كانت مشاركة الدول العربية الرئيسية، ولاسيما المطلة على البحر الأحمر والخليج العربي، على ما يبدو هدفاً رئيسياً للولايات المتحدة عند تشكيلها التحالف البحري لوقف هجمات الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل تحت اسم 'حارس الازدهار"، ولكن رغم وصفه بالتحالف الدولي، فإنه في الواقع تحالف غربي لم يحصل على شرعية إقليمية تذكر، بسبب الغياب العربي اللافت.
فحين أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن الولايات المتحدة تنظم قوة عمل بحرية جديدة لمواجهة تهديد ميليشيا الحوثي اليمنية التي تهاجم سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، لوحظ غياب واضح للدول العربية المشاركة، وكثير منها من أقرب حلفاء واشنطن ومتضررة من هروب شركات الملاحة الدولية من البحر الأحمر.
فلم توافق أي قوة في المنطقة على إشراك قواتها البحرية. والدولة العربية الوحيدة المشاركة هي مملكة البحرين الصغيرة، أما بقية العواصم في المنطقة فلم تحرك ساكناً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
القوة التي كشف عنها البنتاغون تضم 10 دول، هي: المملكة المتحدة والبحرين وكندا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشيل وفرنسا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة. وغابت عن التحالف قوى إقليمية مؤثر في المنطقة مثل السعودية ومصر والإمارات.
وأشاد كثيرون من العرب بهجمات الحوثيين بطائرات مسيرة في استهداف لإسرائيل، وبضربات الجماعة لحركة الشحن في البحر الأحمر، كمثال نادر على العمل العربي لدعم الفلسطينيين، حسبما ورد في تقرير لموقع "فرانس 24"، كما أن الحوثيين أكدوا أنهم لن يهاجموا سوى السفن المرتبطة بإسرائيل أو تلك المتوجهة أو القادمة منها.
دول عربية عدة تعتمد في تجارتها على البحر الأحمر
وتعتمد الكثير من الدول العربية اعتماداً كبيراً على التجارة التي تمر بالبحر الأحمر، من قناة السويس في الشمال إلى مضيق باب المندب الذي يتاخم اليمن في الجنوب. ولكن بالنظر إلى بيانات الولايات المتحدة المتكررة والصريحة عن دعمها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة التي تثير الغضب بين العرب، فلا يبدو أن أي دولة في المنطقة ترغب في الارتباط بالولايات المتحدة في مغامرة عسكرية، حسب تقرير صحيفة The New York Times.
وقالت الدكتورة سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، مركز أبحاث الشؤون الدولية في لندن: "هذا وضع غير مريح ومحرج لمعظم الدول العربية، فهي لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تدعم تدمير إسرائيل لغزة وأساليبها الوحشية بأي شكل من الأشكال".
وكانت إيران- الداعم الرئيسي للحوثيين- هي المنتقد الأجرأ للجهود الأمريكية، وإن حاولت أيضاً موازنة أمورها. فانتقدت أي انضمام إلى هذا الائتلاف معتبرة إياه "مشاركة مباشرة في جرائم الكيان الصهيوني"، بحسب تصريح علي شمخاني، المستشار السياسي للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، نقلته وسائل إعلام رسمية. وفي الوقت نفسه، حاولت إيران أيضاً التقليل من أهمية أي دور مباشر لها في هجمات الصواريخ أو المسيرات على إسرائيل أو سفن الشحن في البحر الأحمر، زاعمة أن ما يفعله الحوثيون بمبادرة منهم. وقالت الدكتورة فاكيل إن الهدف من تصريحها تحاشي إغضاب الولايات المتحدة بشكل مباشر.
وحتى الدول التي تعتمد تجارتها وإيراداتها اعتماداً كبيراً على الحفاظ على أمن ممرات الشحن، وقفت موقف المتفرج رغم إعلان ما لا يقل عن خمس شركات شحن كبرى توقف مرور سفنها من البحر الأحمر.
مصر تراقب الوضع وإليك طبيعة علاقتها الحساسة مع الحوثيين
وحققت مصر رقماً قياسياً بلغ 9.4 مليار دولار من السفن التي تعبر قناة السويس من وإلى البحر الأحمر العام الماضي، وهو ما يمثل حوالي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي وهي مصدر مهم للنقد الأجنبي. ويمر نحو 12% من التجارة العالمية عبر القناة بين البحرين الأحمر والمتوسط، وخاصة سفن الحاويات.
وكان الرد الرسمي الوحيد من مصر بياناً صدر يوم الإثنين 18 ديسمبر/كانون الأول عن هيئة قناة السويس قالت فيه إنها تراقب الوضع، رغم أن مصر عضو في قوة العمل المشتركة الدولية 153، بل تولت القيادة لأول مرة في نهاية عام 2022، لمدة ستة أشهر، كما أن قناة السويس متضررة من الأزمة الحالية.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية في القاهرة، محمد سالم أبو المجد، لموقع "الحرة" الأمريكي إن مصر امتنعت عن إدانة هجمات الحوثيين حتى الآن"، و"السبب وراء عدم مشاركتها في التحالف ربما يرجع إلى عدم رغبتها في التورط في أفعال ضد الحوثيين تفادياً لأي تصعيد محتمل من قبلهم، بالإضافة إلى أن استمرار إسرائيل في حربها على غزة قد يُظهر انضمام القاهرة لهذه المبادرة وكأنه تأييد منها لهذه الحرب".
وحافظت مصر على شعرة معاوية مع الحوثيين منذ بداية الأزمة اليمينة عام 2015، فرغم إعلان الرياض خلال تشكيلها التحالف الإسلامي عند بداية حرب اليمن عن انضمام القاهرة له، فإن الأخيرة لم تفعل، واكتفت بالإعلان عن مشاركتها في تأمين الممرات الملاحية بالمنطقة.
وباستثناء بعض الإدانات للهجمات الحوثية على السعودية والإمارات والدفاع الدبلوماسي عن الحكومة الشرعية المنتخبة، لم تتدخل مصر في أزمة اليمن بدعم التحالف العربي، وفي الوقت ذاته لم يرصد إقامتها اتصالات مهمة مع الحوثيين، ولكنها سمحت بدخول هجرة يمنية كبيرة للبلاد، وكان لافتاً أنه عند فتح مطار صنعاء لحركة الطيران أن القاهرة كانت أول محطة للسفر منه وإليه، في مؤشر على أنها رغم علاقتها الوثيقة مع دول الخليج، فإنها ينظر لها على أنها طرف غير معادٍ من قبل الحوثيين الذين تبدو القاهرة حريصة على عدم الاشتباك معهم سلباً أو إيجاباً.
السعودية لا تريد الدخول في مواجهة جديدة مع الحوثيين وتركز على غزة
وتعتمد السعودية على موانئ البحر الأحمر في 36% من الواردات، ويقع ميناء جدة، الذي يتعامل مع الجزء الأكبر من الحركة التجارية في السعودية، على البحر الأحمر، ويعد الساحل بأكمله محوراً رئيسياً في جهود التنويع الاقتصادي التي يضطلع بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
لكن المملكة وكذلك الإمارات أعلنتا عدم اهتمامهما بالمشروع الأمريكي، حسبما تقرير"فرانس 24". فعلاقة السعودية بالحوثيين كانت معقدة حتى قبل الحرب في غزة. وبعد سنوات من خسارة الحرب فعلياً مع هذه الميليشيا، يتطلع السعوديون إلى إبرام اتفاق سلام وتحاشي الدخول في مواجهة جديدة، حسب تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية.
وبعد أن هاتف وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الإثنين، نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، كان ملخص المكالمة الصادر من الجانبين مختلفاً اختلافاً ملحوظاً. إذ أشارت النسخة الأمريكية إلى أن بلينكن حث على التعاون في الأمن البحري لمواجهة الحوثيين، فيما أشارت النسخة السعودية إلى أن الموضوع الرئيسي في المكالمة كان التطورات في غزة.
وقال المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، لموقع "الحرة" إن "السعودية والإمارات تعاملتا مع التطورات الأخيرة المتعلقة بالحوثيين بحذر، حيث إنهما ستتحملان وطأة أي تصعيد إضافي، خاصة أن كلا البلدين لا يريد أن يتعرض لأي من هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات من دون طيار مثلما حدث مع السعودية خلال المراحل الأخيرة من حرب اليمن، بما في ذلك الهجمات على منشأة نفط سعودية في عام 2022".
وتتطلع السعودية إلى أن يسمح لها حل النزاعات الإقليمية بالتركيز على قائمة طموحة للأولويات، تشمل بناء مدن جديدة تستشرف المستقبل، واحتلال مكانة أكبر في الساحة الدولية، بما في ذلك استضافة كأس العالم 2034.
وسلطنة عمان رفضت الضغط عليهم لوقف الهجمات
أما سلطنة عمان، التي تتوسط بين المجتمع الدولي والحوثيين، فقد رفضت الضغط على الحوثيين لإيقاف هجماتهم على سفن الشحن، وقالت إن وقف إطلاق النار في غزة يجب أن يأتي أولاً، وذلك وفقاً لشخص جرى إطلاعه عن طريق مسؤول عماني، وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المفاوضات.
تشعر كثير من البلاد بالقلق من أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة قد تشعل المنطقة الآن. غير أن هناك المزيد من البلاد التي قد تدعم فرقة العمل، التي تتضمن حتى هذه اللحظة بريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وجزيرة سيشيل وإسبانيا، وتضم كذلك البحرين، التي تستضيف قاعدة بحرية أمريكية وأبرمت مؤخراً اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة، والإمارات، التي تورطت أيضاً في حرب طويلة ضد الحوثيين في اليمن.
ورداً على هذا الإعلان، دعت مجموعة من البحرينيين إلى تظاهرة يوم الجمعة 22 ديسمبر/كانون الأول، للاحتجاج على مشاركة الحكومة في فرقة العمل، واستنكرت جمعية الوفاق الوطني الشيعية، أكبر جماعات المعارضة في البحرين، قرار الحكومة، قائلةً إنه جعل البحرين "شريكاً مباشراً في إراقة دماء الفلسطينيين".
وقالت الدكتورة فاكيل إن عديداً من الدول العربية تكتفي، في الدوائر السرية، بمشاهدة الولايات المتحدة تتورط في مواجهة ضد أحد وكلاء إيران.
في الأشهر الأخيرة، سعت إيران لاستعراض عضلاتها، مشيرة إلى أن الحوثيين يشكلون جزءاً مما تطلق عليه "محور المقاومة"، وهو مصطلح يشير إلى العديد من المجموعات في العالم العربي، مثل حزب الله وحركة حماس. في الأسبوع الماضي، قبل الإعلان عن فرقة العمل، حذر وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني، من فرقة العمل وقال إن "البحر الأحمر منطقتنا، ونحن نسيطر عليه، ولا يمكن لأحد أن يناور فيه".
تتوافق عرقلة طرق التجارة الغربية مع الجهود الإيرانية التي تستهدف مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، وأي شيء يؤدي إلى رفع أسعار النفط لا يؤدي إلا إلى زيادة إيراداتها. ومع ذلك، سعت إيران لتجنب تصعيد الحرب في غزة وتحولها إلى حرب إقليمية.
وحاول مساعد وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، مؤخراً، النأي بطهران عن حلفائها الحوثيين، قائلاً خلال مؤتمر صحفي في طوكيو الإثنين الماضي، 18 ديسمبر/كانون الأول، إنَّ الجماعة تتصرَّف بصورة مستقلة في ما يتعلَّق بعملياتها ضد السفن.
ونقلت وكالة "الجمهورية الإسلامية للأنباء" الرسمية عن باقري كني قوله: "أعلنت الحكومة اليمنية أنَّها ستمنع المساعدة عن إسرائيل طالما واصل الصهاينة جرائمهم بحق الشعب في غزة". ووصف الحوثيين بأنَّهم "لاعب مستقل في المشهد الدولي".