وصل إلى جزيرة لامبيدوسا الإيطالية 8 آلاف مهاجر في يوم واحد، وهو رقم يفوق عدد سكان الجزيرة نفسها، فهل هي أزمة "إدارة" أم أزمة "مهاجرين"؟ وكيف تتعامل إيطاليا والاتحاد الأوروبي مع الهجرة؟
كانت مقارنة عدد الذين وصلوا إلى الجزيرة قبل أيام بتعداد سكان لامبيدوسا هي النقطة الأكثر دلالة على ما تواجهه الجزيرة الإيطالية من تحديات؛ إذ يبلغ عدد سكانها 6 آلاف نسمة فقط، بينما يتسع مركز استقبال المهاجرين فيها لقرابة 400 شخص.
وتمثل الهجرة واللجوء، بطرق غير شرعية بالأساس، أزمة حادة تواجهها أوروبا عموماً، وإيطاليا واليونان خصوصاً، مع الزيادة الكبيرة في أعداد الهاربين من جحيم الصراعات الدموية والطقس المتطرف الناتج عن تغير المناخ، وبخاصة في قارة إفريقيا.
ماذا حدث في جزيرة لامبيدوسا الإيطالية؟
في طوابير طويلة ينتظر مهاجرون ولاجئون تحت الشمس الحارقة أمام مركز استقبال المهاجرين الرئيسي في كونترادا إمبرياكولا، التي تعد النقطة الساخنة لاستقبال اللاجئين على جزيرة لامبيدوسا الإيطالية.
ومن بين هؤلاء كان الصبي أبو بكر شريف وشقيقه الأصغر، اللذان فرّا من بلدهما سيراليون، وتمكنا من الوصول إلى لامبيدوسا على متن قارب انطلق من تونس. وقال أبو بكر لشبكة DW الألمانية: "وصلنا إلى الجزيرة قبل أربعة أيام وننام في الشارع، ولا نحصل سوى على القليل من الطعام والماء. نسد رمقنا ببعض قطع من البسكويت، كان هناك 48 شخصاً على متن القارب الذي انطلقنا على متنه من تونس في 13 سبتمبر/أيلول. لقد كانت رحلة مخيفة ورأينا بأم أعيننا انقلاب قوارب أخرى، لكننا كنا محظوظين".
وينتظر آلاف المهاجرين أمام مركز الاستقبال حتى يتم نقلهم إلى ميناء الجزيرة انتظاراً لنقلهم مجدداً إلى مناطق أخرى في إيطاليا مثل صقلية، للبدء في عملية تلقي طلبات اللجوء الخاصة بهم. وعلى وقع وصول أكثر من 8000 مهاجر إلى لامبيدوسا على متن قوارب متهالكة من تونس، في وقت سابق من هذا الأسبوع، قالت سلطات لامبيدوسا إن الأمر يمثل نقطة حرجة في أزمة إدارة الهجرة.
عمدة الجزيرة، فيليبو مانينو، أعلن حالة الطوارئ في لامبيدوسا، التي باتت تعصف بها "أزمة" رغم ترحيبها الدائم بالمهاجرين، على حد وصفه. وبدورها، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إن حكومتها تعتزم اتخاذ "إجراءات استثنائية فورية" للتعامل مع عمليات وصول المهاجرين، مضيفة أن الأمر قد يشمل تدشين مهمة أوروبية لمنع وصول المهاجرين، و"مهمة بحرية إذا لزم الأمر" لمنع المهاجرين من الوصول إلى الجزيرة الإيطالية.
فلايو دي جياكومو، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة، قال للشبكة الألمانية إنه على الرغم من أن عدد المهاجرين في الوقت الراهن كبير، فإن الأمر لا يمثل "أزمة هجرة بالنسبة لإيطاليا"، مضيفاً: "الأمر يرتبط بحالة طوارئ تشغيلية بشكل أساسي بالنسبة للامبيدوسا، لأنه في 2015-2016، وإبان ذروة أزمة الهجرة في أوروبا، وصل 8% فقط من المهاجرين إلى لامبيدوسا، فيما جرى إنقاذ الآخرين في عرض البحر ونقلهم إلى صقلية والموانئ الأخرى. هذا العام، كان أكثر من 70% من المهاجرين هم ممن شقوا طريقهم إلى لامبيدوسا انطلاقاً من تونس القريبة".
وقال دي جياكومو إن الحكومة الإيطالية فشلت في إعداد لامبيدوسا خلال السنوات القليلة الماضية، موضحاً "كان لدى الحكومة الإيطالية الوقت الكافي لزيادة القدرة الاستيعابية لمركز استقبال المهاجرين بعد إنشائه في عام 2008… الهجرة ليست بالأمر الجديد على إيطاليا".
لماذا تزايدت أعداد المهاجرين؟
تعد جزيرة لامبيدوسا المطلة على البحر المتوسط أول نقطة دخول إلى أوروبا يقصدها الفارون من الحروب والصراعات والفقر في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بسبب القرب الجغرافي. ورغم أن وصول المهاجرين إلى الجزيرة يرجع إلى سنوات، فإن السلطات المحلية تفاجأت بهذا العدد الكبير منهم. وقال ضابط شرطة يقف قرب مركز استقبال اللاجئين: "لم نرَ وصولاً بهذا العدد الكبير مثل ما رأيناه الأربعاء (13 سبتمبر/أيلول)".
روبرتو فورين، الباحث في مركز Mixed Migration Centre، المعني بقضية الهجرة، قال إن الارتفاع الأخير في عدد المهاجرين يرجع بشكل كبير إلى عامل رئيسي يتمثل في تراجع عمليات اعتراض حرس السواحل التونسي للقوارب المتجهة إلى إيطاليا، منذ توقيع مذكرة التفاهم في منتصف يوليو/تموز، بين الاتحاد الأوروبي وتونس". وأضاف أن المفوضية لم تدفع مبلغ 100 مليون يورو (106.6 مليون دولار) المنصوص عليه بموجب الاتفاقية".
وتهدف الاتفاقية بين تونس والاتحاد الأوروبي إلى منع عمليات الهجرة غير النظامية من شمال أفريقيا إلى أوروبا، حيث لاقت ترحيباً من سياسيين أوروبيين، خاصة رئيسة الوزراء الإيطالية، لكن في المقابل انتقدت منظمات حقوقية الاتفاقية باعتبارها تُعرض حياة المهاجرين للخطر.
وقال فلايو دي جياكومو، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة، إن الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال أفريقيا ليست هي الحل، مضيفاً "يمثل الأمر في الوقت الراهن حالة طوارئ إنسانية، لأن المهاجرين يغادرون تونس بسبب أن الكثير منهم يتعرض للتمييز العنصري والاعتداء، أو للحصول على رعاية طبية بسبب الأزمة الاقتصادية في تونس. أما في ليبيا فتُنتهك حقوق المهاجرين". وأضاف أن "الحل يكمن في تنظيم المزيد من عمليات البحث والإنقاذ بحراً لإنقاذ المهاجرين ونقلهم إلى بر الأمان. يجب أن ينصب التركيز على مساعدة لامبيدوسا في إنقاذ المهاجرين".
ويتفق في هذا الرأي عدد من المهاجرين الذين ينتظرون دورهم أمام مركز استقبال المهاجرين بعد وصولهم إلى إيطاليا فارين من مالي، حيث قالوا: "لم نشعر بالأمان في تونس، لذلك دفعنا حوالي 750 يورو إلى أحد المهربين في صفاقس بتونس، الذي أعطانا قارباً مطاطياً من أجل عبور البحر صوب أوروبا. وصلنا إلى إيطاليا لكننا لا نريد البقاء هنا، نريد الذهاب إلى فرنسا ولعب كرة القدم في صفوف المنتخب الفرنسي".
أوروبا وأزمة الهجرة
رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، كانت قد دعت خلال زيارتها بصحبة ميلوني، الأحد 17 سبتمبر/أيلول، جزيرة لامبيدوسا، إلى تضامن أوروبي لمساعدة روما على إدارة تدفق المهاجرين الوافدين عبر البحر المتوسط، بما يفوق القدرات الاستيعابية للجزيرة الإيطالية الصغيرة.
وتهدف الخطة التي عرضتها فون دير لاين- وهي من عشر نقاط- إلى تحسين إدارة الوضع الراهن من خلال توزيع طالبي اللجوء بين الدول الأوروبية بشكل أفضل، وتفادي تكرار تدفقهم بأعداد كبيرة على سواحل إيطاليا بشكل يستنزف قدراتها اللوجستية والإدارية.
وتلحظ الخطة زيادة التعاون بين إيطاليا والوكالة الأوروبية للهجرة والوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود والسواحل (فرونتكس)، لتسجيل المهاجرين وأخذ بصماتهم وغيرها من الإجراءات، على أن تعزز "فرونتكس" ووكالات أخرى مراقبتها البحرية "ودراسة الخيارات لتوسيع العمليات البحرية في المتوسط".
وتشمل الخطة كذلك تسريع الدعم المالي لتونس، التي ينطلق منها غالبية المهاجرين، والتحاور مع أبرز الدول التي يأتون منها مثل غينيا وساحل العاج والسنغال وبوركينا فاسو، لإعادتهم في حال لم يستوفوا شروط اللجوء، كما تشمل الخطة اتخاذ تدابير للحد من استخدام المراكب غير الصالحة للإبحار، واتخاذ إجراءات ضد سلاسل الإمداد ولوجستيات المهربين.
ويتزامن هذا كله مع إعلان المفوضية الأوروبية عن نشر 450 عنصراً من يوروبول، وفرونتكس، ووكالة الاتحاد الأوروبي لشؤون اللجوء في الجزيرة لمساعدة السلطات الإيطالية، فيما تم توفير 40 مليون يورو (42.6 مليون دولار) لنقل اللاجئين وغيرها من تدابير ترمي إلى تعزيز قدرات الجزيرة على استيعاب المهاجرين الجدد.
إلا أن السلطات الإيطالية تقول إنها تجد نفسها وحدها أمام هذا العدد الكبير من المهاجرين، خاصةً بعد أن منعت ألمانيا نقل المهاجرين من إيطاليا إليها، فيما شددت فرنسا التدابير الأمنية على حدودها مع إيطاليا.
بدوره، قال نائب عمدة لامبيدوسا، أتيليو لوسيا، إن الأزمة التي تواجهها الجزيرة تحمل في طياتها تحذيراً إلى أوروبا، قائلاً: "الرسالة التي يجب أن تصل هي أن أوروبا يجب أن تصحو لأن الاتحاد الأوروبي كان نائماً لأكثر من 20 عاماً. اليوم تقول لامبيدوسا: "يكفي ذلك، نعاني منذ 20 عاماً ونحن مدمرون نفسياً".
وقال روبرتو فورين: "تخشى حكومتا فرنسا وألمانيا من التعرض لهجوم من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة، ما يدفعهما إلى اتخاذ إجراءات أمنية حدودية بشكل استباقي، لكن هذا يدل على فشل الاتحاد الأوروبي في الوصول إلى آلية دائمة ومستدامة. عندما يُترك التضامن للآليات التطوعية، فإن هذا قد ينذر بتضاؤل هذا التضامن أو تلاشيه عندما تكون المخاطر كبيرة".
ومنذ صعود أحزاب اليمين المتطرف إلى قمة هرم السلطة في كثير من الدول الأوروبية، أصبح ملف الهجرة يحتل صدارة القضايا في القارة العجوز، وتنامت بشكل لافت المشاعر المعادية للمهاجرين وطالبي اللجوء. وفي هذا السياق، أصبحت أوروبا تواجه مأزقاً ضخماً بين ما ترفعه من شعارات أخلاقية وبين سعي السياسيين إلى كسب أصوات اليمين المتطرف.
لكن رغم ذلك كله، إضافة إلى كون مخاطر الهجرة غير النظامية كثيرة، لدرجة يصعب حصرها، فإن ذلك لا يمنع البعض ممّن تقطّعت بهم سبل العيش في أوطانهم، من المخاطرة و"ركوب الصعب" كما يقول المثل العربي.
فمخاطر الهجرة غير النظامية قد تتمثل في الوقوع في براثن عصابات الاتجار بالجنس أو التعرض للاستغلال والابتزاز المادي، إضافة إلى أنه خلال رحلات الهجرة السرية يمكن أن يواجه الناس أسوأ أنواع الانتهاكات على أيدي الشبكات الإجرامية ومهربي البشر. وقد تكون رحلات الهجرة غير النظامية أو غير الشرعية محفوفة بالمخاطر بسبب الطقس على سبيل المثال، إذ أوردت تقارير كثيرة حدوث وفيات في صفوف المهاجرين، بسبب حرارة الشمس في الصحراء، أو البرد الشديد في الغابات، أو غرقهم في البحر، وتتصدر هذه الأخبار عناوين الصحف كل أسبوع.
ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة هذا العام، توفي نحو 50 ألف شخص على طرق الهجرة في جميع أنحاء العالم منذ 2014، وحدثت معظم الوفيات في طرق الهجرة المؤدية إلى أوروبا.