ينبغي أن تدفع السلسلة الأخيرة من الانقلابات العسكرية في جميع أنحاء منطقة الساحل الإفريقي إلى إعادة تقييم كبيرة للمساعدات العسكرية والأمنية الأمريكية للدول الإفريقية الهشة، وفقاً لتقرير جديد صادر عن مجلس شيكاغو للشؤون العالمية يدعو إلى تركيز أكبر على تحسين الحوكمة. فهل لم تعد هذه المساعدات تجدي نفعاً؟ وما البديل؟
إفريقيا.. الأولوية يجب أن تتحول نحو الاستقرار على المدى الطويل
جاء في تقرير دراسة الحالة أن "العمل العسكري قد يقضي على مشكلة الإرهاب، لكنه لن يخفف من الظروف الأساسية التي تغذيه". وأضاف التقرير: "إن تحسين الحوكمة هو وحده القادر على معالجة هذه المظالم، ما يعني أن الحكم الرشيد هو أساس الاستقرار على المدى الطويل".
ويقول مؤلفو التقرير الأمريكي: "لقد حان الوقت لقلب السيناريو رأساً على عقب. لطالما أعطت سياسة الولايات المتحدة في إفريقيا الأولوية للأمن على المدى القصير على حساب الاستقرار على المدى الطويل، من خلال الحرص على تقديم المساعدة الأمنية العسكرية. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لم تسفر عن الأمن في إفريقيا، ولم تخفف من التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة ومصالحها".
ويقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إن من بين التوصيات المهمة الأخرى، التي جاء بها التقرير المكون من 67 صفحة، بعنوان "الأقل يكون أفضل: استراتيجية جديدة للمساعدة الأمنية الأمريكية لإفريقيا"، والذي يتضمن العديد من دراسات الحالة، هي "كبح جماح المساعدات الأمنية للشركاء الذين فشلوا في إظهار الالتزام بالإصلاحات اللازمة لبناء الاستقرار على المدى الطويل".
ويعبّر التقرير عن القلق إزاء أن يؤدي النموذج الجديد المتمثل في "منافسة القوى العظمى" بين الولايات المتحدة وروسيا أو الصين إلى زيادة الاعتماد على المساعدات العسكرية.
"أكثر انتقائية في توزيع المساعدة الأمنية"
ووفقاً للتقرير، فإن "تصاعد المنافسة بين القوى العظمى يؤدي إلى تفاقم خطر قيام مؤسسة الأمن القومي الأمريكية بمفاقمة استراتيجية التعاون الأمني الخاصة بها في المنطقة، خوفاً من أن يؤدي القيام بخلاف ذلك إلى ترك فراغ قد يملؤه منافسو أمريكا".
ويضيف التقرير: "ومع ذلك، في الواقع، فإن الحجة الداعية إلى أن نكون أكثر انتقائية في توزيع المساعدة الأمنية تصبح أقوى مع عودة المنافسة بين القوى العظمى، حيث أصبحت القيم والسمعة ذات أهمية متزايدة في جذب الدعم للولايات المتحدة على حساب القوى العظمى الأخرى".
يأتي هذا التقرير، الذي أعدته إليزابيث شاكلفورد، وإيثان كيسلر، وإيما ساندرسون، في أعقاب الانقلاب العسكري في النيجر ضد الرئيس محمد بازوم، والذي كان قد تعاون بشكلٍ وثيق للغاية مع كلٍ من باريس وواشنطن في جهود مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد في النيجر ومنطقة الساحل وغرب إفريقيا على نطاق أوسع.
وتلقّت النيجر، التي تستضيف قاعدة للطائرات المسيَّرة يعمل بها نحو 1100 جندي أمريكي، مساعداتٍ أمنية وعسكرية أمريكية بحوالي 500 مليون دولار منذ عام 2016.
ضباط تلقوا التدريب الأمريكي ينفذون الانقلابات العسكرية في الساحل الإفريقي
كان الانقلاب في النيجر هو السادس في المنطقتين منذ عام 2020. وقد لعب الضباط الذين تلقوا التدريب الأمريكي على الأقل في السنوات الثلاث الماضية أدواراً رئيسية في الانقلابات في مالي (2020)، وغينيا (2021)، وتشاد (2021)، وبوركينا فاسو (2022)، والآن في النيجر. وفي حين أن التدريب الأمريكي يتضمن عادة دورات تدريبية حول "حقوق الإنسان واحترام الحكم المدني"، يشير السجل إلى أن هذه الجهود كان لها تأثير محدود في أحسن الأحوال، بحسب موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وجاء في التقرير: "بدلاً من افتراض أن المساعدة الأمنية ستعزز الاستقرار وتزيد من نفوذنا، يجب على الحكومة الأمريكية أن تدرك أن تقديم المساعدة الأمنية إلى الدول الضعيفة أو الهشة أو غير الليبرالية أمر محفوف بالمخاطر بطبيعة الأمر". وأضاف التقرير: "بناءً على ذلك، ينبغي للولايات المتحدة أن تستخدم المساعدة الأمنية بشكل مقتصد وفقط بعد تقييم أن الفوائد، إذا كانت قابلة للتحقيق، من المرجح أن تفوق التكاليف على المدى الطويل".
ويعرض التقرير دراسات حالة قطرية محددة تغطي بوركينا فاسو والكاميرون وإثيوبيا. وقال إنه في هذه الدول الثلاث "فشلت مساعدات القطاع الأمني في منع أو إنهاء التهديد الإرهابي الذي كان من المفترض أن تكافحه المساعدة الأمريكية، وسهّلت السلوك التعسفي من قبل جيش الدولة الشريكة، وساهمت في النهاية في زيادة عدم الاستقرار على المدى الطويل".
إعادة تقييم المخاطر
ومن بين التوصيات الأخرى، يحثّ التقرير على إجراء المزيد من التدقيق والرقابة القوية من قِبَلِ وزارة الخارجية للوحدات العسكرية في البلدان التي تتلقى الدعم، علاوة على تتبُّع مجتمع الاستخبارات الأمريكي والإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات العسكرية والأمنية التي تتلقى مشورة الوكالات الأمريكية الأخرى، وتقديم إنذار مبكر بالسلوك المزعزع للاستقرار الذي يمكن أن يؤدي إلى نشوب صراع.
وقال التقرير إن جميع برامج المساعدة الأمنية الجديدة أو المخطط لها يجب أن تخضع "لتقييم المخاطر الكامل والمنهجي… للنظر في التأثير المحتمل على المصالح الأمريكية على المدى الطويل، مثل قضايا الحكم التي تؤثر على الاستقرار السياسي، بما في ذلك الاتجاهات المناهضة للديمقراطية، وتفاقم الصراع العرقي، وعدم المساواة في توزيع الموارد والخدمات الحكومية ومساءلة الأجهزة الأمنية".
ويدعو التقرير إلى رقابةٍ أكبر وأكثر حِدَّة من جانب الكونغرس على برامج المساعدة الأمنية الأمريكية، وسد الثغرات فيما يسمى بقوانين ليهي التي تحظر تقديم المساعدة للوحدات المسيئة.
وبالإضافة إلى إعطاء أولوية أكبر للمساعدات غير العسكرية و"المشاركة في القوة الناعمة، ويجب على واشنطن أيضاً توجيه المزيد من المساعدات الأمنية من خلال الهيئات الإقليمية، مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بدلاً من تقديم الدعم للدول بشكل مباشر، حيث تكون القيادة ضعيفة، وحماية المدنيين أمراً مشكوكاً فيه".