تواصل إيكواس التلويح باستخدام القوة لإجبار زعماء الانقلاب في النيجر على إعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، فماذا سيحدث للقوات الأمريكية المتمركزة هناك إذا ما انفجر الموقف عسكرياً؟
كانت إيكواس، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، قد أمهلت قادة الانقلاب في النيجر أسبوعاً للتراجع، وإلا فالحرب ستندلع لا محالة. لم يتراجع قادة الانقلاب بل أعلنوا عن محاكمة بازوم بتهمة "الخيانة العظمى"، فاجتمع قادة جيوش إيكواس لاتخاذ قرار الحرب.
ما احتمالات اندلاع الحرب فعلاً؟
من الصعب التنبؤ بما إذا كانت إيكواس ستُنفِّذ تهديداتها، خصوصاً بالنظر إلى التحديات الأمنية الداخلية التي تواجه نيجيريا، والتي يُفتَرَض عموماً أنَّها ستقود أي تدخل عسكري. ما يُعقِّد الأمور أكثر هي حقيقة أنَّ بوركينا فاسو ومالي -وكلتاهما محكومتان حالياً من مجلسين عسكريين- هدَّدتا بالقتال إلى جانب الانقلابيين في النيجر إذا ما تحرَّكت المنظمة لغزو البلاد.
ووفقاً لصحيفة The Independent البريطانية، يقول محللون إنَّ البلدان الإقليمية تواجه أزمة شرعية مع نفاد الخيارات والوقت لاستعادة الحكم الديمقراطي في النيجر.
وفي هذا الإطار تركزت كل الأنظار في الوقت الحالي على قمة إيكواس الطارئة في غانا يوميّ الخميس 17 أغسطس/آب والجمعة 18 أغسطس/آب، والتي قد تقدم مؤشراً أوضح عما إذا كانت هناك حرب إقليمية في الأفق.
ووفقاً للإندبندنت، يجتمع قادة جيوش مجموعة الإيكواس في غانا لمناقشة أزمة النيجر بعد انتهاء المهلة المُقدَّمة للمجلس العسكري للإفراج عن الرئيس محمد بازوم وإعادته لمنصبه أو مواجهة تدخل عسكري. ويُعَد هذا هو الاجتماع الأول منذ أمرت الإيكواس الأسبوع الماضي بتفعيل "قوة احتياط" لاستعادة الحكم الدستوري في البلاد. وقال خبراء في الصراع إنَّ القوة ستتألَّف على الأرجح من بضعة آلاف من الجنود من نيجيريا وساحل العاج والسنغال وبنين، ويمكن أن يستغرق تحضيرها أسابيع أو أشهراً.
مسؤول كبير قال لمسؤولي الدفاع المجتمعين في غانا لبحث تفاصيل القوة التي قد تهاجم النيجر إن إيكواس مستعدة للتدخل عسكرياً إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في إنهاء الانقلاب هناك.
وكان ضباط عسكريون في النيجر قد أطاحوا بالرئيس المنتخب محمد بازوم يوم 26 يوليو/تموز الماضي وتحدوا دعوات من الأمم المتحدة وإيكواس وقوى غربية لإعادته إلى منصبه؛ مما دفع قادة دول غرب إفريقيا إلى إصدار أوامر بتشكيل القوة الاحتياطية.
عبد الفتاح موسى، مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في إيكواس، قال بحسب رويترز: "لا ينبغي لأحد أن يشك في أنه في حالة فشل كل الحلول، فإن القوات الباسلة في غرب إفريقيا.. مستعدة للاستجابة لنداء الواجب". وأخبر موسى رؤساء هيئة الأركان من الدول الأعضاء في الاجتماع "بكل الوسائل المتاحة، سيجري استعادة النظام الدستوري في البلاد". وأشار إلى عمليات انتشار سابقة للمجموعة في جامبيا وليبيريا وغيرهما خلال طرحه أمثلة على الاستعداد.
لماذا النيجر مهمة لأمريكا؟
تخشى الدول الغربية عموماً أن يحذو المجلس العسكري في النيجر حذو نظيره في مالي المجاورة؛ حيث طردت الحكومة العسكرية القوات الفرنسية ودعت مقاتلين من مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة الروسية التي رحبت بالانقلاب في النيجر.
ورصد تحليل لموقع Responsible Statecraft الأمريكي تفاصيل المأزق الذي تواجهه واشنطن حالياً في النيجر، فالأوضاع هناك أثارت تساؤلات حول ما إن كان سيتعين على القوات الأمريكية مغادرة قاعدة طائرات دون طيار كبيرة يعتبرها المسؤولون ضرورية لعمليات مكافحة الإرهاب الإقليمية.
وتُعَد القاعدة، الواقعة قرب مدينة أغاديز الشمالية الصغيرة، هي نقطة الانطلاق الرئيسية لكل عمليات واشنطن الاستطلاعية والاستخباراتية في غرب إفريقيا تقريباً. وجرى وقف تحليق أسطول الطائرات دون طيار الأمريكية في المنطقة، والذي كان يعمل سابقاً من القاعدة، منذ الانقلاب عقب قرار المجلس العسكري إغلاق المجال الجوي النيجري.
تاريخ الوجود الأمريكي في النيجر يعود إلى عام 2002، حين كانت إدارة جورج بوش الابن تفعل ما تُسمَّى "حربها العالمية على الإرهاب". وأنفقت واشنطن 110 ملايين دولار في بناء القاعدة قرب أغاديز، وقدَّمت نحو 500 مليون دولار من المساعدات الأمنية للبلاد منذ عام 2012.
وكرَّست الولايات المتحدة أيضاً وقتاً كبيراً لتدريب الضباط النيجريين ومساعدتهم في مهام تهدف لاجتثاث الجماعات الإرهابية التي سيطرت على موطئ قدم لها في البلاد في السنوات الأخيرة. ولدى الولايات المتحدة اليوم نحو 1100 جندي أمريكي متمركزين بشكل دائم في البلاد.
لكن، وبحسب الصحفي الأمريكي نيك تورس، فإنَّ هنالك مبرراً للاعتقاد بأنَّ الوجود الأمريكي في النيجر كان له تأثير سلبي على أمن البلاد. إذ تزايدت حدة الهجمات بشكل كبير منذ بدأت الولايات المتحدة العمل في المنطقة، وتلقّى خمسة على الأقل من قادة المجلس العسكري تدريباً من الجيش الأمريكي، الأمر الذي يشير إلى أنَّ النفوذ الأمريكي لم يُشجِّع كثيراً على احترام الديمقراطية في صفوف الجيش النيجري.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الكثير من المشكلات الأمنية القائمة في المنطقة تعود إلى تدخُّل الناتو في ليبيا عام 2011، وهي جارة النيجر الشمالية. إذ ذكر تقرير حديث من مجلس العلاقات الخارجية: "يرتبط عدم الاستقرار الحالي بانهيار الدولة الليبية في 2011، والذي أدَّى إلى انتشار الأسلحة والمقاتلين المسلحين في المنطقة". ومع وفرة الأسلحة المتاحة في السوق السوداء، خلقت الجماعات الجهادية عدم استقرار في أرجاء منطقة الساحل، وهو ما فتح الباب أمام سلسلة من الانقلابات العسكرية.
ما خيارات أمريكا؟
في نيامي عاصمة النيجر، حيث شاركت حشود كبيرة في احتجاجات ضد إيكواس ولدعم قادة الانقلاب، رفض السكان فكرة التدخل الخارجي لإعادة الرئيس المنتخب والحكومة المدنية.
وقال المواطن عمر ياي لرويترز: "لست خائفاً لأنني أعرف أن قواتنا المسلحة مستعدة جيداً للتعامل مع أي احتمال". وأضاف: "إيكواس تتلاعب بها قوى أجنبية. عندما نرى ردود فعل فرنسا منذ الانقلاب وخاصة الإجراءات الصارمة التي اتخذتها المجموعة، لا يسعني إلا أن أعتقد أن هذه إجراءات منسقة بين فرنسا وإيكواس".
من ناحيتها، تنفي فرنسا التي احتلت النيجر في الماضي، اتهامات المجلس العسكري بأنها تسعى لزعزعة استقرار البلاد أو أنها انتهكت مجالها الجوي. وقالت إنها تدعم جهود إيكواس لاستعادة النظام الدستوري.
ورفض موسى الاتهام بأن فرنسا أو أي قوة خارجية أخرى تتلاعب بإيكواس. واتهم المجلس العسكري "بممارسة لعبة القط والفأر" مع إيكواس من خلال رفض الاجتماع مع مبعوثي التكتل والبحث عن مبررات للانقلاب.
وقال إن معظم الدول الأعضاء في إيكواس والبالغ عددها 15 مستعدة للمشاركة في القوة الاحتياطية التي يمكن أن تتدخل في النيجر. والدول غير المشاركة هي مالي وبوركينا فاسو وغينيا وجميعها واقعة تحت الحكم العسكري، بالإضافة إلى دولة الرأس الأخضر، التي وصفها بالصغيرة.
وانتقد موسى إعلان المجلس العسكري عن وجود ما يدعم تقديم بازوم للمحاكمة بتهمة الخيانة. وعبرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيكواس عن قلقها حيال ظروف احتجاز بازوم. وقال موسى: "المفارقة هي أن المحتجز كرهينة هو نفسه المتهم بالخيانة. ويتساءل الجميع متى ارتكب الخيانة العظمى؟".
أما هناك في واشنطن، فتشير الأمور إلى أن الولايات المتحدة وجدت نفسها الآن في مأزق. فوفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، اتخذ المسؤولون الأمريكيون بعض الخطوات لتقليص التعاون مع النيجر في المدى القصير.
لكن في الوقت نفسه، أكَّد المسؤولون الأمريكيون أنَّ البنتاغون لن تغادر النيجر من تلقاء نفسها. مسؤول أمريكي لم يعلن عن هُويته قال لوكالة رويترز: "الطريقة الوحيدة لإنهاء هذه المهمة هي إذا ما طلبت منا الحكومة النيجرية المغادرة. إنَّها (المهمة) أهم من أن نتخلى عنها".
واختار المجلس العسكري في النيجر حتى الآن ألا يبدأ معركةً مع واشنطن، وبدلاً من ذلك، ركَّز عبد الرحمن تشياني، زعيم الانقلاب، على فرنسا، فألغى سلسلة من اتفاقيات التعاون العسكري وطالب بمغادرة القوات الفرنسية للبلاد. باريس، من جانبها، رفضت سحب قواتها المتمركزة حالياً في النيجر والبالغ عددها 1500، مجادلةً بأنَّ أي قرارات يتخذها المجلس العسكري غير شرعية.
ويرى العديد من المحللين أنَّ الولايات المتحدة على الأرجح ستغادر إذا ما تحوَّلت التهديدات العسكرية من الإيكواس إلى حقيقة. قالت سارة هاريسون من مجموعة الأزمات الدولية خلال حلقة نقاشية عُقِدَت مؤخراً: "أتصوَّر أنَّه في حال وقع غزو الإيكواس، وكانت هناك حرب إقليمية، فإنَّ ذلك سيضع وزارة الدفاع في موقف صعب".
وأضافت هاريسون أنَّه في حالة الغزو، ستضطر الولايات المتحدة على الأرجح للانسحاب "لمسائل تتعلَّق فقط بحماية القوة". والوضع الآخر الذي قد يجبر الجنود الأمريكيين على المغادرة -أو على الأقل تقليص دورهم في البلاد- هو إذا ما نجح المجلس العسكري في التشبث بالسلطة. فقالت هاريسون: "إذا لم يجرِ التراجع عن الانقلاب، سيكون من الصعب البقاء من منظور سياسي. الولايات المتحدة هناك تُدرِّب وتُسلِّح القوات النيجرية، والكثير من ذلك سيكون خارج حدود المسموح".
ونظراً لهذه التحديات، ينظر بعض المحللين إلى الانقلاب باعتباره فرصة لصانعي السياسة الأمريكيين من أجل تغيير طريقتهم ومحاولة نهج جديد لتحسين الأمن وبناء قدرات الدول في غرب إفريقيا.