كثيراً ما تصدم سنوات الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأمريكيين باعتبارها تُنذِر بشؤم كبير. فبالنسبة لوالت ويتمان، الذي يصف نفسه بأنَّه "شاعر الديمقراطية"، كان عام 1860 هو "عام الشُهُب"، حيث كان "المُذنَّب الذي جاء فجأة من الشمال متوهجاً في السماء" نذير شؤمٍ بانتخابات رئاسية ستؤدي إلى انفصال الاتحاد والحرب الأهلية الدموية.
وللمصادفة، ستكون هنالك أحداث فلكية مثيرة في عام 2024 أيضاً. إذ سيُحيل كسوف كلي للشمس في 8 أبريل/نيسان المقبل النهار إلى ليل مؤقتاً في ولايتيّ تكساس وأوكلاهوما الجمهوريتين، قبل أن يفعل المثل في ولاية بنسلفانيا الحيوية المتأرجحة، وولايات منطقة نيو إنغلاند الديمقراطية (تضم ولايات كونيتيكت، وماين، وماساتشوستس، ونيو هامبشاير، ورود آيلاند، وفيرمونت)، وبعدها تتجه نحو كندا، ثُمَّ تنتهي الظاهرة. وحين تعود الشمس، فإنَّ إحدى التنبؤات المؤكدة التي يمكننا إطلاقها هي أنَّ أمريكا ستكون في حالة اضطراب، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
تصريح هيلي أضعف فرصها لمنافسة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
يُعَد الشهاب الألمع بفارق كبير في السماء الأمريكية مع بداية عام 2024 هو بطبيعة الحال دونالد ترامب، الذي يهيمن على كل دورة إخبارية على نحوٍ لم يحدث إلا مع شخصيات قليلة في التاريخ الأمريكي على الإطلاق. ويتصدر ترامب، وهو أول رئيس يتعرَّض لمحاكمة برلمانية مرتين وأول رئيس تصدر بحقه لائحة اتهام جنائية، بفارق كبير في السباق للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة. وربما تعثَّرت منافسته الأقرب نيكي هيلي، الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولينا، هذا الأسبوع بسبب ما يبدو سؤالاً مباشراً عن أسباب الحرب الأهلية من أحد الحضور في واحدة من الفعاليات في ولاية نيو هامبشاير. فبدلاً من أن تتحدث هيلي عن العبودية، راوغت هيلي بالحديث عن كيف أنَّ السبب "الأساسي" للحرب هو "الطريقة التي كانت تُدار بها الحكومة". وأوضحت تصريحاتها بعد ذلك بالاعتراف بأنَّ الحرب "بالتأكيد" كانت تتعلَّق بالعبودية، وهو الأمر الذي ربما يكون ببساطة قد أثار انزعاج كل الأطراف.
لا تزال هي ورون ديسانتيس، حاكم ولاية فلوريدا، متأخرين خلف ترامب في استطلاعات الرأي الوطنية للحزب الجمهوري بواقع 40 إلى 50 نقطة. لكنَّهما لم يفقدا كل الأمل، فقائمة المرشحين الأوفر حظاً في يناير/كانون الثاني (بداية موسم الانتخابات التمهيدية) والذين فشلوا لاحقاً في الفوز بترشيح حزبهم طويلة، ومن الممكن أن يحدث الأمر مجدداً. ومن المعروف أنَّ المؤتمرات الحزبية الرئاسية في ولاية أيوا، والتي ستجري في 15 يناير/كانون الثاني المقبل، صعبة في استطلاعها. فبعكس الانتخابات التمهيدية، التي تتم مثل الانتخابات الأخرى من خلال التصويت في مراكز اقتراع تُفتَح طوال اليوم وتتضمَّن تصويتاً مبكراً وغيابياً، تُعَد المؤتمرات الحزبية الرئاسية اجتماعات تُعقَد في مواقع معينة في توقيت معين، وفيها يتناقش المشاركون حول المترشحين -غالباً لساعات- قبل أن يقرروا مَن سيدعمون. ثُمَّ ينتقل القطار الجمهوري إلى ولاية نيوهامبشاير من أجل الانتخابات التمهيدية في 23 يناير/كانون الثاني. وعلى الأرجح سيبدأ أي تقلُّب ضد ترامب في هذه الولاية المعتدلة تقليدياً. وإذا ما تمكَّنت هيلي من انتزاع فوز غير متوقع، ستُنسَف سردية العام بأكملها. وستجري الانتخابات التمهيدية في ولاية ساوث كارولينا، موطن هيلي، في 24 فبراير/شباط. وستدخل هيلي بزخم، وربما أيضاً بشعور متنامٍ، وإن كان على مضض، بين الجمهوريين بأنَّها تُقدِّم مساراً أكثر ثقةً نحو الوصول إلى البيت الأبيض من الرئيس السابق.
ترامب يواجه خطر المحاكمة
مع ذلك، يُعَد السيناريو الأكثر ترجيحاً بكثير هو أن يفوز ترامب باثنتين على الأقل من هذه المنافسات المبكرة في كل من أيوا ونيوهامبشاير ونيفادا وساوث كارولينا، إلى جانب الانتخابات التمهيدية في ولاية ميشيغان في 27 فبراير/شباط. وبعد الخامس من مارس/آذار، المعروف باسم "الثلاثاء الكبير"، حين تنظم 15 ولاية انتخاباتها التمهيدية أو مؤتمراتها الحزبية الرئاسية، سيكون على الأرجح قد فاز بما يكفي من مندوبين ليصبح المرشح المفترض. لكن هل قد تطيح به مشكلاته القانونية العديدة؟ الواضح حتى الآن هو العكس، إذ كان في موقف أضعف بكثير داخل الحزب الجمهوري قبل صدور لوائح الاتهام. ومن المقرر إجراء أول اثنتين من المحاكمات الجنائية الأربع (في واشنطن، ونيويورك، وميامي، وأتلانتا) في مارس/آذار. وإذا ما فشل محامو ترامب في تأجيل القضايا، فإنَّ مشهد وجوده في المحكمة كل يوم سيُمثِّل ملايين الدولارات من وقت البث المجاني، وبحسب الأداء الذي شهدناه في الماضي، فإنَّ مؤيديه سيُغرقون حملته بالمال.
وحتى لو دخل السجن، وهو أمر مستبعد للغاية، فلا يوجد ما يمنعه من الترشح، مثلما فعل مرشح الحزب الاشتراكي يوجين ديبس من سجن أتلانتا الفيدرالي عام 1920.
وقد يتم استبعاده من إحدى الولايات
وهناك تحديات قانونية أخرى منتظرة أيضاً. إذ تشير الأدلة التي جمعتها قبل عام لجنة مختارة من مجلس النواب يديرها الديمقراطيون إلى أنَّ محاولة ترامب نزع الشرعية عن نتيجة انتخابات 2020 ربما ارتقت إلى مستوى "التمرد" في 6 يناير/كانون الثاني 2021. وقرر وكيل ولاية ماين يوم الخميس الماضي، 28 ديسمبر/كانون الأول، عدم وضع اسم ترامب على أوراق الاقتراع في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري (المقررة في 5 مارس/آذار) لأنَّه غير مؤهل للرئاسة بموجب التعديل الرابع عشر للدستور، الذي يمنع أي شخص متورط في تمرد ضد الولايات المتحدة من "أي منصب" عام.
جاء القرار بعد حكم مماثل من المحكمة العليا في كولورادو. لكن يُستبعَد أن تكون أيٌ من الولايتين حاسمة في سباق الترشح أو الانتخابات. لكنَّ القرارين لهما تأثير على الطعون القانونية المنتظرة في العشرات من الولايات الأخرى. هذه مسألة يتعارض فيها مبدأ سيادة القانون النزيه مع مبدأ ترك القرار للشعب. وستحكم المحكمة العليا لصالح ترامب على الأرجح.
سنعرف بحلول منتصف مارس/آذار المقبل على وجه التأكيد ما إن كان ترامب هو المرشح المنتظر، وإذا ما كان هو فعلاً، فتوقعوا أن تكتم الغالبية العظمى من الجمهوريين تحفظاتها وتحتشد خلفه. وستكون هنالك تحفظات بالطبع كما كان في انتخابات 2016 و2020، والمفارقة هي أنَّ ترامب بشكل شبه مؤكد مرشحٌ أضعف من معظم الآخرين الموجودين.
ترامب يستفيد من ضعف بايدن الذي لا يريده أعضاء حزبه
مع ذلك، وكما يعلم الجميع في عالم السياسة الأمريكية، فإنَّ الميزة الكبيرة التي يتمتع بها حتى مرشح شديد الضعف مثل ترامب هي ضعف خصمه المحتمل.
إذ أظهر استطلاع رأي أجرته وكالة أسوشيتد برس أنَّ واحداً من بين كل ثلاثة ديمقراطيين وأكثر من نصف الأمريكيين (56%) لا يريدون أن يكون بايدن هو المرشح الديمقراطي. ووفقاً لمؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي، يُنهي بايدن العام بنسبة تأييد إجمالية تبلغ 39%، وهي الأدنى بين الرؤساء في ولايتهم الأولى وقبل 11 شهراً على الانتخابات منذ عقد الأربعينات.
ويجادل فريق بايدن لانتخابات 2024، عن حق، بأنَّ أدلة استطلاعات الرأي قبل الانتخابات بعشرة أشهر ليس لها قيمة كبيرة في التوقعات. وهم يضعون ثقتهم في التوقع بأنَّ الناخبين حين يتعين عليهم الاختيار بين اختيارين، فإنَّهم سيُصوِّتون مجدداً لصالح القيادة الهادئة المسيطرة على الوضع وليس للفوضى المحتملة في ولاية ثانية لترامب.
الشؤون الخارجية حقل ألغام للرئيس الأمريكي
واحدة من مشكلات هذا الرأي هي أنَّ الناخبين، وبالمعنى الدقيق للكلمة، لن يكونوا أمام خيار ثنائي. ففي الانتخابات المتقاربة، يمكن لمرشحي الأحزاب الثالثة إحداث فارق كبير، وهو ما تعلَّمه آل غور في عام 2000. وتُظهِر استطلاعات الرأي أنَّ تفوق ترامب على بايدن يتزايد عند شمول مرشحي الأحزاب الأصغر بالاستطلاعات (لا سيما الديمقراطيين السابقين كورنيل ويست وروبرت كينيدي جونيور).
وفي عصر يتسم بمثل هذه النزعة التحزبية الشديدة، يبدو أنَّ المؤشرات الاقتصادية لم يعُد لها التأثير السياسي الذي كان لها من قبل. وتبدو الشؤون الخارجية حقل ألغام بالنسبة لبايدن، الذي يواجه معارضة شديدة من التقدميين بسبب دعمه لإسرائيل وتراجع الدعم لفكرة حشده تحالفاً غربياً ضد روسيا بسبب أوكرانيا. والأهم من ذلك أنَّ التغطية الإخبارية للعبور غير القانوني للحدود الجنوبية للولايات المتحدة والحافلات المُحمَّلة بالمهاجرين التي تسافر في أرجاء أمريكا لا يمكن أن تكون، بعبارة ملطفة، إلا عائقاً سياسياً أمام بايدن في الولايات المتأرجحة التي يحتاج للفوز بها.
هل يتنحى بايدن؟
هل فات الأوان كي يكرر بايدن ما فعله ليندون جونسون، الرئيس الذي يشبهه في نواحٍ كثيرة، ويعلن أنَّه لن يترشح لولاية ثانية مثلما فعل جونسون في أبريل/نيسان 1968، والذي كان عام الانتخابات حينها؟ من حيث إتاحة الوقت لمرشحين بديلين لخوض انتخابات تمهيدية عادية، فالإجابة هي نعم. كانت الانتخابات التمهيدية أقل أهميةً في زمن جونسون. وكانت صحة جونسون، وكذلك المعارضة الشعبية لسياسته في فيتنام، قد عجَّلت بانسحابه المفاجئ. فاز نائب جونسون، هوبرت همفري، بالترشيح، لكنَّه خسر الانتخابات بشكل سيئ أمام ريتشارد نيكسون. وقد تواجه نائبة بايدن، كامالا هاريس، مصيراً مشابهاً.
لكن إذا ما سار الوضع السياسي على النحو الذي يبدو الأكثر ترجيحاً الآن، فإنَّنا سندخل موسم الانتخابات الرئاسية المشحونة بالإثارة في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول وبايدن في مواجهة مع ترامب. وحتى عندئذ، لا تستبعدوا احتمال وقوع حادث مفاجئ، مثلما حدث عند إعلان جيمس كومي في أكتوبر/تشرين الأول 2016 عن تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في خادم رسائل البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون.