تعد المروحيات الشبحية نوعاً من المروحيات التي تتخفى بواسطة تقنية التخفي وتبديد الصوت، وتمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية حصراً دون بقية الدول. تدعي بعض مصادر الاستخبارات أن أول مروحية شبح أمريكية دخلت الخدمة في عام 2007 وهي نسخة مطورة من مروحية البلاك هوك، لكنها لم تظهر للعالم إلا بعد ذلك التاريخ بأربع سنوات عندما تحطمت إحدى مروحيات الشبح في خضم عملية اغتيال بن لادن. وإليكم القصة التي ستوضح لنا الكثير في هذا الشأن.
عملية اغتيال بن لادن وظهور المروحيات الشبحية لأول مرة
في مطلع مايو/أيار 2011، أسفرت عملية بقيادة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، نفذها أفراد تابعون لـ"الفريق 6″ من نخبة القوات الخاصة للبحرية الأمريكية، عن قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. كانت العملية، التي تُعرَف داخلياً باسم "عملية رمح نبتون"، ناجحة، ولو أنَّ كل شيء لم يمضِ وفق الخطة، بحسب خبراء عسكريين أمريكيين، كما يقول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
كانت الخطة تشمل استخدام مروحيتين محاطتين بدرجة عالية من السرية، وتشتملان على تعديلات كبيرة من طراز UH-60 Black Hawk صُنِعتا خصوصاً للعمليات السرية. حيث كان من المقرر أن تحلّق إحدى المروحيتين فوق مجمع بن لادن المُسوَّر؛ لتهبط العناصر في الداخل بسرعة بواسطة الحبال، في حين تهبط الأخرى بمكان قريب؛ لإنزال القوات والمترجمين ومدربي الكلاب لتأمين محيط المجمع.
لكن بمجرد بدء المهمة، بدأت الأمور تسوء حين تحطمت إحدى المروحيتين الشبحيتين داخل المجمع.
وبفضل سرعة تصرف الطيار، لم يُصَب أيٌّ من العناصر أو أفراد الطاقم بإصابات بالغة، ونجحت المهمة في النهاية. ومن أجل منع وقوع التكنولوجيا الشبحية داخل الطائرة العمودية في الأيدي الخاطئة، دُمِّرَت المروحية نفسها قبل مغادرة فريق العمليات الخاصة.
لكنَّ جزء الذيل الخلفي غريب الشكل من هذه المنصة عالية السرية ظلَّ سليماً وتركته القوات وراءها. وظهر بوضوح في صور المجمع التي نشرتها وسائل الإعلام حول العالم في اليوم التالي.
في البداية، لم تدرك وسائل الإعلام ما أرته للعالم… أو ربما أنَّ قصة موت بن لادن ببساطة حظيت بقدر كبير جداً من الاهتمام لدرجة منعت الاهتمام بالذيل غريب الشكل وزواياه الفريدة التي ظهرت في الصور.
لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يدرك الصحفيون وهواة الطيران حول العالم مدى غرابة جزء الذيل، وأدركوا شيئاً مذهلاً: المروحيات الشبحية حقيقة واقعة. إنَّها في الخدمة. ولم يكن أحدٌ في العالم بشكل عام، أو في الجانب التقليدي من الجيش الأمريكي، يعلم بأمرها. على الأقل حتى ذلك الحين.
لماذا يصعب تصنيع مروحيات شبحية؟
بحسب مجلة ناشيونال إنترست، فإن قدرة التخفي الشبحي هي أكثر بكثير من مجرد نهج واحد للتهرب من الرادارات. مثلما استمرت قدرات الرصد والاستهداف في التطور، كذلك كان الحال بالنسبة للتقنيات الخاصة بما نسميه "القدرة الشبحية".
فاليوم، تبذل التصميمات الشبحية مجهودات كبيرة ليس فقط لتقليل اكتشاف الطائرات من جانب الرادرات، بل أيضاً لتجنُّب رصدها باستخدام التقنيات الكهرومغناطيسية، والأشعة تحت الحمراء، والرصد الصوتي، بل حتى البصري. ويمكن أن يكون من الصعب للغاية وضع عناصر التصميم الشبحي هذه في طائرة ثابتة الجناحين، لكنَّ المرء قد يجادل بأنَّ الأمر يكون أصعب حتى من ذلك حين يتعلَّق بإضافة القدرة الشبحية إلى المروحيات.
ومثلما يقول مايك ماكيني، الطيار المروحي المتقاعد في سلاح الجو الأمريكي والمدرس السابق بمدرسة الأسلحة بالقوات الجوية الأمريكية، فإنَّ المروحيات تفرض عدداً من التحديات الفردية في مجال التخفي الشبحي، لأنَّها "تعمل بصفة روتينية في قلب مجال التهديد، ولا يسمح لها تركيبها المادي باستخدام اكثير من تقنيات التخفي".
بعبارة أخرى، لا يكفي بناء مروحيات شبحية حديثة يمكنها تأخير الرصد بالرادارات، بل تحتاج أيضاً إلى تقليل الحرارة التي تنتجها المحركات، وإمكانية رصد إرسالاتها اللاسلكية، والأهم في حالة المروحيات التي تحلّق على مستوى منخفض، تقليل الضجة الناتجة عن مراوحها.
ما درجات اعتمادية الطائرات الشبحية؟
تملك المروحيات مراوح كبيرة، وتميل هذه المراوح إلى إنتاج بصمة رادارية وصوتية كبيرة، في حين أنَّ المحركات القوية تنتج قدراً كبيراً من الحرارة، كل ذلك في منصة أبطأ وأقل مرونة من الطائرات ثابتة الجناحين.
لكن من المهم أيضاً أن نفهم أنَّ القدرة الشبحية ليست شيئاً تملكه منصة ما أو لا تملكه. وقد يكون من الأفضل أن نعتبر القدرة الشبحية جزءاً ضمن طيف القابلية للرصد. ففي الجانب القابل للرصد على نطاق واسع، توجد منصات سهلة الرصد مثل قاذفة B-52 Stratofortress أو مقاتلة F-15 Eagle، وفي الجانب المقابل "الأقل قابلية للرصد"، توجد منصات مثل المقاتلة F-117 Nighthawk والمقاتلة F-22 Raptor.
ولا تعتمد درجة التخفي الشبحي المطلوبة لطائرة ما حتى يمكن اعتبارها شبحية في أي حقبة معينة على شروط شاملة محددة بوضوح، بل بالأحرى تعتمد على أداء المنصة مقارنةً بأدوات الرصد المستخدمة في عصرها والمنصات الشبيهة في فئتها نفسها.
فالمقاتلة الروسية سوخوي Su-57 على سبيل المثال قد تملك قدرة تخفٍّ شبحي هي الأسوأ في فئتها عند مقارنتها بنظيراتها ضمن الجيل الخامس، لكنَّها أكثر شبحية بكثير مقارنةً بأسلافها من الجيل الرابع. وقد يكون ارتدادها الراداري أكبر آلاف المرات من الارتداد الراداي للمقاتلة F-22، لكنَّه أصغر بعشرات المرات من الارتداد الراداري للمقاتلة F-15، ما يدفعها نحو الجانب الأقل قابلية للرصد من الطيف بدرجة تكفي أن يعتبرها كثيرون مقاتلة شبحية، كما تقول المجلة الأمريكية.
تؤدي زوايا 90 درجة المتأصلة في تصميم المروحيات، وكذلك الطرق التي تعمل بها هذه المنصات، إلى منعها تقريباً من الوصول مطلقاً إلى ذلك النوع من قابلية الرصد المنخفضة التي يمكن أن تصل إليها تصميمات القاذفات أو المقاتلات، لكن من الممكن تصميم مروحية أقل قابلية للرصد بكثير من نظيراتها في فئتها أو أسلافها، بما يمنحها ذلك التصنيف "الشبحي" المرغوب، حتى لو لم يكن خفياً بقدر أخواتها من الطائرات ثابتة الجناحين الموجودة في الخدمة، أو حتى بدرجة قريبة منها.