتواصل توتر العلاقات التركية الإسرائيلية قبل حرب غزة وبعدها؟ 3 محددات تفسر ذلك

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/30 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/30 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
أردوغان ونتنياهو في نيويورك/ منصات التواصل

قررت الحكومة التركية مؤخراً رفع "إسرائيل" من قائمة وجهات الصادرات المستهدفة. وبينما لا يعني القرار منع عمل القطاع الخاص والشركات التركية مع "إسرائيل" فإنه يبعث برسالة مفادها أنها إذا قامت هذه الشركات بالتبادل التجاري مع "إسرائيل" فإن الدولة لن تساعدها. 

ويعني القرار أيضاً توتر العلاقات التركية الإسرائيلية حيث إن وزارة التجارة التركية ستوقف دعمها للمؤتمرات المشتركة مع "إسرائيل"، وهي خطوة تكبح قدرة الملحق التجاري التركي في تل أبيب على تشجيع الاتصالات بين البلدين.

لماذا يتواصل توتر العلاقات التركية الإسرائيلية قبل حرب غزة وبعدها؟

يقول موقع أسباب المتخصص بالشؤون الجيوسياسية٬ إن تركيا اتخذت تدريجياً إجراءات دبلوماسية ضد "إسرائيل" منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما في ذلك دعم أنقرة السياسي لمحاكمة "إسرائيل" دولياً بارتكاب إبادة جماعية بحق أهالي غزة. 

لكنّ قرار أنقرة بإزالة "إسرائيل" من قائمة الدول المستهدفة بالتصدير يعني أن الحكومة التركية قررت للمرة الأولى تقييد العلاقات الاقتصادية نسبياً، وهي خطوة لم تلجأ إليها في موجات التوتر السابقة مع تل أبيب.

وفي عام 2023، جاءت "إسرائيل" باعتبارها السوق رقم 13 للصادرات التركية بقيمة 5.42 مليار دولار، بانخفاض عن 7 مليارات دولار في عام 2022. وبحسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فقد تراجعت صادرات "إسرائيل" السلعية إلى تركيا في عام 2023 إلى 1.5 مليار دولار، بعد أن سجلت 2.5 مليار دولار في عام 2022.

تركيا تبحث عن استعادة مكانتها الإسلامية

إن تكرار التوتر مع "إسرائيل" لا ينبع فقط من الاعتبارات الأيديولوجية لنخبة الحكم التركي ذات الخلفيات الإسلامية، ولكن قبل ذلك من تصاعد تعارض المصالح الجيوسياسية بين الجانبين. حيث تزامن انتهاء الحرب الباردة التي فرضت قيوداً على سياسة تركيا الخارجية – كونها كانت تضع الأولوية لتحالفها مع الغرب ضد الاتحاد السوفيتي- مع تغيرات عميقة في توجهات نخبة الحكم التركية تتعلق برؤيتها لتاريخ تركيا ودورها إقليميا ودوليا. 

وتطلب الأمر سنوات ممتدة منذ حكم تورجت أوزال وحتى بعد سنوات من صعود العدالة والتنمية للحكم، حتى باتت تلك التوجهات مستقرة في سياسة تركيا الخارجية وتجلت في نهج أكثر استقلالاًج ينسجم مع الإرث العثماني المرتبط بنظرة تركيا لدورها في آسيا الوسطى والمنطقة العربية وأفريقيا (خاصة المتوسط والبحر الأحمر) وحتى شرق ووسط أوروبا.

من هذه الزاوية، خصوصاً حروب "إسرائيل" المتواصلة على قطاع غزة والتي كان على تركيا الساعية لاستعادة مكانتها الإسلامية ألا تتجاهلها وأن تثبت سياسياً وشعبياً أنها باتت مؤهلة للتصدي لقضية حساسة إسلامياً مثل القضية الفلسطينية.

غاز المتوسط وطرق النقل الجديدة 

وجاء اكتشاف غاز شرق المتوسط ليضيف المزيد من أسباب التنافس الجيوسياسي، خاصة بعد أن تبنت "إسرائيل" نهجاً في شرق المتوسط يقوم على تعزيز التحالف مع اليونان وقبرص لاحتواء وعزل النفوذ التركي. ومن جهة أخرى، توفرت أدلة معتبرة على دور "إسرائيل" في دعم حزب العمال الكردستاني بالأسلحة، ما أدى إلى نهج تركي أكثر حدة في إدارة العلاقة مع تل أبيب.

وأخيراً، بات هذا السباق الجيوسياسي أكثر اتساعاً أيضاً نتيجة طفرة مشروعات طرق النقل الجديدة، التي قد تزيد من مكانة أحد الأطراف الجيوسياسية على حساب أطراف أخرى. وعلى سبيل المثال، تنظر تركيا لمشروع طريق الهند-أوروبا الاقتصادي باعتباره يخصم من موقعها الجيوسياسي كحلقة اتصال بين الشرق والغرب لحساب "إسرائيل". 

التغيرات في المنطقة والتنافس الجيوسياسي

وفي نفس الوقت، فإن "إسرائيل" بات لها حلفاء إقليميون خاصة مصر ودول خليجية، ما يجعل هناك اتجاهاً بين السياسيين الإسرائيليين يقلل من أهمية العلاقة مع تركيا مقارنة بالسابق. لكن هذه الجزئية تظل غير مؤكدة، وعلى الأرجح لا تحظى بإجماع داخل مؤسسات الحكم الاستراتيجية خاصة الجيش، في ظل موقع تركيا في الناتو والذي يمنح الروابط الأمنية والعسكرية بين الجانبين أهمية خاصة قد لا يعوضها حلفاء "إسرائيل" العرب.

وستظل العلاقات التجارية والاقتصادية واتفاقيات التعاون العسكري، فضلاً عن التعاون المحتمل في مجال نقل الطاقة، تمثل دائماً طريقاً للعودة، كما أن البلدين لهما مصلحة عامة في احتواء النفوذ الإيراني، خاصة أن نخبة الحكم التركية تتمتع بالبراغماتية الكافية للعمل حتى مع المنافسين. 

وفي ظل أن أيام نتنياهو السياسية بات معدودة على الأرجح، فإن موجة التوتر الراهنة من الممكن احتواؤها عقب انتهاء الحرب وتغير الحكومة الإسرائيلية التي فيما يبدو وصلت لنهاية الطريق في العلاقة مع أنقرة. دون أن يعني هذا نهاية التنافس الجيوسياسي والذي سيظل يحكم علاقة الجانبين في كل الأحوال.