سجل رئيس النظام السوري بشار الأسد انتصاراً رمزياً -على أقل تقدير- بعد رحلته الأخيرة للصين، لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانت دمشق قادرة على تحقيق إنجازات أخرى مماثلة بدعم صيني. وبدا أنَّ الرئيس الصيني شي جين بينغ بذل قصارى جهده لتصوير الأسد على أنه "حليف موثوق ومُرحَّب به" خلال رحلته التي استمرت أسبوعاً، وأدى الإعلان المفاجئ عن "شراكة استراتيجية" إلى زيادة التوقعات بتوثيق العلاقات، كما تقول تقارير غربية.
هل ستُخرِج الصين سوريا من العزلة؟
يقول موقع Middle East Eye البريطاني إن دمشق لعبت دور "الضيف المهذب" في مدينة هانغتشو- موطن دورة الألعاب الآسيوية التي حضرها الأسد وزوجته أسماء- في حين أغدق شي بالثناء على نظيره السوري.
وقال شي: "أحيّي صمودكم، لقد دافعتم عن بلدكم بشجاعة، نحن في الصين نتابع عن كثب كل ما يحدث في سوريا، ونحن معكم". وأضاف: "تدعم الصين معارضة سوريا للتدخل الأجنبي والبلطجة الأحادية الجانب… وستدعم إعادة إعمار سوريا"، حسب تعبيره.
وفي رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة، قال شي جين بينغ: "تحث الصين جميع الدول المعنية على رفع العقوبات الأحادية غير القانونية المفروضة على سوريا على الفور"، قبل انعقاد قمة مشتركة تحدد تشكيل "الشراكة الاستراتيجية".
ومن الواضح أنَّ واشنطن كانت تنتبه لذلك، كما يقول الموقع البريطاني؛ إذ ردّ السيناتور مايكل ماكول: "أدين بشدة زيارة الأسد للصين؛ فاستعداد الصين للترحيب بمجرم حرب وحشي كهذا يسلط الضوء على التهديد الذي تُشكِّله الصين وأصدقاؤها في روسيا وإيران وسوريا".
ولم تتوقف الرمزية عند هذا الحد، حيث شوهدت أسماء الأسد وهي ترتدي رداء دمشقياً حريرياً مزركشاً، في إشارة إلى أنَّ دولتي سوريا والصين لديهما تاريخ مشترك على طريق الحرير. إضافة إلى ذلك، سيعتبر المسؤولون السوريون صور مسؤولين صينيين وهم يهرعون لتحية عائلة الأسد في معبد خانجو "انتصاراً للعلاقات العامة".
لا إجراءات ملموسة من زيارة الأسد للصين
يقول المحلل كميل أوتراكجي لموقع Middle East Eye إنَّ توقيت الزيارة كان له معنى سياسي كبير لعدة أسباب. وأضاف: "لقد راقب مؤيدو الأسد ومعارضوه تطورات الزيارة عن كثب، وفي نهاية المطاف يمكن للجانبين التأكيد على أنها تلبي توقعاتهم وتفضيلاتهم".
وتابع أوتراكجي: "من ناحية، وقّع الجانبان العديد من الاتفاقيات، بما في ذلك الاتفاق الاستراتيجي، لكن من ناحية أخرى لم تكُن هناك إجراءات ملموسة يمكن ترجمتها إلى تحوّل ملموس في الوضع السوري".
وفي حين تُوصَف الصين بأنها داعم اقتصادي محتمل رئيسي لسوريا، فإنَّ أية مساعدة فعلية ستواجه صعوبات وتعقيدات.
وأضاف أوتراكجي: "في هذه المرحلة، من غير المرجح أن تكون الحكومة الصينية مستعدة للذهاب إلى أبعد من ذلك، ومواجهة الأمريكيين وإطارهم المعقد للعقوبات على سوريا. الوقت وحده هو الذي سيكشف ما إذا كانت هذه الزيارة ستحفز رابطة أعمق بكثير في العلاقات الصينية السورية في المستقبل.
"بصيص أمل" لاقتصاد سوريا المتعثر
كانت أولوية الأسد في الصين اقتصادية على الأرجح، فعلى مدى عقد من الحرب تركت العقوبات الغربية الخانقة والأزمة الاقتصادية في لبنان المجاور الاقتصاد السوري في حالة يُرثَى لها.
وتأمل دمشق، منذ فترة طويلة، أن تتمكن الصين من دفع عملية إعادة الإعمار وتوفير الاستثمار الخارجي، رغم التزام الجانب الصيني الحذر، لأنَّ الأمن والعقوبات لا يزالان يمثلان مشكلة بالنسبة له.
ومع ذلك، أعرب ألكسندر لانغلوا، محلل شؤون الشرق الأوسط، لموقع Middle East Eye، عن اعتقاده أنَّ رحلة الأسد قد تكون ذات أهمية.
وقال: "رغم أنَّ دمشق شهدت تطورات دبلوماسية إقليمية كبيرة، فإنها لم تتلقَّ مساعدة اقتصادية كبيرة بعد عودتها إلى الجامعة العربية في مايو/أيار".
ويرجّح لانغلوا "أنَّ الأسد كان يأمل في الحصول على أموال إعادة الإعمار من الخليج، لكن ذلك لم يتحقق أبداً، ربما بسبب عدم اهتمامه بالإعلان عن أية تنازلات جادة أو محددة".
وأضاف لانغلوا: "تقع الرحلة إلى الصين ضمن هذا السياق، وتُمثل لحظة مهمة لدمشق لحشد الدعم الاقتصادي. إنَّ التجارة بين الصين وسوريا ليست كبيرة، لكننا رأينا شركات ومستثمرين صينيين أصغر حجماً على استعداد لتحمل مخاطر العقوبات والصراع، ينخرطون في تحركات تجارية في سوريا في السنوات الأخيرة".
دمشق ومبادرة الحزام والطريق
انضمت سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية في عام 2022، وخلال رحلة الأسد تحدثت مساعدته لونا الشبل عن آفاق الشراكة. وقالت الشبل: "سوريا تشكل جزءاً أساسياً من الرؤية الصينية للاستقرار في العالم، باعتبار أنَّ الصين أنشأت شكلاً جديداً في السياسة العالمية".
ومع ذلك، فإنَّ المحنة الاقتصادية في سوريا تتطلب تواصلاً أكبر من أي وقت مضى، إذ يعيش أكثر من 90% من السكان الآن تحت خط الفقر العالمي، وتضطر الحكومة إلى إجراء سلسلة من التخفيضات الصعبة التي لا تحظى بشعبية.
في الوقت نفسه، لم تشهد دمشق بعد أية استثمارات أو أعمال بناء صينية كبيرة منذ انضمامها إلى مبادرة الحزام والطريق. وقد تدهور سعر صرف العملة السورية إلى درجة أنَّ الضروريات الأساسية صارت نادرة. وبحسب نقيب الصيادلة السوريين في دمشق، حسن ديروان، قررت الحكومة زيادة أسعار الأدوية بنسبة 50%.
وقد طال انتظار زيارة الدولة إلى الصين بالتأكيد، وتُظهِر الرسائل والمظاهر التي تنعكس من هذه الزيارة اهتماماً بتنمية علاقات قوية، بعيداً عن روسيا وإيران، اللتين يمكن أن تكونا غير موثوقتين في بعض الأحيان وتفتقران إلى المبادرة الاقتصادية لمساعدة سوريا، كما يقول موقع MEE.
مع ذلك، فإنَّ الأولوية الرئيسية لسوريا هي الأموال. وإذا كانت أعين دمشق مُسلَّطة على بكين بشوق على أمل أن تأتي المساعدة، فإنَّ الصين سوف تحتاج بلا شك إلى عائد ملموس وكبير. وربما "الشراكة الاستراتيجية" ليست سوى البداية.