تواجه العملية التعليمية في السودان تعقيدات بالغة في ظل استمرار الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وتواترت أنباء عن نية الحكومة تعطيل العام الدراسي 2023 – 2024، في ظل عدم صرف رواتب المعلمين وتحول المدارس في الولايات إلى دور إيواء للنازحين الفارين من نيران الحرب في العاصمة الخرطوم.
أضرار جسيمة
وذكرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في بيان لها الإثنين، أنه "منذ تفجر الاشتباكات (بين الجيش وقوات الدعم السريع) طال التخريب كل مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بولاية الخرطوم وعدداً من الولايات الأخرى".
وأضافت: "تأثرت هذه المؤسسات كلياً أو جزئياً وعددها (104) من مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة والمراكز البحثية والصندوق القومي لرعاية الطلاب".
كما "تضررت"، وفق البيان "رئاسة الوزارة باشتعال النار في عدد من طوابقها، واحتراق عدد كبير من المكاتب".
وأضاف الوزارة: "تضررت أيضاً جامعات كثيرة بكلياتها المختلفة في البنى التحتية من المعامل والورش والمكتبات والقاعات والمكاتب الإدارية حرقاً ونهباً وتكسيراً".
وأردفت: "تضررت في ولاية الخرطوم جميع الجامعات الحكومية بكلياتها، بجانب أكثر من عشر جامعات خاصة، وجامعتين أهليتين وعشرين كلية جامعية".
وأشار البيان إلى "استهداف ممنهج لممتلكات ومساكن أعضاء هيئة التدريس والعاملين في مناطق كثيرة من العاصمة وبعض الولايات".
عام دراسي فاشل
وقال المتحدث الرسمي باسم لجنة المعلمين السودانيين (مستقلة تشكلت عام 2015 لحماية حقوق المعلمين) سامي الباقر للأناضول، إن وزارة التربية والتعليم "ينبغي أن تعلن موقفاً واضحاً بشأن العملية التعليمية والعام الدراسي الجديد 2023 – 2024".
وأضاف أن اللجنة "رأت أن الحرب أثرت بشكل مباشر على العام الدراسي السابق ويمكن وصفه بالفاشل بدرجة كبيرة، خاصة أن عدد أيامه لم يتجاوز 90 يوماً، وأقل مدة متفق عليها عالمياً هي 180 يوماً".
وأردف الباقر: "لم تجر امتحانات شهادة الثانوية العامة السودانية للعام الماضي حتى الآن، ويستحيل إجراؤها في ظل الواقع الحالي باعتبارها امتحانات تجرى في كل السودان".
وتابع: "الآن أكثر من 10 ولايات في السودان متأثرة بالحرب بطريقة أو بأخرى بالتالي يستحيل إجراء امتحانات الشهادة السودانية في هذا الظرف".
وأشار الباقر إلى أن "بعض الكتب المدرسية غير متوفرة لكثير من المراحل الدراسية نتيجة توقف المطابع بسبب الحرب الدائرة في البلاد".
وزاد: "إلى الآن في 11 ولاية ضمن 18 ولاية لم يتم صرف رواتب 5 أشهر للمعلمين وهذا واقع مزرٍ جداً".
وتابع الباقر: "إضافة إلى ذلك فإن الكثير من المعلمين "اضطروا للنزوح من مناطق الحرب والنزاع".
وأعرب عن اعتقاده بأنه "من المستحيل تدشين العام الدراسي المقبل في ظل الحرب، وإذا تم فتح العام الدراسي سيواجه مشاكل كفيلة بانهياره منذ البداية".
ثكنات عسكرية
وأوضح الباقر أن "المدارس في ولايات الخرطوم أصبحت ثكنات عسكرية أو مستهدفة بالقصف، ولدينا نماذج كثيرة من المدارس".
وأضاف: "في المناطق الآمنة والتي أصبحت ملاذاً آمناً للفارين من مناطق الحرب مثل ولايات الجزيرة (وسط) نهر النيل، والشمالية (شمال)، وكسلا (شرق)، والنيل الأبيض (جنوب)، وسنار (جنوب شرق) أصبحت دور إيواء بالنسبة للنازحين".
وتابع الباقر: "كذلك هناك ولايات متأثرة بالحرب مثل ولايات وسط وغرب وشمال وجنوب دارفور وشمال كردفان"، لافتاً إلى أن المدارس فيها " إما متضررة أو أنها أصبحت دور إيواء".
نزوح ولجوء
من جهتها قالت عضو لجنة المعلمين السودانيين قمرية عمر للأناضول، إن العملية التعلمية "كل محاورها متأثرة تماماً بالحرب".
وأشارت إلى أن الطلاب "تأثروا بشكل مباشر بسبب النزوح واللجوء، وعدم الاستقرار".
وأضافت قمرية عمر أن "المعلمين أيضاً يعانون جراء عدم صرف الرواتب لمدة شهور، بالإضافة إلى مِحَن الكثير منهم، فأوضاعهم أصبحت صعبة جداً".
وتابعت: "المدارس تأثرت وأصبحت ثكنات ومناطق عسكرية تدار منها العمليات الحربية، بالإضافة لتعرضها للنهب من قِبَل القوات المتحاربة وعصابات السرقة".
تعقيدات بالغة
من جهته يرى مصعب عبد الله، وهو معلم بالمرحلة الأساسية بالسودان، أن العام الدراسي الجديد "يواجه تعقيدات بالغة، خاصة أن وزارة المالية أخفقت في صرف رواتب المعلمين في 11 ولاية من ضمن 18 ولاية".
وأوضح عبد الله في حديثه للأناضول أن المدارس في الولايات "أصبحت مراكز إيواء للنازحين الفارين من الحرب في الخرطوم".
بدوره يقول يوسف الهادي وهو أب لعدد من التلاميذ، إن "مستقبل الطلاب السودانيين أصبح في خطر بالغ جراء الحرب التي ستؤدي إلى تدمير العملية التعليمية في السودان".
وأضاف الهادي في حديثه للأناضول: "ليس لدينا خيار لتعليم أبنائنا في الوضع الراهن، وكل الظروف غير مواتية لإيجاد بدائل لتعليم الأبناء".
ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي يخوض الجيش وقوات "الدعم السريع" اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلَّف أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون، وأكثر من 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
ويتبادل الجيش، بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، اتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال وارتكاب انتهاكات خلال الهدنات المتتالية.