يقضي رئيس الكاميرون بول بيا الكثير من الوقت في فندق إنتركونتيننتال في جنيف حتى أن المُنشقّين يعتصمون باستمرار أمام المباني الفخمة المُطِلة على بحيرة للتعبير عن استيائهم من حكمه الذي دام 40 عاماً.
ومن جناحه المُطِل على البحيرة النقية في المدينة السويسرية، سيكون لدى بيا متسع من الوقت للتفكير في موجة الانقلابات التي اجتاحت غرب ووسط أفريقيا، ويسأل نفسه من قد يكون التالي.
أين سيحدث الانقلاب التالي في أفريقيا؟
واجهت مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والسودان والنيجر والآن الغابون اضطرابات الانقلابات العسكرية على مدى السنوات الثلاث الماضية؛ ما أدى إلى إطاحة الرؤساء المنتخبين ديمقراطياً والأسر الحاكمة سيئة السمعة على حد سواء.
ويقول محللون لصحيفة The Financial Times البريطانية إنه من المستحيل تحديد الدولة التالية، إن وجدت، لكن أوجه القصور في الأنظمة السياسية في العديد من البلدان تقدم دليلاً على القادة المهددين.
ويحتل بيا، رئيس دولة الكاميرون منذ عام 1982 ورئيس الوزراء قبل ذلك، مكانة عالية في القائمة. وقال فرانسوا كونرادي، المحلل في مؤسسة Oxford Economics Africa للاستشارات: "هناك رئيس لا يحظى بشعبية واستمر في السلطة لعقود من الزمن"، في إشارة إلى الرئيس الكاميروني البالغ من العمر 90 عاماً. وأضاف: "يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنه فاسد"، ويقال إنه يرغب في تعيين نجله فرانك خليفةً له، وهي خطوة لن تلقى قبولاً.
وتابع المحلل: "إنه أيضاً كبير في السن، وتقيد دائرة الأشخاص حوله الوصول إليه ويديرون الدولة أثناء غيابه". ويقضي بيا أشهراً بعيداً عن الدولة الواقعة في وسط أفريقيا، معظمها في مخبئه الأوروبي.
انقلاب الغابون قد يشجع المزيد من الجيوش في المنطقة على فعل الأمر ذاته
كان كل انقلاب من الانقلابات الأفريقية الأخيرة يتمتع بخصائص فريدة من نوعها، لكن الموضوع المشترك كان يتلخص في تجرؤ الجيوش وإدراكها أنها ستواجه مقاومة أقل فاعلية ضد أفعالها.
وقالت خلود خير، مديرة مؤسسة Confluence Advisory السودانية للفكر والرأي: "ينظر قادة الانقلاب المحتملين إلى هذا باعتباره دليلاً على أنه لن يصدُر رد فعل يُذكَّر".
وقد أبرزت إطاحة رئيس الغابون علي بونغو الأسبوع الماضي هذه النقطة. إذ لم يواجه قائد الانقلاب الجنرال بريس أوليغي نغويما انتقادات محلية أو دولية تُذكَّر منذ اعتقال بونغو، ابن عمومته من بعيد، وحلّ حكومته. وأدى نغويما اليمين الدستوري، يوم الإثنين 4 سبتمبر/أيلول، بيكون الرئيس المؤقت، وشهدت شوارع العاصمة ليبرفيل احتفالات على نهاية عهد أسرة بونغو المستمر منذ خمسة عقود.
ولم يتبع التهديد الذي أطلقته نيجيريا باستخدام القوة لإسقاط الانقلاب في النيجر المجاورة، الذي أطاح الرئيس محمد بازوم، عملٌ عسكري. ومنذ عام 2017، لم يواجه جنرالات زيمبابوي سوى القليل من اللوم أو لم يواجهوا أي منه على الإطلاق بسبب إطاحة روبرت موغابي.
وقال أفولابي أديكاياوجا، محلل الأبحاث في مركز الديمقراطية والتنمية البحثي: "صار الوضع مجرد التساؤل عن أين سيقع الانقلاب التالي. وفي عصر الانتخابات المثيرة للجدل، من الواضح أن النخب العسكرية والسياسية ترى بدائل. والسؤال الآن هو: ما مدى قبول هذه التغييرات وفاعليتها واستدامتها، وهل هي للأفضل أم للأسوأ".
الكاميرون مرشحة.. ماذا عن الكونغو وتشاد وغيرها؟
ومن الأنظمة المُهدَّدة بالانقلاب عليها إذا تحرك جنرالات بلادهم للاستفادة من السخط الشعبي بشأن حكمهم المطول: نظام دينيس ساسو نجيسو، رئيس جمهورية الكونغو الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 1997، وتيودورو أوبيانج، الرئيس الأطول خدمة في العالم الذي حكم غينيا الاستوائية منذ إطاحة عمه قبل 44 عاماً، وفور جناسينجبي في توغو، الرئيس منذ عام 2005 والذي خلف والده بعد فترة حكم طويلة أخرى.
ويقول محللون إن محمد إدريس ديبي، رئيس تشاد الذي تولى السلطة خلفاً لوالده، مُعرَّض لخطر الانقلاب عليه أيضاً. ويُنظَر إلى ديبي على نطاق واسع على أنه يفتقر إلى الكاريزما والسيطرة على السلطة مثل التي تمتع بها والده، وهو جندي مرهوب قُتِل خلال هجوم ضد المتمردين في عام 2021.
على الجانب الآخر، تعتبر الديمقراطيات المستقرة نسبياً في غرب أفريقيا؛ مثل السنغال وساحل العاج، أقل عرضة للخطر. ومع ذلك، يقول المحللون إن الاستياء من النفوذ الفرنسي في السنغال، التي شهدت اضطرابات سياسية هذا العام، وفي ساحل العاج (كوت ديفوار)، حيث الرئيس الحسن واتارا حليف لباريس، يمكن أن يكون عاملاً محفزاً للمتمردين المحتملين.
وكانت العديد من الحكومات التي سقطت بسبب الانقلابات مستعمرات فرنسية في السابق، بينما وصل قادة الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى السلطة وسط موجة متزايدة من المشاعر المعادية لفرنسا.
قادة أفارقة يتحسسون رؤوسهم
وقال بول ميلي، الخبير في برنامج أفريقيا في مركز Chatham House للأبحاث في لندن، إنَّ الزعماء الضعفاء سيفكرون الآن في كيفية توزيع ثروة الدولة بشكل أفضل على أجزاء أخرى من النخبة لمنعهم من إثارة التمرد.
لكن في بعض الأحيان، حتى حصة من الغنائم لا تكون كافية؛ فالانقلابات التي أطاحت بونغو وبازوم تزعمها قادة الحرس الرئاسي الذي كانت وظيفتهم الرئيسية هي حمايتهما.
وهناك دلائل تشير إلى أنَّ الرسالة بدأت تترسخ في أنحاء أفريقيا. فقد أجرت الكاميرون تعديلاً كبيراً على كبار ضباطها العسكريين في نفس اليوم الذي أُطِيح فيه بونغو رئيس الغابون. واعتبر الكثيرون ذلك إشارة إلى أنَّ بيا كان يهدف إلى تحصين نظامه من الانقلابات.
لكن استبعد شخص مُطلِّع على سياسة الكاميرون هذا الربط، وزعم أنَّ التغييرات كانت مخطط لها منذ فترة طويلة، لكنه أقر بأن التوقيت يمكن تفسيره على أنه حماية للنظام.
وتعد مثل هذه التحركات الاستباقية تذكيراً للمتآمرين المحتملين بأنَّ هناك مخاطر في توجيه الدبابات نحو القصر الرئاسي، حيث تخضع الجيوش لتدقيق متجدد من القادة الذين ربما وصلوا هم أنفسهم إلى السلطة عن طريق الانقلاب، وبالتالي يشعرون بالقلق الدائم بشأن إزاحتهم بنفس الطريقة.