جاء تأجيل اللقاء المرتقب في جيبوتي بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، مع قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بمثابة خيبة للآمال المنعقدة على وقف الحرب في السودان، فهل يتم اللقاء فعلاً؟
وكان السودان قد شهد، منذ يوم 15 أبريل/نيسان، انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.
ورغم الوساطة السعودية-الأمريكية والتوصل إلى أكثر من هدنة بين الطرفين، إلا أن حدة القتال اشتدت واتسعت رقعة الصراع دون أن يتمكن أي منهما من حسمه لصالحه بعد مرور ما يقرب من 8 أشهر.
ما مصير لقاء البرهان وحميدتي في جيبوتي؟
أعلنت الخرطوم، الأربعاء 27 ديسمبر/كانون الأول 2023، أن جيبوتي أبلغتها بتأجيل لقاء البرهان مع "حميدتي" إلى أجل غير مسمى في يناير/كانون الثاني 2024، وذلك بعد تعذر لقاء الطرفين المزمع بالعاصمة الجيبوتية، الخميس الماضي، لوضع حد للحرب الدائرة بين الجانبين.
والسبت، 30 ديسمبر/كانون الأول، قال وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف عبر حسابه بمنصة "إكس" إنه "في الأسبوع المقبل ستقوم جيبوتي بصفتها رئيسة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) بتمهيد الطريق للحوار السوداني وتستضيف اجتماعاً حاسماً".
رسم هذا التأجيل واقعاً معّقداً للسودانيين في ظل استمرار القتال في 10 ولايات، على رأسها العاصمة الخرطوم، واستمرار نزوح آلاف المواطنين بحثاً عن مكان آمِن، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
إذ يلازم الواقع العسكري المعقد، وضع إنساني كارثي، حيث يعاني الكثيرون في الحصول على الغذاء والعلاج، مع خروج معظم المستشفيات عن الخدمة في مناطق القتال، وفق وزارة الصحة السودانية و"نقابة أطباء السودان".
ورغم زعم حميدتي سيطرة قواته على 90% من العاصمة الخرطوم، إلا أن القتال ما زال متواصلاً في أكثر من جبهة، خاصة في المدخل الجنوبي للعاصمة عند منطقة جبل أولياء، الذي توجد بها قاعدة النجومي الجوية، وسد جبل أولياء الاستراتيجي، الذي يوجد به جسر على نهر النيل الأبيض يربط أم درمان بالخرطوم، وتعرض لقصف وتدمير جزئي، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
ويزعم الطرفان سيطرتهما على قاعدة النجومي الجوية التي استولت عليها قوات الدعم السريع في بداية الحرب واستعادها الجيش لاحقاً، لكن القتال ما زال متواصلاً لإحكام السيطرة عليها، لأهميتها الاستراتيجية في المعارك.
ويتبادل الطرفان الاتهامات بقصف جسر سد جبل أولياء، الذي تسيطر عليه "الدعم السريع"، والأمر ذاته بالنسبة لجسر شنبات شمالي الخرطوم، والذي يربط مدينتي أم درمان وخرطوم بحري.
ويمثل تفجير الجسور مرحلة جديدة في معارك الخرطوم، بعدما كانت السيطرة على الجسور العشرة الرابطة بين مدن الخرطوم الثلاث (الخرطوم، خرطوم بحري، أم درمان) أبرز معالم القتال في الأشهر الستة الأولى.
وكانت مدينة ود مدني بوسط السودان قد شهدت منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول اشتباكات ضارية، وأعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على المدينة الحيوية خلال الأيام الماضية، بينما شن الجيش السوداني الذي يسيطر على المدينة منذ بداية الصراع ضربات جوية على قوات الدعم السريع شرقي المدينة، وهي عاصمة ولاية الجزيرة.
وأظهر تسجيل مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حشوداً من الناس وهم يجمعون أمتعتهم ويغادرون ود مدني سيراً على الأقدام. وكان الكثيرون منهم قد لجأوا إلى المدينة هرباً من العنف في العاصمة الخرطوم، بحسب رويترز.
هل يُنهي "اللقاء" الحرب في السودان؟
يرى مراقبون أن لقاء "البرهان-حميدتي"، بعد أكثر من 8 أشهر على اندلاع القتال، سيُحدث اختراقاً بشأن وقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، على أقل تقدير.
وفي 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصدرت "إيغاد" بياناً ختامياً لقمة جيبوتي، أشارت فيه إلى "موافقة البرهان وحميدتي على عقد لقاء ثنائي بينهما". وفي اليوم ذاته، أعلن السودان اشتراط البرهان قبل لقاء حميدتي "إقرار وقف دائم لإطلاق النار في البلاد، وخروج قوات الدعم السريع من الخرطوم". وحظيت الدعوة للقاء يجمع البرهان وحميدتي بدعم سياسي ومدني سوداني، وتشجيع إقليمي ودولي، أملاً بالإسراع في إنهاء الحرب.
"إيغاد"، منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية، تأسست في 1996، تتخذ من جيبوتي مقراً لها، وتضم دولاً من شرق أفريقيا، تتمثل في: إثيوبيا وكينيا، وأوغندا، والصومال، وجيبوتي، وإريتريا، والسودان، وجنوب السودان.
ويرى الخبير الاستراتيجي اللواء متقاعد أمين مجذوب إسماعيل أن التركيز على لقاء البرهان وحميدتي "جاء بعد إخفاقات متواصلة لمفاوضات جدة بالسعودية، ومبادرة إيغاد السابقة، ومبادرة دول جوار السودان".
وأضاف للأناضول: "لذلك، رأت الولايات المتحدة والسعودية وإيغاد ضرورة حسم الخلافات خلال اللقاء في جيبوتي، حتى لا يعتبر الخلاف شخصيا بين القائدين".
الخبير السوداني أوضح أيضاً أنه "يمكن أن يمهد لقاء الرجلين لاتفاق على كثير من النقاط بشأن الجيش وقوات الدعم السريع ودمجهما معاً"، مشيراً إلى إمكانية أن يسهم اللقاء المرتقب في حل الأزمة "إذا تم تقديم تنازلات من الطرفين دون شروط مسبقة".
وأضاف: "الشروط المسبقة قد تطيح باللقاء قبل انعقاده، مثل اشتراط الدعم السريع جلوس البرهان للتفاوض بصفته قائداً للجيش، وليس رئيساً لمجلس السيادة، أو اشتراط الجيش خروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والمستشفيات وتجمع قواته في معسكرات".
واعتبر إسماعيل أن موافقة البرهان وحميدتي على اللقاء في جيبوتي "جاءت نتيجة ضغوط شعبية ودولية بضرورة حل الأزمة". وأشار إلى أن الموافقة على اللقاء "جاءت بعد إدانات وعقوبات فرضتها الولايات المتحدة على عدد من قادة الدعم السريع، ورموز إسلاميين في السودان". وأردف: "لذلك يخشى البرهان وحميدتي أن تصلهما تلك العقوبات، لذلك قبل الرجلان بعقد اللقاء استجابة للضغوط وتفادياً للاحتكاك مع المجتمع الدولي وخشية من العقوبات".
وحذر الخبير السوداني من أن "أي ترتيبات لحضور اللقاء من قِبَل رؤساء إيغاد قد يطيح باللقاء ويجعله شبيه بالاجتماع العام"، مشدداً على أنه "من الأفضل أن يتم اللقاء مباشرة بين البرهان وحميدتي وبتنظيم من جهة واحدة".
"لا حل إلا المفاوضات"
فرضت الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023، عقوبات على نائب قوات الدعم السريع عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق حميدتي، وعلى قائد قطاع غرب كردفان عبد الرحمن جمعة، بسبب "ارتكاب قواتهم أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان".
كما أعلنت واشنطن في 4 ديسمبر/كانون الأول 2023، فرض عقوبات على 3 مسؤولين سابقين لدورهم في "تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان"، وهم: مدير مكتب الرئيس السوداني السابق طه عثمان، ومديرا المخابرات صلاح عبدالله "قوش" ومحمد عطا، كما سبق ذلك فرض عقوبات على وزير الخارجية الأسبق على كرتي.
من جانبه، يرى المحلل السياسي أمير بابكر أن "التركيز يدور حالياً على لقاء الجنرالين، لأنهما على رأس القوتين اللتين تقودان الحرب في السودان". وأضاف للأناضول: "إذا سلمنا جدلاً بأن أي حرب تنتهي في نهاية المطاف بالتفاوض، فسيكون جلوس الجنرالين، البرهان وحميدتي، هو ختام التفاوض الذي بدأ منذ أشهر بمدينة جدة السعودية".
وأوضح بابكر أنه "رغم تعثر مفاوضات جدة، إلا أنها قطعت شوطاً كبيراً في التفاهمات حول الأجندة والقضايا المطروحة"، معتبراً لقاء القائدين بمثابة "مرحلة نهائية"، ومشيراً إلى أنه "لا خيار أمامهما في النهاية سوى الجلوس معاً بأي صيغة كانت، بعد تعذر الحل العسكري وانتصار أحدهما على الآخر، رغم تقدم قوات الدعم السريع ميدانياً".
"الخسائر بين الطرفين في هذه الحرب كبيرة جداً، إضافة إلى خسائر الوطن والمواطنين، وهذا يمثل دافعاً قوياً لهما للجلوس مع بعضهما. إذا كان الجيش السوداني قد خسر عسكرياً في عدة معارك، فإن الدعم السريع خسر الكثير أخلاقياً وسياسياً، حيث كان يعد نفسه للعب دور سياسي في المستقبل"، بحسب المحلل السوداني.
ويرى بابكر أن "البرهان وحميدتي لا علاقة لهما بأسباب تأجيل اللقاء، ولكن السبب يعود إلى ترتيبات جيبوتي وإيغاد وتقاطعات جداول الوسطاء والمراقبين من الدول المرتبطة بالتفاوض. إن ذلك يبدو واضحاً من تحديد موعد قريب جداً من الموعد المضروب سابقاً".
وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أسفر "اجتماع جدة" عن إقرار التزامات على طرفَي النزاع في السودان، أبرزها إنشاء آلية تواصل بين قيادتي الجيش و"الدعم السريع" والانخراط في آلية إنسانية وتحديد جهات اتصال لتسهيل مرور وعبور العاملين في المجال الإنساني والمساعدات.
وكانت المفاوضات السابقة بين ممثلي الجيش و"الدعم السريع" في جدة أسفرت في مايو/أيار 2023 عن أول اتفاق بينهما حمل اسم "إعلان جدة"، وشمل التزامات إنسانية وشروطاً حاكمة تطبق فوراً، قبل أن تعلق المحادثات في يونيو/حزيران الماضي بسبب "الانتهاكات الجسيمة والمتكررة" لوقف إطلاق النار.