يتسبب الحوثيون في أزمة لإسرائيل وأمريكا، في الوقت الذي يستمدون فيه الدعم والإشادة من دول وشعوب إسلامية أخرى لوقوفهم إلى جانب الفلسطينيين في غزة، وبات السؤال المطروح في الغرب هل يرد الغرب على هجمات الحوثيين؟ وما سر الصبر الأمريكي عليهم، وإلى أي مدى قد يصل الأمر قبل أن يرد الغرب لحماية تجارة إسرائيل وما يصفه بالأمن الإقليمي؟
وفي الوقت الذي ترتفع فيه التكلفة العالمية لهجمات الحوثيين على الشحن البحري، تحقق الهجمات مكاسب سياسية، وحتى استراتيجية كبيرة للحوثيين، الذين يبدو أنهم ينتصرون على جبهة العلاقات العامة داخل اليمن وخارجه، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ففي اليمن، تعزَّز الدعم للحوثيين، حتى بين بعض أعدائهم، وفي كثير من الدول الإسلامية الأخرى، يُنظَر إلى الحوثيين على أنهم "الجماعة الإسلامية الوحيدة التي تقف بوجه العدوان الإسرائيلي وتساند الفلسطينيين".
هجمات الحوثيين تثير فخراً كثيراً من اليمنيين
وأثارت هذه الهجمات التي ينفذها الحوثيون، مثل اختطاف سفينة غالاكسي ليدر، فخراً وطنياً بين الكثير من اليمنيين. وتلفت العمليات الاستراتيجية المتطورة التي ينفذها الحوثيون انتباه الجماهير المحلية والدولية إلى كل هذه الهجمات. ووفقاً لمصادر يمنية تحدثت إلى كاتب موقع Responsible Statecraft الأمريكي، فإن ذلك أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد المنضمين للحوثيين وأدى أيضاً إلى تدفق التبرعات لجهودهم الحربية من الشركات اليمنية والمواطنين الأفراد. وهذه الهجمات دليل أيضاً على نفوذ الحوثيين الجغرافي وبروزهم كقوة إقليمية.
وكانت النتيجة السلبية الوحيدة لهذه الحملة المناهضة لإسرائيل، على الأقل حتى الآن، هي انخفاض عدد السفن التي ترسو في ميناءي الحديدة والصليف، اللذين يسيطر عليهما الحوثيون. ويستورد اليمن ما يزيد على 90% من احتياجاته الغذائية، وتصل غالبية هذه الواردات عبر ميناء الحديدة. وتشكل الرسوم والضرائب الناشئة عن الميناء مصدراً مهماً لدخل الحوثيين. وانخفاض أعداد السفن التي ترسو في الحديدة وارتفاع تكاليف التأمين البحري سيكون لهما تأثير سلبي عليهم أيضاً.
لكن الشعب اليمني هو من سيدفع الثمن غالياً. فالحوثيون لديهم مصادر إيرادات متعددة مثل الضرائب، والاستحواذ على الشركات والممتلكات، فضلاً عن الأنشطة غير المشروعة التي تتراوح بين الاتجار بالبشر والأسلحة إلى تصنيع وتوزيع المخدرات باختلاف أنواعها.
والحوثيون يتمتعون بقدرة قوية على الصمود والتكيف، فالحرب المستمرة منذ قرابة عقدين شحذت قدراتهم القتالية. وبعد السقوط الفعلي للحكومة اليمنية في سبتمبر/أيلول عام 2014، عزز الحوثيون هذه القدرات عن طريق ترقيع جماعتهم بما تبقى من الجيش اليمني وأجهزة المخابرات. ومنذ عام 2014، يسيطر الحوثيون بشكل منهجي على معظم جوانب الحكم المدني والأمن والتعليم والاقتصاد في شمال غرب اليمن.
وفي حين أن الحوثيين كانوا ولا يزالون من أفضل القوات المقاتلة في المنطقة، إن لم يكن في العالم، فنجاحهم داخل وخارج ساحة المعركة في اليمن عززه انعدام كفاءة أعدائهم وانقسامهم. فقد فشلت الحكومة اليمنية المعترَف بها دولياً، ومجلس القيادة الرئاسي، غير مرة في توحيد عشرات الميليشيات التي تعمل في تلك المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين، حسب الموقع الأمريكي.
وفشلت الحكومة المعترف بها دولياً أيضاً في كبح الفساد المستشري، فجزء كبير من أسلحة الحوثيين وعتادهم يأتي مما تقدمه السعودية والإمارات لوكلائهما في اليمن. إذ تبيع الكثير من هذه الميليشيات المدعومة من السعودية والإمارات الأسلحة في سوق الأسلحة المزدهر في اليمن الذي يشتري منه الحوثيون أو تابعوهم هذه الأسلحة. وهذا لا يعني أن جماعة الحوثي خالية من الفساد. فهو موجود، لكنها تسيطر عليه ويقتصر بدرجة كبيرة على كبار أعضائها. ويفرض الحوثيون سيطرة مشددة على ترساناتهم، ومرافق تجميع الأسلحة، والوزارات الحكومية، ولديهم إمبراطورية اقتصادية مزدهرة في اليمن. ولم يسبق أن حظي شمال غرب اليمن بحكومة أكثر كفاءة أو وحشية من النظام الحالي الذي يقوده الحوثيون، حسب وصف تقرير مركز Responsible Statecraft الأمريكي.
أمريكا تركز على الدفاع وليس الهجوم
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الإجراءات الدفاعية التي تهدف إلى اعتراض صواريخ الحوثيين ومسيراتهم. وتكاليف هذه الإجراءات تتزايد باستمرار. ولا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الاستمرار بسهولة في إنفاق أعداد كبيرة من الصواريخ الشحيحة التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات للقضاء على طائرات مسيّرة قد تكلف أقل من ألف دولار. ويمتلك الحوثيون مصانع، الكثير منها في مناطق حضرية كثيفة يصعب استهدافها، يمكنها تصنيع عشرات إلى مئات المسيّرات أسبوعياً، إذا سمحت الإمدادات بذلك.
والمسيّرات الأكثر تطوراً لا تُصنع بنفس السرعة، ولكن لا يزال بإمكان الحوثيين تجميع عدة مئات منها في ظرف بضعة أشهر. ورغم أن الحوثيين لا يزالون يتلقون المساعدة والعتاد من إيران، فجميع مسيرات الحوثيين وصواريخهم تُجمع في اليمن. ويركز الحوثيون أيضاً على تعديل التصاميم الإيرانية للصواريخ والمسيرات لتناسب متطلباتهم.
الحوثيون لم يستخدموا سوى جزء بسيط من مسيّراتهم وصواريخهم
وحتى الآن، لم يستخدم الحوثيون سوى جزء بسيط من المسيرات والصواريخ التي يمتلكونها حالياً. ولم يستخدموا أيضاً مسيراتهم وصواريخهم الأكثر تطوراً بعيدة المدى بعد. ويمتلك الحوثيون أعداداً كبيرة من الألغام البحرية، مثل الألغام المستحثة التي يصعب اكتشافها.
وقوة السفن التي تقودها الولايات المتحدة وتُجمع الآن في البحر الأحمر وخليج عدن، إلى جانب المنشآت العسكرية على طول الساحل في البلدان المجاورة، لها القدرة على إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين، على الأقل على المدى القصير.
الحوثيون سادة الحرب غير المتكافئة
لكن حملة كهذه من الضروري الاستمرار فيها لأشهر، وتكلفتها ستكون باهظة على جميع المشاركين فيها. فالحوثيون سادة الحرب غير المتكافئة- مثلما يظهر جلياً من هجماتهم في البحر الأحمر- وقد يردون على الضربات التي تقودها الولايات المتحدة بمهاجمة البنية التحتية للطاقة في دول الخليج. وقد ينشر الحوثيون أيضاً صواريخ ومسيرات مسلحة أكثر تطوراً.
ورغم أنه من المرجح أن تتمكن السفن الحربية الأمريكية وقوات التحالف من صد هذه الأسلحة، فالشحن التجاري، وخاصة الناقلات، ستكون عرضة لخطر متزايد. فقد أغلق الحوثيون بالفعل باب المندب أمام العديد من شركات الشحن العالمية. وأي صراع أشد حدة في باب المندب وحوله قد يعني تضاؤل حركة الشحن في البحر الأحمر- أو حتى توقفها تماماً- لأشهر.
الحوثيون حققوا أهدافهم بتكلفة زهيدة
والحوثيون حققوا أهدافهم إلى حد كبير: ألحقوا خسائر بإسرائيل وحلفائها، وأكدوا نفوذهم الإقليمي، وعززوا دعمهم المحلي. والولايات المتحدة وحلفائها لا يملكون خيارات قوية في التعامل مع الحوثيين. وبعيداً عن التحرك لكبح الهجوم الإسرائيلي المتواصل على غزة، فالطريقة الوحيدة لتجنب الدخول في حلقة تصعيدية هي أن تستمر الولايات المتحدة في دعم الجهود التي تقودها السعودية وعُمان بهدف كبح تهديدات الحوثيين وهجماتهم.
على أنه، في الوقت نفسه، لا يحترم الحوثيون إلا القوة. ويرى الحوثيون الرد الأمريكي الحالي عديم التأثير، والكثير من الدول والمنظمات غير الحكومية الأخرى ستنظر إلى الرد أو عدمه بنفس الطريقة. وهذا الصراع في البحر الأحمر نذير لما يخبئه المستقبل في ظل استمرار انتشار الأسلحة منخفضة التكلفة وعالية القدرات. وستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها حتماً المزيد والمزيد من المواقف التي لا تتوفر فيها خيارات قوية مع تزايد انعدام التوازن بين الأسلحة العالية والمنخفضة التكلفة.