"البلد الذي يضيء شوارع باريس بينما يعيش أغلب سكانه في الظلام"، هكذا توصف النيجر التي تعد من أفقر دول العالم، ولكن ثرواتها تتنافس عليها القوى العظمى، في هذا التقرير نرصد ثروات النيجر، وأبرز المستفيدين منها.
اللافت في انقلاب النيجر أن هناك ردة فعل إقليمية وغربية أكبر بكثير مما حدث، عندما وقع انقلابان في بوركينا فاسو ومالي، ويرجع ذلك إلى أنه بالإضافة إلى أن الغرب كان ينظر للنيجر أنها حليف قوي في الحرب ضد الإرهاب ومحطة لمواجهة النفوذ الروسي، فإن ثروات النيجر التي تستفيد الشركات الغربية منها وتضيء شوارع فرنسا، هي سبب أساسي للقلق الغربي مما يحدث في البلاد خاصة فرنسا.
النيجر منتج رئيسي للذهب واليورانيوم، وهذا الأخير ضروري للطاقة النووية الأوروبية. كما تمتلك البلاد احتياطيات نفطية كبيرة أرادت الشركات الأجنبية الوصول إليها. كما أنها تستضيف قواعد طائرات أمريكية بدون طيار وقواعد فرنسية وقوات من البلدين.
أسخن بقعة في الأرض وواحدة من أقل معدلات الدخول في العالم
النيجر دولة غير ساحلية في غرب إفريقيا تمتد على منطقة الساحل الإفريقي جنوب الصحراء الكبرى، يمر بها نهر النيجر الشهير، ولكن أغلب مساحتها صحراء وتقع البلاد في واحدة من أكثر المناطق حرارة في العالم.
تبلغ مساحة البلاد 1,267,000 كلم، وعدد سكانها 25,396,840 أكثر من 99% منهم مسلمون، 53.1% من إثنية الهوسا، وبينهم 11% من الطوارق و4% من العرب الذين يتركزون في الشمال، ومنهم رئيس البلاد.
تقع النيجر باستمرار في أسفل مؤشر التنمية البشرية العالمي، عند درجة 0.394 اعتباراً من عام 2019، مع دخل للفرد منخفض للغاية، وتصنف بين أكثر بلدان العالم مديونية بالنسبة لحجم الناتج المحلي.
في عام 2021، احتل اقتصاد النيجر المرتبة 124 في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي والمرتبة الـ129 من حيث إجمالي الصادرات، والـ158 في إجمالي الواردات، ورقم 175 من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد، حسب مرصد التركيب الاقتصادي التابع لجامعة ماساشوستس الأمريكية "OEC".
رغم أنها مصدر كبير للمحاصيل والماشية
هذا الوضع الاقتصادي يأتي رغم وجود إنتاج كبير نسبياً للسلع والمواد الخام وحكومة ومجتمع مستقر نسبياً لم يتأثر بحرب أهلية إضافة إلى ثروات النيجر الضخمة.
يتركز النشاط الاقتصادي على زراعة الكفاف وتربية الحيوانات وتجارة إعادة التصدير وتصدير اليورانيوم.
يعتقد أن البلاد شهدت نمواً اقتصادياً جيداً خلال السنوات الماضية، حسب المصادر الغربية، ولكن هناك تساؤلات حول مدى استفادة السكان من هذا النمو بجانب شعور قوي من السكان بأنهم يتعرضون لاستغلال من قبل فرنسا تحديداً.
يتكون القطاع الاقتصادي الخاص في جزء منه من العديد من الشركات الصغيرة وجزء من الشركات التابعة لشركات فرنسية أو دولية كبيرة.
تشكل الزراعة والمنتجات الزراعية أكبر قطاع في اقتصاد النيجر من حيث عدد الأشخاص العاملين ونسبة الناتج القومي الإجمالي ويُزرع الدخن والذرة الرفيعة، وهما من المحاصيل الغذائية الرئيسية، في الجنوب، وكذلك الكسافا وقصب السكر. كما يزرع الأرز في وادي نهر النيجر.
أدى تخفيض قيمة فرنك غرب إفريقيا بنسبة 50% في 1994 إلى زيادة صادرات الماشية واللوبيا والبصل ومنتجات صناعة القطن الصغيرة.
الثروة الحيوانية هي قطاع مهم في الاقتصاد الزراعي وهي مصدر رئيسي للتصدير.
ترتبط قدرة النيجر على الحفاظ على الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء والماشية ارتباطًا وثيقاً بهطول الأمطار، وقد أدت فترات الجفاف إلى نقص في الواردات.
لزيادة الإنتاج وتجنب نقص الحبوب، استثمرت الحكومة في مشاريع الري و"برنامج الزراعة في غير موسمها" وكذلك برامج للإنتاج الزراعي على نطاق صغير.
أهم صادرات النيجر هي الذهب (2.7 مليار دولار)، والبذور الزيتية (344 مليون دولار)، والمواد الكيميائية المشعة (297 مليون دولار)، والبترول المكرر (235 مليون دولار)، واليورانيوم والثوريوم (36.5 مليون دولار) واللحوم.
تذهب معظم صادرات البلاد إلى الإمارات العربية المتحدة (2.68 مليار دولار) والصين (344 مليون دولار) وفرنسا (197 مليون دولار) وبوركينا فاسو (123 مليون دولار) ومالي (110 ملايين دولار)، حسب مرصد oec.
كنز النيجر الملعون.. موارد معدنية هائلة أبرزها اليوارنيوم في بلد فقير
النيجر هي أهم مصدر لخام اليورانيوم في إفريقيا، حيث تعتبر النيجر رابع أغنى دولة في العالم من حيث احتياطيات اليورانيوم. تحتفظ الشركة النووية الفرنسية AREVA بالحق في معالجة موارد اليورانيوم في النيجر لأكثر من 50 عاماً. لهذا السبب، تولي كل من فرنسا والولايات المتحدة أهمية كبيرة للنيجر.
وهي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وفرنسا، التي تعتمد على الطاقة النووية لحوالي 70% من طاقتها، هي مستورد رئيسي لليوارنيوم من البلاد، فوفقاً للمجتمع الأوروبي للطاقة الذرية (يوراتوم)، ساهمت النيجر بنسبة 19% من إمدادات اليورانيوم الفرنسية خلال الفترة 2005-2020، خلف كازاخستان وأستراليا، وهو رقم يعتقد الخبراء المناهضون للأسلحة النووية أنه لا يستهان به.
وتزداد أهمية يورانيوم النيجر في ظل الحرب الأوكرانية ورغبة الغرب في تقليص الاعتماد على اليورانيوم القادم من روسيا أو عن طريق حلفائها.
تركز الشركة الفرنسية متعددة الجنسيات AREVA جهودها على البدء في استغلال رواسب Imouraren في شمال شرق البلاد، حيث يعتقد أن بها إمكانيات هائلة تقارب 200000 طن.
إليك نسبة ما يدخل من إيرادات اليورانيوم إلى خزينة البلاد
يعتبر اليورانيوم قضية حساسة في النيجر، حيث يعيش 80% من السكان في المناطق الريفية ويكون الحصول على الكهرباء رديئاً للغاية، بينما بلادهم تزود فرنسا وأوروبا باليورانيوم الذي يضيء شوارع باريس والعواصم الأوروبية المتلألئة الأخرى.
كما يشن دعاة السيادة والوحدة الإفريقية حملة ضد الاستغلال المستمر للموارد الطبيعية للقارة من قبل العناصر الأجنبية، حسبما ورد في تقرير لموقع TRT a Africa.
وهم يدعون إلى مزيد من التدابير لضمان استفادة السكان والشركات الإفريقية بشكل أفضل من الموارد في ظل أن ما يقرب من 60% من سكان النيجر تحت خط الفقر.
على الرغم من ضخامة صادرات النيجر من اليورانيوم، لم تستفِد البلاد على مدار تاريخها كثيراً منه، ففي 2020، لم تتجاوز مساهمته في الميزانية الوطنية 1.2%، حسبما ورد في تقرير لموقع "سكاي نيوز" عربية.
أوضحت منظمة "آغير إنمان" غير الحكومية المحلية لحماية البيئة، أن تعدين اليورانيوم كان من المفترض أن يساعد في مكافحة الفقر بالبلاد "لكن ما حدث هو أن مشاكلنا تفاقمت فقط".
في مارس/آذار 2021، أغلقت النيجر مناجم كوميناك بالقرب من بلدة أرليت الشمالية، لكن تُرك السكان المحليون للعيش مع 20 مليون طن من المواد المشعة في موقع المنجم، وفقاً للجنة المستقلة للبحوث والمعلومات حول النشاط الإشعاعي ومقرها فرنسا.
"اليوم، 80٪ من سكان النيجير لا يعرفون حتى أن بلادهم لديها يورانيوم، و 99٪ لا يحصلون على أي فوائد منه"، حسبما قال المصطفى الحسن، مؤسس مجموعة مراقبة صناعة اليورانيوم لموقع Business Insider الأمريكي.
حديد ونحاس وملح من بين ثروات النيجر
وتشمل ثروات النيجر الأخرى الملح، الذي يتم استغلاله تقليدياً ويتم استخراج النطرون (كربونات الصوديوم المائية) محلياً. كما يُستخرج حجر القصدير (خام القصدير) في أعمال مفتوحة في منطقة عسير.
تم العثور على آثار من النحاس والليغنيت (الفحم الأسود البني) والموليبدينوم والزنك والفوسفات والتيتانيوم وهي موارد معدنية أصبحت هدفاً لمزيد من التنقيب. تم العثور على احتياطي من خام الحديد، بمحتوى حديد يبلغ حوالي 50%، في منطقة ساي.
النفط يتوقع أن يشهد طفرة قريبة
يُستخدم النفط، المدعوم بالفحم المستخرج محلياً، لتوليد الغالبية العظمى من كهرباء النيجر. والخشب هو الوقود المحلي التقليدي.
لكن النيجر لديها احتياطات واعدة من النفط، وكانت البلاد تتطلع إلى أن تصبح منتجاً ومصدراً مهماً للنفط، حسبما ورد في تقرير لموقع S&P Global Commodity Insights.
تضخ النيجر، حوالي 20 ألف برميل في اليوم من النفط، معظمها من مشاريع شركة البترول الوطنية الصينية في حوض أغادم في جنوب شرق البلاد. ويستخدم النفط الخام في البلاد محلياً أو ينقل براً إلى نيجيريا المجاورة.
ومع ذلك، فإن النيجر على وشك تحقيق زيادة الإنتاج التي طال انتظارها، حيث من المقرر أن تكمل شركة البترول الوطنية الصينية مشروعاً يمكّن النيجر من إنتاج 110 آلاف برميل في اليوم وتصديرهم عبر خط أنابيب التصدير بين النيجر وبنين هذا العام.
في مارس/آذار 2023، قال وزير النفط في البلاد إنه تم إنجاز 75% من المشروع.
ستحول القناة التي تربط كوليلي في النيجر بميناء سيم في بنين النيجر إلى منتج ومصدِّر للنفط إقليمي مهم، وفقاً لخطة البترول الوطنية لعام 2019.
يعتقد أن البلاد لديها مليار برميل من احتياطيات النفط الخام، وفقاً لمنظمة منتجي البترول الإفريقيين.
وقال مصدر في الصناعة إن خط الأنابيب سيغير قواعد اللعبة بالنسبة للنيجر.
وتخطط شركة Savannah Energy المدرجة في لندن، وهي شركة النفط الغربية الوحيدة في النيجر، لبدء إنتاج النفط التجاري العام المقبل في مشروع R3 East وستنتج 1500 برميل في اليوم في البداية وتزيد حتى تصل إلى 5000 برميل يومياً، وتقول الشركة أيضاً إنها حددت 163 هدفاً للتنقيب في مساحتها.
"قد تواجه الشركات المستثمرة في النفط واليورانيوم عقبات متزايدة في الحفاظ على عملياتها بسبب الانقلاب، لكن هذه الشركات قد نجت أيضاً من الانقلابات في النيجر في الماضي، حيث كان هذا الانقلاب الخامس منذ استقلال النيجر عام 1960؛ وكان الانقلاب الأخير في عام 2010.
الذهب.. الإمارات وتركيا من وجهات التصدير الرئيسية
في عام 2021، صدرت النيجر ما قيمته 2.7 مليار دولار من الذهب، مما يجعلها المصدّر رقم 29 للذهب في العالم. في نفس العام، كان الذهب هو المنتج الأول الأكثر تصديراً في النيجر.
والوجهة الرئيسية لصادرات الذهب من النيجر هي: الإمارات العربية المتحدة (2.68 مليار دولار) وجنوب إفريقيا (17.5 مليون دولار) وتركيا (7.65 مليون دولار).
لماذا تعد البلاد من أفقر دول العالم؟ الشباب يتهمون فرنسا والفرنك الإفريقي
على الرغم من ثروات النيجر الهائلة، لا تزال البلاد واحدة من أفقر الدول في العالم. يرى العديد من أبناء النيجر، وخاصة جيل الشباب، أن فرنسا مسؤولة عن مستويات الفقر السائدة في بلادهم.
غالباً ما تم انتقاد السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا المعروفة باسم Françafrique وتتهم بأنها تهدف إلى إدامة الممارسات الاستعمارية الجديدة.
على سبيل المثال، أثارت الفرنك الإفريقي الذي تقوده باريس جدلاً كبيراً، وهي عملة تستخدمها 14 دولة في غرب ووسط إفريقيا بما في ذلك النيجر.
يتعين على البلدان التي تستخدم الفرنك الإفريقي CFA تخزين 50% من احتياطياتها من العملات لدى بنك فرنسا، والعملة مرتبطة باليورو. بينما تؤكد باريس أن النظام يعزز الاستقرار الاقتصادي، يقول آخرون إنه يسمح لفرنسا بممارسة السيطرة على اقتصاد الدول التي تستخدمه.
علاوة على ذلك، لعب الفساد الصريح أيضاً دوراً في الحفاظ على نظام ما بعد الاستعمار، كان تدفق الأموال دائماً في اتجاهين، حيث قدم الأفارقة أيضاً حقائب مليئة بالنقود لكبار السياسيين الفرنسيين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
على سبيل المثال الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وهو بالفعل مجرم مدان بسبب قبوله الملايين من الدولارات من الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي.
لطالما دعمت الولايات المتحدة مثل هذه الترتيبات الاستغلالية، في الأصل لأن المستعمرات الفرنسية السابقة كانت تعتبر معاقل ضد التأثير الجيوسياسي والأيديولوجي للاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، كما أن فرنسا تلعب دوراً حيوياً في الحرب ضد المتمردين الإرهابيين مثل القاعدة في منطقة الساحل الشاسعة، والتي تمتد حول اثنتي عشرة دولة من إريتريا إلى السنغال، عبر النيجر.
والآن، فإن مشكلة فرنسا الكبرى هي أن الشعب في النيجر- مثل العديد من الأفارقة – يرفضون وجود فرنسا بإفريقيا بنفس القدر من حماس رفض أسلافهم للإمبراطورية الفرنسية الرسمية.
وعلى الرغم من تلقي ما يصل إلى ملياري دولار سنوياً من المساعدات التنموية، تظل النيجر واحدة من أفقر البلدان على وجه الأرض، حيث يبلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة 37% فقط.
وما زال يلقى باللوم على فرنسا وحلفائها في المشاكل المستوطنة بالبلاد، بما في ذلك البطالة الجماعية بين الشباب.
ومثلما حدث في السودان، فقد يؤدي الانقلاب وخروج البلاد من دائرة النفوذ الفرنسي لإتاحة الفرصة للروس ولا سيما مرتزقة فاغنر للاستفادة من الموارد، وبالتالي فإن النيجر قد تستبدل الاستغلال الفرنسي القديم بآخر روسي، فيما ستحاول الصين أن تبقي استثماراتها بصرف النظر عن الرابح.