يشعر مسؤولو الإدارة الأمريكية في واشنطن بأعلى المستويات من القلق بسبب التداعيات الداخلية المحتملة للدعم الكامل لإسرائيل وخصوصاً مستقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي برز بشكل رئيسي الحرب الجارية على قطاع غزة.
حيث انخفض معدل تأييد الرئيس الأمريكي إلى أدنى مستوى خلال رئاسته، حيث لا توافق أغلبية كبيرة على تعامل البيت الأبيض مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفقاً لأحدث استطلاع وطني أجرته شبكة "إن بي سي" نيوز، الأحد 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
الدعم الشعبي لبايدن يتآكل.. والسبب غزة
ويتجلى تآكل بايدن بشكل أكثر وضوحاً بين الديمقراطيين، الذين يعتقد أغلبهم أن إسرائيل قد ذهبت بعيداً جداً في عملها العسكري في غزة، وبين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 34 عاماً، حيث رفض 70% منهم طريقة تعامل بايدن مع الحرب والدعم المطلق لاسرائيل.
وأبرز ما في الاستطلاع الجديد هو التحول بين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، ففي سبتمبر/أيلول 2023، قال 46% من هؤلاء الناخبين إنهم يوافقون على أداء بايدن الوظيفي، والآن انخفضت نسبة تأييد بايدن إلى 31% بين هؤلاء الناخبين.
حيث قالت ميج فوري، 40 عاماً، وهي ديمقراطية من أوستن بولاية تكساس: "أنا لا أؤيد دعمه لإسرائيل". وقال الديمقراطي زيكو شيل (23 عاماً) من سان دييغو عندما سئل عن سبب عدم موافقته على أداء بايدن الوظيفي: "الوعود الفاشلة، والقروض الطلابية، والسياسة الخارجية بشكل عام".
فيما قال خبير استطلاعات الرأي الديمقراطي جيف هورويت من شركة "هارت ريسيرش أسوشيتس": "جو بايدن في مرحلة منخفضة بشكل فريد في رئاسته، وجزء كبير من هذا يرجع إلى الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون إلى تصرفاته في السياسة الخارجية".
وقال ماكينتورف إنه منذ زمن طويل، لم يحدث أن غيرت الشؤون الخارجية التي لم تتضمن القوات الأمريكية المشهد السياسي الأمريكي، حيث قال: "هذا الاستطلاع مذهل، وهو مذهل بسبب تأثير الحرب بين إسرائيل وحماس على بايدن".
انقسام داخل معسكر الديمقراطيين
يأتي ذلك في الوقت الذي أثارت مطالبة أحد كبار التقدميين في مجلس الشيوخ الأمريكي بربط المساعدات المقدمة لإسرائيل بتهدئة الحرب في قطاع غزة انتقادات عنيفة من جانب الديمقراطيين المؤيدين لإسرائيل.
السيناتور بيرني ساندرز (عن ولاية فيرمونت)، قال في بيانٍ السبت 18 نوفمبر/تشرين الثاني: "الولايات المتحدة تقدم مساعدات لإسرائيل بقيمة 3.8 مليار دولار سنوياً، وإدارة بايدن تريد تقديم 14.3 مليار دولار إضافية". وأضاف أن على الحكومة الإسرائيلية "أن تفهم أنها لن تستقبل دولاراً واحداً من الولايات المتحدة ما لم يحدث تغيير جوهري في مواقفها العسكرية والسياسية".
وتشمل شروط ساندرز المقترحة على إسرائيل "وقفاً ملحوظاً للعمليات العسكرية" في غزة، والامتناع عن "إعادة احتلال أو حصار" طويل المدى لغزة، وإنهاء عنف المستوطنين في الضفة الغربية والالتزام بـ"محادثات سلام واسعة النطاق لتحقيق حل الدولتين في أعقاب الحرب".
ووافق مجلس النواب على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 14.3 مليار دولار لإسرائيل مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لكنها تعطلت في مجلس الشيوخ.
وانتقد الديمقراطيون، ومن بينهم الـ13 الذين صوتوا لصالح المساعدات، رئيس مجلس النواب مايك جونسون (جمهوري عن ولاية لويزيانا)؛ لاشتراطه المساعدات بتخفيضات في تمويل مصلحة الضرائب.
فيما أطلق الجمهوريون في مجلس الشيوخ حملة مفاجئة لفرض التصويت على هذا الإجراء الأسبوع الماضي، لكن الديمقراطيين صوتوا لإفشالها. وقال أحد المساعدين المطلعين لموقع أكسيوس، إن التقدميين في مجلسي النواب والشيوخ يخوضون مناقشات "أولية" متواصلة حول فرض شروط على المساعدات.
تداعيات الدعم الكامل لإسرائيل تعود على بايدن سلباً
بحسب ما نشرت صحيفة "The Wall Street Journal" الأمريكية الأحد 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فإنه على مدى الأسبوعين الماضيين، ضغط بايدن على نتنياهو بشأن قضايا تتراوح بين الحد من الخسائر في صفوف المدنيين في غزة إلى الموافقة على وقف القتال لإطلاق سراح الرهائن.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قدمت نفسها علناً على أنها تقدم دعماً غير مقيّد لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، إلا أن نطاق وحجم العنف داخل غزة جعلها تتوقف، بحسب الصحيفة.
حيث شعرت الإدارة بالإحباط بسبب عنف المستوطنين الإسرائيليين الذي يستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأرسل بايدن السبت، إشارة واضحة إلى حكومة نتنياهو بأنه يتوقع منها اتخاذ إجراءات صارمة.
كما واصل المسؤولون الأمريكيون رحلاتهم المكوكية للضغط على نتنياهو وأعضاء آخرين في حكومته، وسط خشية إدارة بايدن من انجرار نتنياهو إلى صراع إقليمي آخذ في الاتساع.
بحسب الصحيفة، يشعر مسؤولو الإدارة على أعلى المستويات بالقلق من التداعيات الداخلية المحتملة للدعم الكامل لإسرائيل، وحثوا حكومة نتنياهو على اعتبار أن الصور المتواصلة للنساء والأطفال القتلى قد تلقي بظلالها على الجهود المبذولة للقضاء على حماس.
وضغط المسؤولون الأمريكيون على إسرائيل لتجنب الأهداف التي من شأنها تعريض أعداد كبيرة من المدنيين للخطر أو التي قد تثير اعتراضات على انتهاك القانون الدولي، كما حدث في الضربات الأخيرة على مخيمات اللاجئين والمستشفيات، ولكنها لم تنجح.
بايدن يخسر أمام المرشح "صفر"
وتجلب الاستطلاعات واحداً تلو الآخر أخباراً سيئة لجو بايدن. سواء كان الرئيس الحالي يتخلف عن برنامج منافسه الجمهوري المحتمل في انتخابات 2024، أو وصل إلى مستوى منخفض جديد في شعبيته، أو رأى غالبية الديمقراطيين أنه يثير مخاوف بشأن عمره وقدراته العقلية، فإن الأرقام يجب أن تكون مقلقة لمعسكر بايدن الذي يبدو أنه سيخسر أمام أي أحد سيترشح أمامه في ظل هذه الأرقام السيئة.
وعلى الرغم من البيانات القاتمة، فإن الديمقراطيين متمسكون حتى الآن برجلهم. وبدلاً من مواجهة مدى سوداوية الأمور في الوقت الحالي، يجد العديد من الديمقراطيين العزاء في دورة من التهدئة الذاتية التي تفسر الواقع السياسي الصعب، كما يقول تقرير لمجلة politico الأمريكية.
وبحسب المجلة، أحد التكتيكات التي يستخدمها الديمقراطيون والمعلقون الليبراليون لمواجهة نقاط ضعف بايدن الكبيرة هو تسليط الضوء على عيوب ترامب.
على سبيل المثال، واجه الكاتب مايكل توماسكي مؤخراً موجة من التغطية لعمر بايدن – وهو مصدر قلق رئيسي لمعظم الناخبين – بقائمة طويلة من آثام ترامب. وتضمنت قائمة توماسكي بعض لحظات ترامب الأكثر شهرة مثل "الحقائق البديلة"، التي تشير إلى ضرورة حقن الناس بالمبيض لمنع الإصابة بفيروس كورونا 2019، وأكاذيبه حول نتائج انتخابات عام 2020، على سبيل المثال لا الحصر.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أنه خلال لجنة سياسية في سبتمبر/أيلول في أسبن بولاية كولورادو، أثار أحد الحضور مخاوف بشأن قدرة بايدن على البقاء كمرشح ديمقراطي، وسأل: ما هي الخطة الاحتياطية؟
وفقاً للصحيفة، رد رئيس طاقم بايدن السابق، رون كلاين، سريعاً: "الرئيس هو مرشح الحزب، كما قال كلاين، وهو مرشح قوي في هذا الصدد. لا توجد خطة احتياطية لدينا".
وهذا يؤكد أنه لا يوجد لدى الديمقراطيين خيارات كثيرة أو حتى خطط احتياطية من شأنها إنقاذ الحزب والفوز في الانتخابات القادمة. ولكن هناك أسطولاً كاملاً من الديمقراطيين الصاعدين الذين ينتظرون وقتهم ويضعون الأساس لعروض البيت الأبيض المستقبلية، سواء كان ذلك من خلال استضافة مناظرة في الولاية التمهيدية الأولى في البلاد، أو عقد اجتماع مفاجئ مع الرئيس شي جين بينغ في الصين.
وهناك عدد قليل من أعضاء إدارة بايدن الذين اعتبرهم الرئيس المستقبل السياسي للحزب، بما في ذلك نائبته كامالا هاريس. ومع ذلك، فإن طرح بايدن باعتباره الخيار الوحيد يعزز خسارة الديمقراطيين وخوفهم من المجهول، خاصة عندما يواجهون ترامب ويفقدون حتى قواعدهم الشعبية التي اعتادت على التصويت لهم، خصوصاً إذا استمرت الحرب في قطاع غزة واستمر الدعم الأمريكي اللامحدود واللامشروط لإسرائيل.
ويواجه بايدن حراكاً أمريكياً وشعبياً وسياسياً جارفاً وغير مسبوق يرفض استمرار الحرب على غزة أو الاستمرار بدعم دولة الاحتلال بشكل أعمى ومن أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تشهد ولايات أمريكية عديدة وعواصم عالمية كبيرة مثل لندن وباريس وبرشلونة وبرلين وبعض المدن الأوروبية الكبرى مظاهرات منددة بتلك الحرب ومطالبة دولها بالضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار فوراً؛ نظراً لعدد الضحايا من الأطفال والنساء، وأيضاً بسبب الممارسات الإسرائيلية مثل قصف المشافي والمدارس في قطاع غزة.