خالف التقرير المتفائل الذي أصدرته وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية عن إسرائيل الأسبوع الماضي، التحليلات الشائعة بأن أجندة حكومة نتنياهو اليمينية الشعبوية تقتل الاقتصاد بطرد رأس المال والشركات والمواهب إلى الخارج، الأمر الذي أعاد الجدل بشأن تأثير أزمة التعديلات القضائية على الاقتصاد الإسرائيلي.
فعلى عكس وكالات التصنيف الائتماني الأخرى، أكدت وكالة فيتش التصنيف السيادي لإسرائيل عند A+، ولم تشِر إلى وجود خطورة كبيرة من التعديلات القضائية المقررة التي أطلقت العنان لسبعة أشهر من الاضطرابات غير المسبوقة، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
لماذا ترى "فيتش" أن الاقتصاد الإسرائيلي لن يتأثر كثيراً بأزمة التعديلات القضائية؟
وفي مقابلة، قال سيدريك بيري، محلل فيتش الرئيسي الخاص بإسرائيل، إنه استمد هذه التوقعات المتفائلة من مزيج من مرونة إسرائيل الاقتصادية ووضعها السياسي. وقال إن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "خففت" أيضاً من مساعيها لتقليص السلطة القضائية.
وقال بيري: "حتى لو استمرت حكومة إسرائيل أربع سنوات، فيستبعد أن يُشكَّل ائتلاف مماثل بعد ذلك، ولذلك فإلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الإسرائيلي يقتضي حملة تعديلات قوية جداً. ولا نرى أن الحكومة تسير في هذا الاتجاه".
إليك ما قالته عن احتمالات هروب رأسمال المال والكفاءات
وقال إيضاً إن أي مخاوف مرتبطة بهروب كبير لرأس المال والكفاءات في صناعة التكنولوجيا لا أساس لها، لأن أي هروب من هذا القبيل سيكون محدوداً ولا يكفي لإحداث تأثير كبير.
وقال بيري: "حتى لو حدث القليل من حركة هروب الكفاءات ورأس المال، فالكثير من النشاط سيبقى في إسرائيل وسيكون كافياً لتعزيز الاقتصاد. المسألة دائماً مسألة حجم".
وهذه اللهجة المُطمئِنة في تقرير فيتش كان مفاجأة أكبر من نتائجه، التي أبقت درجة ديون إسرائيل على نفس مستواها في وكالة موديز للمستثمرين وبدرجة واحدة أقل من تقييم S&P Global Ratings. ومع ذلك، فالمرتبة الخامسة في التصنيف الاستثماري تتطابق مع تصنيف السعودية، أكبر مُصدِّر للنفط في العالم وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط.
نتنياهو ضغط على وكالات التصنيف
وأصبح التهديد الذي تشكله التعديلات القضائية على التصنيفات الائتمانية لإسرائيل نقطة خلاف حساسة؛ لدرجة أن نتنياهو ضغط شخصياً على وكالات التصنيف مطلع هذا العام، وفقاً لتقارير إعلامية محلية. ولم يذكر بيري إن كان قد التقى رئيس الوزراء خلال زيارة لإسرائيل أو الرسالة التي ربما تلقتها فيتش من المسؤولين.
بالنسبة لنتنياهو، كانت هذه "الأنباء السارة جداً" من وكالة فيتش إثباتاً للسياسات التي قال إن هدفها كبح النشاط القضائي فقط، ولن تعرِّض ديمقراطية إسرائيل أو اقتصادها للخطر.
على أن القلق من الخطوات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية الأكثر تشدداً وقومية في تاريخ البلاد يفصح عن نفسه في السوق.
الشيكل تراجع بنسبة 11% ليصبح من أسوأ العملات أداءً في العالم
فمنذ انطلاق المظاهرات في أواخر يناير/كانون الثاني، انخفضت قيمة الشيكل إلى أدنى مستوى منذ أكثر من ثلاث سنوات في واحد من أسوأ الأداءات بين مجموعة من العملات الرئيسية الموسعة.
فبخسارته أكثر من 11% من قيمته مقابل الدولار، لا يتقدم الشيكل إلا على البيزو الأرجنتيني والليرة التركية والروبل الروسي.
وقال بيري إن هذا التغيير العنيف في السوق لا يزعج وكالة فيتش؛ لأن العملات والأسهم "تكون استجابتها أقوى من الأساسيات الاقتصادية"، وهي التي تعتمد عليها الوكالة لتقييم استدامة اقتصاد الدولة.
وقال: "أحد التساؤلات الكبرى عن مستقبل إسرائيل هو إن كانت الضبابية مؤقتة أم علامة على تغيير هيكلي في تصور المستثمرين لوضع البلاد. أتوقع أن هذا التغيير الهيكلي في التصور يتطلب أجندة تعديلات أقوى وأشد ضرراً من جانب الحكومة".
فيتش تراهن على محدودية التعديلات القضائية
وعامل أساسي من العوامل التي بنت عليها فيتش تقريرها هو أن التغييرات التي أجريت على حزمة التعديلات الأولية الخاصة بالحكومة- مثل مقترح الامتناع عن منح الحكومة أغلبية تلقائية في لجنة اختيار القضاة، "ستجعل من الصعب اتخاذ إجراءات متشددة مع القضاء".
ورغم تحذير منتقدين من أن إسرائيل تواجه مخاطر مماثلة للتداعيات التي شهدتها دول مثل بولندا، والتي استهدفت أيضاً تعديل النظام القضائي، قال بيري إنهم لم يعرضوا توجيهات أو سابقة للكيفية التي قد تتغير بها مؤشرات حوكمة البنك الدولي لإسرائيل، خاصة أن "نطاق التعديلات" قد لا يكون هو نفسه.
على أن ثقة فيتش رافقها تحذير من أن نتائج مؤشرات الحوكمة لإسرائيل قد تتعرض لخطر أكبر في حالة "حدوث تغيير هائل في طريقة تعيين القضاة بأجندة مغرقة في السياسة".
تراجع الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا القيادي ولكن الشركات الأمريكية متفائلة
ولا يتجلى القلق على مستقبل إسرائيل أكثر مما يتجلى في صناعة التكنولوجيا، محرك الاقتصاد الذي تبلغ قيمته 520 مليار دولار والذي يوظف 14% من جميع العاملين ويساهم بحوالي ربع ضريبة الدخل.
فالاستثمارات في هذا القطاع خلال الربع الثاني من عام 2023 كانت الأدنى منذ عام 2018، ووجدت دراسات استقصائية أجريت مؤخراً أن أكثر من ثلثي الشركات الناشئة الإسرائيلية أقدمت على خطوات مثل نقل الموظفين ونقل احتياطياتها النقدية ومقارها الرئيسية إلى الخارج. ويتناقض التفاؤل بفرص سوق رأس المال الاستثماري الأمريكي تناقضاً صارخاً مع نظرة المستثمرين المحليين المتشائمة لفرص إسرائيل.
ولكن حتى هذا، تراه فيتش مؤقتاً أكثر منه تغييراً دائماً، لأن شركات التكنولوجيا الإسرائيلية تربحت أكثر من غيرها أثناء وبعد الجائحة العالمية.
وقال بيري: "من وجهة نظرنا، يُحتمل أن نرى استثمارات جديدة في إسرائيل حين تتغير الاتجاهات العالمية. والرسالة الرئيسية هنا أن هذا ليس يوم القيامة لاقتصاد إسرائيل".
وقال إن تضرر تصنيف الائتمان الإسرائيلي يلزمه أن تشهد "هجرة جماعية كبيرة للكفاءات ورأس المال، وهذا ليس ما نتوقعه في هذه المرحلة".