عندما حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل هذا الأسبوع من أنها تخسر الدعم الدولي بسبب الحرب في غزة، كان بإمكانه أن يحذر نفسه أيضاً من أن إدارته لديها أيضاً الكثير لتخسره بسبب دعم أمريكا لإسرائيل.
لقد وعد بايدن، الذي انتُخِبَ قبل ثلاث سنوات باعتباره الرئيس الأكثر خبرةً في السياسة الخارجية في التاريخ، باستعادة عباءة القيادة العالمية باعتباره "شريكاً قوياً وموثوقاً به من أجل السلام والتقدم والأمن". وبعد سنوات ترامب الانعزالية، أعلن أن "أمريكا عادت"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
ومنذ ذلك الحين شهدت الولايات المتحدة صعوداً وهبوطاً، بدايةً من الفشل المتمثل في الانسحاب من أفغانستان، إلى العودة إلى الصدارة في منظمة حلف شمال الأطلسي، والتعبئة الناجحة للمساعدات لأوكرانيا ضد روسيا، والتعايش المتوتر مع الصين، وفقاً للصحيفة الأمريكية.
بايدن سيدفع ثمناً خارجياً وداخلياً بسبب دعم أمريكا لإسرائيل
والآن، هناك اعتراف داخل إدارة بايدن بأن دعمه الثابت لرغبة إسرائيل في تدمير حماس -حتى مع اعترافه بالتجاوزات الإسرائيلية وقيامه بممارسة بعض الضغط على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتكون أكثر حماية لأرواح الفلسطينيين الأبرياء- يمكن أن يفرض ثمناً على موقف الرئيس في الداخل والخارج.
وقال مسؤول كبير في الإدارة، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة الأمور الحساسة: "التكلفة الدبلوماسية يمكن أن تكون شيئاً غير ملموس. بشكل عام، أنت تريد من الدول أن تنظر بشكل إيجابي إلى الولايات المتحدة، وأن تكون على استعداد لدعمها، وأن ترغب في التعاون معها". ولكن "عندما يكون الرأي العام في العديد من البلدان عدائياً، فإن ذلك يجعل من الصعب كسب الدعم للقضايا التي نهتم بها".
أمريكا باتت تعيش في عزلة في المحافل الدولية
وتتجلى العزلة الأكثر وضوحاً في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، حيث كانت الولايات المتحدة وحدها تقريباً في معارضة قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة. وهذا الأسبوع، عندما وافقت الجمعية العامة التي تضم 193 عضواً بأغلبية ساحقة على إجراء مماثل، انضمت إلى الإدارة تسع دول أخرى فقط -بما في ذلك التشيك فقط من بين أعضاء الناتو- في التصويت بلا.
إن وجود أقلية صغيرة في الأمم المتحدة، خاصة في ما يتعلق بإسرائيل، ليس بالأمر الجديد بالنسبة لواشنطن. وقال إيفو دالدر، رئيس مجلس شيكاغو للشؤون العالمية وسفير الولايات المتحدة السابق لدى حلف شمال الأطلسي: "في ما يتعلق بهذه القضية، تقف الولايات المتحدة بمفردها إلى حد كبير، وقد فعلت ذلك لفترة طويلة جداً". منذ أوائل السبعينيات، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد عشرات القرارات التي اعتبرت تنتقد إسرائيل.
وقال دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، تحدث أيضاً بشرط عدم الكشف عن هويته بشأن الصراع المستمر: "رغم أن حجم هجوم حماس، كان أكبر من أي شيء شهدته إسرائيل على الإطلاق، فإن النمط الذي رد به الإسرائيليون ويستمرون فيه نطلب جميعاً منهم أن يتوقفوا عنه".
وليس الشركاء الأجانب الحلفاء فقط هم الذين يحثون إدارة بايدن على بذل المزيد من الجهد. أعلن بعض مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومسؤولي المساعدات الأمريكيين اعتراضاتهم جهراً على دعم بايدن الثابت لإسرائيل، محذرين من أن الصراع في غزة يمكن أن يكون له تداعيات أكبر على القيادة الأمريكية.
وبات موقفها في غزة مثيراً للإحراج عندما يقارن بما تقوله عن أزمة أوكرانيا
وفي جهودها لجذب الجنوب العالمي بعيداً عن موسكو والصين، وصفت واشنطن الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه حرب عدوانية استعمارية. ومع ذلك، بالنسبة للكثيرين، تبدو حرب إسرائيل على غزة متشابهة تقريباً. قال دالدر: "تعرضت إسرائيل للهجوم، ولها الحق في الدفاع عن نفسها. لكنها تفعل ذلك في الأراضي التي تحتلها، والتي يعتقد العالم كله أنها أرض محتلة (وهي كذلك وفقاً للقانون الدولي). من ناحية، نحاول أن نجعل الدول الأخرى تعارض ما تفعله روسيا في أوكرانيا، بينما نحاول من ناحية أخرى أن نجعلها تدعم ما تفعله إسرائيل في غزة".
وقال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، دينيس فرانسيس، من ترينيداد وتوباغو، في افتتاح جلسة هذا الأسبوع حول قرار وقف إطلاق النار: "حتى الحرب لها قواعد، ومن الضروري أن نمنع أي انحراف عن هذه المبادئ والقيم، والتي تكمن صلاحيتها في تطبيقها العالمي".
مصر تصف هذه السياسات بأنها علامة خسيسة على ازدواجية المعايير
جاءت بعض أقسى الكلمات من شركاء الولايات المتحدة المقربين في الشرق الأوسط. وقال سفير مصر لدى الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق أمام الجمعية العامة إن هذه "علامة خسيسة على ازدواجية المعايير"، عندما يدير أولئك الذين يدعون إلى إنهاء العدوان والاحتلال و"احترام القانون الإنساني الدولي في حالات محددة.. للأسف وبلا خجل، ظهورهم في حالات أخرى، بالأخص حين يتعلق الأمر بالفلسطينيين".
ويعترف المسؤولون الأمريكيون بأن دعم الإدارة لحق إسرائيل في مواصلة حصارها لغزة قد ميزها عن الدول الشريكة. لكنهم يصرون على أنهم لم يروا أي دولة توقف التعاون أو تغير مواقفها بشأن مسائل غير ذات صلة.
وهم يعترفون بأن مثل هذه التأثيرات غير المباشرة قد تحدث مع تعمق الصراع، لكنهم يشيرون إلى تأثير إيجابي محتمل: وهو أن الولايات المتحدة تُظهِر عزمها على الوقوف إلى جانب الأصدقاء، حتى عندما لا تحظى بشعبية في ذلك، حسب صحيفة Washington Post الأمريكية.
وهم يعزون الكثير من الانتقادات العربية إلى حاجة تلك الحكومات إلى تهدئة غضب مواطنيها من خلال الدعم الصريح لمحنة الفلسطينيين.
لكن الشركاء الرئيسيين في المنطقة يشعرون بالاستياء الشديد، مما قد يؤدي إلى إحباط المسار إذا كان له أن يتجه إلى الأمام.
وكان ما قاله وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وهو حليف حاسم لهدف واشنطن في بناء سلام طويل الأمد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من بين أكثر التصريحات العلنية صراحة. تساءل في مؤتمرٍ عُقِدَ مؤخراً في البحرين: "كيف يمكن لأي شخص أن يتحدث عن مستقبل غزة ونحن لا نعرف أي غزة تلك التي ستبقى بعد انتهاء هذا العدوان؟".
الموقف الأمريكي يتغير ببطء
لقد تطور موقف الإدارة الأمريكية، رغم تمسكها بإصرارها على أن إسرائيل لن تحقق سلاماً دائماً في غزة حتى تُدمَّر حماس عسكرياً، بشكل مُطرَد منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وأصبحت الرسالة الأخيرة أكثر وضوحاً "مع تدهور الأوضاع" وخضوع غزة لهجماتٍ جوية وبرية إسرائيلية مُهلِكة، مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين وتحول القطاع بشكل متزايد إلى أنقاض. وبدأت واشنطن "تسمع الشكاوى والانتقادات، ليس فقط من الأصدقاء، بل من جميع أنحاء العالم". وقال المسؤول: "ليس فقط على المستوى الدولي، ولكن على المستوى المحلي".
وفي زياراته للمنطقة، كان بلينكن صريحاً بشكل متزايد في إصراره على أن إسرائيل بحاجة إلى إظهار ليس فقط النية، بل أيضاً الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين. وقالت نائبة الرئيس كامالا هاريس، بعد اجتماعات في دبي مع الزعماء العرب في وقت سابق من هذا الشهر، إنه "بما أن إسرائيل تدافع عن نفسها، فمن المهم كيف تدافع. والولايات المتحدة واضحة بشكل لا لبس فيه: يجب احترام القانون الإنساني الدولي. لقد قُتل عدد كبير جداً من الفلسطينيين الأبرياء".
وهذا الأسبوع، حذر بايدن من أن إسرائيل "بدأت تفقد الدعم الدولي بسبب القصف العشوائي الذي يحدث"، وألمح إلى أن تغيير حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة قد يكون هو الحل. وأثارت تعليقات الرئيس سيلاً من الأسئلة حول ما إذا كان بايدن يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، أو ربما أخطأ في التعبير.
ولم يتردد نتنياهو في الماضي في الاستهزاء برؤساء الولايات المتحدة، ولا سيما عندما ألقى كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس في عام 2015.
وبينما ينتقد المشرعون الجمهوريون الآن بايدن لما يعتبرونه محاولة للتدخل في سياسات إسرائيل الخاصة، حث بعض الخبراء الإقليميين ومسؤولي السياسة الخارجية الأمريكية السابقين الرئيس على أن يكون أكثر جرأة في إظهار أنه يتبع الكلمة بالفعل في ما يتعلق بالفلسطينيين. وكان بايدن قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة فتح القنصلية الأمريكية للفلسطينيين في القدس ومكتب التحرير الفلسطيني في واشنطن، وكلاهما أغلقهما الرئيس دونالد ترامب، علاوة على إلغاء رفض الرئيس السابق للرأي القانوني الأمريكي بشأن عدم شرعية مستوطنات الضفة الغربية. ولم ينفذ بايدن أياً من هذه الوعود.