"يجب مراجعة أو وقف المساعدات الأمريكية لإسرائيل"، لأول مرة في تاريخ العلاقة بين البلدين، أصبح معلقون أمريكيون يجاهرون بهذا الطرح، فهل يمكن أن تترجم هذه الدعوات إلى واقع؟
فلقد تسلّلت بعض الأفكار النادرة حول سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل إلى الخطاب السائد، بعدما كان نادراً ما يُعبَّر عن مثل هذه الأفكار قبل بضع سنوات فقط.
ويتعلق هذا التطور بالسياسة الأمريكية أكثر منه بالأزمة الداخلية الإسرائيلية جراء التعديلات القضائية وممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
دعوات إلى إنهاء المساعدات الأمريكية لإسرائيل البالغة 3.8 مليار دولار، لأنها دولة غنية
وقد تسرّبت فكرة معينة واحدة على الأقل إلى الخطاب السائد، وهي أنه يجب إنهاء المساعدات الأمريكية لإسرائيل السنوية البالغة 3.8 مليار دولار والتي تُمنح بدون قيود، أو على الأقل إرفاقها بشروط.
وأثار الصحفي الأمريكي نيكولاس كريستوف هذا الموضوع مؤخراً في مقال بصحيفة The New York Times، استشهد فيه بمثقفين عامين بارزين لديهم سجلات صداقة لا جدال فيها مع إسرائيل، من ضمنهم السفيران الأمريكيان السابقان لدى إسرائيل دانيال كيرتزر ومارتن إنديك. ويتحدث البعض الآخر ممن لهم نفس المكانة والخلفية، وضمنهم الصحفي في The Washington Post ماكس بوت، على المنوال نفسه.
لكن لماذا يحدث هذا التغيير في المناقشة العامة الآن؟ إنَّ الحُجة وراء الدعوة إلى الإلغاء التدريجي لـ"المساعدات الأمريكية لإسرائيل" لم تكتسب قوة مؤخراً فحسب، بل هي مرتبطة بواقع موجود منذ فترة طويلة؛ فإسرائيل دولة غنية وهذه الحقيقة ليست جديدة. وهي تقع ضمن خمس أو حتى عشر أغنى البلدان، اعتماداً على كيفية قياس المرء لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
وحتى في ظل السياسة الأمريكية بأن تظل إسرائيل إلى حد بعيدٍ الدولةَ الأكثر قدرة عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط، فالواقع أنها تستطيع تحمُّل دفع ثمن تلك القدرة بنفسها.
ليس هناك مبرر لأن يدعم دافعو الضرائب الأمريكيون نظراءهم الإسرائيليين
وتُشكّل المليارات من المساعدات الأمريكية لإسرائيل دعماً من دافعي الضرائب الأمريكيين لدافعي الضرائب الإسرائيليين. وهذا الدعم غير مبرر، لا سيما عندما يعرب القادة السياسيون عن أسفهم لدافعي الضرائب الأمريكيين على عجز الميزانية ويقترحون تخفيضات كبيرة على البرامج الحكومية التي تدعم صحة ورفاهية وازدهار الأمريكيين أنفسهم.
علاوة على ذلك، أظهرت سنوات الخبرة أنَّ المساعدات الضخمة غير المشروطة لإسرائيل (158 مليار دولار حتى الآن) لم تُقدِّم للولايات المتحدة أي تأثير تقريباً على السياسات الإسرائيلية، باستثناء ربما بعض الأصوات الرمزية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الأمور التي يعارض فيها الجميع تقريباً الولايات المتحدة.
التعديلات القضائية أعطت زخماً لهذه الدعوات
ويبدو أنَّ الحدث الذي عجّل بتغيير الخطاب الأمريكي السائد هو الاضطراب السياسي في إسرائيل المحيط بجهود الحكومة اليمينية لإضعاف سلطات القضاء.
ورغم أن التعديلات القضائية مسألة داخلية إسرائيلية، فإن لها صلات بمسائل ذات تبعات دولية غير مباشرة، لأنَّ المحكمة العليا الإسرائيلية كانت عائقاً أمام بعض الإجراءات التي حاولت الحكومة اتخاذها لإخضاع الفلسطينيين والمضي قدماً في الضم الفعلي للضفة الغربية.
بينما الإجابة عن سؤال "لماذا الآن؟" في ما يتعلق بتغيير الخطاب حول سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، لا يمكن العثور عليها في جوهر قضية الإصلاحات القضائية الإسرائيلية المثيرة للجدل. بل تتعلق الإجابة أكثر بالأنماط السياسية الأكبر التي برزت في إسرائيل هذا العام. وأحدها هو الشدة المطلقة للانقسام السياسي في إسرائيل -بين اليهود الإسرائيليين- والذي تجلى في احتجاجات الشوارع الضخمة التي تجاوزت ما شوهد في التاريخ السياسي الإسرائيلي السابق. ومع هذا العدد الكبير من اليهود الإسرائيليين الذين يعارضون بشدةٍ الحكومة الإسرائيلية وما تفعله، يمكن للسياسيين والمعلقين الأمريكيين المشاركة بارتياح في انتقاد تلك الحكومة دون الإضرار بمؤهلاتهم كـ"مؤيديين لإسرائيل".
في حين يتمثل النمط الآخر في طبيعة الحكومة الائتلافية الإسرائيلية الحالية، التي تولّت السلطة في مطلع العام، وهي الحكومة الأكثر تطرفاً في البلاد على الإطلاق. فقد تخلى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عن كثير من السلطات لصالح الوزراء المتطرفين، مدفوعاً بالسعي اليائس للحفاظ على تماسك الائتلاف الحكومي حتى يظل في السلطة ويبقى خارج السجن في قضايا الفساد. والعديد من الأمريكيين الذين يتأملون توجهات تلك الحكومة وينتقدونها، وهو ما يتوافق تماماً مع تفانيهم المعلن لإسرائيل، يشعرون بالقلق الحقيقي بشأن المستقبل المدمر الذي تقود الحكومة البلاد إليه.
لكن بالنسبة لكثير ممن ينخرطون في النقاش والجدل السياسي في الولايات المتحدة، فإنَّ الوضع يتعلق أكثر برأي الجمهور وكيف يجعلون مواقف معينة من الناحية السياسية آمنة أو غير آمنة.
فمن السهل كراهية حلفاء نتنياهو المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية؛ من بينهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي استعرض في السابق صورة لباروخ غولدشتاين، القاتل الجماعي الذي قتل 29 من المصلين المسلمين وجرح 125 آخرين في الخليل في عام 1994، وأشاد به. ومنهم أيضاً وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يدافع عن الفصل في أقسام الولادة؛ حتى لا تضطر النساء اليهوديات إلى الوجود بالقرب من العرب. هذه الشخصيات الرئيسية في الحكومة من اليهود المتعصبين من ذوي التوجهات المركزية، والصورة التي يقدمونها قبيحة بما يكفي لأن يصير انتقاد الأمريكيين للحكومة الإسرائيلية أكثر أمناً من الناحية السياسية مما كان عليه من قبل.
"حياة الفلسطينيين مهمة أيضاً".. بعض الأمريكيين ينظرون للاحتلال كامتداد لمشكلاتهم الداخلية
وممارسات الاحتلال الإسرائيلي والخطاب اليميني المتطرف لحكومة نتنياهو الحالية، يرتبطان في أذهان كثير من الأمريكيين الداخليين بالنضال الداخلي ضد العنصرية اليمينية الأمريكية، الأمر الذي جعل القضية الفلسطينية تتحول تدريجياً لقضية داخلية أمريكية، بين مؤيد ومعارض لها، بعد أن كان دعم فلسطين في أمريكا وانتقاد إسرائيل خطاً أحمر، مع تسجيل التعاطف الأمريكي مع فلسطين على المستوى الشعبي أعلى مستوى في تاريخه.
وكان أوضح مثال لهذا الربط قول السيناتور الأمريكي الديمقراطي البارز اليهودي الديانة، إن حياة الفلسطينيين مهمة، على غرار الشعار الذي رفعته حركة "حياة السود مهمة" بالولايات المتحدة في عام 2013، وبلغت ذروتها بعد قتل الشرطة الأمريكية للمواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد في مايو/أيار 2020، وآخرين، وشارك في هذا الحراك نحو 20 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها، إلى جانب ملايين آخرين حول العالم.
ولا تزال دورات العنف في الصراع الطويل بين الفلسطينيين والإسرائيليين على حالها دون تغيير، لكن نظرة الأمريكيين أنفسهم إلى الصراع هي التي بدأت تتغير، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
التعاطف الأمريكي مع الفلسطينيين في مستوى تاريخي لكنه ما زال أقل من إسرائيل
وسجلت معدلات تعاطف البالغين الأمريكيين مع الفلسطينيين "ارتفاعاً قياسياً جديداً" عند 31%، بينما سجلت نسبة من يفضلون عدم الانحياز إلى أحد الجانبين انخفاضاً جديداً عند 15%، وذلك وفقاً لاستطلاعٍ جديد أجرته مؤسسة Gallup.
وكشفت اتجاهات استطلاع Gallup للشؤون العالمية، في استطلاع أجرته في فبراير/شباط 2023، عن فجوةٍ قدرها 23 نقطة في مستويات التعاطف تجاه إسرائيل والفلسطينيين لصالح تل أبيب، لكن هذه الفجوة تمثل الأفضلية الضعيفة الوحيدة التي تتمتع بها إسرائيل في هذا السياق. فضلاً عن كونها المرة الأولى التي لا تحظى فيها إسرائيل بأفضلية أكبر من الضعف على الفلسطينيين، وذلك في ما يتعلق بتعاطف الأمريكيين، وفقاً لـGallup.
ويشكِّل اليهود الأمريكيون الشباب قوةً حاسمة في هذه الرمال الثقافية المتحرِّكة، وهم يكافحون من أجل التوفيق بين وجهات نظرهم التقدُّمية بشأن السياسة والعرق من ناحية وأفعال إسرائيل من ناحيةٍ أخرى، ويتساءلون: "لماذا يعني الوطن الآمن لنا إخضاع الآخرين؟".
هذا الباب الجديد لمساءلة الحديث الإسرائيلي الرسمي قد غيَّر بالفعل المفردات في المحادثات داخل الولايات المتحدة حول الصراع بطرقٍ لافتة للنظر.
وبدأ البعض في الولايات المتحدة يتحدثون علناً عن كون إسرائيل نظاماً للفصل العنصري، حسبما ورد في مقال نُشر بمجلة The American Prospect الأمريكية لسارة ليا ويتسون، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، والمديرة التنفيذية السابقة لقسم شؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط بمنظمة "هيومن رايتس ووتش".
تحوُّل واضح لدى الديمقراطيين
شهد الرأي العام الأمريكي في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تحوُّلاً أكثر وضوحاً بين الديمقراطيين الأمريكيين، وفقاً لـGallup.
إذ وجد الاستطلاع أن 49% من المشاركين الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين، بينما انخفضت نسبة المتعاطفين مع الإسرائيليين إلى 38%.
يُذكر أن مؤسسة Gallup وجدت عام 2016، أن 23% فقط من الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين.
ويُمكن القول إن الديمقراطيين في الولايات المتحدة قد "زاد تقاربهم" مع القضية الفلسطينية على مدار العقد الماضي، وذلك بحسب بيانات Gallup. ويلعب السكان الأصغر من جيل الألفية والجيل زد دوراً في تحريك "الانخفاض الحاد" في معدلات التعاطف مع الإسرائيليين.
وقال الجندي: "لقد اجتزنا عتبةً جديدة"، حيث يتفوق دعم الفلسطينيين على دعم الإسرائيليين بين صفوف الديمقراطيين حالياً، ولا شك في أنها "لحظة بارزة للغاية، وللعديد من الأسباب".
وتزايد الاستقطاب حول إسرائيل بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين زاد تأييدهم لتل أبيب، والملاحَظ أيضاً أن المستقلين ازداد تعاطفهم مع القضية الفلسطينية.
جاء التحول الأول والأكثر وضوحاً داخل الكونغرس، حيث انتقدت المزيد من الأصوات (التقدمية في غالبها) انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية، إلى جانب دور الحكومة الأمريكية في إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه بعد أن شبّهته جماعات حقوق الإنسان وكبار الزعماء -مثل الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا- بنظام الفصل العنصري (أبارتهايد).
وفي العديد من شرائح المجتمع الأمريكي المحسوبة على الديمقراطيين، بدأت النقاشات حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تنصرف أبعد فأبعد عن الحجج الدفاعية الواهية والمبتذلة عن "حق إسرائيل في الوجود" و"محاربة الإرهابيين" و"معاداة السامية"، حسبما ورد في مقال نُشر بمجلة The American Prospect الأمريكية لسارة ليا ويتسون، المدير التنفيذي لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، والمدير التنفيذي السابق لقسم شؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط بمنظمة "هيومن رايتس ووتش".
وتعمَد بدلاً من ذلك إلى إقرارٍ من نوعٍ جديد بحقوق الفلسطينيين. وبين المحتجين، بدأت تبرز كلمات من نوعية "الفصل العنصري" و"الاستيلاء على الأراضي" و"التطهير العرقي".
وقد بدأ أشد المدافعين عن إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي في توجيه الانتقادات الكبيرة لحجم الرد العسكري الإسرائيلي على غزة (والذي تسبّب في مقتل 230 شخصاً على الأقل).
وهذه ظاهرة سابقة حتى على الهجوم الحالي على غزة، فالرأي العام العالمي كان قد شرع بالفعل في الانصراف عن تأييده التقليدي لسياسات الحكومة الإسرائيلية وروايتها عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لم يعد النقاش حول المساعدات الأمريكية لإسرائيل يودي بصاحبه للمقصلة
صحيفة Haaretz الإسرائيلية نشرت تقريراً يرصد كيف أن مناقشة إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل بات يحظى بشعبية متزايدة، وهو تحول جذري بطبيعة الحال، فأي حديث يندرج تحت بند "الانتقاد" لتل أبيب كان يؤدي بصاحبه إلى "مقصلة" اللوبي اليهودي الأقوى في واشنطن على الإطلاق.
ومؤخراً، أذاعت محطة الشبكة التلفزيونية الأمريكية PBS مناظرة بين سفير أمريكي سابق لدى إسرائيل ومسؤول كبير في البيت الأبيض، تندرج تحت عنوان "تحطيم المحرمات"، وكانت غير متصورة على الإطلاق من قبل.
إذ ناقشا خلالها ما إذا كان الوقت قد حان لوقف الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل. وباتت القضية التي كان يُعتقد في السابق أنها تحظى بإجماع شامل في السياسة الأمريكية، موضوعاً مثيراً للجدل في واشنطن.
وفي المناظرة، أعرب دان كيرتزر، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل بين عامي 2001 و2005 إبان إدارة الرئيس جورج بوش الابن، عن دعمه للفكرة. وقال إن إسرائيل لا تشترك مع الولايات المتحدة في القيم الديمقراطية، وهي مستقرة بما يكفي وقادرة على الاعتناء بنفسها.
ولم يعارض دينيس روس، الذي كان مسؤولاً عن القضية الإسرائيلية الفلسطينية في عهد إدارة كلينتون بالتسعينيات، وقف هذه المساعدة صراحة، لكنه نبّه إلى أن الوقت ليس مناسباً لذلك، وقد يشجع ما وصفهم بأنهم "أعداء" إسرائيل على مهاجمتها إذا رأوا ضعفاً في الدعم الأمريكي المقدم لها.
الصين سبب إضافي للخلاف الذي يأتي مع اقتراب موعد تجديد اتفاقية تعاون ضرورية لتل أبيب
الخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة هذه المرة تبدو إذن أكثر عمقاً من أي وقت مضى، وهي ليست مقتصرة على ملف التعديلات القضائية، التي اضطر نتنياهو إلى تأجيلها تحت وطأة المعارضة الشرسة والاحتجاجات والإضرابات، فتعاملات إسرائيل مع الصين وملف العقوبات على روسيا، وأيضاً ملف إيران، كلها تحمل علامات على التباين في المواقف بين الحليفين.
وهذه المناظرة التلفزيونية جزء من نقاش عام يكتسب زخماً كل يوم في الولايات المتحدة حول استمرار المساعدة العسكرية لإسرائيل. وتضمن مذكرة تفاهم بين البلدين، وُقعت عام 2016، نحو 3.8 مليار دولار سنوياً لإسرائيل، فضلاً عن دعم إضافي في حالات الطوارئ، مثل تجديد صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية. وهذه الاتفاقية تنتهي عام 2026، ويُقدِّر كبار المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين أن صياغة اتفاقية جديدة ستزداد تعقيداً عما كانت عليه في الماضي، بحسب الصحيفة العبرية.
وساندرز اليهودي يقود هذا التوجه
منذ سنوات، تعلو أصوات في الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي تطالب بوقف المساعدات المقدمة لإسرائيل، أو استخدامها كورقة ضغط لمطالبة إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات وإخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية، والالتزام بتعزيز حل الدولتين.
ومن بين أشد مؤيدي هذه الفكرة في الكونغرس الأمريكي، السيناتور بيرني ساندرز، الذي طرح تعديلاً يتعلق بهذه القضية مؤخراً.
وفرص تمرير هذا التعديل تكاد تكون معدومة، لكن سفارة إسرائيل في واشنطن واللوبي الموالي لإسرائيل سيتابعانه عن كثب؛ لمعرفة ما إذا كان تأييد هذه الفكرة ينمو ويصل إلى أجزاء أخرى من الحزب الديمقراطي.
وبيرني ساندرز هو مؤسس الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، والذي تحول إلى تيار له تأثيره الكبير على السياسة في الولايات المتحدة، ومن أعضائه رشيدة طليب (من أصل فلسطيني)، وإلهان عمر (من أصل صومالي)، وأليكساندريا أوكاسيو كورتيز وآيانا بريزلي، وهؤلاء الأربع تحديداً مثّل انتخابهن عام 2018، تحولاً لافتاً بين الناخبين الأمريكيين، وكان الرئيس السابق دونالد ترامب قد طالبهن بـ"العودة إلى بلادهن إذا كانت أمريكا لا تعجبهن"، بسبب انتقاد النائبات الأربع اللاذع لسياساته بشأن الهجرة.
وشهدت السنوات الأربع من رئاسة ترامب اشتباكاً أكثر صرامة من جانب التيار التقدمي الديمقراطي في الملفات السياسية، وليس فقط توحيد المواقف من مشروعات القوانين الخاصة بالاقتصاد وانحيازاته، وليس فقط السياسة الداخلية المتعلقة بالعنصرية والهجرة، وهما القضيتان اللتان تبنّى فيهما ترامب سياسات يمينية متطرفة، أبرزت الانقسام داخل المجتمع الأمريكي، ولكن أيضاً ملفات السياسة الخارجية وكيفية تعاطي الإدارة مع تلك الملفات.
حتى المحافظون المؤيدون تقليدياً لإسرائيل غاضبون من علاقة نتنياهو ببكين
ظهر مقال آخر عن هذا الموضوع، لكنه صدم اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. فهذه المرة، جاءت المطالبة بتهديد إسرائيل بوقف المساعدات الأمريكية من الجانب الجمهوري؛ إذ كتب توم روغان، محلل الشؤون الدفاعية على موقع Washington Examiner المحافظ، أن الحزب الجمهوري هو من عليه أن يستخدم المساعدة العسكرية كوسيلة للضغط على إسرائيل لردعها عن التقارب من الصين، أهم خصوم أمريكا في الوقت الحالي. وأشار روغان إلى ما فعله رئيس الوزراء نتنياهو مؤخراً، حين نشر صورة له وهو يحمل كتاباً جديداً للرئيس الصيني شي جين بينغ.
وكتب روغان أنه حتى لو كانت لدى نتنياهو أسباب مشروعة ليغضب من الرئيس الأمريكي جو بايدن، فلا عذر لديه لإهانة رئيس مجلس النواب، الجمهوري كيفين مكارثي. وأكد أن مكارثي، خلال زيارته لإسرائيل في مايو/أيار، حذر من التقارب مع الصين في خطابه في الكنيست.
وكتب روغان أيضاً أن نتنياهو لم يستمع إلى هذا التحذير، وحاول الضغط على الولايات المتحدة بالإشارة إلى تقارب بلاده مع الصين. وكتب: "على الولايات المتحدة ألا تتسامح مع موقف نتنياهو"، وأضاف أن "على الجمهوريين أن يوضحوا لنتنياهو أنه يخاطر بالكثير بغطرسته البغيضة".
وقال مسؤول إسرائيلي بارز لصحيفة Haaretz، إن مقال روغان أثار جدلاً في إسرائيل، وإنه "بينما يغير الديمقراطيون رأيهم بخصوص مساعدة إسرائيل تحديداً، يعارض قطاع كبير من الجمهوريين المساعدات الخارجية بشكل عام. والنتيجة هي نفسها: توقيع مذكرة عام 2026 تشبه تلك التي وقعناها عام 2016 لن يكون سهلاً".
هل يمكن أن يُترجم ذلك إلى إعادة مراجعة بشأن المساعدات الأمريكية لإسرائيل؟
وعلى الرغم من التحول في الخطاب السائد بالولايات المتحدة، لا يبدو أنَّ تقليص المساعدات الأمريكية لإسرائيل وارد. إذ صرح الزعيم الديمقراطي في مجلس النواب حكيم جيفريز، الذي يترأس زيارة من الكونغرس الأمريكي لإسرائيل، بأنَّ الجدل حول الإصلاح القضائي لا ينبغي أن يؤثر في المساعدة الأمريكية. وحتى لو أُوقِفَت المساعدات المالية، فإنَّ ذلك سيترك جميع الأشكال الأخرى للدعم الأمريكي لإسرائيل، وضمن ذلك حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والشيكات الدبلوماسية على بياض.
والأنماط السياسية الأساسية التي تشكل السياسات الأمريكية تجاه إسرائيل ليست جديدة. إذ يعود تاريخها على الأقل إلى لحظة انحياز الرئيس الأمريكي هاري ترومان في عام 1948 إلى مستشاره السياسي كلارك كليفورد وضد النصيحة القوية لمستشاريه في مجال الأمن والسياسة الخارجية في ما يتعلق بالاعتراف بدولة إسرائيل المعلنة من جانب واحد.
وصار هذا النمط أوضح في السنوات الأخيرة، وبالتأكيد لم يختفِ في عام 2023، على الرغم من التغيير في بعض ما يُقال عن المساعدات الأمريكية. ويستمر هذا النمط في قمع المناقشات الكاملة والصادقة عن الاختلاف بين المصالح الأمريكية وكثير من السياسات والسلوكيات الإسرائيلية.
وبرغم ضخامة الاحتجاجات على الإصلاح القضائي، فإنها لم تتوسع لتصير قضية متعلقة أكثر بالاتجاه الذي تسير نحوه إسرائيل، وما تثيره من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتؤثر في المصالح الأمريكية، برغم استمرار الاحتلال وإخضاع الشعب الفلسطيني. لذا يقول كاتب التقرير: "من المعقول أن نأمل أن تتوسع الاحتجاجات، وتعبيرات الدعم لها خارج إسرائيل، أكثر نحو هذه الاتجاهات".
ولم تغير قضية الإصلاح القضائي والاحتجاجات المرتبطة بها أساسيات العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. بل كل ما فعلته هو التخفيف من الخطورة السياسية للتطرق إلى بعض الحقائق حول العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، التي ظلت مقموعة فترة طويلة.