"هواوي قد ماتت"، هذا ما كان يعتقده المسؤولون الأمريكيون منذ أن فُرضت على الشركة الصينية العملاقة عقوبات أمريكية مشددة عام 2019.. ولكنهم صدموا بإعلان الشركة عن هاتفها الجديد هواوي مات 60 برو، Mate 60 Pro، والذي يعتقد أنه قادر على الاتصال بتكنولوجيا الجيل الخامس وأنه ينافس هواتف آيفون بما يمثل خطراً على الشركة الأمريكية، التي تمثل أكبر شركة خاصة في العالم.
ومما يزيد الطين بلة أن الإعلان الصادم جرى بينما كانت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو تزور الصين، وعقب الإعلان، أفادت بأن بكين أصدرت توجيهاً شبه رسمي بمنع الموظفين من استخدام هواتف آيفون داخل مؤسسات الحكومة والشركات التابعة لها.
كأن الصين توجه ضربة مزدوجة لأمريكا بسبب ثأر متأخر ولكنه وافٍ من الحظر الذي فرض على هواوي عام 2019 من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي استكمله الرئيس الحالي جو بايدن بسلسلة من القيود على شركات التكنولوجيا الصينية.
وعلى الرغم من العقوبات الأمريكية التي سعت إلى عزل عملاق التكنولوجيا الصيني عن تقنية أمريكا وحلفائها، يحتوي أحدث هاتف ذكي من هواوي، Mate 60 Pro، على شريحة يبدو أنها تدعم شبكة الجيل الخامس 5G.
وأثارت الشريحة، التي صنعتها شركة SMIC الصينية لأشباه الموصلات (المعاقبة أمريكياً)، مخاوف وتساؤلات في واشنطن حول كيفية حدوث ذلك، وهل تم نتيجة خرق العقوبات الأمريكية أم أن الصين صنعتها بنفسها، وكلا الخيارين مر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
ووصفت هيئة الإذاعة الصينية الرسمية CGTN، في منشور على موقع X، المعروف سابقاً باسم Twitter، الهاتف بأنه "أول معالج متطور" من هواوي منذ فرض العقوبات الأمريكية، وقالت إن الشريحة التي يحتوي عليها من صنع شركة Semiconductor Manufacturing International Corp (الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات) الصينية المملوكة جزئياً من قبل الحكومة الصينية.
ومن الممكن أن تشكل شركة هواوي الصاعدة تحدياً لشركة آبل في الصين، وهي أكبر أسواق الشركة الأمريكية، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة CNBC الأمريكية.
ولكن هناك أيضاً تساؤلات حول ما إذا كانت العملية المستخدمة لصنع هذه الرقائق الجديدة فعالة بما يكفي على نطاق واسع لإعادة هواوي إلى سوق الهواتف المحمولة.
لماذا تخشى أمريكا هواوي؟
ولسنوات، أكدت الولايات المتحدة أن شركة هواوي تمثل خطراً على أمنها القومي بسبب صلاتها المزعومة بالحزب الشيوعي الصيني والجيش الصيني. وقد نفت شركة هواوي مراراً وجود أي خطر من هذا القبيل.
بدءاً من عام 2019، فرضت الحكومة الأمريكية، برئاسة دونالد ترامب، عدداً من العقوبات التي عزلت هواوي عن التقنيات الرئيسية بما في ذلك رقائق 5G، وبرامج جوجل ونظام تشغيلها المتطور "آندرويد"، مما شكل ضربة قاسية لشركة هواوي لتتراجع من مرتبة أكبر صانع في العالم إلى المركز السادس بنسة 4% فقط من إنتاج الهواتف في العالم، مقارنة بـ17.6% من الهواتف المحمولة في العالم عام 2019.
إذ كادت تلك القيود الأمريكية أن تقضي على أعمال الهواتف الذكية لشركة Huawei.
ويجب ملاحظة أنه إلى جانب شركتي آبل وسامسونغ، فإن شركة هواوي الصينية تعد واحدة من الشركات القليلة التي صممت معالجاً خاصاً بها للهواتف الذكية. وقد تم ذلك من خلال قسم HiSilicon التابع للشركة الصينية.
ومع ذلك، يتم تصنيع الرقائق من قبل شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات "TSMC" التايوانية.
إن قيود التصدير الأمريكية، التي منعت هواوي فعلياً من استخدام التكنولوجيا الأمريكية في أي مكان خلال عملية تصنيع الرقائق، تعني أن الشركة الصينية لم تعد قادرة على الحصول على رقائقها من TSMC.
وتعد شركة TSMC الأكثر تقدماً في العالم. لا توجد شركة صينية يمكنها أن تفعل ما تفعله TSMC، ولهذا السبب كانت العقوبات الأمريكية صادمة للصين وهواوي على السواء.
ولكن بنفس القدر صدمت أمريكا خلال الأيام الماضية بإنتاج الهاتف الجديد "هواوي مات 60 برو" مطلع هذا الشهر، حيث أظهر التحليل شريحة بداخلها من صنع شركة SMIC للرقائق.
إلى جانب شركة هواوي، فإن شركة SMIC مدرجة في القائمة السوداء التجارية للولايات المتحدة، والشركات المدرجة في هذه القائمة ممنوعة من شراء التكنولوجيا الأمريكية والتي تدخل في كثير من التقنيات التي تصنع في دول أخرى، مما أدى فعلياً إلى حظر شامل.
وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى تقنية شركة SMIC الصينية على أنها متخلفة أجيال عن تقنيات TSMC التايوانية.
إذاً كيف يمكن إنتاج هاتف هواوي ميت برو 60 مع الكم الهائل من العقوبات المفروضة على كل من Huawei وSMIC؟
ما نعرفه عن شريحة هواوي الجديدة
يُطلق على شريحة الهاتف الذكي من هواوي اسم Kirin 9000S، والتي تجمع بين المعالج والمكونات لما يبدو أنه اتصال 5G.
ويشير 5G إلى الجيل التالي من الإنترنت عبر الهاتف المحمول الذي يعد بسرعات فائقة السرعة.
ولم تؤكد شركة هواوي أن الهاتف قادر على دعم شبكات الجيل الخامس 5G، لكن المراجعات أظهرت أن الجهاز قادر على الوصول إلى سرعات التنزيل المرتبطة بشبكات الجيل الخامس.
وتم تصنيع أشباه الموصلات باستخدام عملية 7 نانومتر بواسطة SMIC، وفقاً لتحليل هاتف Mate 60 Pro الذي أجرته شركة البرمجيات TechInsights.
يشير رقم النانومتر إلى حجم كل ترانزستور فردي على الشريحة. كلما كان الترانزستور أصغر، أمكن تجميع عدد أكبر منه في شبه موصل واحد. عادةً، يمكن أن يؤدي تقليل حجم النانومتر إلى إنتاج شرائح أكثر قوة وكفاءة.
وتعتبر عملية إنتاج 7 نانومتر متقدمة للغاية في عالم أشباه الموصلات، على الرغم من أنها ليست أحدث التقنيات، حسب الشبكة الأمريكية.
وتتمتع شريحة 7 نانومتر الصينية بأداء مماثل لشريحة كوالكوم المصنوعة بعملية 4 نانومتر، وسيكون هذا أمراً ضخماً إذا قامت بالتقدم من إلى إنتاج شرائح 4، وهذا يعني الفجوة التكنولوجية لا تتجاوز بضع سنوات.
ما مدى قوة تصميم الرقاقة الجديدة؟ يبقى سؤالاً مفتوحاً. على غير العادة، كشفت شركة هواوي القليل عن الجوانب الرئيسية للهاتف في إعلانها، مثل ما إذا كان مزوداً بتقنية 5G أو العملية التي تم استخدامها لإنتاجه. وفي بيان لها، وصفت شركة هواوي ببساطة الهاتف بأنه يحقق اختراقات في مجال "الاتصالات عبر الأقمار الصناعية".
إليك مقارنة بين الهاتف الجديد وهواتف آيفون
وقال أحد الأشخاص المطلعين لصحيفة The Washington Post الأمريكية إن هاتف هواوي ميت 60 برو يحتوي على شريحة 5G. تشير اختبارات السرعة التي نشرها المشترون الأوائل للهاتف عبر الإنترنت إلى أن أداءه مشابه لهواتف 5G المتطورة.
وفي يوليو/تموز، أفادت رويترز عن عودة هواوي الوشيكة إلى سوق هواتف الجيل الخامس، نقلاً عن ثلاث شركات أبحاث تكنولوجية تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها.
وذكرت صحيفة Nikkei Asian اليابانية، نقلاً عن مصادر، أن SMIC ستستخدم ما يُعرف باسم "عملية 7 نانومتر" لتصنيع الرقائق لشركة Huawei، وهو المستوى الأكثر تقدماً في الصين.
سيكون هذا على قدم المساواة مع العملية المستخدمة للرقائق الموجودة داخل أجهزة iPhone من Apple التي تم إطلاقها في عام 2018. وقد تم تصنيع أحدث شرائح iPhone من Apple بواسطة شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، باستخدام ما يعرف بعملية الأربعة نانومتر. النانومتر هو مقياس لحجم الرقاقة.
لماذا لم تكن الصين تستطيع تصنيع شريحة بحجم 7 نانومتر؟
لسنوات عديدة، كافحت شركة SMIC الصينية لإنتاج رقائق بدقة 7 نانومتر. ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم تمكنها من وضع يديها على جهاز باهظ الثمن وحاسم للغاية يسمى آلة الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى (EUV).
هذه الآلة مصنوعة من قبل شركة ASML الهولندية، لكن الشركة منعت من قبل حكومتها من إرسال هذه الآلات إلى الصين، بناء على طلب أمريكي.
واعتقد الكثيرون أن هذا من شأنه أن يعيق قدرة شركة SMIC على صنع رقائق متقدمة.
والآن كيف فعلتها الشركتان الصينيتان المحاصرتان؟
والتساؤل هل تم تصنيع المعالج بدون تقنية الطباعة الحجرية التي تحتكرها هولندا أم أن هواوي كانت تخزن رقائق أم أنها حصلت على تقنيات خارجية عبر اختراق العقوبات الأمريكية.
رفضت شركة هواوي وشركة أشباه الموصلات الدولية للتصنيع (SMIC) تقديم تفاصيل.
ومن المعروف أن شركة Huawei كانت تقوم بتخزين الرقائق قبل أن تقطع شركة TSMC التايوانية العلاقات امتثالاً للعقوبات الأمريكية، ويعني هذا السيناريو أن هذا المعالج صنع بواسطة شرائح مخزنة، وبالتالي في هذه الحالة سوف يكون هناك محدودية في الكميات المتوفرة منه.
وبدأت TSMC في تصنيع شرائح 7 نانومتر في عام 2017.
والاحتمال الآخر هو أن شركة هواوي قامت ببناء سلسلة توريد سرية لصناعة الرقائق من خلال تجنيد المسابك الحالية لمساعدتها على تجنب ضوابط التصدير الأمريكية، حسبما ورد في تقرير لموقع Next big future.
أما الاحتمال الأكثر إيلاماً لأمريكا فهو أن الصينيين صنعوا هذا المعالج بأنفسهم ودون شراء تقنيات أجنبية.
اختراق تكنولوجي صيني محتمل.. صنعوا تقنية متقدمة بأدوات قديمة
وقالت شركة الأبحاث TechInsights (ومقرها كاليفورنيا) في مذكرة على حساب WeChat الخاص بها إن SMIC استخدمت المعدات القديمة في مجال تصنيع الرقائق (DUV) وصنعت الجيل الثاني من رقائق 7 نانومتر، لتصنيع معالج Kirin 9000 المزود بقدرات 5G لصالح هواوي.
من المحتمل أن الصين صنعت هذه الرقائق باستخدام آلات للغمر العميق بالأشعة فوق البنفسجية وليس EUV (آلات الأشعة فوق البنفسجية المتطرفة).
وتستخدم آلات DUV ضوء 193 نانومتر بينما تستخدم EUV ضوء 13.5 نانومتر. تم استخدام آلات DUV من قبل صناعة أشباه الموصلات العالمية لصنع رقائق معالجة بحجم 14 نانومتر.
تكون التكاليف أعلى عند استخدام أجهزة DUV القديمة بدلاً من أجهزة EUV. من المحتمل أن تكون التكاليف أعلى بنسبة 30-50%. ومع ذلك، فإن حقيقة أن الصين قادرة على صنع هذه الرقائق ذات الـ7 نانومتر هو إنجاز إبداعي ضخم.
وهذا الطريق الصيني المحتمل هو ما كان على صناعة أشباه الموصلات العالمية أن تفعله لو لم يتم تصنيع آلات الأشعة فوق البنفسجية القصوى بنجاح قبل حوالي 8 سنوات.
بما أن الصين صنعت رقائق بحجم 7 نانو متر، فستكون قادرة على إنتاج رقائق بحجم 5 نانومتر في غضون عامين تقريباً.
الخبر السار لبكين والسيئ لواشنطن أن الفجوة بالنسبة للصينيين لن تزيد مع التايوانيين كثيراً، لأنه سيكون من الصعب جداً دفع آلات الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية العميقة (DUV) لتحقيق 3 نانومتر أو أقل.
وفي تدوينة هذا الشهر، قال دان هاتشيسون، نائب رئيس شركة TechInsights، إن شريحة 7 نانومتر "توضح التقدم التقني الذي تمكنت صناعة أشباه الموصلات في الصين من تحقيقه دون أدوات الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية".
هل يعني ذلك أن مشكلة الصين التقنية الكبرى قد تم حلها؟
من منظور تكنولوجي، أنه حدث هام أن تقوم شركة SMIC الصينية بتصنيع شرائح باستخدام عملية 7 نانومتر بدون آلات ASML EUV.
وقال براناي كوتاسثاني، نائب مدير معهد تاكشاشيلا، لـ CNBC إنه من المحتمل أن يتم "إعادة استخدام" المعدات المستخدمة في عمليات التصنيع القديمة لهذه الرقائق الأكثر تقدماً. لكنه يعتقد أنه من المرجح أن تتم هذه العملية "بكفاءة أقل" مما لو كانت شركة SMIC تستخدم المعدات المتطورة التي ينتجها الهولنديون.
وهذه نقطة أساسية، في حين أن SMIC قادرة على إنشاء شرائح بدقة 7 نانومتر، فمن غير الواضح مدى كفاءة وربحية واستدامة ذلك على نطاق أوسع.
المقياس الذي تتم مراقبته عن كثب هو "العائد" – عدد الرقائق المصنوعة من رقاقة معينة.
إذا كان إنتاج الشركة المصنعة للرقائق منخفضاً، فلن يُنظر إلى العملية على أنها فعالة ويمكن أن تكون مكلفة. وقال كوتاستان إنه في حين أن إنتاجية عملية 7 نانومتر التي تنتجها شركة SMIC لرقائق هواوي غير معروفة، إلا أنها "منخفضة على الأرجح".
ينتظر عشاق التكنولوجيا بشغف لمعرفة ما إذا كانت SMIC قادرة على إنتاج عدد الرقائق التي تحتاجها شركة Huawei على نطاق مربح، بينما ينتظر المسؤولون الأمريكيون بدورهم ولكن وهم يكظمون غيظهم.
هناك مخاوف أمريكية من أن هذا الاختراق قد يعني أن شركة هواوي الصينية تمكنت من التغلب على العقوبات الأمريكية ويمكن أن تعود كمنافس لشركة آبل.
هل ترامب هو الدب الذي قتل صاحبه؟
ويبدو أن مثل هذا التطور يثبت تحذيرات صانعي الرقائق الأمريكيين من أن العقوبات لن توقف الصين، ولكنها ستحفزها على مضاعفة الجهود لبناء بدائل للتكنولوجيا الأمريكية، حسبما ورد في صحيفة The Washington Post.
ويمثل الهاتف الذكي الجديد علامة عالية جديدة في القدرات التكنولوجية للصين، مع شريحة متقدمة بداخلها تم تصميمها وتصنيعها في الصين على الرغم من ضوابط التصدير الأمريكية المرهقة التي تهدف إلى منع الصين من تصنيعه.
ويبدو أن توقيت الإعلان عبر الهاتف يوم الإثنين، أثناء وجود وزيرة التجارة الأمريكية، جينا ريموندو في بكين، كان بمثابة عرض للتحدي. وأعلنت وسائل الإعلام الرسمية الصينية أنها أظهرت للولايات المتحدة أن الحرب التجارية الأمريكية على الصين كانت "فاشلة".
ووصف بول تريولو، مسؤول سياسة التكنولوجيا في شركة استشارات الأعمال Albright Stonebridge Group ومقرها واشنطن، الهاتف الجديد بأنه "ضربة كبيرة لجميع موردي التكنولوجيا السابقين لشركة هواوي، ومعظمهم من الشركات الأمريكية".
وقال: "إن الأهمية الجيوسياسية الرئيسية تتمثل في إظهار أنه من الممكن التصميم الكامل للهاتف بدون التكنولوجيا الأمريكية مع الاستمرار في إنتاج منتج قد لا يكون جيداً تماماً مثل النماذج الغربية المتطورة، ولكنه لا يزال قادراً تماماً على تلبية تطلعات المستهلكين".
وكان الهدف من العقوبات الأمريكية إبطاء تقدم الصين في المجالات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة عن طريق قطع قدرتها على شراء أو بناء أشباه الموصلات المتقدمة، التي تمثل العقل المدبر لهذه الأنظمة. ويشير الكشف عن شريحة سبعة نانومتر منتجة محلياً إلى أن ذلك لم يحدث.
وقال كريس ميلر، الأستاذ في جامعة تافتس ومؤلف كتاب "حرب الرقائق": "هذا يدل على أن الشركات الصينية مثل هواوي لا تزال لديها الكثير من القدرة على الابتكار". "أعتقد أنه من المحتمل أيضاً أن يؤدي ذلك إلى تكثيف النقاش في واشنطن حول ما إذا كان سيتم تشديد القيود".
وقال تريولو: إن شركات أشباه الموصلات تفضل أن تكون قادرة على الاستمرار في شحن أشباه الموصلات السلعية إلى هواوي والمستخدمين النهائيين الصينيين الآخرين، للحفاظ على حصتها في السوق وتجنب التصميم بدون التكنولوجيا الأمريكية من سلاسل التوريد الصينية على نطاق أوسع.
ولكن يبدو أنه على غرار مع حدث الاتحاد السوفيتي، عندما منعت أمريكا تصدير تقنيات جي بي إس له، طور تقنياته الخاصة، وهكذا يبدو أن العقوبات الأمريكية لم تعرقل الصين بل حفزتها.
الأمريكيون قد يشددون العقوبات رغم أنه ثبت أنها مضرة لهم ومفيدة للصين
وقال تريولو: "من شبه المؤكد أن هذا التطور سيؤدي إلى دعوات أقوى بكثير لمزيد من تشديد تراخيص مراقبة الصادرات لموردي هواوي الأمريكيين، الذين لا يزالون قادرين على شحن أشباه الموصلات السلعية التي لا تستخدم في تطبيقات 5G".
ومؤخراً، دعا اثنان من أعضاء الكونغرس الأمريكي البيت الأبيض إلى تقييد مبيعات التصدير لشركة SMIC الصينية المنتجة لأشباه الموصلات بعد التقارير عن مساهمتها في تصنيع هاتف Mate 60 Pro، مما أدى إلى انخفاض أسهم الشركة.
ولطالما كانت شركة هواوي في مرمى واشنطن باعتبارها الطرف الأكثر تقدماً في صناعة التكنولوجيا في الصين. منذ عام 2012، أصبحت هواوي أكبر مورد في العالم للمعدات اللازمة لتشغيل الإنترنت العالمي، وهو المنصب الذي حافظت عليه على الرغم من العقوبات الأمريكية. وتقدم شركة هواوي طلبات براءات اختراع أكثر من أي شركة أخرى في الصين، وتعتمد مجموعة من الشركات الصينية الناشئة على خوارزميات الذكاء الاصطناعي من هواوي لبناء تطبيقاتها الخاصة للتعرف على الوجه والصوت وتحديد الأنماط وأغراض أخرى.
وتشمل خطوط أعمال هواوي منتجات حساسة من الناحية الجيوسياسية، بما في ذلك المحطات الأساسية المتنقلة التي تزود الدول بتغطية خلوية، ومعدات المراقبة بالفيديو للشرطة وأنظمة الكابلات البحرية، والتي تتطلب جميعها رقائق لتكون أدمغتها.
في أعقاب العقوبات، قام رين تشونغ في، مؤسس هواوي ذو الشخصية الكاريزمية، والذي بدأ عمله في سلاح الهندسة بالجيش الصيني، بحشد موظفي هواوي لخوض معركة شاملة من أجل بقاء شركتهم. وقاموا بتخزين الرقائق من الموردين الأجانب، متوقعين أن واشنطن قد تسد الثغرات في العقوبات.
ومنذ ذلك الحين، انخرطت شركة هواوي في وضع محاولة البقاء والنجاة، معتمدة على رقائقها المخزنة بينما كانت تسابق لتأمين حل محلي لصناعة الرقائق.
الشركات الأمريكية خسرت سوق الصين وحفزت بكين على التطور ومنافستها عالمياً
بغض النظر عما إذا كانت SMIC قادرة على الوصول إلى أحدث التقنيات، فمن المؤكد أنها قادرة على إنتاج رقائق الجيل الأقدم على نطاق واسع، مما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الرقائق في جميع أنحاء العالم.
لقد خسرت الشركات الأمريكية مثل إنتل وكوالكوم بالفعل مبيعات كبيرة في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بسبب العقوبات الأمريكية، مما أدى إلى تقليص ميزانيات البحث والتطوير الخاصة بها. ويخشى المسؤولون التنفيذيون في الولايات المتحدة أن يؤثر ذلك على قوتهم على المدى الطويل، في صناعة يميل فيها عدد قليل فقط من الشركات الأقوى والأسرع إلى البقاء.
وقال مسؤول تنفيذي في الصناعة، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: "إن ذلك يبدأ دوامة هبوطية في القدرة، وعدم القدرة على المنافسة مع بقية العالم".