لم يكن رد فعل إسرائيل على التقارير عن تفاهمات أمريكية ـ إيرانية مرتقبة بشأن البرنامج النووي بذات حدة رفضها لعودة واشنطن إلى الاتفاق لعام 2015 مع طهران، والذي انسحبت منه في 2018 إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب بمباركة من إسرائيل. فما تفسير ذلك؟
هل أصبحت المباحثات الأمريكية ـ الإيرانية حول البرنامج النووي "أهون الشرور" بالنسبة لإسرائيل؟
تعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها، وتمتلك تل أبيب ترسانة نووية لم تعلن عنها رسمياً وغير خاضعة للرقابة الدولية، وتتهم إسرائيل ودول إقليمية وغربية، في مقدمتها الولايات المتحدة، إيران، بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما فيها توليد الكهرباء.
وفي الأسابيع الأخيرة، أفادت تقارير إعلامية أمريكية وإسرائيلية بوجود اتصالات بين الولايات المتحدة وإيران بما يسمى "دبلوماسية الخطوة بخطوة"، لصياغة إطار لتفاهمات بديلة عن الاتفاق النووي الذي وقّعته إيران في 2015 مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا بالإضافة إلى ألمانيا.
وهذا الاتفاق كان يفرض قيوداً على برنامج إيران للحيلولة دون إنتاج أسلحة نووية، وذلك مقابل رفع العقوبات عنها، إلا أن واشنطن اعتبرت أنه غير فعال وانسحبت منه وأعادت فرض العقوبات في عهد ترامب.
وقال راز زيميت، الخبير في شؤون إيران بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، في حديث لوكالة الأناضول، إن "رد فعل إسرائيل على التقارير عن إبرام تفاهمات كان خفيفاً، أما الرد على إمكانية العودة للاتفاق الأصلي (خطة العمل المشتركة الشاملة) فكان أكثر سلبية".
زيميت أوضح أن "إسرائيل رفضت أي إمكانية للعودة إلى الاتفاق الأصلي، ولكن مؤخراً بعد تقارير عن إمكانية التوصل الى تفاهم بين الولايات المتحدة وإيران، قالت إنها في حين تدعم مواصلة الضغط على طهران، فإنها لا تستبعد هذه الإمكانية (التفاهمات) لأنها لا تعني العودة إلى الاتفاق".
ما ملامح التفاهمات الأمريكية الإيرانية؟
وفقاً لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في دراسة حديثة، فإنه بموجب تلك التفاهمات "يتم تقييد البرنامج النووي الإيراني، وتلتزم إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 60%، وعدم تكديس المزيد من المواد في هذا المستوى من التخصيب".
وبحسب المعهد، "سيتم الإفراج عن 3 أمريكيين مسجونين في إيران منذ 2015 بتهمة التجسس، وسيُطلب من إيران التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والامتناع عن مهاجمة القوات الأمريكية في سوريا والعراق".
المعهد أضاف أنه "سيُطلب من إيران أيضاً وقف بيع الصواريخ الباليستية إلى روسيا، وفي المقابل، ستوافق الولايات المتحدة على الإفراج عن الأصول المالية الإيرانية (المجمدة في الخارج)".
وأوضح التقرير أن "تقديرات يناير/كانون الثاني 2021 تشير إلى تجميد 10 مليارات دولار في العراق ونحو 7 مليارات دولار في كوريا الجنوبية، ومبالغ مماثلة في الولايات المتحدة وسلطنة عمان والصين واليابان".
و"هذه الأموال يُطلق عليها 'الأموال المجمدة'، لأنها مودعة في حسابات مصرفية لا تستطيع إيران الوصول إليها مباشرة بسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على بيع النفط الخام الإيراني"، بحسب المعهد.
وتابع أنه توجد "تقارير عن دفع العراق ديوناً بقيمة 2.76 مليار دولار لإيران، بموافقة الولايات المتحدة. وهذه خطوات ثانوية بالنسبة لإيران مقارنة بالتنازلات المطلوبة للعودة إلى اتفاق 2015، وهي تشير إلى استعدادها للتسوية، دون إجبارها على التنازل عن تقدمها وإنجازاتها في المجال النووي".
أما "المكافأة التي تحصل عليها إيران في إطار التفاهمات فضئيلة مقارنة بشروط خطة العمل الشاملة المشتركة، لأنها لا تزال خاضعة لعقوبات اقتصادية"، كما أضاف المعهد.
أفضل ما هو موجود على الطاولة بالنسبة للجميع
مثل هذه التفاهمات اعتبر زيميت أنها "الخيار الأفضل على الطاولة؛ لأن أي خيار آخر سيكون على الأرجح أسوأ.. نحن في وضع قائم خطير جداً، فإيران على وشك أن تصبح دولة نووية مع إمكانية رفع التخصيب إلى نسبة 90%".
وتابع: "في هذه المرحلة، حيث لا يوجد أي بديل آخر أو إمكانية للعودة إلى الاتفاق الأصلي، فإن الأمر الوحيد الممكن تحقيقه هو نوع من نزع فتيل التوتر وتجميد إيران لبرنامجها النووي، وأنا لا أسميه اتفاقاً، بل تفاهم".
والمشكلة الكبرى في هذا السيناريو، وفقاً لزيميت، هو أنه "يحافظ على إنجازات إيران النووية، بحيث تحتفظ بكل المواد الخام التي راكمتها، وستواصل إمكانية التخصيب بنسبة 60%".
وأردف: "هذه أخبار سيئة لإسرائيل لأنها تعني أن إيران على بعد مسافة أسبوعين من الحصول على القدرات النووية، بمعنى أنه إذا ما قررت رفع مستوى التخصيب إلى 90% فيلزمها أقل من أسبوعين لمراكمة ما يكفي من المواد للتخصيب بهذه النسبة".
إيران.. دولة عتبة نووية
وبحسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي فإنه "وفقاً للإطار الناشئ (التفاهمات)، ستستمر إيران في كونها "دولة عتبة نووية"، لأنه لا يتضمن قيوداً على قدراتها، بل ينص على تجميدها، وبالتالي يعترف بأنها 'دولة عتبة' بموافقة الولايات المتحدة ومن دون ضمانات كافية لعدم اختراقها القدرة نووية".
وأوضح أن "حالة 'دولة العتبة' تعني أن إيران ستحتفظ بخيار حيازة أسلحة نووية عندما تقرر أن الظروف تسمح أو تلزمها في رأيها بالانتقال إلى القدرة النووية العسكرية، وهذا يخلق تهديداً مستمراً لإسرائيل، بسبب عدم توقع تفكيك هذه القدرة".
لكن زيميت رأى أن التوصل إلى مثل هذا التفاهم "قد يمثل فرصة أيضاً لإسرائيل، فإيران لن تراكم مواد بتخصيب أكثر من المستوى الذي وصلت إليه بالفعل، وربما توافق على ألا تصل نسبة التخصيب إلى 90%، وهو المستوى العسكري من التخصيب". وأردف: "ولذا فإن الفرص هي أن التفاهم قد يمنحنا ذلك الوقت وربما ينزع فتيل تصعيد الوضع".
خطأ استراتيجي
ولذلك، رأى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن تلك التفاهمات ستكون "أقل الشرور.. اليوم، بعد حوالي 5 سنوات، من الواضح أن انسحاب الرئيس ترامب أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة كان خطأً استراتيجياً".
وأوضح أنه "منذ ذلك الحين، تدهور موقف إسرائيل الاستراتيجي في مواجهة التهديد النووي الإيراني، وأصبح استمرار التعزيز الإيراني على المسار الحالي خطيراً".
المعهد رأى أنه "على الرغم من أن التفاهمات الناشئة بعيدة كل البعد عن أن تكون شبيهة باتفاق 2015، ولا تهدف إلى حل المشكلة النووية الإيرانية، فإن أي تقييد للبرنامج الإيراني هو خطوة إيجابية لإسرائيل، وأفضل من الوضع القائم الذي يعني تقدم إيران نحو سلاح نووي دون آليات تقييد".
وأردف أن "إطار العمل سيمنع إيران من تكديس ما يتجاوز 60% من المواد المخصبة أو تخصيب اليورانيوم فوق هذا المستوى، وهو إنجاز مهم يجب عدم التعامل معه باستخفاف".
"الخط الأحمر؟"
في الأشهر الأخيرة، لوّحت إسرائيل بالتحرك عسكرياً ضد البرنامج النووي الإيراني. لكن زيميت لم يملك إجابة محددة عن ماهية "الخط الأحمر" الذي ستتحرك إسرائيل عسكرياً في حال تخطته إيران. وقال: "هذا سؤال من الصعب جداً الإجابة عنه، فلست متأكداً من أن إسرائيل نفسها قد قررت ما هو الخط الأحمر".
وأضاف: "إذا سألتني قبل 5 سنوات لكنت قلت لك إن الجواب هو التخصيب بنسبة 90%، لكن اليوم أنا لست متأكداً، وحتى لو قررت إيران التخصيب بنسبة 90% فهذا لا يعني أنها جددت عملية عسكرة برنامجها النووي، فهي ستكون على مسافة 6 أشهر إلى عامين من إنتاج سلاح نووي".
زينيت تابع: "ولذا فإن إسرائيل قد تعتبر التخصيب بنسبة 90% الخط الأحمر، وربما تعتبر قرار إيران تجديد عسكرة برنامجها النووي هو الخط الأحمر".
وختم بقوله: "علينا أن نتذكر أن الخط الأحمر الأمريكي قد يكون مختلفاً عن نظيره الإسرائيلي، ولذا فحتى لو اعتبرت إسرائيل التخصيب بنسبة 90% خطاً أحمر، فهذا لا يعني بالضرورة أن يكون هذا هو أيضاً موقف الولايات المتحدة".