سلطت منظمة "غلوبال ويتنس" (Global Witness) الدولية لمكافحة الفساد، (مقرها المملكة المتحدة) الضوء في تقرير حديث على تصاعد مثير للقلق في أعمال العنف التي تستهدف الأشخاص الذين يكرسون أنفسهم لحماية كوكب الأرض، وتوصلت الإحصاءات إلى نتيجة مفادها أن كولومبيا تعد "أخطر دولة على حماة البيئة"، ذلك نظراً لعدد جرائم القتل التي تستهدف هؤلاء الناشطين في البلاد والتي تعد الأعلى بالعالم.
"تعلمت التعايش مع الموت رفيقاً دائماً"
قبل 14 عاماً، شرع فيليبي هيناو البالغ من العمر آنذاك 28 عاماً، في حملة ضد قطع أشجار الغابات؛ دعماً لتربية الماشية على نطاق واسع في مسقط رأسه غوافياري، الواقعة في غابات الأمازون الكولومبية بأمريكا الجنوبية.
بسبب نشاطه البيئي عانى هيناو -المعروف بـ "Pipe Q-ida" على وسائل التواصل الاجتماعي- الاختطاف والتهديد والابتزاز والتهجير، حيث يقول في مقابلة مع وكالة الأناضول: "نشأت في منطقة يسودها العنف، وتعلمت التعايش مع الموت رفيقاً دائماً".
تقول الأناضول إن الإحصائيات المتعلقة بهذه المشكلة صادمة، ففي كولومبيا تضاعف عدد الناشطين البيئيين الذين قُتلوا في عام واحد، وفق تقرير "غلوبال ويتنس" الذي وثّق 60 عملية اغتيال في 2022، أي بمعدل أكثر من جريمة قتل واحدة أسبوعياً.
هذا الرقم يعادل تقريباً ضعف ما كان عليه في 2021، حيث بلغ عدد من فقدوا حياتهم بسبب نشاطهم المدافع عن قضايا البيئة 33 شخصاً في كولومبيا.
ومنذ 2012، وقع أكثر من 320 مدافعاً ضحية للعنف في كولومبيا، ويعدّ وضع قادة المدافعين عن البيئة في العديد من بلدان المنطقة مأساوياً أيضاً. فقد شهدت أمريكا اللاتينية في هذا الصدد وضعاً مقلقاً عام 2022، حيث استُهدف الناشطون البيئيون بنحو 90% من جرائم القتل.
البرازيل في المرتبة الثانية بعد كولومبيا بالجرائم ضد نشطاء البيئة
بعد كولومبيا، تحتل البرازيل المرتبة الثانية بعدد جرائم القتل الموجهة لتصفية الناشطين البيئيين بواقع 34 جريمة قتل، تليها المكسيك بـ31.
خبيرة البيئة ماريا باولا كويسينو، قالت إن تلك التهديدات تعود إلى جنوح الشركات للاستمرار في أساليبها المستخدمة في الصناعات مثل النفط والتعدين والزراعة، إضافة إلى الاتجار بالمخدرات.
وقالت كويسينو للأناضول: "يجد القادة البيئيون أنفسهم مهمشين، بينما يتزايد الاستيلاء على الأراضي لإقامة مشاريع صناعية، مقابل تهجير السكان المحليين وتجريدهم من ملكياتهم، ومن يحاولون الدفاع عن أراضيهم يواجهون تهديدات، أو في كثير من الحالات، الموت".
وفي 2019، أقرَّت الأمم المتحدة رسمياً بدور الناشطين البيئيين في حماية كوكب الأرض، علماً أنه أظهرت دراسة أن نشاطاتهم ساهمت في وقف مشاريع مدمرة للبيئة في 11% من الصراعات حول قضايا في هذا المجال.
وأضافت كويسينو: "أصبح الإسكات والعنف ضد الناشطين البيئيين في كولومبيا، أمراً طبيعياً بشكل مأساوي، كما أصبح اغتيال واختفاء المدافعين عن البيئة أمراً عادياً أيضاً".
سنوات من التحديات
نزح هيناو مع عائلته في سن مبكرة من بلدية كالامار في غوافياري، بسبب مقاتلي القوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك"، الذين استولوا بالقوة على أرضهم. وفي 2009، قررت عائلته العودة، حيث أسس أول إذاعة (راديو) في المنطقة.
وفي 2011، أطلق هيناو "تيليكالامار، Telecalamar"، وهي قناة تلفزيونية مخصصة لقضايا الحفاظ على البيئة وتعزيز الوعي البيئي، وتوجيه الرسائل الاجتماعية، لكنها كانت بمثابة بداية مشاكل هيناو.
وفي 2016، هددته عصابات إجرامية، لدرجة أنها أجبرته على التوقف عن نشاطه في الدفاع عن البيئة. وأمره أعضاء قوات "فارك" بإغلاق قناته التلفزيونية، ما دفعه للجوء إلى استخدام منصة يوتيوب لنشر فيديوهاته، ليصبح "يوتيوبر" بيئياً. يقول هيناو: "أجبروني على إغلاق الإذاعة والقناة التلفزيونية، لكنهم لم يستطيعوا إسكاتي على وسائل التواصل الاجتماعي".
ولتجنب خطر العصابات، انتقل هيناو إلى سان خوسيه ديل غوافياري، وهي مدينة أكبر وأكثر أماناً، حيث يعيش الآن تحت حماية حارسين شخصيين، ويرتدي سترة واقية من الرصاص.
وفيما قيّد المتمردون تحركاته داخل جزء من غوافياري، وهي منطقة مهملة لطالما سيطرت عليها عصابات المخدرات، يرفض هيناو السكوت على الرغم من التهديدات المستمرة التي يتلقاها. يقول: "لن أسكت، إنها حقيقة محزنة في بلد تلقينا فيه وعوداً بالحماية".
تغيير سياسي يعطي بعض الأمل
في 2022، حلّ الرئيس اليساري غوستافو بيترو، خلفاً لإيفان دوكي الذي تعرّض لانتقادات شديدة بسبب تقاعسه عن معالجة التهديدات التي يتعرض لها الناشطون البيئيون.
ولأول مرة في تاريخ البلاد، تضمّن جدول أعمال بترو السياسي "الحاجة إلى حماية الناشطين البيئيين"، ووضع القضايا البيئية في المقدمة. ومع ذلك، يقول هيناو إنه "لم يتغير الكثير في ظل هذه الحكومة الجديدة".
وأضاف: "أشعر أن هذه الحكومة قدمت لنا مساعدة أقلّ حتى من إدارة دوكي"،
وتابع: "من المثير للسخرية أنه رغم كون هدف الناشطين في مجال البيئة مصلحة الجميع، فإن كثيرين يرغبون في القضاء علينا".
لكن كيسينو ترى أن سنة واحدة لا تكفي كي تتمكن الحكومة من "إظهار" المشكلة التي ظلت مُغيّبة لفترة طويلة، وتؤكد أنه في ظل الحكومة الجديدة، بُذلت جهود للتعامل مع المناطق المهمّشة في البلاد، حيث يعاني المدافعون عن حقوق الإنسان والبيئة عواقب وخيمة بسبب رفع أصواتهم.
وتشهد كولومبيا منذ أكثر من 50 عاماً نزاعاً مسلحاً، بين الدولة ومجموعات مختلفة من الميليشيات اليسارية والقوات شبه العسكرية اليمينية وتجار المخدرات.