تطور جديد تشهده المنطقة وصفه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"حادث خطير للغاية على نطاق عالمي"، حيث اختطفت جماعة "أنصار الله" الحوثي في اليمن ما قالت إنها سفينة إسرائيلية، فيما تقول وسائل إعلام عبرية إنها "مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي".
وقالت جماعة "أنصار الله" اليمنية في بيان مساء على لسان المتحدث العسكري العميد يحيى سريع، إن القوات البحرية للجماعة "نفذت عمليةً عسكريةً في البحر الأحمر كان من نتائجها الاستيلاء على سفينةٍ إسرائيليةٍ واقتيادها إلى الساحل اليمني"، وفق نص البيان.
فيما أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن السفينة التي تعرضت للاختطاف في البحر الأحمر من الحوثيين، تعود ملكيتها بشكل جزئي لرجل أعمال إسرائيلي مقرب من الموساد يُدعى رامي أنغر. على الرغم من نفي جيش الاحتلال ومكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أي رابط.
موقع "ذا تايمز أوف إسرائيل" أشار إلى أن السفينة المسجلة لدى شركة بريطانية مملوكة جزئياً لرجل الأعمال الإسرائيلي أبراهام أونغار، الذي يلقب بـ"رامي"، وقد تم تأجير السفينة لشركة يابانية وقت الاختطاف.
أما فيما يخص طاقم السفينة، فقد صرح قيادي بجماعة الحوثيين لقناة الجزيرة القطرية بأن التحقيقات الأولية تفيد بأن إسرائيليين بجنسيات أخرى على متن السفينة.
مكتب نتنياهو اتهم إيران بالوقوف وراء هذا الحادث، وقال في بيان: "هذا عمل إرهابي إيراني جديد يمثل تصعيداً في عدوان إيران على مواطني العالم الحر، وله تداعيات دولية على أمن مسارات الشحن العالمية"، حسب تعبيره.
ماذا يعني هذا الحدث؟
شن الحوثيون عدة هجمات صاروخية باليستية وطائرات بدون طيار ضد إسرائيل خلال الأسابيع الماضية، في إطار إشغال الاحتلال عن العدوان الذي يشنه على قطاع غزة، حيث اعترفت تل أبيب بوصول عدد من المسيرات والصواريخ القادمة من اليمن قبل أن يتم اسقاطها بمنظومات دفاعية متقدمة، سواء بواسطة الأمريكيين أو الإسرائيليين أنفسهم.
وفي الأسبوع الماضي، قال الحوثيون المتحالفون مع إيران إنهم قد يستهدفون السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وجدد المتحدث باسم قواتهم، يحيى سريع، التحذير من أن "أي سفينة تابعة لإسرائيل أو من يدعمها ستكون هدفاً مشروعاً للقوات اليمنية". وقال سريع: "نؤكد استمرار عملياتنا العسكرية ضد إسرائيل حتى توقف العدوان والجرائم البشعة بحق إخواننا الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية".
المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي كان قد وصف حادثة استيلاء الحوثيين على السفينة بأنها "حدث شديد الخطورة على المستوى العالمي"، ووفقاً للسجلات الإلكترونية، فسفينة "غالاكسي ليدر" مسجلة في ميناء ناسو، عاصمة الباهاما، ولكن الشركة المشغلة لها هي RAY CAR CARRIERS، إحدى أكبر شركات نقل المركبات في العالم، التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونغر، مستورد سيارات كيا إلى إسرائيل.
بحسب موقع شركة RAY CAR CARRIERS، فهي تشغل سفناً تنتمي إلى ثماني فئات مختلفة، تبدأ بالسفن التي تحمل 2200 سيارة، وتنتهي بالسفن التي تحمل 7700 سيارة، ولم تحدد الشركة عدد السفن التي تشغلها، لكن الصحيفة الإسرائيلية تتوقع أن تكون بالعشرات.
وتقول صحيفة Calcalist الإسرائيلية إن رجل الأعمال الإسرائيلي أونغر ليس غريباً على الهجمات التي تشنها إيران ووكلاؤها على السفن، لكن الهجوم على سفينة نقل سيارات واختطافها مسألة جديدة ومكلفة.
تضيف الصحيفة أن المشكلة في هذه الحالة "ليست في الملكية الإسرائيلية للسفينة، بل في اختطاف سفينة تحمل آلاف السيارات بقيمة مئات الملايين من الدولارات، وهي في طريقها إلى إسرائيل، بسبب الاشتباه في ملكية إسرائيل لها، أو أي محاولة أخرى للإضرار بإسرائيل تضيع فيها البضائع الثمينة على متنها أو تُعاد مقابل فدية".
تُشير صحيفة Calcalist إلى تقارير أجنبية لفتت إلى أنه من المرجح أن اهتمام الحوثيين كان بهُوية أفراد الطاقم -الذين قالت الصحيفة إنهم ليسوا إسرائيليين- لكن اختطاف سفينة تحمل آلاف السيارات المتجهة إلى إسرائيل وتعرُّض حمولتها للخطر قد يصبح مشكلة كبيرة.
حصار إسرائيل تجارياً؟
في الأسابيع الأخيرة، أفادت مصادر في صناعة السيارات لصحيفة Calcalist بزيادات في أسعار تأمين نقل السيارات البحري إلى إسرائيل، وصارت السفن "تتخطى" ميناء أسدود بالفعل مؤخراً، وتتجه إلى حيفا، خوفاً من الهجمات الصاروخية.
في حال تم اختطاف أو مهاجمة ناقلة سيارات في طريقها إلى إسرائيل، فقد ترتفع أسعار التأمين، وهذا في النهاية سيزيد التكاليف على المستهلكين الذين سيتجنبون إسرائيل في النهاية.
وتمر السفن القادمة من الشرق الأقصى، التي تحمل سيارات مصنوعة في اليابان أو كوريا الجنوبية أو الصين عبر البحر الأحمر، لتعبر طريقها إلى إيلات أو عبر قناة السويس ثم إلى أسدود وحيفا وإلى أوروبا.
تنقل الصحيفة الإسرائيلية عن مصادر في صناعة السيارات قولها إنه من المفترض أن يكون شهر ديسمبر/كانون الأول هادئاً نسبياً في وصول السفن إلى إسرائيل، بسبب تجميد طلبات المركبات إلى إسرائيل بسبب الحرب، لكن من المحتمل أن تكون شحنات العام المقبل، بالنظر إلى الوضع الأمني، أكثر تكلفة في تأمينها.
وسيلة ضغط على دولة الاحتلال وأمريكا
من جانبها، أفادت وكالة Bloomberg بأن حادث السفينة أثار مخاوف من أن تؤدي الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية إلى تعطيل حركة الملاحة في المنطقة، كما أثار مخاوف إزاء المخاطر التي قد يشهدها أحد أكثر طرق الشحن ازدحاماً في العالم.
يقول كينيث لوه، محلل "بلومبرغ إنتليجنس" الذي يتناول موضوعات الشحن والخدمات اللوجستية، إن تأثير الصراع في الشرق الأوسط كان يقتصر على الموانئ الإسرائيلية، لكن حادث البحر الأحمر يمثل "تصعيداً كبيراً للتوترات" في المنطقة ككل.
أشار لوه إلى أن بعض شركات الشحن "قد تقرر تجنب المنطقة لأسباب تتعلق بالسلامة، ما يعني تكاليف وتأخيرات إضافية. وقد يؤدي هذا إلى تأثير غير مباشر عبر سلاسل التوريد العالمية التي تذكرنا بما حدث خلال الجائحة وفوضى سلاسل التوريد".
صراع أوسع في المنطقة؟
لا شك أن توسع مثل هذه العمليات في المنطقة قد يؤدي لتوسيع الصراع وانجرار أمريكا إليه، التي ترفض حتى اللحظة وقف دولة الاحتلال إطلاق النار في غزة، حتى "التخلص من تهديدات حماس"، كما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن ومسؤولون أمريكيون آخرون.
وتحاول إيران الضغط على الأميركيين من خلال وكلائها في المنطقة عبر استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية بما يشمل ذلك بعض القواعد العسكرية والسفن التجارية وغيرها، دون نقل الانخراط بشكل مباشر بمعركة من واشنطن او دولة الاحتلال، قد تنقل المعركة إلى باحة طهران الداخلية.
ويبدو حتى اللحظة أن الأمريكيين لا يريدون الانجرار لهذه الاستفزازات والرد عليها خشية من انخراطهم بحرب لم تكن في حسبانهم، حيث تعرض القواعد الأمريكية منذ السابع من أكتوبر لعشرات الهجمات في العراق وسوريا على يد الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة.
وقبل الحرب الجارية، كانت الولايات المتحدة تنسحب تدريجياً من المنطقة والتركيز على مناطق أخرى تمثل لها بعداً استراتيجياً هاماً، مثل شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، وكذلك شرق أوروبا حيث الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا.
ومنذ السابع من أكتوبر تتمسك طهران بخيار "التصعيد المتدرج والمنضبط"، عبر توزيع الأدوار على جماعات تابعة وحليفة لها في جبهات متعددة تشمل: لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن. وتظل حريصة على تجنب خوض حرب شاملة مع الولايات المتحدة قد تقوض النظام الإيراني، أو قد ينتج عنها تدمير قدرات حزب الله بصورة استراتيجية.
ويوفر هذا النهج الإيراني دعماً سياسياً للمقاومة الفلسطينية ويضع ضغوطاً على الولايات المتحدة، لكنه يضع شكوكاً كبيرة على جدية مبدأ "وحدة الساحات"؛ حيث بات واضحاً أن إيران تستهدف به أولاً حماية أراضيها ضد تهديد أعدائها، بهدف ردعهم عن استهداف الأراضي الإيرانية بعمل عسكري، خاصة البنية التحتية النووية؛ لأن الرد الإيراني في هذه الحالة سيشمل عدة جبهات في الإقليم.
ورغم أن واشنطن لا تريد حرباً مع إيران في ظل خشيتها من التورط في نزاع بالمنطقة يشغلها عن ملف الصين، إلا أنه توجد أصوات عسكرية تتزايد داخل "إسرائيل" تدعو لتوجيه ضربة قاصمة لحزب الله؛ باعتبار أن الفرصة الراهنة قد لا تتكرر، في ظل زخم الغضب من هجوم 7 أكتوبر، ووجود حاملتي طائرات أمريكيتين، والدعم الغربي، والحشد الحالي لأكثر من 500 ألف جندي نظامي واحتياطي إسرائيلي.