ارتبك الموقف الأوروبي والغربي بالعموم من الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 12 يوماً، وذلك بعد المجزرة المروّعة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في المستشفى المعمداني مساء الثلاثاء 17 أكتوبر 2023، والتي هزت صورها العالم بأكمله.
وبعدما كان هناك اصطفاف غربي بالكامل مع الاحتلال الإسرائيلي، أعطى الضوء الأخضر لها في شن حرب مدمرة على غزة بهدف "استئصال المقاومة" على مدار الأيام الماضية، تغيرت نبرة الخطاب الأمريكي والأوروبي بعد المجزرة التي لم يكن يتخيلها أحد، وبدأت خطابات الإدانة والدعوات لفتح ممرات إنسانية أو حتى وقف تصاعد الحرب.
وتدرك إسرائيل أن التفاعل الكبير حول العالم مع صور مجزرة المستشفى بدأت تأخذ منحى مختلفاً عن حالة التضامن الغربي مع الاحتلال الإسرائيلي بعد هجوم السابع من أكتوبر، لذلك يحاول الاحتلال اليوم قلب الحقائق وتزييفها.
إدانات واسعة.. الخطاب الغربي يتراجع بعد مجزرة المستشفى المعمداني في غزة
الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تعتبر دولته الراعي الأول والأكبر لإسرائيل ومنذ اليوم الأول للمعركة لا تنفك عن تقديم الدعم الدبلوماسي والمالي والعسكري لتل أبيب وتحريك البوارج على شواطئها، أبدى "غضبه وحزنه العميق بسبب الانفجار في المستشفى الأهلي في غزة". وقدّم الرئيس الأمريكي "أحر التعازي بالأرواح البريئة التي فُقدت في الانفجار في مستشفى في غزة"، متمنياً "الشفاء العاجل للجرحى"، بحسب ما أعلن البيت الأبيض الثلاثاء.
لكن بايدن بعد زيارته لتل أبيب ولقائه بنتنياهو، عاد وأعلن تبنيه للرواية الإسرائيلية دون حتى التحقق مما حدث. وقال بايدن: "شعرت بحزن عميق وغضب شديد بسبب القصف الذي وقع في المستشفى في غزة أمس. بناء على ما رأيته يبدو أن ذلك جرى من قبل الطرف الثاني، على حد تعبيره.
من جهتها، قالت وزارة الدفاع (البنتاغون) إنها "تمنح إسرائيل أنظمة أمنية للقضاء على حماس، لكن هذا لا يعني قتل المدنيين الأبرياء".
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فكتب يوم الأربعاء على منصة إكس للتواصل الاجتماعي أن فرنسا تندد بالهجوم على المستشفى الأهلي العربي في غزة.
وقال ماكرون، الذي كان قد أعلن دعم بلاده التام لإسرائيل في حربها ضد "الإرهاب": "تندد فرنسا بالهجوم على المستشفى الأهلي العربي في غزة، والذي راح ضحيته الكثير من الضحايا الفلسطينيين. قلوبنا معهم. ويتعين كشف الملابسات". مضيفاً في الوقت نفسه: "يتعين إعادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون تأخير".
من جهتها، قالت الخارجية البريطانية إنها تراقب التقارير التي تتحدث عن "غارة واضحة للعيان" استهدفت مستشفى في غزة. ويرى وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، حسب ما ذكر على حسابه عبر منصة "إكس"، أن قصف المستشفى الأهلي في غزة، يعني "خسارة فادحة في الأرواح البشرية". وأضاف كليفرلي أن "حماية حياة المدنيين يجب أن تأتي أولاً". وشدد على أن "بلاده ستعمل مع حلفائها لمعرفة ما حدث وحماية المدنيين الأبرياء في غزة"، حسب تعبيره.
أما رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، فأكد أن الأخبار الواردة عن قصف إسرائيل للمستشفى المعمداني كارثية، وقال إنه "أمر فظيع وغير مقبول".
رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل قال، في مؤتمر صحفي، إن قصف إسرائيل لمستشفى في غزة و"الحصار الشامل" للقطاع الفلسطيني "لا يتماشى مع القانون الدولي".
في حين كتب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، على حسابه عبر منصة "إكس"، إن الهجوم على مستشفى غزة هو "مأساة تتكشف أمام أعيننا". وأضاف بوريل: "مرة أخرى، يدفع المدنيون الأبرياء الثمن الباهظ". وشدد المسؤول الأوروبي على أنه "يجب تحديد المسؤولية عن هذه الجريمة بوضوح ومحاسبة مرتكبيها"، حسب تعبيره.
من جهتها، أدانت الأمانة للأمم المتحدة بشدة الهجوم على المستشفى المعمداني ودعت إلى إنهاء الهجمات على المدنيين والمنشآت الصحية.
كما قال الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش: إنني مصدوم من مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين في ضربة على مستشفى في غزة، وهو ما أستنكره وأدينه بشدة، وقلبي مع عائلات الضحايا في غزة.
أما منظمة الصحة العالمية فأدانت بشدة الهجوم على المستشفى المعمداني بغزة الذي أودى بحياة المئات، وقالت إنه "غير مسبوق في نطاقه"، ونددت بالهجوم.
وقال ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الضفة الغربية وقطاع غزة "هذا الهجوم غير مسبوق من حيث النطاق.. نشاهد هجمات متواصلة على الرعاية الصحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أدانت بشدة الهجوم على المستشفى المعمداني في غزة، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار. وندد المفوض الأعلى للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك بالقصف "المرفوض تماماً" الذي استهدف مساء الثلاثاء مستشفى في غزة.
وقال تورك في بيان "الكلام يعجز عن التعبير. هذه الليلة قُتل مئات الأشخاص بطريقة مروعة في الهجوم على المستشفى الأهلي العربي، بمن فيهم مرضى ومقدمو رعاية صحية وعائلات لجأت إلى المستشفى ومحيطه. مرة جديدة (يصاب) الأشخاص الأكثر ضعفاً. هذا أمر مرفوض تماماً".
تخبّط إسرائيلي بعد المجزرة ورواية غير مقنعة
بعد حالة الغضب العربي والعالمي على المجزرة المروعة في المستشفى المعمداني وانتفاض شوارع العواصم العربية ومهاجمة السفارات الإسرائيلية والصهيونية في أكثر من مكان، حاول الاحتلال الإسرائيلي التملّص من المسؤولية عن المجزرة وتحميل مسؤولية ذلك لحركة "الجهاد الإسلامي".
في البداية، تأخر الاحتلال في إنكار ما حدث، وحاول جيش الاحتلال إنكار مسؤوليته عن الهجوم، وترويج الرأي العام الإسرائيلي لأكاذيب حول وجود قادة حماس تحت المستشفى.
ولم ينفِ جيش الاحتلال القصف في البداية، ثمّ بعد 4 ساعات من الهجوم نفى قصف المستشفى، رغم أنه يعتبر قصف المستشفيات هدفاً مشروعاً له في حربه ضد غزة.
ونفت الجهاد الإسلامي صحة الرواية الإسرائيلية، قائلة إن تل أبيب تتنصل "من المسؤولية عن جريمة عبر فبركة الأكاذيب بشأن مجزرة المستشفى المعمداني"، مشيرة إلى أن الواقعة "خطيرة وتمهد لاستهداف مستشفيات أخرى"، وفق ما نقلته قناة الجزيرة.
وقالت الحركة الفلسطينية إن الاتهامات التي يروج لها الاحتلال باطلة، ولا أساس لها من الصحة، وإنها مثل باقي قوى المقاومة في غزة، لا تستخدم دور العبادة ولا المنشآت العامة، لا سيما المستشفيات، كمراكز عسكرية أو لتخزين الأسلحة أو إطلاق الصواريخ.
ومنذ بداية القصف عملت الماكينة الإعلامية الإسرائيلية بالكامل ومنصات التواصل على التحريض وتوجيه الرأي العام إلى وجود أهداف مشروعة تحت المستشفى ما يُبرّر استهدافها.
التضامن الشعبي الغربي مع الفلسطينيين يتصاعد ورواية الاحتلال تتراجع
لم ينتظر المحتجون الغاضبون في العديد من العواصم الغربية ليوم آخر حتى يخرجوا في مسيرات غاضبة باتجاه السفارات الإسرائيلية في عواصمهم ومراكز صنع القرار، حيث خرجت مظاهرات واسعة بعد مجزرة المستشفى على الفور في عدة ولايات أمريكية، وفي لندن وباريس وبرلين وأوتاوا وغيرها من المدن.
في حين شن ناشطون وصحفيون أمريكيون وأوروبيون غضبهم على وسائل الإعلام الغربية التي تحاول تزييف الحقائق وعدم الحديث عن مجزرة المستشفى التي خلفت أكثر من 500 شهيد فلسطيني ومئات الجرحى الآخرين.
ولا شك أن هذا الحراك كشف الغطاء عن عدم مهنية العديد من وسائل الإعلام الغربية، مثل هيئة البث البريطانية BBC، التي نشرت تقريراً قبيل الهجوم بساعات بعنوان: "هل تبني حماس الأنفاق أسفل المستشفيات والمدارس؟"، وهو ما اعتبره الكثيرون حول العالم ذريعة استغلها جيش الاحتلال لقصف المستشفى المعمداني، مرددين نفس الادعاءات التي وردت في التقرير.
وهاجم صحفيون وناشطون BBC بآلاف التغريدات، واتهموها بالكذب والتحريض وتزييف الحقائق وإعطاء ذريعة لإسرائيل كي تقصف المستشفيات في قطاع غزة. وبعد قصف المستشفى نشرت BBC تقريراً يتحدث عن "مقتل المئات في غزة بغارة جوية إسرائيلية".
من جهتها، أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول المباشر عن مجزرة المستشفى المعمداني بغزة، وأكاذيبه المفضوحة لن تنطلي على أحد.
وقالت حماس، في بيان صحفي اليوم الأربعاء، إن الاحتلال يحاول عبثاً التنصل من ارتكابه مجزرة مستشفى المعمداني، بتقديم رواية كاذبة وتسويقها عبر دعاية (بروباغندا) مفضوحة.
وأضافت الحركة أن الاحتلال الفاشي هو الذي هدد المستشفى المعمداني بالقصف مع 22 مستشفى ومركزاً طبياً آخر، بمن فيهم الأطقم الطبية والمرضى والجرحى، وقصفوا 23 سيارة إسعاف، وقتلوا حوالي 25 طبيباً مع عائلاتهم.
وأوضحت أن الاحتلال قتل حوالي 3 آلاف مدني فلسطيني، 70% منهم أطفال ونساء، كما دمر أحياء سكنية كاملة و120 ألف وحدة سكنية على رؤوس قاطنيها حتى اللحظة.