بينما كان الناس يتدفقون إلى شوارع نيامي لإظهار دعمهم للانقلاب الذي أطاح بالحكومة المدنية في النيجر، الشهر الماضي، برزت إحدى اللافتات المكتوبة باليد على قطعةٍ من الورق المقوى تقول: "فرنسا يجب أن تغادر".
على عكس القوى الاستعمارية الأخرى مثل بريطانيا، التي تخلت عن سيطرتها السابقة في إفريقيا بتعجُّلٍ، ظلت فرنسا في مكانها. إما من خلال ما تسميه مدرسة ما بعد الاستعمار (لقد تسبب في ضرر ودفعت ثمنه)، وإما من خلال الطموح الدائم للسيطرة على مستعمراتها السابقة والاستفادة منها، حيث تظل فرنسا تحوم مثل الشبح، كما يقول تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
فرنسا وإفريقيا.. استعمار ما بعد الاستعمار
لأكثر من 60 عاماً تدخلت باريس في السياسة والأعمال في القارة السمراء في نظام مريحٍ بالنسبة لها. كان للمسؤولين الفرنسيين خطوط ساخنة يتصلون من خلالها بالرؤساء المفضلين لديهم، وأبرمت الشركات الفرنسية عقوداً مربحة.
اعتمدت 14 دولة في غرب ووسط إفريقيا، بما في ذلك النيجر، عملة "الفرنك الإفريقي" بضمان باريس. وقد أدى ذلك إلى استقرار سعر الصرف الذي نظرت إليه المستعمرات البريطانية السابقة بعين الحسد. لكن ذلك يناسب أيضاً المستثمرين الفرنسيين الذين يعيدون أرباحهم إلى الوطن، وكذلك النخب الإفريقية التي اعتادت على شراء الكماليات الفرنسية المشتراة بالعملة الصعبة.
كانت فرنسا مستعدة دائماً للتدخل العسكري، وأرسلت جنوداً إلى ساحل العاج عندما اندلعت الحرب الأهلية عام 2002، وتدخلت مرة أخرى في عام 2011 عندما رفض لوران جباجبو التنازل عن السلطة. وقد أرسلت قواتٍ إلى جمهورية إفريقيا الوسطى سبع مرات منذ الاستقلال. وفي عام 2013، ساعدت القوات الجوية الفرنسية في طرد المتشددين الإسلاميين في شمال مالي، الذين كانوا يهددون بالزحف إلى باماكو.
فرنسا تجثم على صدر إفريقيا وماكرون "منافق"
مهما كانت دوافع فرنسا لهذا الوجود الخانق، فهو وجودٌ غير ناجح كما تقول صحيفة Financial Times. في معظم مستعمراتها الإفريقية العشرين السابقة، يشترك المثقفون والمتظاهرون في الشوارع على حد سواء في كراهية فرنسا، وينظرون إليها أنها سبب لجميع مشاكلهم. أحرق نشطاء سنغاليون الفرنك الإفريقي وهاجموا محطات البنزين والمتاجر المملوكة لفرنسا. وفي مالي، احتفل الناس العام الماضي عندما طرد نظامها العسكري الجديد القوات الفرنسية.
لم تُحدِث جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإعادة صياغة العلاقة أي فرق. فتح ماكرون أرشيفات التاريخ الفرنسي، وأعاد الفن المنهوب من جميع أنحاء القارة، وقد أجرى تغييرات مهمة، وإن كانت رمزية، على نظام الفرنك الإفريقي.
تصاعدت المشاعر المعادية للفرنسيين، وانتُقِدَ ماكرون بسبب نفاقه، إذ بشَّرَ بالديمقراطية لكنه حضر جنازة القائد العسكري المفضل في فرنسا، الرئيس التشادي تشاد ديبي.
كانت خسارة فرنسا مكسباً لروسيا. عندما فشل الجنود الفرنسيون في إخماد تمرد محتدم في جمهورية إفريقيا الوسطى، لجأ الرئيس فاوستين أرشانج تواديرا إلى مرتزقة فاغنر. يدير رجال يفغيني بريغوزين الآن كل شيء بدءاً من مناجم الذهب وحتى جدول أعمال تواديرا، وطلب الجنرالات في مالي المساعدة من فاغنر بعد طرد ما سمّاه رئيس وزرائها "المجلس العسكري الفرنسي". وكان ذلك الإذلال البطيء لفرنسا مفيداً لروسيا.
اكتملت هزيمة فرنسا في منطقة الساحل مع انقلاب النيجر
حققت فرنسا نجاحاً محدوداً جداً في محاربة الجماعات المسلحة، تتمتع الأيديولوجيا الإسلامية بزخمٍ في البلدان شديدة الفقر، التي تعج بالمظالم العرقية والحكومات الرديئة الموالية للغرب وعدم وجود عائدات ضريبية.
لكن الأنظمة العسكرية في مالي وبوركينافاسو، بمساعدة أو بدون مساعدة فاغنر، لم تكن أفضل حالاً. مع فقدانهم السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، أصبحت الحركات المتشددة تقترب في منطقة الساحل.
مع سقوط الحكومة المدنية في النيجر اكتملت هزيمة فرنسا في منطقة الساحل تقريباً. يبدو أن أيام قاعدتها العسكرية في نيامي، بالجنود والطائرات المقاتلة والمسيَّرة، معدودة. بعض الحكومات العسكرية لديها ميول روسية وكلها تعاني من مشكلات تمردات، وتمتد الآن على طول 3500 ميل في خط مستقيم من الساحل إلى الساحل.