ألمانيا، التي كانت مترددة في إرسال أي أسلحة إلى أوكرانيا في بداية الحرب، أصبحت من أهم مزوّدي كييف بالأسلحة، فما أبرز ما تقدمه برلين؟ ولماذا سلاح من أسلحتها قد يتسبب في حرب عالمية بين روسيا والناتو؟
كانت الحرب في أوكرانيا قد أحدثت تغييرات جذرية في ألمانيا، ولا يتعلق الأمر فقط بالجيش ومضاعفة الإنفاق العسكري، بل هناك تحولات جعلت كما لو أن البلاد أصبحت بلداً آخر، وذلك بعد أن تولت الحكومة الائتلافية برئاسة أولاف شولتز المسؤولية خلفاً للمستشارة التاريخية أنجيلا ميركل، التي حكمت البلاد بصورة شبه مطلقة لمدة 16 عاماً متتالية.
وكان تقرير لصحيفة The Times البريطانية قد رصد التحولات الكبيرة في ألمانيا، التي أحدثها الهجوم الروسي على أوكرانيا، والذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرَّر"، حيث وافق شولتز والحزب الاشتراكي الديمقراطي على شحن أسلحة ثقيلة إلى منطقة صراع، وإحياء مساهمة ألمانيا في الردع النووي الأمريكي ومعاملة الرئيس فلاديمير بوتين بشكل انتقامي باعتباره منبوذاً.
بعد التردد، جاءت الأسلحة الألمانية!
لم يكن سهلاً بالنسبة للحكومة الألمانية اتخاذ قرار إرسال أسلحة ثقيلة مثل الدبابات والمدافع إلى أوكرانيا، لكن الضغوط الأمريكية والأوكرانية آتت أكلها، فقررت برلين في نهاية أبريل/نيسان 2022، دعم كييف بأسلحة ثقيلة، وصارت واحدة من أهم مزوّدي أوكرانيا بالأسلحة.
والآن أصبحت ألمانيا تدعم القوات الأوكرانية بذخيرة وأسلحة متنوعة خفيفة وثقيلة كالمدرعات والمدافع. ومن أبرز هذه الأسلحة دبابات غيبارد، حيث أرسلت برلين 46 دبابة منها، وهي دبابة مضادة للطائرات، مزوّدة بمدفعين عيار 35 ملم. ويمكن استخدامها ضد المقاتلات والطائرات المروحية حتى ارتفاع 3500 متر، كما يمكن استخدامها ضد العربات المدرعة أيضاً. لكنها لا تستطيع مقاومة ومجاراة الدبابات التقليدية، نظراً لصغر عيار مدفعها (35 ملم)، لكنها تستطيع قطع مسافة تصل إلى 550 كيلومتراً وتجاوز الحواجز المائية دون الحاجة لمعدات إضافية.
وهذه المدرعة مهمة بالنسبة لأوكرانيا، حيث يمكن استخدامها ضد المروحيات الروسية المصفحة أيضاً مثل ميل مي24/ "Mil Mi24 "Hind. وقد دخلت غيبارد الخدمة عام 1976 وكانت لسنوات طويلة سلاحاً أساسياً للدفاع الجوي لدى الجيش الألماني، وكذلك لدى الجيشين الهولندي والبلجيكي. وقد تم تنسيق هذه الدبابة قبل عشرين عاماً، وفي ألمانيا كانت تستخدم حتى 2012، فقط رومانيا هي الدولة الوحيدة في حلف الناتو التي ما زال جيشها يستخدم دبابة غيبارد.
والنسخ الألمانية من غيبارد يجب إعدادها وتهيئتها للاستخدام، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية، كما يمكن أن تظهر مشكلة أخرى لدى استخدامها في أوكرانيا، حيث إن نظامها الإلكتروني المعقد ونظامي النيران والرادار، قد يتطلب مهارات عالية من طاقم الدبابة. وحسب خبير شؤون الدفاع في الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) يوهان فاديبول، يتطلب التدريب على استخدام غيبارد 6 أشهر، لذا فهو يدعو إلى استبدالها بدبابات ليوبارد 1 أو مركبات المشاة المصفحة ماردر.
عربة المشاة المصفحة ماردر
حصلت أوكرانيا على 40 من عربات المشاة القتالية المصفحة ماردر، وهي مخصصة لنقل جنود المشاة وحمايتهم من نيران العدو، وإطلاق النار في نفس الوقت، ومن هنا فهي تعتبر سلاحاً متعدد الاستخدام، وتتسع لـ 6 إلى 7 جنود، ومزوّدة بمدفع آلي عيار 20 ملم، ويمكن تزويدها بصواريخ موجهة من طراز ميلان، كما يمكن استخدامها ضد أهداف برية وجوية.
ولديها نظام تهوية للحماية من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية، وتستطيع عبور المياه حتى عمق مترين بفضل نظام غوص هيدروليكي. ورغم هذه المزايا، فإن ماردر سلاح قديم نسبياً، حيث دخل الخدمة عام 1971، ويقوم الجيش الألماني بتنسيقها تدريجياً والاستعاضة عنها بعربة بوما الأحدث. لكن جيوشاً أخرى لا تزال تستخدم عربة المشاة المصفحة ماردر، التي أثبتت جدارتها وفعاليتها في حرب كوسوفو وفي أفغانستان.
مدفعية هاوبتزر 2000
تُعد هاوبتزر 2000 مدفعية مصفحة ذاتية الدفع عيار 155 ملم، سعة مخزنها 60 طلقة وتستطيع إطلاق 3 طلقات خلال 10 ثوان. كما أنها قادرة على تدمير الهدف على مسافة تتراوح بين 30 و56 كيلومتراً. بدأ إنتاج هذه المدفعية وتسليمها للجيش الألماني عام 1998، ولا تزال في الخدمة، حيث يتم تطويرها وتحديثها باستمرار.
وعلى عكس الدبابات العادية، هاوبتزر 2000 تطلق النار من وضعية الثبات فقط، وتصل سرعتها القصوى إلى 60 كيلومتر في الساعة وتستطيع عبور العوائق المائية حتى عمق 1,5 متر. ويمتلك الجيش الألماني 100 مدفع هاوبتزر 2000، ولكن حسب وزيرة الدفاع السابقة كريستينا لامبريشت، 40 منها فقط جاهزة للاستخدام، وقد أرسلت برلين 14 منها إلى أوكرانيا بعد الأشهر الأولى من بداية الحرب.
دبابات ليوبارد
تسلمت أوكرانيا 20 دبابة من طراز ليوبارد 1A5، ومن المقرر إرسال 100 دبابة من هذا الطراز إليها. وتساهم الدنمارك مع ألمانيا في هذا الدعم، كما تشارك مع ألمانيا في تدريب الجنود الأوكرانيين على استخدام هذه الدبابة، رغم أن الجيش الألماني توقف عن استخدام هذا النوع من الدبابات منذ عام 2003.
وليوبارد 1A5 هي أول دبابة تم تصنيعها في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تم إنتاج 4700 قطعة منها بين عامي 1964 و1984 وتصديرها إلى الكثير من الدول التي لا تزال تستخدمها بعد تحديثات وتعديلات عديدة. والتي سيتم إرسالها إلى أوكرانيا هي من مخزون الشركة المصنعة وقد تم تحديثها بما يتناسب مع استخدامها ضد الهجوم الروسي.
كما تسلمت أوكرانيا من ألمانيا 18 دبابة من طراز ليوبارد2، وهي توصف بأنها تحفة صناعة الأسلحة الألمانية، ويتم انتاجها منذ عام 1978، وقد تم تطويرها وتحديثها عدة مرات منذ ذلك الحين، وسيظل الجيش الألماني يستخدمها حتى عام 2030. وهي من إنتاج شركة كراوس مافاي فيغمان، وتُعد واحدة من أكثر الأسلحة الألمانية رواجاً في العالم، ولذلك هناك نسخ وموديلات مختلفة منها، لتناسب حاجة ورغبات كل زبون. كما يتم إنتاجها في دول أخرى بترخيص من ألمانيا. كذلك النسخة السابقة من هذه الدبابة ليوبارد 1، تم تصدير الكثير منها ولا تزال في الخدمة لدى العديد من جيوش العالم.
وتستخدم دبابة ليوبارد 2 ضد تشكيلات العدو المدرعة. وهي مزوّدة بمدفع عيار 120 ملم، ويمكنها الرمي وهي تتحرك وإصابة أهداف متحركة وثابتة. وحتى على الأرض غير المستوية، يبقى المدفع موجها نحو الهدف. ويمكنها عبور مياه حتى عمق 4 أمتار لدى تزويدها بالمعدات اللازمة لذلك. ويمكن أن تؤمن الحماية من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية لطاقهما مدة 48 ساعة. وبمحرك قوته 1500 حصان وسرعتها التي تتجاوز 60 كيلومتراً في الساعة ووزنها الذي يبلغ أكثر من 60 طناً تعتبر عربة ثقيلة جداً ومشكلة بالنسبة للجسور.
راجمات الصواريخ مارس2 وآيريس
تسلمت أوكرانيا حتى الآن 5 راجمات صواريخ متحركة من طراز من طراز مارس2 من مخزون الجيش الألماني، وأرسلت برلين مع الراجمات مئات الصواريخ التي يصل مداها إلى 80 كيلو مترا. وقد تولت الولايات المتحدة، المصنعة لهذه الراجمات، تدريب الجنود الأوكرانيين على استخدامها. وبدأ استخدام هذه الراجمات في ثمانينيات القرن الماضي، وتم تحديثها منذ ذلك الحين عدة مرات، وخاصة فيما يتعلق بمداها ودقتها في إصابة الهدف.
كما حصلت أوكرانيا على قطعتين من نظام الدفاع الجوي آيريس، والذي يستخدم للتصدي للصواريخ العادية وصواريخ كروز والمسيرات والطائرات والمروحيات، ويصل مداها إلى ارتفاع 20 كيلومتراً ومسافة 40 كيلومتراً. علماً أن الجيش الألماني ليس لديه هذا النوع من أنظمة الدفاع الجوي التي يصل ثمن القطعة منها إلى 145 مليون يورو، وهو أحد أحدث الأنظمة المتوفرة في سوق الأسلحة العالمية.
صواريخ ستينغر: صاروخ أرض جو محمول على الكتف موجّه بالأشعة تحت الحمراء، يتم إنتاجه في الولايات المتحدة منذ عام 1980، ولكنه ينتج في دول أوروبية أيضاً بينها ألمانيا. بعد إطلاق الصاروخ على طائرة مقاتلة أو مروحية، يتبع الصاروخ بنفسه الهدف على بعد يصل إلى 4000 متر.
وتُعد صواريخ ستينغر سلاحاً فعالاً جداً وسهل الاستخدام. وأثناء الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، استطاع المقاتلون الأفغان الذين كانت تدعمهم الولايات المتحدة، إسقاط العديد من المقاتلات والمروحيات السوفييتية بهذا الصاروخ. وإلى جانب الولايات المتحدة وهولندا ولاتفيا، أرسلت ألمانيا أيضاً 500 صاروخ ستينغر إلى أوكرانيا.
وهناك أيضاً صواريخ مضادة للدروع والتحصينات، منها صواريخ 3 المحمولة على الكتف المضادة للدروع تستخدمها الكثير من الجيوش كما الجيش الألماني منذ عام 1992، وهي من إنتاج شركة ديناميت نوبل الألمانية. ويتم إطلاقها على أهداف ثابتة حتى مسافة 400 متر وعلى أهداف متحركة حتى 300 متر. وتستطيع اختراق المدرعات المصفحة حتى سماكة 300 مم، كما يمكن تزويد نفس القاذف بصواريخ أخرى مضادة للتحصينات وتستطيع اختراق البيتون المسلح حتى سماكة 240 مم. وحسب مصادر الحكومة الألمانية تم إرسال آلاف من هذه الصواريخ إلى أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي.
أنواع أخرى من الدبابات
أرسلت ألمانيا أيضاً 10 دبابات تجسير و17 دبابة جر إلى أوكرانيا حتى الآن، وتستطيع دبابة بيبر أن تمد خلال دقائق قليلة جسرا بعرض 4 أمتار وطول 22 متراً لتجاوز حاجز مائي بعرض 20 متراً، ويستطيع هذا الجسر تحمل وزن حتى 55 طناً. لكن من الصعب لدبابة ليوبارد 2 عبور هذا الجسر، حيث يبلغ وزنها 60 طناً. لهذا يسعى الجيش الألماني إلى استبدال هذه الدبابة بطراز "ليغوان"، التي تستطيع مد جسر يتحمل وزناً حتى 70 طناً. أما دبابات الجر فهي مخصصة لجر وقطر الدبابات والآليات الثقيلة المدمرة أو المعطوبة.
ومع مرور الوقت، دون أن تلوح في الأفق نهاية وشيكة للصراع، أصبحت المسيرات أكثر أهمية واستخداماً في حرب أوكرانيا، حيث يستخدم الطرفان مسيّرات قتالية. أما ألمانيا فترسل إلى أوكرانيا مسيّرات استطلاع، حيث أرسيت حتى الآن 104 مسيّرات من طراز فيكتور. ومسيّرة الاستطلاع هذه ذات أجنحة ثابتة يصل طولها إلى ثلاثة أمتار وجسمها مصنوع من البلاستيك المقوى بألياف الكربون. وتستطيع الطيران في الجو لمدة ساعتين وتصوير مساحة تصل 700 هكتار.
لماذا تخشى ألمانيا إرسال "تاوروس"؟
تمتلك ألمانيا نظاماً صاروخياً قد يمثل نقلة كبرى لصالح القوات الأوكرانية، وهو نظام صواريخ تاوروس الموجهة، حيث يتميز صاروخ تاوروس بأنه يطير على ارتفاع منخفض، ما يجعل كشفه صعباً من قبل رادارات العدو، إذ يطير على ارتفاع 35 متراً فقط بعد إطلاقه من الطائرة حتى يصل إلى هدفه المحدد على الأرض مثل الملاجئ والتحصينات ذات القيمة العالية. ويستطيع هذا الصاروخ الموجه اختراق عدة طبقات من الجدران الخرسانية المسلحة، ويصل ثمن الصاروخ الواحد إلى نحو مليون يورو.
وتبذل كييف ضغوطاً مكثفة لإقناع برلين بتزويدها بصواريخ تاوروس، التي يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة في ضرب التحصينات الروسية على امتداد خط المواجهة البالغ أكثر من 1200 كلم. لكن صاروخ تاوروس يصل مداه إلى 500 كيلومتر، أي إنه يمكنه أن يصل إلى أهداف خلف جبهات القتال وداخل الأراضي الروسية نفسها.
وبالتالي، فإن سقوط صاروخ تاوروس داخل الأراضي الروسية ستعتبره موسكو هجوماً من جانب حلف الناتو، بحسب تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين وباقي قيادات الكرملين، مما يعني خروج المواجهة عن نطاقها المحدد بين موسكو وكييف وتحولها إلى "حرب عالمية".
وبالتالي إذا وافقت ألمانيا على تزويد أوكرانيا بهذا الصاروخ، فيمكن أن تدخل عليه بعض التعديلات التقنية للحد من مداه، لتجنب التصعيد مع روسيا. علاوة على ذلك يجب تعديل هذا الصاروخ المخصص لاستخدامه من قبل طائرات الناتو من طراز تورنادو ويورو فايتر، ليناسب الطائرات الأوكرانية وتستطيع استخدامه، فهل تفعلها ألمانيا وترسل تاوروس إلى أوكرانيا؟