يوصف 2023 بأنه عام "الكوارث الطبيعية"، من زلازل وعواصف وحرائق غابات وأعاصير وفيضانات، كان أكثرها تدميراً في تركيا وسوريا والمغرب وليبيا وكندا وأمريكا، فهل خرج تغير المناخ عن السيطرة تماماً؟
وتستمر عمليات البحث والإنقاذ في المغرب بعد 11 يوماً من وقوع الزلزال المدمر، وحصار المنكوبين في مدينة درنة بليبيا بعد الفيضانات المدمرة التي دمرت أكثر من نصف المدينة الواقعة في شرق البلاد، بين مطرقة البقاء في المدينة واحتمال إصابتهم بالعدوى، وسندان الفرار منها عبر مناطق جرفت الفيضانات ألغاماً أرضية إليها.
وكان عام 2023 قد سجل حتى اليوم أرقاماً قياسية من الكوارث الطبيعية، زلازل وموجات جفاف وفيضانات وأعاصير وحرائق غابات، تأثرت بها جميع مناطق الكرة الأرضية تقريباً، ويرصد هذا التقرير أبرز تلك الكوارث التي يرى خبراء الطقس أن تغير المناخ المتسبب الرئيسي في حدتها وتواتر وقوعها.
زلازل 2023 من تركيا وسوريا إلى المغرب
كانت مناطق في تركيا وسوريا قد تعرضت، فجر الإثنين 6 فبراير/شباط 2023، لزلزال مدمر، وتلاه زلزال آخر كبير عند الظهيرة بقوة 7.7 درجة، أودى بحياة أكثر من 51 ألفاً في تركيا وأكثر من 6 آلاف في سوريا.
وشهد شهر مارس/آذار 2023 زلزالاً بقوة 6.5 بمقياس ريختر في ولاية بدخشان بأفغانستان، أوقع أضراراً ضخمة وأودى بحياة 21 أفغانياً. وفي الشهر نفسه، شهدت الإكوادور في أمريكا اللاتينية زلزالاً بقوة 6.8 أودى بحياة 18 شخصاً، وتسبب في أضرار مادية ضخمة.
وتعرّض المغرب، يوم 8 سبتمبر/أيلول الجاري، لزلزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، أودى بحياة ما لا يقل عن 2946 شخصاً وإصابة 6125 آخرين. ولا تزال فرق البحث والإنقاذ تواصل عملها، لليوم الحادي عشر على التوالي، عقب الزلزال الأقوى في البلاد منذ قرن، وفقاً للمعهد الوطني الجيوفيزيائي المغربي.
وعقب الكارثة تلقت البلاد مساعدات من إسبانيا والمملكة المتحدة وقطر والإمارات العربية المتحدة، وفقاً لوزارة الداخلية المغربية.
ولا يزال كثير من الناجين من زلزال المغرب يواجهون ظروفاً صعبة في الملاجئ المؤقتة التي يحتمون بها، وسط صعوبة الوصول إلى مناطق جبلية دمرها الزلزال، وهو الأكثر فداحة من حيث عدد القتلى في المملكة العربية الواقعة في شمال أفريقيا منذ عام 1960.
ويعاني كثير من سكان القرى من انقطاع الكهرباء والاتصالات الهاتفية منذ وقوع الزلزال، وقالوا لرويترز إنهم اضطروا لإنقاذ أحبائهم وانتشال الجثامين المدفونة تحت أنقاض منازلهم المدمرة دون أية مساعدة. وفي قرية أمزميز التي تقع عند سفح جبل وتحولت إلى مركز للمساعدات، زودت السلطات بعض الأشخاص الذين شردهم الزلزال بخيام.
حرائق الغابات.. تغير المناخ المتهم الأول
شهد العام الجاري سيلاً من حرائق الغابات حول العالم، اتسمت بشراستها واستمراريتها، حيث واجهت اليونان حرائق غابات بمنطقة "إيفروس" الشمالية الشرقية وصفت بأنها "الأكبر خلال الأعوام العشرين الماضية"، إذ استمرت لنحو أسبوعين.
وتسببت الحرائق التي اندلعت في 19 أغسطس/آب الماضي بحرق أكثر من 292 ألفاً و587 هكتاراً من مساحة الغابات التي قيل إنها أكبر من مدينة نيويورك الأمريكية، وفقاً للمفوضية الأوروبية. وألقت إدارة العاصمة أثينا باللوم على مخربين أشعلوا الحرائق في غابات "إيفروس" وغيرها، والتي انتشرت بسرعة بسبب الرياح القوية ودرجات الحرارة المرتفعة. وأسفرت الحرائق عن مصرع 20 شخصاً احترقوا حتى الموت، بينهم طفلان، في غابة "داديا" بمنطقة "إيفروس"، وفق السلطات المحلية، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وفي إسبانيا، اندلع حريق غابات في 15 أغسطس/آب أتى على حوالي 10 آلاف هكتار من الأراضي، وهو ما وصفته السلطات بـ"الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لجزر الكناري". وتسببت الحرائق في إجلاء أكثر من 12 ألفاً و600 شخص من منازلهم، وفق مسؤول حكومي.
كما شهدت كندا أيضاً عدداً قياسياً من حرائق الغابات خلال العام الجاري، حيث التهم 5500 حريق مساحة 13.4 مليون هكتار من الغابات حتى بداية أغسطس/آب. وقال مسؤولون هناك إن السلطات أصدرت 211 أمراً للإخلاء، حيث أجبر أكثر من 167 ألف شخص على مغادرة منازلهم، فيما حذر بعض المسؤولين من وجود "نشاط كبير للحرائق" لم يحدث بعد.
وفي تركيا، كانت الأجزاء الشمالية الغربية والوسطى من البلاد مسرحاً لحرائق غابات خطيرة في أواخر أغسطس، أدت إلى إصابة 7 أشخاص، وفقاً لرئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد". وقال مسؤولون في "آفاد" إن نحو 4080 هكتاراً من الأراضي تأثرت بالحرائق، منها نحو 2650 هكتاراً من الغابات و1430 هكتاراً من الأراضي الزراعية.
وأما في الولايات المتحدة، فقد عانت ولاية هاواي من مأساة كبيرة في أغسطس/آب، عندما دمرت حرائق الغابات مدينة لاهينا التاريخية، ولقي ما لا يقل عن 115 شخصاً حتفهم في الكارثة التي تسببت في إجلاء أكثر من 1400 مواطن إلى الملاجئ. ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الحرائق في جزيرة ماوي، حيث تقع لاهينا، بأنها "كارثة كبرى".
وفي الجزائر، بدأت حرائق بالغابات في يوليو/تموز الماضي، وخلفت 34 قتيلاً بينهم 10 عسكريين، وحوالي 194 مصاباً، وسجلت بجاية (شرق) الحصيلة الأعلى بمصرع 16 شخصاً من عائلة واحدة. وتواصلت الحرائق في البلاد خلال سبتمبر الجاري، حيث أخمدت قوات الحماية المدنية منذ الجمعة، العشرات منها بعدة ولايات شمالية، لم تخلف أية خسائر بشرية، حسب بيانات سابقة لها، تزامنت مع موجة حر غير عادية تضرب عدة ولايات شمالية تجاوزت درجات الحرارة في عدد منها 40 درجة.
فيضانات وأعاصير، أكثرها تدميراً في ليبيا
وشهد العام أيضاً ندرة في هطول الأمطار، حيث واجهت سريلانكا الجفاف في أغسطس/آب الماضي. وحرم هذا الجفاف 150 ألف شخص في 10 مناطق في البلاد من الحصول على مياه الشرب الآمنة، وفقاً لموقع "ReliefWeb" المعني بتقديم معلومات إنسانية عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، نقلاً عن المركز الوطني لخدمات الإغاثة في حالات الكوارث (NDRSC). وأوضح الموقع أن "الوضع أثر سلباً على حياة ما يقرب من 50 ألف مزارع".
وعلى النقيض، تسببت الأمطار الغزيرة التي بدأت ليلة 3 أغسطس/آب في سلوفينيا بفيضانات شديدة وانهيارات أرضية في الأجزاء الغربية والشمالية والشرقية والوسطى من البلاد، وفقاً لموقع "ReliefWeb". وأثرت الكارثة على ثلثي البلاد، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل وتشريد المئات، بحسب الموقع ذاته.
وفي بنغلاديش، جرفت فيضانات أغسطس مئات المنازل وأغرقت 5000 هكتار من الحقول الزراعية ومزارع الأسماك، وألحقت أضراراً بمساحات شاسعة من الطرق في منطقة "كوكس بازار" الساحلية. ووفقاً لوزارة إدارة الكوارث والإغاثة، فقد أضرت الفيضانات بأكثر من مليون شخص.
ومنذ بداية أغسطس، لا تزال غينيا تشهد أمطاراً غزيرة، بحسب موقع "ReliefWeb". وأشار الموقع في أحد تقاريره إلى أن "المناطق المتضررة من الفيضانات تعاني من احتياجات إنسانية حادة بسبب الصعوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار المالي" في البلاد.
وفي فيتنام، أدت الفيضانات والانهيارات الأرضية الناجمة عن الأمطار الغزيرة منذ 2 أغسطس/آب في المنطقة الجبلية الشمالية إلى مصرع 12 شخصاً وإصابة 5 وفقدان 3 آخرين، وفقاً لموقع "ReliefWeb".
كما تضرر ما لا يقل عن 104 منازل في مدينة "لاوكاي" ومنطقة "باوثانغ" بمقاطعة "لاوكاي الوسطى". وأضاف الموقع أن نحو 30 ألف شخص تأثروا بالفيضانات، نزح منهم 2940 شخصاً يعيشون حالياً في أماكن أكثر أماناً.
وشهدت قيرغيزستان أيضاً فيضانات بسبب الأمطار بمنطقة "إيسيك كول" الشمالية الشرقية، أتت بشكل مباشر على حياة 200 أسرة، وفق ما أعلنته وزارة الطوارئ والسلطات المحلية.
وأوضحت الوزارة أن نحو "60% من إجمالي السكان في القرى الخمس المتضررة (13 ألف شخص) بحاجة إلى المساعدة بدرجات مختلفة"، وفق "ReliefWeb".
كما شهدت منطقة أمريكا اللاتينية كوارث طبيعية مماثلة، حيث تسبب إعصار مداري بهطول أمطار غزيرة ورياح قوية وعواصف بَرَد في البرازيل منذ 4 سبتمبر/أيلول الجاري.
وأثر الطقس القاسي على ما لا يقل عن 340 ألفاً و928 شخصاً في 93 بلدية، وأسفر عن وفاة 46 شخصاً وفقدان 46 وإصابة 924 آخرين، وفقاً لموقع "ReliefWeb".
وأشار الموقع إلى أنه "تم إنقاذ نحو 3130 شخصاً، بينما تسببت الأمطار الغزيرة في تهجير 20 ألفاً و498 شخصاً وتشريد 4794 آخرين".
وفي السياق، شهدت اليونان عدداً من الكوارث الطبيعية في الشهرين الماضيين، حيث زاد إعصار "دانيال" من معاناة البلاد التي واجهت أيضاً حرائق غابات هائلة. وقال موقع "ReliefWeb" إن الإعصار جلب أمطاراً قياسية في الفترة من 5 إلى 6 سبتمبر/أيلول.
أما في ليبيا، فقد وصل إعصار "دانيال" إلى اليابسة في 10 سبتمبر/أيلول، مسبباً رياحاً قوية وأمطاراً غزيرة مفاجئة، أثرت على العديد من المناطق الشمالية الشرقية للبلاد. وأسفر الإعصار عن مصرع ما لا يقل عن 6000 شخص، بينما لا يزال آلاف آخرون في عداد المفقودين بسبب الفيضانات التي اجتاحت شرقي ليبيا، وفقاً لمسؤولين.
وهناك مخاوف من أن يكون آلاف الأشخاص لقوا حتفهم بعد انهيار سدين في مدينة درنة، ما أدى إلى انهيار مبانٍ سكنية كانت تصطف على جانبي مجرى نهر عادة ما يكون جافاً بينما كان الناس نياماً. وجرفت المياه جثثاً كثيرة في اتجاه البحر.
وذكر تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن ما لا يقل عن 11300 شخص لقوا حتفهم، وهو ما يزيد على مثلي العدد الذي أعلنته المنظمة الدولية للهجرة يوم الجمعة. ونسب التقرير حصيلة هذه الأرقام إلى الهلال الأحمر الليبي. لكن متحدثاً باسم الهلال الأحمر قال إن الأرقام تتغير، وإن منظمته غير مسؤولة عن هذه الأرقام.
وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إيري كانيكو إنه من الصعب الحصول على أرقام دقيقة للضحايا مع استمرار البحث عن الجثث والناجين، مضيفاً أن منظمة الصحة العالمية أكدت حتى الآن 3922 حالة وفاة. وقال وزير الصحة في حكومة شرق ليبيا، اليوم الأحد، إن 3283 شخصاً توفوا.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من ألف شخص دفنوا في مقابر جماعية، وحذرت جماعات الإغاثة من هذه الممارسة. وأكدت السلطات الليبية إصابة 150 شخصاً بالتسمم بسبب المياه الملوثة في المناطق المتضررة من الفيضانات.
عام "الكوارث الطبيعية"
عضو مجلس إدارة مركز تغير المناخ وتنفيذ السياسات والأبحاث بجامعة البوسفور التركية مراد توركس، قال للأناضول إن العالم شهد المزيد من الكوارث الطبيعية في العامين الماضيين، مضيفاً أن 2023 هو "عام الكوارث الطبيعية"، موضحاً "ارتفاع عدد وشدة الكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم في الشهرين الماضيين".
وأشار إلى دراسات أجرتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، والتي تظهر أن هناك "اتجاهاً تصاعدياً خطيراً للغاية في حالات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والانهيارات الأرضية والعواصف وحرائق الغابات" حول العالم.
وانتقد توركس غياب أنظمة الإنذار المبكر، مستشهداً بحالة ليبيا، قائلاً: "إذا لم تكن البنية التحتية كافية، ولم تكن هناك إدارة للكوارث الخطرة أو أنظمة إنذار مبكر، فيمكن أن يفقد آلاف الأشخاص حياتهم في الفيضانات".
وأضاف: "إلى جانب تغير المناخ الذي يسببه الإنسان (الاحتباس الحراري) يبدو أن هذه الكوارث ستكون أكثر فعالية بشكل متزايد في العالم وفي تركيا، سواء من حيث الشدة أو العواقب الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي تخلقها".
ووصف توركس صيف 2023 بأنه "استثنائي"، حيث كان يوليو/تموز الماضي الشهر "الأكثر سخونة على الإطلاق"، مؤكداً تجاوز درجة الحرارة فيه لما هو متوقع من أهداف معاهدة باريس للاحتباس الحراري المتمثل في المحافظة على حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، رصد تقرير لشبكة CNBC كيف أن الكوارث الطبيعية التي فاقمها تغير المناخ قد تسببت في أضرار مادية تخطت قيمتها أكثر 57 مليار دولار، وأوقعت أكثر من 253 قتيلاً، وأن عدد تلك الكوارث الكبرى بلغ 23 كارثة طبيعية، بين حرائق غابات وفيضانات بسبب الأعاصير، وذلك في الأشهر الثمانية الأولى فقط من العام، ما يشير إلى احتمال ارتفاع تلك الأرقام خلال الثلث المتبقي من العام.