في تقرير لصحيفة The Jerusalem Post نُشر بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 2023، يبدو أنه لم يحظَ باهتمامٍ كبير في التغطية الغربية للحرب الإسرائيلية على غزة، ورد ما يلي: "يتوقع الجيش الإسرائيلي أن تستمر العمليات القتالية حتى نهاية يناير/كانون الثاني، "يليها تمرد مسلح طفيف من ثلاثة إلى تسعة أشهر". ويبدو أنَّ هذا التوقع ربما قد دق أجراس الإنذار في إدارة بايدن.
إذ يدرك البيت الأبيض أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يريد الاستمرار في الحرب بنيَّة "تدمير" حماس. لكن بعيداً عن إمكانية تحقيق هذا الهدف الكبير، من المرجح أن يكون المسؤولون الأمريكيون قد خلصوا إلى أنَّ إسرائيل غير قادرة على مواصلة حربها في غزة دون قتل مزيد من المدنيين الفلسطينيين، أو أنها ليست مستعدة لوقف الخسائر المدنية كما يقول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ومع تزايد خطر الأمراض والمجاعة بعد نزوح سكان غزة إلى الجنوب بحثاً بشكل ميئوس عما يسمى بالأمان، تتزايد احتمالات حدوث أزمة كبرى في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بحسب الموقع الأمريكي.
هل الولايات المتحدة وإسرائيل في طريقهما للتصادم؟
في 12 ديسمبر/كانون الأول، أظهر الرئيس جو بايدن استياءً واضحاً من الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو. وفي تصريحاته للمانحين، قال بايدن إنَّ إسرائيل تفقد الدعم في جميع أنحاء العالم، بسبب الطريقة التي تدير بها حرب غزة.
وبحسب تقارير، قال أيضاً إنَّ نتنياهو "يجب أن يتغير"، وأشار إلى رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي حل الدولتين الذي راهن عليه الرئيس بايدن نفسه في نهجه تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وترجع هذه الفجوة بين مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن أزمة غزة جزئياً إلى الإشارات المتناقضة التي أرسلها البيت الأبيض إلى إسرائيل في الأسابيع الأولى التي أعقبت هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
فبخلاف "عناق قوي" من بايدن لنتنياهو- الزعيم الذي لا يحبه كثيراً- أشار المسؤولون الأمريكيون، ومن ضمنهم الرئيس، إلى نوع من التناقض المشوش عندما يتعلق الأمر بالضغط على إسرائيل للحد من ضراوة حملة القصف.
ومع ذلك، فإنَّ بيان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في 7 ديسمبر/كانون الأول، والذي قال فيه: "لا تزال هناك فجوة بين… نية حماية المدنيين والنتائج الفعلية التي نراها على الأرض"، أكد استياء الإدارة الأمريكية من الهجمات الإسرائيلية على جنوب غزة. وأشار إلى مشكلة أكبر بكثير، وهي فشل البيت الأبيض حتى الآن في تأمين موافقة إسرائيلية على خطة ما بعد الحرب في غزة، التي تشمل السلطة الفلسطينية. بالنسبة لواشنطن، فإنَّ تركيز نتنياهو المستمر والعنيد على التكتيكات العسكرية يمثل كابوساً استراتيجياً٬ كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
غضب قومي ومراوغة سياسية
وفي ضوء إحجام حكومة الحرب التي شكّلها نتنياهو عن معالجة مسألة "اليوم التالي لانتهاء الحرب"، فضلاً عن حقيقة أنَّ نحو 1.8 مليون من سكان غزة نزحوا من منازلهم تحت القصف٬ أعرب المسؤولون العرب عن مخاوف متزايدة من أنَّ إسرائيل تسعى إلى نكبة جديدة. إنَّ تحذير نائبة الرئيس كامالا هاريس من أنَّ الولايات المتحدة لن تتسامح "تحت أي ظرف من الظروف" مع النقل القسري للفلسطينيين من غزة، يشير إلى أنَّ إدارة بايدن تشاطرها هذه المخاوف.
وفي الواقع، على خلفية العمليات الإسرائيلية المتوسعة في شمال غزة وجنوبها، تحاول الإدارة حشد الدعم الإقليمي لخطة تهدف إلى وضع غزة ما بعد الحرب تحت سيطرة السلطة الفلسطينية "بعد إحيائها"، بحيث، على حد تعبير بلينكن، "يمكن السير على الطريق المؤدي إلى سلام عادل ودائم وآمن للإسرائيليين والفلسطينيين".
وبالنظر إلى مثل هذا الجهد باعتباره خطوة نحو نوع ما من الدولة الفلسطينية، فقد رفض نتنياهو رفضاً قاطعاً أية فكرة لوضع غزة تحت إشراف السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، فإنَّ فشله في توضيح الهدف النهائي للحملة العسكرية الإسرائيلية يغذي المخاوف في إسرائيل من أنه على الرغم من التطمينات الصريحة بشأن الدعم الأمريكي القوي للحملة العسكرية، فإنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل تسيران على مسار تصادمي.
"على نتنياهو التوقف عن خدمة نفوذه السياسي"
وقد أثارت المخاوف بشأن مثل هذا الصدام دعوات من قادة الرأي الإسرائيليين لحكومة نتنياهو إلى توضيح أجندة "اليوم التالي لانتهاء الحرب". ورغم أنَّ بعض هذه الدعوات، كما هو متوقع، "يسار الوسط"، فإن شخصيات أكثر محافظة شاركت فيها. وكتب أحد هؤلاء المعلقين، ياكوف كاتز، بصحيفة The Jerusalem Post، في 8 ديسمبر/كانون الأول، مُذكّراً قراءه بأنه إضافة إلى تحذيرات نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، حذر وزير الدفاع لويد أوستن، إسرائيل من أنَّ مواصلة العمليات العسكرية التي تقتل آلاف المدنيين، قد تدفع سكان غزة إلى أحضان حماس، ومن ثم ستحلق بها "هزيمة استراتيجية".
ووفقاً لكاتز، فإنَّ مثل هذه التصريحات الأمريكية تُظهِر أنه "بينما أحجمت الولايات المتحدة حتى الآن عن الدعوة إلى وقف شامل لإطلاق النار… ليس هناك شك بإسرائيل في أنَّ مثل هذه الدعوة تقترب أكثر فأكثر"؛ وسينشأ معها صراعٌ محتمل حول سؤال حيوي وهو: أين ستأتي غزة ضمن جهود السلام المعاد إحياؤها؟
ويبدو أنَّ كاتز لا يشعر بأنه يمكن الوثوق بنتنياهو لمنع مثل هذا الصدام؛ لأنَّ رئيس الوزراء لا يتصرف إلا وفق ما "يخدم نفوذه السياسي". لكن نظراً إلى الفجوة التي لا تزال هائلة بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي بشأن مستقبل الفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية، من الصعب أن نتخيل كيف يمكن أن تصل دعوة كاتز لإسرائيل إلى "التنسيق مع الولايات المتحدة" بشأن وضع خطة مشتركة إلى أكثر من مجرد محاولة لتأجيل الصدام. إضافة إلى أنه ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت إدارة بايدن ستكون مستعدة في نهاية المطاف لوضع ضمادة على الجرح الدبلوماسي العميق بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وعلى الرغم من هذه الرؤى المتضاربة، أو ربما بسببها، يبدو أنَّ مجلس الحرب الإسرائيلي قد خلص إلى أنَّ الوقت قد حان للبدء في صياغة نوع ما من الاستراتيجية الدبلوماسية السياسية. وتعليقاً على هذا الموضوع، أشار أحد المحللين الإسرائيليين إلى أنه في حين شكّل نتنياهو مؤخراً لجنة لاتخاذ قرار بشأن استراتيجيات غزة ما بعد الحرب، فإنَّ "وضع خطة عملية يمكن أن تحظى بالقبول في هذه الحكومة الحالية، سيكون تحدياً كبيراً".
وبالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والمنطقة، هناك "يوم تالٍ" آخر مهم وهو الصباح التالي لانتخابات جديدة وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة. وبغض النظر عن موعد حدوث ذلك "اليوم التالي"، من الواضح أنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل على خلاف.
هل يندلع "تمرد مسلح" دون نهاية؟
كما جادل العديد من المحللين، قد يحفز استمرار العدوان الإسرائيلي مزيداً من الشباب في غزة على الانضمام إلى حماس، ومن ثم نشوء حرب عصابات قد تجعل الجنود الإسرائيليين يقاتلون ويموتون في معركة لا نهاية لها. ومثل هذه النتيجة من شأنها أن تمثل انتصاراً لـ"حماس" أو أية جماعة تخلفها، خاصة إذا تطورت هذه النتيجة في خضم حرب إقليمية أوسع نطاقاً.
بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها العرب، فإن احتمال حدوث هذا السيناريو الذي لا يُغتفَر حقيقي بقدر ما هو غير مقبول. ولتجنب ذلك، قد تحاول إدارة بايدن صياغة إنجاز دبلوماسي، ربما من خلال التوسط في تحقيق انفراجة في العلاقات الإسرائيلية السعودية. وربما يؤدي احتمال تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية إلى هز النظام السياسي الإسرائيلي المصاب بالصدمة بطرق تفتح الباب أمام هذا النوع من الحلول التي ليست في حسبانه حالياً.
لكن إذا كانت هناك جولة ثانية من اتفاقات التطبيع- جولة تدور حول صنع سلام حقيقي يضمن حقوق الفلسطينيين بدلاً من مجرد الابتهاج بالاحتفال بعيد الحانوكا في دبي- فسيتعين على الرئيس بايدن دعم استراتيجية عمل إسرائيلية فلسطينية، قد تسبب توترات غير مسبوقة في الشراكة الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، يقول الموقع الأمريكي.